المبادرة المصرية تعرب عن قلقها من الحكم الصادر ضد إسلام البحيري وتطالب بوقف تنفيذ العقوبة وتحذر من أن القضية تظهر مقدار التربص بالحريات من مؤسسات تريد فرض وصايتها على المجتمع

بيان صحفي

29 ديسمبر 2015

أعربت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن قلقها البالغ إزاء الحكم الصادر مساء أمس من محكمة جنح مستأنف مصر القديمة بالحبس عامًا للباحث ومقدم البرامج إسلام البحيري بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، وطالبت النائب العام بوقف تنفيذ العقوبة. وحذرت المبادرة المصرية من تزايد وتيرة الملاحقات الأمنية والقضائية للأقليات الدينية والمذهبية أو لأصحاب الآراء المخالفة لمعتقد الأغلبية السنية، وبما يهدد حرية الدين والمعتقد وحرية الرأي والتعبير، وبالمخالفة للدستور الذي يمنع الحبس في قضايا النشر.

وكان تقرير لمجمع البحوث اﻹسلامية بالأزهر قد هاجم برنامج "مع إسلام " الذي يذاع على قناة "القاهرة والناس"، الذي يتناول بعض مكونات التراث الإسلامي بالنقد، وذكر أن البرنامج يهدم الثوابت الإسلامية ويزدري الدين الإسلامي، وعلى أثر ذلك تم تحريك عدد من الدعاوى القضائية أمام القضاء الإداري لوقف البرنامج وعدم ظهور الباحث على الفضائيات، وفي نفس الوقت رفع عدد من المحامين دعويين إحداهما أمام جنح أول 6 أكتوبر والتي قامت بتبرئة الباحث ومالك القناة من تهمة ازدراء الإسلام، والأخرى أمام محكمة جنح مصر القديمة والتي أدانت الباحث.

وأضافت المبادرة المصرية أن الدعوى التي صدر على أساسها الحكم بالإدانة قد رفعت بطريق الادعاء المباشر، كما أن حيثيات الحكم في الدرجة الأولى اعتمدت على رأي مجمع البحوث الإسلامية، ما يعد نوعًا من العودة الفعلية إلى قضايا الحسبة الدينية، ومؤشرًا إضافيًّا يظهر مدى التربص بحرية الرأي والتعبير من قبل أفراد ومؤسسات تريد فرض وصايتها على المواطنين وصولًا إلى الزج بهم في السجون.

وقال إسحق إبراهيم الباحث بالمبادرة المصرية إن "هذا الحكم يكشف عن توجهات مؤسسات الدولة الحقيقية تجاه حريات الدين والمعتقد والرأي والتعبير، ويؤكد أن الدعوة لتجديد الخطاب الديني لم تتجاوز حتى اﻵن الخطابات الرسمية والإعلامية فقط. وفي هذا السياق نشير إلى خطورة هيمنة نزعات محافظة على المجتمع بشكل عام، فصار المتهمون في هذه القضايا مفتقدين أبسط أشكال الدعم الشعبي لحقوقهم الأساسية".

هذا، وقد رصدت المبادرة المصرية ما يزيد على 15 حالة لملاحقات أمنية وقضائية منذ بداية العام الحالي، صدر في عدد منها أحكام بالإدانة، وبعضها منظور أمام المحاكم و عدد منها ما زال لدى النيابة العامة. وقد بلغ عدد الحالات 48 حالة على اﻷقل منذ يناير 2011 وحتى نهاية 2013. اقتصرت بعض هذه الحالات على العقاب العُرفي، وبعضها تم توقيع العقاب فيها من قِبَل جهة العمل. إلا أن هناك 28 قضية نظرت فيها المحاكم خلال هذه الفترة. كما رصدت تزايد أعداد هذه القضايا من ثلاث فقط خلال 2011 إلى 12 خلال 2012، ثم إلى 13 قضية خلال2013. وأدانت المحاكم 28 من أصل 42 متهمًا، وبرأت ساحة ثلاثة متهمين ولم تقبل الدعوى بالنسبة إلى 11 متهمًا، لأنها لم ترفع من طرف مختص.

وطالبت المبادرة المصرية بالعمل على تعديل المواد المقيدة للحريات بشكل عام والحريات الدينية بشكل خاص في مختلف التشريعات المصرية، وعلى رأسها المادة 98 (و) التي أدين بمقتضاها المتهم والتي تجرم ما يعرف "بازدراء اﻷديان"، وأن ينضبط النص القانوني لغويًّا بحيث تحذف منه العبارات المطاطة وغير الواضحة، حمَّالة الأوجه، بحيث يكون النص دقيقًا ومتوافقًا مع أحكام الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي التزمت بها الحكومات المصرية المتعاقبة.

