التكلفة الاجتماعية والاقتصادية لمنظومة السجون في مصر

24 فبراير 2022

هذا المقال منشور بالأصل على موقع مبادرة الإصلاح العربي، وننشره هنا بتصريح كريم من الموقع.

مقدمة

اهتم فقهاء القانون بنواحي الردع للظواهر الاجرامية وبيان ما يكفل الحد من انتشارها، وبرزت فكرة السجن، المعروفة منذ القدم، كأداة كفيلة بالوفاء بهذه الغاية. وهي كمكان هدفه إنفاذ العقوبات السالبة للحرية وتحقيق الردع العام والخاص، تتوخى كذلك إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم بما ييسر إعادة إدماجهم في مجتمعاتهم مرة أخرى. وتتوسل في ذلك برامج تأهيلية مناسبة لكل مسجون. وبالرغم مما تبينه عقوبة السجن من آثار رادعة، إلا أن التوسع في استخدامها ينتج آثارًا سلبية، وبخاصة حين تعجز السجون عن القيام بدورها المأمول في إعادة تأهيل المحكوم عليهم، لتتحول من ثم لبيئة خصبة لتعلم أساليب إجرامية أخطر. من هنا رأى بعض الفقهاء أن العقوبات السالبة للحرية لم تعد هي الاجابة الوحيدة المحققة لاستقرار المجتمعات وأمنها وخفض معدلات الجرائم.

هناك أنواع عديدة من السجون في العالم، منها سجون مفتوحة، وسجون شبه مغلقة، وسجون مغلقة؛ لكنها جميعاً تعاني من مشكلات عديدة -منها على سبيل المثال لا الحصر- زيادة التكدس وعدم وجود رقابة حقيقية وفاعلة عليها، وإساءة المعاملة وعدم الاهتمام بالجوانب المعيشية للسجناء من رعاية صحية ونظافة عنابر السجن والتعليم والعمل والتثقيف وغيرها، وهي العوامل التي جعلت السجون تفشل في القيام بدورها الرئيسي وهو إعادة تأهيل المحكوم عليهم. وتشير العديد من الدراسات إلى ارتفاع نسبة العود إلى الجرائم بين المفرج عنهم؛ كما تؤكد نتائج العديد من الدراسات على المستوى الدولي- سنشير إليها لاحقا- الآثار السلبية لعقوبة السجن على الفرد والمجتمع على حد سواء، ومنها إرهاق خزانة الدولة وتعطيل الانتاج وانتشار البطالة، والعدوى الاجرامية التي قد تنتقل بالسجن، والتدهور الاقتصادي والاجتماعي لأسر السجناء، وصعوبة إدماج السجناء في المجتمع بعد الإفراج عنهم بسبب الوصمة المجتمعية التي تلاصق السجين حتى بعد الافراج عنه، وافتقاده لمصدر رزقه وحرمانه من حقوقه المدنية، وتعرض أسرته للتفكك، ناهيك عن الأثار النفسية السلبية التي قد تصيبه جراء المعاملة أثناء قضاء فترة العقوبة.

وتستهدف هذه الورقة عرض التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للتوسع في استخدام العقوبات السالبة للحرية في مصر. ولتحقيق هذا الغرض، لابد من استعراض العديد من المواضيع نبدأها بإلقاء نظرة على التطور التشريعي لقانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية وما تم إدخاله عليها من تعديلات، ثم نستعرض أنواع السجون وأعدادها وما تم إنشاؤه من سجون منذ عام 2013 حتى 2021 نظرا لما شهدته مصر من عنف سياسي في صيف 2013 وتزايد أعداد المقبوض عليهم والمحتجزين والسجناء بشكل غير مسبوق.

وتحاول الورقة أيضا عرض البدائل المتاحة لعقوبة السجن؛ لا سيما مع تنامي الاتجاهات القائلة بفشل منظومة السجون في تحقيق أهدافها، وصولا إلى الحديث عن التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للتوسع في استخدام العقوبات السالبة للحرية ونختتم الورقة بالتوصيات.

