شهدت مصر في صيف 2013 موجة من العنف السياسي الذي أدى إلى تزايد أعداد المقبوض عليهم بشكل غير مسبوق، ما ضغط على أماكن الاحتجاز ودفع الحكومة إلى إنشاء سجون جديدة لاستيعاب هذه الأعداد المتزايدة. وقد صدر منذ عام 2013 إلى الآن، أربعة عشر قرارًا بإنشاء سجون جديدة وتخصيص أراضٍ لإنشاء سجون جديدة، منها قرارات لوزير الداخلية وقرارات لرئيس مجلس الوزراء وأخرى لرئيس الجمهورية . وكانت تصريحات وزارة الداخلية دائمًا أن الاتجاه إلى بناء سجون جديدة هو بهدف تخفيف مشكلة تكدس السجناء في أماكن الاحتجاز الحالية والتي تعد من أكبر وأهم مشكلات السجون وأقسام الشرطة في مصر، ولكن هل سيساهم بناء تلك السجون في حل مشكلة التكدس بالفعل؟
جدير بالذكر أن إجمالي عدد السجون بجمهورية مصر العربية هو اثنان وأربعون سجنًا، تم إنشاؤها من البداية كسجون بالإضافة إلى مئات الأماكن الأخرى التي تُستخدم كأماكن احتجاز بموجب قرارات صادرة من وزراء الداخلية المتعاقبين، كمعسكرات الأمن المركزي، وأماكن الحجز الملحقة بأقسام الشرطة، والنقاط الشرطية وغيرها من الأماكن الأخرى.
شاركت مجموعة من أعضاء المنظمات غير الحكومية والحركات المستقلة في "المنتدى الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا" لرصد ومراقبة أماكن الاحتجاز ومنع التعذيب، الذي انعقد في بيروت في نهاية شهر إبريل الماضي، ويتيح المنتدى المجال أمام تجمع أشخاص من المنطقة ممن يمثلون المنظمات غير الحكومية والحركات وكذلك مكاتب أمناء المظالم (الشكاوى) الوطنية لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات بشأن مراقبة السجون وغيرها من أماكن الاحتجاز، وذلك بهدف تحسين أوضاع أماكن الاحتجاز في هذه البلدان ومنع التعذيب والأشكال الأخرى من سوء المعاملة فيها.
بالرغم من تصريحات النفي المتكررة من وزارة الداخلية عن وقوع أي تعذيب في السجون وأماكن الاحتجاز الأخرى أو قصر ما يحدث على أنه ممارسات فردية لبعض أفراد وضباط الشرطة، إلا أن هناك الكثير من التقارير الحقوقية والشهادات التي تؤكد استمرار التعذيب بالسجون وأماكن الاحتجاز بمصر بصورة منهجية في مناخ يساعد على الإفلات من العقاب، وهذا يرجع إلى عدم وجود إرادة سياسية لنظام الحكم في مصر لمنع جريمة التعذيب ووجود فجوات تشريعية وقانونية وممارسات عملية تؤدي إلى تفشي التعذيب وإفلات مرتكبيه من رجال السلطة العامة، من العقاب.
كم يبلغ عدد السجون في مصر؟ سؤال بسيط كما يبدو للوهلة الأولى، وكل ما عليك لمعرفة الإجابة هو أن تجري بحثا بسيطا علي شبكة الإنترنت، ليرد عليك الموقع الإليكتروني لقطاع مصلحة السجون، بعرض مواقع مناطق السجون التي يحددها بخمسة وعشرين منطقة للسجون بها اثنين وأربعين سجنا، والمعلومة ذاتها سيؤكدها للإعلام مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون اللواء محمد راتب، بقوله: “عدد السجون الموجودة بجميع محافظات جمهورية مصر العربية اثنان وأربعون سجنا .
بقراءة شهادات المُودَعين بالسجون وأماكنَ الاحتجاز بمصر عن تعرضهم للتعذيب، وبمتابعة تصريحات النفي المتواصل من قيادات وزارة الداخلية، ومسئولي مصلحة السجون، لفت انتباهي ما تضمنته تلك الشهادات من حديثٍ عن أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز، وبإلقاء نظرة على قانون السجون ولائحته التنفيذية وعلى القرارات الوزارية الصادرة، بشأن كيفية معاملة المسجونين ومعيشتهم، اتضح لي أن مجرد إيداع شخص في مثل هذه الأماكن هو تعذيب في حد ذاته، حتي ولو لم يعتدي عليه أحد وحتى وإن لم يتم كهربته ولا جلده ولا تعليقه كما يحدث.
على مدار الشهور التسعة المنصرمة من العام 2013 وإلى الآن، تناقلت الصحف أخبارًا عن وفيات حدثت بأماكن الاحتجاز المختلفة، بجمهورية مصر العربية، بلغ عددها 24 حالة، غير الستة والثلاثين مسجونًا الذين لقوا حتفهم في سيارة ترحيلات سجن أبو زعبل، وبمطالعة تلك الأخبار ومتابعة تصريحات مسئولي وزارة الداخلية، سنجد جملة واحدة تتكرر في الأغلب الأعم، عند الحديث عن أي واقعة من هذه الوقائع، تلك الجملة هي: "لا توجد شبهة جنائية في الوفاة".