النقود وحدها لا تحمي الفئات الهشة من الفقر ( نظرة على "التحويلات النقدية" في إطار السياسات الاجتماعية بمصر)
بيان صحفي
بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، أصدرت المبادرة المصرية اليوم دراسة بعنوان: "النقود وحدها لا تكفى" تتبع آثار برامج الدعم النقدي على الفقراء. تهدف إلى تقييم سياسة التحويلات النقدية في مصر ومدى قدرتها على حماية الفئات الهشة في ظل تضخم متصاعد. منذ عام 2014 تحول اهتمام الدولة في مجال الحماية الاجتماعية بشكل قوي تجاه معاشات تكافل وكرامة، وهي صورة من الدعم النقدي الموجه إلى الأسر الفقيرة.
تسعى هذه الدراسة لبحث مدى ملاءمة المعاشات غير المرتبطة باشتراكات في توفير الحماية الاجتماعية تحت التحولات النيوليبرالية الأخيرة، والمساعدة على تحقيق الأهداف الاجتماعية بالدستور، وذلك من خلال تحليل لطريقة عمل تلك المعاشات وفلسفتها وأسلوبها في الاستهداف، مع إجراء 20 مقابلة لأسر مستفيدة من تلك المعاشات وبحث مدى ملاءمة دخولهم لنفقاتهم الأساسية.
كما ترصد الدراسة تطور أحوال الفقر في مصر، حيث يُعرف الفقر بأنه العجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية، لذا ستمثل تطورات معدل الفقر في مصر مرآة تعكس مدى نجاح (أو فشل) سياسات الحماية الاجتماعية في الحد من الفقر، خاصة المعاشات غير المرتبطة بالاشتراكات التي تستهدف توفير دخل للفئات العاجزة عن تغطية احتياجاتها الأساسية.
اتجهت الدولة في تلك الفترة أيضًا إلى إجراء تعديلات هيكلية في الدعم السلعي، بحيث يتم توزيعه بنفس الفلسفة الانتقائية، تحت شعار: "توجيه الدعم لمستحقيه".ليصبح الخبز المدعم متاحًا فقط للمقيدين في بطاقات التموين وبكميات محددة، وفي مرحلة لاحقة جعلت الدولة دخول المقيدين الجدد في منظومة البطاقات مقصورًا فقط على الفئات متدنية الدخل، بعد أن كان القيد بلا شرط تقريبًا منذ تأسيس هذا النظام في الحقبة الناصرية.
وكذلك عكفت الدولة على التحرير التدريجي لأسعار بنود الطاقة حتى تصل بها إلى تكلفتها الحقيقية، مع وضع خطة مستقبلية لتوجيه الطاقة المدعومة إلى الفئات الأدنى دخلًا.وتحاول الدولة أن تربط منظومة الدعم الانتقائية الجديدةبعضها بالبعض، فنراها مثلًا تتيح بطاقات التموين لمتلقي معاشات تكافل وكرامة وتتيح لهم أيضًا خدمات طبية مدعمة من قِبَل الدولة.
وهذه التحولات يمكن إدراجها تحت مسمى السياسات الليبرالية، التي تستهدف في الأساس توفير الحد الأدنى من الكفاية للفئات الفقيرة حتى تستطيع تلك الفئات العمل والإنتاج لصالح المنظومة الاقتصادية، وهي وإن كانت تعالج عيوب منظومة الدعم العمومي التي تأسست في الحقبة الناصرية، حيث كان الدعم متاحًا بدون شروط لأي مواطن يحمل الجنسية المصرية، ولكن هذه السياسات لا تكترث بأوضاع الطبقة الوسطى أو برفاهة المجتمع في كثير من الأحيان.