أولا: التعديلات التي أدخلت على الإطار التشريعي المنظم للسجون

القانون رقم 396 لسنة 1956 هو القانون المعمول به حاليًا داخل السجون المصرية، واللائحة التنفيذية لذلك القانون صدرت بقرار وزير الداخلية رقم 79 لسنة 1961. وحتى تاريخ كتابة هذه الورقة، تم إدخال إثني عشر تعديلًا بقوانين على هذا القانون، وتسعة عشر تعديلًا على لائحته التنفيذية بقرارات من وزراء الداخلية المتعاقبين. وتعد هذه التعديلات مقبولة في بعض الأحيان، وسيئة للغاية في أحيان أخرى.

وتتضمن التعديلات المقبولة إلغاء عقوبتي الجلد والأشغال الشاقة، والسماح بإدخال الكتب والمجلات، وزيادة أجور السجناء العمال، والسماح للسجناء بإجراء اتصال تليفوني بمقابل مادي، وزيادة مدة الزيارة، وإيلاء اهتمام صحي خاص بالسجينة الحامل، وتقليص مدة استحقاق الافراج الشرطي من ثلاثة أرباع مدة العقوبة إلى نصف مدة العقوبة. أما التعديلات السيئة فتضمنت زيادة مدة عقوبة الحبس الانفرادي لأكثر من 15 يوما، والوضع في غرف التأديب المخصوصة لمدة ستة أشهر، والسماح لوزير الداخلية بإنشاء سجون خاصة بقرار منه، وعدم وجود آليه للتظلم من العقوبات التأديبية الموقعة على السجناء بالسجن، وعدم وجود رقابة حقيقية على السجون (إذ لا يسمح للمجلس القومي لحقوق الانسان  بالتفتيش على السجون دون إذن مسبق، ولا يجوز لمؤسسات المجتمع المدني المستقلة بدخول السجون أيضا دون إذن وتنسيق مسبق مع وزارة الداخلية وإدارة السجن)، وحرمان بعض فئات المحكوم عليهم من الاستفادة من نظام الافراج الشرطي.

كافة تلك الأمور السيئة وغيرها تم إقرارها بموجب تعديلات على القانون واللائحة، أو تم إغفالها من الأساس. وكافة التعديلات لم تستطع تحسين الأوضاع داخل السجون المصرية وكانت في مجملها شكلية.

ثانيا: أنواع السجون وأعدادها بجمهورية مصر العربية

حددت المادة الأولى والمادة الأولى مكرر من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 أنواع السجون بمصر وهي كما جاءت بذلك القانون: الليمانات، السجون العمومية، السجون المركزية، والسجون الخاصة، وأخيراً أي مكان يصدر بتحديده قرار من وزير الداخلية.

تلك هي أنواع السجون الخمسة الواردة بالقانون، أما عن أعداد تلك السجون بمصر فهناك سجون تابعة لمصلحة السجون وأخرى تابعة لمديريات الأمن بالمحافظات المختلفة؛ والسجون التابعة لمصلحة السجون هي فقط الليمانات والسجون العمومية، وقد كانت اثنين وأربعين سجنا زادت منذ 2013 وحتى 2021 بقرارات وزارية بمقدار سبعة سجون (ليمانان وخمسة سجون عمومية) ليصبح إجمالي عدد السجون التابعة لمصلحة السجون تسعة وأربعون سجنا مقسمة إلى خمسة ليمانات واثنين وأربعين سجنًا عموميًّا.

أما الثلاثة أنواع الأخرى فهي لا تتبع مصلحة السجون وتكون تبعيتها لمديريات الأمن المختلفة بالمحافظات وكان عددها مائة وسبعة وثلاثون سجنا. كما تقرر اعتبار أماكن الحجز الملحقة بالمراكز والأقسام أو نقط الشرطة أو إدارات البحث الجنائي أو فروعها، من الأماكن التي يجوز أن يودع بها المعتقلون والمتحفظ عليهم والمحجوزون وكل من تسلب حريتهم على أي وجه، وبالتالي فإننا بحاجة لحصر كافة تلك الأماكن.

