عدد السجون بمصر اثنان وأربعون “فقط” !
كم يبلغ عدد السجون في مصر؟ سؤال بسيط كما يبدو للوهلة الأولى، وكل ما عليك لمعرفة الإجابة هو أن تجري بحثا بسيطا علي شبكة الإنترنت، ليرد عليك الموقع الإليكتروني لقطاع مصلحة السجون، بعرض مواقع مناطق السجون التي يحددها بخمسة وعشرين منطقة للسجون بها اثنين وأربعين سجنا، والمعلومة ذاتها سيؤكدها للإعلام مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون اللواء محمد راتب، بقوله: “عدد السجون الموجودة بجميع محافظات جمهورية مصر العربية اثنان وأربعون سجنا .
قطاع مصلحة السجون – كما تقول تصريحات رئيسه – يعتبر نفسه مسئولا فقط عما يحدث بداخل اثنين وأربعين سجنا، ومعه جهاز الجهاز القضائي والنيابة العامة، اللتان – انفاذا لمهامها الدستورية – سيعتبران أن من واجبهما الإشراف والتفتيش علي هذه السجون، وحتما سيتقدم المجلس القومي لحقوق الإنسان بطلبات متتالية لزيارة هذه السجون وفقط.
المشكلة في هذه “الفقط” في الحقيقة. هل بالفعل لدينا “فقط” اثنين وأربعين سجنا؟ السؤال هنا ليس عن العدد فحسب، لكن كذلك عن أناس يحرمون من حقوقهم القانونية، وتنزع عنهم آدميتهم، ولا يعرف عنهم ذويهم شيئا. ما بعد هذه الفقط، هو ما نسميه ورا الشمس. سجون ما وراء الشمس هذه هي محور هذا المقال.
قبل محاولة الغوص فيما وراء الفقط، دعونا نعرف قليلا عن السجون لدينا؛ تخبرنا المادة الأولي من قانون السجون رقم 396 لسنة 1956 عن أربعة أنواع تسميها كما يلي: ليمانات، وسجون عمومية، وسجون مركزية، وسجون خاصة. وجميعها – كما تؤكد المادة – تنشأ بقرار من رئيس الجمهورية. والاختلاف بين أنواع السجون يحدد نوعية قاطنيها، ممن يقضون عقوبات متفاوتة، كما يحدد نوعية معاملتهم، وشروط الإفراج عنهم.
هذه المادة تترك لوزير الداخلية أن يصدر القرارات التي تعين الجهات التي تنشأ فيها السجون الخاصة من كل نوع ودائرة كل منها. أما المادة الأولي مكرر من القانون نفسه، فرغم أنها تقرر أنه يودع كل من يحتجز أو يعتقل أو يتحفظ عليه أو تسلب حريته على أي وجه، في أحد السجون المبينة في المادة السابقة، أو “أحد الأماكن التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية” وتسري عليها جميع الأحكام الواردة في هذا القانون. إلا أن رقم الاثنين وأربعين سجنا الذي تتحدث عنه مصلحة السجون، التابعة لوزارة الداخلية، يغطي الثلاثة أنواع الأولي وحسب، ولا يتطرق بحال لسجون خاصة، ولا يشير لأماكن صدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية. لا نجد أي ذكر لها في تصريح من أي مسئول باعتبارها سجونا تتبع قطاع مصلحة السجون!
وجود هذا النوع من السجون هو ما يجعل محاولة حصر عدد السجون بمصر أمر في غاية الصعوبة.
خلال نصف القرن السابق تطورت مسألة تحديد السجون. ففي مطلع الستينات صدر قرار وزير الداخلية رقم 113 لسنة 1962 بشأن السجون المركزية بالمحافظات الذي حدد مائة وسبعة وثلاثون سجنا كسجون مركزية. وخلال عقد الستينات صدر قرار وزير الداخلية رقم 5 لسنة 1969 باعتبار أماكن الحجز الملحقة بالمراكز والأقسام أو نقط الشرطة أو إدارات البحث الجنائي أو فروعها من الأماكن التي يجوز أن يودع بها المعتقلون والمتحفظ عليهم والمحجوزون وكل من تسلب حريتهم علي أي وجه، وبالتالي دخلت ضمن تعريف السجون الذي نفهمه من المادة الأولى للقانون 396 والساري ليومنا هذا.
وتوالي صدور القرارات من وزراء الداخلية المتعاقبين فيما يخص تحديد أماكن كسجون.
وحقيقة الأمر أن ما أمكنني حصره من هذه القرارات بلغ سبعة وعشرين قرارا، كان أخرها قرار وزير الداخلية رقم 2028 لسنة 2013 باعتبار تسعة وعشرون مقرا من المقرات التابعة لهيئة الرقابة الإدارية من الأماكن المرخصة قانونًا بإيداع المتهمين فيها، وذلك فى القضايا التي يتم ضبطها بمعرفة الهيئة، وفقا للضوابط القانونية المقررة فى هذا الشأن. (جدير بالذكر ههنا أنني لم أعثر علي أي قرار لوزير داخلية بجعل معسكرات الأمن المركزي سجونا، ورغم ذلك اعتدنا علي قيام السلطات بالزج بالمعتقلين فيها، واجراء التحقيقات معهم وهم محبوسون بها).
هذا الكم الهائل من الأماكن التي باتت تستخدم كأماكن للسلب المؤقت (افتراضا) لحرية الناس، غير مجهزة وفق معايير السجون، ولم تنشأ من الأصل لهذا الغرض، وبالرغم من ذلك تصدر قرارات تحولها لسجون.
يجب أن نعلم أن الاثنين وأربعين سجنا من فئة “فقط” هي التي تديرها مصلحة السجون، وهي التي يتطرق إليها المسئولون عند الرد على انتقاداتنا للأوضاع في السجون المصرية. هي فقط ما يسري فيه القانون ولوائح السجون، اثنان وأربعون سجنا فقط وهي ذاتها التي يطلب المجلس القومي لحقوق الإنسان كلما تيسر له ذلك زيارة أحدها.
أما عن الإشراف القضائي فدعنا نقول – تأدبا – أنه لم يغطي بعد سجون كل فئة “فقط” الاثنين والأربعين، ولا نعرف عن إشرافه على المئات من أماكن الاحتجاز الخاصة أي شيء. في القانون نجد وضعا منقوصا من الإشراف علي النوع الرابع من أنواع السجون، تلك التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية، فبالرغم من سريان جميع الأحكام الواردة في قانون تنظيم السجون عليها، إلا أن حق الدخول إليها لتطبيق الإشراف قاصر على النائب العام وحده، أو من ينيبه من رجال النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة علي الأقل! هذا ما تقوله المادة الأولي مكرر من قانون تنظيم السجون، وبالتالي لا يستطيع عضو نيابة، أقل درجة، أن يقوم بتفتيش هذه الأماكن، كذلك لا يجوز لقاضي أن يدخل هذه الأماكن ويقوم بتفتيشها.
أما الإجابة التي وعدتكم بها فلم أصل إليها، ولا زلت لا أعرف عدد السجون بمصر، فهل يعينني أحد على هذه الحيرة، ويدلني – بعد كل ما ذكرت – على احصاء واحد متكامل لعدد أماكن الاحتجاز، أو يشير على بتقرير ما عن حالة المساجين في أماكن الاحتجاز على اختلافها، وخصوصا تلك التي تقع خارج فئة “فقط”؟ أم سيذهب إن فعل وراء الشمس؟
تم النشر ببوابة يناير، بتاريخ 2 ابريل 2014