وتتمثل خطورة سياسات الدعم الانتقائي الجديدة في أنها تأتي مصحوبة بإجراءات لعلاج العجز المالي في البلاد، تحت برنامج اقتصادي اتفقت الحكومة على تطبيقه مع صندوق النقد الدولي في 2016، حيث كان لهذه الإجراءات الاقتصادية آثار تضخمية بالغة قللت من القيمة الحقيقية للإنفاق الاجتماعي.
وفي هذا البحث نسعى إلى دراسة التطور التاريخي لسياسات الدعم في مصر بصورتيه العمومية والانتقائية أيضًا، فبالرغم من أن الدولة قبل 2014 كانت تعتمد على الدعم العمومي بشكل أساسي لكن الدعم الانتقائي كان حاضرًا أيضًا في صورة معاشات الضمان الاجتماعي التي يعود تأسيسها إلى عهد الملك فاروق.
تخلص الدراسة إلى حقيقة أن سياسات الدعم بصورها المختلفة كانت عاجزة عن ملاحقة أزمات التضخم التاريخية، وذلك بسبب العيوب الهيكلية في اقتصادنا التي تجعله يعتمد بشكل أساسي على استيراد السلع الأساسية من الخارج، لذا كانت الفترات التي شهدت ارتفاعًا قويًّا في الإنفاق الاجتماعي مجرد محاولات من الدولة للحفاظ على امتيازات الدعم القائمة وليست توسعًا في تقديم تلك الامتيازات.
وفي تقييمٍ لسياسات الدعم الانتقائي الجديدة فلا ننكر أن هذه السياسات تمثل تطورًا مهمًّا في سياسات الدعم النقدي في مصر وسياسات الحماية الاجتماعية عمومًا، من حيث أسلوب الاستهداف والقدرة على الانتشار، لكنها تظل أداة قاصرة طالما أنها تعمل في سياق معيب من السياسات الاجتماعية.
فما هي قيمة تحفيز الأبناء على الدراسة طالما أن معدلات البطالة مرتفعة في أوساط الفئات الأعلى تعليمًا، إن تطبيق برنامج تكافل في الوقت الذي لا تلتزم فيه الدولة بالإنفاق الدستوري على التعليم يجعل هذا المعاش مجرد أداة لإسكات الفقراء عن الاحتجاج على الضغوط التضخمية وليس معاشًا تنمويًّا كما تزعم الدولة.
كذلك وإن كان الدعم النقدي يهدف إلى توفير الدخول للأسر العاجزة عن توفير الدخل الكافي من العمل، فلا يمكن لهذا المعاش أن يحقق أهدافه طالما أن الاقتصاد غير مهيكل على أساس أن يكون اقتصادًا تشغيليًّا، وقد انتهى الكثير من الاقتصاديين إلى أن هذا البلد يغيب عنه العديد من الإصلاحات التي تجعل الاقتصاد موفِّرًا لفرص العمل الكافية وظروف العمل اللائقة التي توفر الأجر الكافي وأجواء العمل الكريم.
لذا تساعد تلك الأوضاع السيئة لسوق العمل على جعل المعاشات دائمًا غير كافية لتلبية مطالب الفقراء مهما توسعت الدولة في الإنفاق.
وترى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن سياسة التحويلات النقدية بمفردها لن تكون قادرة على مواجهة الفقر بصورة مستدامة بدون سياسات كلية تهدف إلى تحفيز النمو وخلق فرص عمل مستدامة تستجيب لمعايير العمل الدولية.
وتوصي المبادرة المصرية بتبني سياسات متكاملة للحماية الاجتماعية، تحافظ على القيمة الحقيقية للامتيازات المقدمة إلى الطبقة الوسطى وتتوسع في الامتيازات للفئات الهشة المحرومة من الحماية، وتحمي القطاع الأوسع من المجتمع من صدمات التضخم.
كما يجب أن تكون لسياسات الحماية الاجتماعية أهداف واضحة تتسق مع أهداف الإنفاق الاجتماعي الواردة في الدستور المصري ومواثيق حقوق الإنسان الدولية التي وقَّعتْ عليها مصر.