ومنذ عام 2013 وحتى 2021 صدر 24 قرار بتخصيص أراضي لإنشاء سجون، وبإنشاء سجون تابعة لمديريات الأمن وليس لمصلحة السجون (سجون مركزية) بلغ عددها واحد وثلاثون سجنا مركزيا؛ وإذا أضفنا هذا العدد إلى عدد السجون المركزية القائمة قبل صدور القرارات الاخيرة، سيكون العدد 168 سجناً مركزياً؛ هذا بخلاف أماكن الحجز الملحقة بالمراكز والأقسام والنقط الشرطية وإدارات البحث الجنائي وفروعها وغيرها.

ووفقًا لقانون السجون المصري -كما سبق أن أوضحنا- لا تتبع السجون المركزية مصلحة السجون المصرية، وكل سجن مركزي يكون تابعًا لمديرية الأمن التي يقع في نطاقها الجغرافي ذلك السجن أو مكان الاحتجاز. حيث تنص المادة 95 من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 على أن "تظل السجون المركزية خاضعة للنظام المقرر بها حاليًّا إلى أن يتم إلحاقها بمصلحة السجون". ومنذ عام 1956 وحتى 2021 لم يصدر تشريع بإلحاق السجون المركزية لمصلحة السجون وإنهاء الحالة المؤقتة التي قررتها المادة 95 من قانون تنظيم السجون واستمرت تلك الحالة المؤقتة ما يزيد على ستين عامًا!


ثالثا: أهمية العقوبات البديلة وفشل منظومة السجون في تحقيق أهدافها

تعاني منظومة السجون في كافة دول العالم من أزمات عديدة، أثارت الشكوك حول نجاعة أسلوب تقييد الحرية كعقاب في تقليل معدل الجريمة، وقدرة السجون على القيام بدورها المأمول في إعادة تأهيل المحكوم عليهم وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم، وتعد مشكلة تكدس السجون، من أهم المشكلات التي تعوقها عن تحقيق ولو قدر بسيط من أهدافها على المستوى العالمي وليس في مصر فقط.

لذلك اتجهت تشريعات دول العالم المتقدم إلى التقليل بقدر المستطاع من استخدام عقوبة السجن لعدم جدواها في بعض الأحيان، ولتخفيف التكدس بالسجون، لدرجة أن بعض الدول، مثل هولندا وألمانيا تستخدم نظام قائمة الانتظار، والذي يسمح للإدارة العقابية بعدم التنفيذ الفوري لعقوبة السجن، ويبدأ هذا التنفيذ عند انتهاء محبوسين أخرين من تنفيذ عقوبتهم.

وقد منحت التشريعات الحديثة القاضي الجنائي سلطة الأمر بإيقاف تنفيذ عقوبة السجن، تجنبًا لآثارها الضارة في الحالات التي يقدر فيها القاضي ذلك، وقد سعت تلك التشريعات إلى إتاحة بدائل لسلب الحرية، وهو ما يدل على أن السياسة العقابية الحديثة، تسعى بقدر المستطاع إلى تقليص دور العقوبات السالبة للحرية، فلا توقع إلا في الحالات الضرورية ذلك لأن الفكر الجنائي الحديث وجد في العقوبات البديلة لسلب الحرية جوانب إيجابية عديدة للدولة وللفرد على حد سواء، فاستخدامها كلما أمكن يقلص عدد المودعين بالسجون، وبالتالي يعطي الدولة فرصة أكبر للقيام بعملية إعادة تأهيل السجناء بشكل حقيقي ويقضي على مشكلة التكدس ويوفر أموالاً طائلة يتم إنفاقها لتشغيل سجون مكتظة، وبناء سجون جديدة، هذا بالإضافة إلى عدم عزل المحكوم عليه عن المجتمع، وتجعله يستمر في إعالة أسرته وفي الانتاج، مما يحد من الأثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية لعقوبة السجن. يضاف لذلك أن اختيار العقوبات البديلة والتوسع في استخدامها يقي الافراد من الوصمة المجتمعية لعقوبة السجن، ويقلل من نسبة العود للجرائم، ويمنع عدوى الجريمة المنتشرة بالسجون، وفي نفس الوقت، ستفي بالغرض في تحقيق الردع العام والخاص عند تطبيقها في الجرائم البسيطة.