رابط لتقرير حصار التفكير: قضايا ازدراء الأديان خلال عامين من الثورة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خلفية تطورات الدعاوى القضائية التي اختصم فيها الباحث إسلام البحيري

في 30 مايو 2015، صدر حكم محكمة جنح مصر القديمة في الدعوى رقم 6931 غيابيًّا ضد إسلام البحيري بالسجن خمس سنوات مع الشغل والنفاذ بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، وذلك بناءً على دعوى رفعت بطريق الادعاء المباشر، اتهمت الباحث بأنه تعدى على الإسلام والمسلمين باستخدامه الدين في برنامجه للترويج لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة وتحقير العلماء والفقهاء والأئمة والتابعين. وطالب المدعون بتطبيق المواد 98 (و) و160 و161 من قانون العقوبات.

وقالت المحكمة في حيثيات الحكم أن أركان الجريمة في نص المادة 98 (و) قد توفرت إذ إن الباحث قد اتهم "التراث الإسلامي بالكذب والتلفيق وتعدي بالسب على التراث الإسلامي ووصفه بالعفن، وذمَّ أئمة الإسلام ووصفهم بأئمة المتطرفين. هذا إضافةً إلى قوله أن كتب التراث الإسلامي هي سبب وجود الإرهاب"، فضلًا على أن المحكمة طالعت تقرير مجمع البحوث الإسلامية الذي جاء فيه أن "حلقات المتهم تقبل مساسًا بالعقيدة الإسلامية وهدمًا للدين الإسلامي ونبيه وإجماع العلماء".

وفي 24 يونيو 2015، نظرت محكمة جنح أول 6 أكتوبر دعوى أخرى رفعت ضد الباحث ومالك القناة طارق نور، تتهم الأول بازدراء الدين الإسلامي من خلال ما يتناوله ببرنامجه والطعن في العقيدة الإسلامية، وقالت الدعوى إن المتهم يشن هجمة شرسة على علماء الأمة الإسلامية وكتب السنة النبوية والسلف الصالح ويطعن في علماء الأمة وهو ما يمثل ازدراء للعقيدة الإسلامية وطعنًا في الفقه الإسلامي. وطالبت بتطبيق المواد 160 و 161 و 171 من قانون العقوبات.

أصدرت المحكمة حكمها ببراءة المتهمين. وقالت في حيثيات حكمها إن "الاتهام تحيط به من جوانبه جميعًا ظلال كثيفة من الشكوك والريبة بما لا تطمئن معه المحكمة إلى صحة الاتهام المسند إليهما. وأضافت أن الوقائع المقدمة مجتزأة من سياق الحلقات العام الذي كان المدعى عليه يعرضه في كل حلقة على حدة، ومن ثم لا يستقيم معه التعرض لعقيدة المتهم". وأضافت أن "ما يعرضه شكلًا من أشكال النقد لطريقة فهم أو تفسير أحد من شيوخ الإسلام دون خوض في عزة الإسلام، وأن طبيعة الشريعة متجددة وصالحة لكل زمان ومكان، وهو الأمر الذي يتيح لآحاد الناس حق المناقشة والمجادلة ويفتح الباب أمام الاجتهاد".

ورفضت محكمة جنح مستأنف 6 أكتوبر الاستئناف المقدم من النيابة، حيث قبلته شكلًا ورفضته في الموضوع بما يعني أن حكم البراءة أصبح نهائيًّا.

وفي 10 أكتوبر 2015، رفضت محكمة جنح مصر القديمة الاعتراض المقدم من الباحث على الحكم الصادر غيابيًّا ضده، وأصدرت نفس الحكم السابق. وقام المتهم باستئناف الحكم مستندًا إلى سابق الفصل في دعوى مماثلة ضد المتهم حكم فيها بالبراءة كما سبق الذكر.

وفي 30 نوفمبر، قررت محكمة جنح مستأنف مصر القديمة إخلاء سبيل الباحث بكفالة خمسين ألف جنيه بعد أن تحفظت عليه في أول الجلسة، وقررت التأجيل إلى جلسة أمسِ 28 ديسمبر، والتي صدر خلالها الحكم بتخفيض عقوبة إسلام البحيري إلى السجن عامًا مع الشغل والنفاذ، وتم القبض عليه لتنفيذ العقوبة.

وقد رفعت عدة دعاوى أمام الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري، إحداها من مشيخة الأزهر، تطالب بإغلاق قناة القاهرة والناس وإيقاف برنامج "مع إسلام" ومنع ظهور إسلام البحيري على شاشات الفضائيات وحذف حلقاته على موقع اليوتيوب. وأوضح دفاع الشركة المالكة لقناة القاهرة والناس أن القناة أوقفت البرنامج للصالح العام وﻹنهاء حالة الجدل، وقدم للمحكمة حافظة مستندات تضم أسطوانة مدمجة بشأن وقف البرنامج.