وتستخدم غالبية دول العالم العقوبات البديلة. فقانون العقوبات الألماني على سبيل المثال، يضع قيود على القاضي الجنائي في توقيع العقوبات السالبة للحرية التي تقل مدتها عن ستة أشهر، ومن ثم إعطاء الأولوية لتوقيع عقوبة الغرامة. وقد أجري معهد ماكس بلانك للقانون الجنائي الدولي والمقارن بمدينة فرايبورج بألمانيا دراسة توضح أن الأحكام بالغرامة تمثل في المتوسط 87% من الأحكام الجنائية الصادرة منذ العمل بقانون العقوبات عام 1975، وأن متوسط نسبة الأحكام التي تصدر بالحبس البديل حين عدم الوفاء بالغرامة يدور حول 12,6% من مجموع الأحكام بالغرامة، وأن ما يزيد عن 70% من أحكام الحبس البديل لا تنفذ لمسارعة المحكوم عليه إلى دفع الغرامة، وأنه في حوالي 15% منها يتم دفع الغرامة أثناء تنفيذ الحبس البديل.

ومن أهم المؤشرات التي توضح بجلاء فشل منظومة السجون في تحقيق أهدافها، ومن ثم الحاجة إلى التوسع في استخدام العقوبات البديلة لعقوبة السجن، ارتفاع نسبة معدلات العود للجرائم بين السجناء السابقين. وتؤكد الدراسات أن معدلات العود لدى هؤلاء في تزايد مستمر، وفق الاحصاءات الصادرة عن وزارة العدل الامريكية بتاريخ 22 يوليو 2021.

وتعتبر مصر من الدول ذات المعدلات المرتفعة للعود للإجرام، ففي دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عام 2011، تبين أن نسبة العود للإجرام بلغت 34,6% من بين المسجونين المفرج عنهم، وهي نسبة مرتفعة للغاية توضح بجلاء فشل منظومة السجون في تحقيق أهدافها.

ومشكلة التكدس بالسجون المصرية تجعلها حتماً عاجزة عن القيام بدورها في تحقيق أهدافها، ومهما بذلت وزارة الداخلية ومصلحة السجون من مجهودات فلن تثمر عن شيء في ظل الزيادة العددية غير المسبوقة في أعداد المحكوم عليهم والمحبوسين احتياطيًا، والذي تبين من البحث الذي أجراه المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن الحبس الاحتياطي أن 22,2% من أفراد عينة الدراسة الاحصائية حبسوا احتياطيا لمدة تزيد على الثلاثة أشهر، و12,1% حبسوا لأكثر من ستة أشهر، و1,8% حبسوا لمدة تزيد على سنة.

ومما لا شك فيه أن خطورة مشكلة حبس المتهمين احتياطيا لمدد طويلة تتضاعف؛ مما يحول هذا الإجراء إلى عقوبة في حد ذاته، ومما يزيد التكدس بالسجون، ويجعلها غير قادرة على القيام بدورها لاسيما وأن العاملين بالسجون ليسوا بالعدد الكافي للتعامل مع هذا الكم الهائل من المودعين بالسجون. والاشكالية ليست في أعداد العاملين فقط، بل أيضا في توافر الكوادر المؤهلة للتعامل من أخصائيين نفسيين وأطباء وتمريض وغيرها من التخصصات التي لا غنى عنها لإعادة تأهيل السجناء.

وقد كانت مصلحة السجون المصرية تصدر تقارير سنوية عن السجون، ولكن أخر تقرير أصدرته المصلحة في هذا الشأن كان عام 1990؛ واتضح منه أن نسبة الزيادة في السجون المصرية عن المقرر الصحي لهذه السجون كانت 128% و119% عن عامي 1989 و1990 على التوالي.

رابعا: التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لتشغيل السجون القائمة وبناء سجون جديدة

وفقا لتصريحات صحفية سابقة للعميد محمد عليوة، مدير إدارة الإعلام والعلاقات العامة بمصلحة السجون، فإن السجين الواحد يكلف الدولة ما بين 1500-2000 جنيه شهرياً، تشمل فاتورة الغذاء والكساء والأدوية وإجراء العمليات الجراحية، بخلاف استخدام مرافق المياه والكهرباء.

ولا توجد أية بيانات أو إحصاءات رسمية، بعدد السجناء المودعين بالسجون المصرية في الوقت الراهن، كي نستطيع أن نقدر ما تنفقه مصلحة السجون فعليًا كل شهر على السجون القائمة، لأن آخر تقرير صدر عن السجون من المصلحة كان عام 1990. وأوضح ذلك التقرير أن إجمالي عدد نزلاء السجون يوم 31121990 بلغ 37281 بزيادة.

وجدير بالذكر أن هذا العدد، هو عدد المودعين بالسجون التابعة لمصلحة السجون فقط "الليمانات والسجون العمومية"، والتي لم يكن عددها أقل بكثير منه حالياً، حيث كانت وقتها 42 سجناً، وحاليًا أصبحت 49 سجناً، بزيادة قدرها سبعة سجون فقط.

وإذا أخذنا تصريحات السيد العميد الصحفية على محمل الجد، وافترضنا أن عدد نزلاء السجون ثابت ولم تطرأ عليه زيادة من عام 1990 وحتى الآن، فإننا سنصل لنتيجة مفزعة حول ما تنفقه الدولة شهرياً على السجناء المودعين بالسجون التابعة لمصلحة السجون فقط (37281 سجين x 1500 جنيه شهرياً) يكون اجمالي ما تنفقه الدولة شهريًا على هؤلاء السجناء55,921,500 جنيه (خمسة وخمسون مليون وتسعمائة وواحد وعشرون ألف وخمسمائة جنيه شهريا! (

ولكن، فلننحي الافتراضات والتصريحات الصحفية جانباً ونرى كم تبلغ مصروفات السجون التابعة لمصلحة السجون من واقع الموازنة العامة للدولة عبر الجدول التالي:


البيان

موازنة 2013- 2014

موازنة 2020-2021

أجور وتعويضات العاملين

أربعمائة وستة وخمسون مليونا.

مليار وتسعة وستون مليون ومائتان وسبعة وتسعون ألف جنيهاً.

شراء سلع وخدمات

ثلاثمائة وسبعة وعشرون مليون وثلاثمائة وخمسة وثمانون ألف جنيها.

مليار ومائة وخمسة عشر مليونا وأربعمائة واثنان وتسعون ألف جنيها

دعم ومنح ومزايا اجتماعية

أربعمائة وثمانية وتسعون ألف

أربعمائة وثمانية وتسعون ألف جنيها.

مصروفات أخري.

مليون ومائة ألف

مليون ومائة ألف جنيها

الإجمالي

سبعمائة وخمسة وثمانون مليونا وثلاثة وستون ألف جنيها

ملياران ومائة وستة وثمانون مليون وثلاثمائة وسبعة وثمانون ألف جنيها.

وتوضح الارقام الرسمية أن مصروفات السجون قد زادت خلال سبع سنوات مبلغ (مليار وأربعمائة وواحد مليون وثلاثمائة وأربعة وعشرون ألف جنيها).

تلك هي مصروفات السجون القائمة بالفعل والتابعة لمصلحة السجون فقط والبالغ عددها 49 سجناً فقط من واقع الموازنة العامة للدولة، أما مصروفات السجون التابعة لمديريات الأمن، فتكون من المبالغ المخصصة لكل مديرية أمن في الموازنة.

أما عن تكلفة إنشاء السجون الجديدة منذ 2013 وحتى 2021، فإننا لم نستطيع الوصول إلى رقم محدد بشأنها، ولكننا نستطيع أن نقول إن التكلفة ستكون مليارات الجنيهات، ويكفينا أن نعرف أن تكلفة إنشاء سجن واحد فقط من هذه السجون الجديدة، بلغت 750 مليون جنيه.

تلك هي التكلفة الاقتصادية لمنظومة السجون المصرية في دولة تعاني من ارتفاع الدين الخارجي إلى معدلات غير مسبوقة، فوفقا لتقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمعتمد على البيانات والاحصاءات الرسمية فإن وتيرة الزيادة السنوية في الاقتراض الخارجي، قد ارتفعت بالتزامن مع اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي، حيث زاد الدين بأكثر من الضعف خلال الفترة 2017-2020. وإجمالاً ارتفع بما يقرب من أربعة أضعاف مستواه في عام 2010، وبلغت نسبته حوالي 35% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وذلك في مقابل 15% في 2010. بناء على ذلك التسارع في الاقتراض الخارجي، زاد نصيب الفرد من الديون بأكثر من الضعف، ليصل إلى حوالي 900 دولار للفرد مقابل 400 فقط في نهاية العقد الأول من القرن الـ 21.

وهناك أثار اجتماعية واقتصادية بالغة السوء على أسر السجناء، وقد نشر موقع "بي بي سي عربي" تقريرا بعنوان "كيف يؤثر السجن على أهالي المعتقلين السياسيين في مصر؟" يوضح مدى معاناة أسر السجناء الاقتصادية والاجتماعية جراء سجن ذويهم.[26] وفي تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية "للبيع في الكانتين" تم اجراء عدد من المقابلات التي أوضحت مدى معاناة أسر السجناء الاقتصادية من ارتفاع أسعار السلع بكانتين السجن بشكل مبالغ فيه، والتكلفة المادية العالية لما يجب على أسر السجناء توفيره لذويهم من مأكل وملبس وأدوات معيشة أخرى بالزيارات، وما تشكله من عبئ اقتصادي ضخم على هذه الأسر.

ومن الأثار الاجتماعية لعقوبة السجن، الوصمة المجتمعية التي تصيب المحكوم عليه عند دخوله السجن وتلازمه حتي بعد قضائه فترة العقوبة والخروج، فأصحاب الأعمال سواء الخاص أو العام يرفضون تشغيل السجناء السابقين، والأسر ترفض مصاهرتهم، وأبناء السجناء وأسرهم يفقدون عائل الأسرة، وتلازمهم هم أيضا الوصمة المجتمعية فيتسربون من التعليم، ويرفض المجتمع التعامل معهم، وعدم إتاحة فرص عمل لهم، ومعايرتهم دائما بما اقترفه عائلهم، مما يخلق عزلة بين هؤلاء وبين مجتمعاتهم ويولد في نفوسهم الحقد والكراهية للمجتمع ككل، وقد يدخل سجين إلى السجن بجرم بسيط، وبسبب عزله تماما عن المجتمع وعدم تقارب بيئة السجن مع المحيط الخارجي واختلاطه بمجرمين أخرين، يتعلم منهم أساليب إجراميه لم يكن يعرفها ويخرج بها للمجتمع بعد قضاء فترة العقوبة. وهناك تقرير مشترك بين موقع مدى مصر وموقع أريج يؤكد أن السجون تكون بيئة خصبة لتجنيد المتطرفين وصناعة أجيال جديدة من الجهاديين.

ومن الآثار الاجتماعية السلبية أيضا ارتفاع نسب الطلاق، فقد تلجأ بعض الزوجات لطلب الطلاق مما يؤدي للتفكك الأسري، وعلى المستويين الرسمي وغير الرسمي في مصر، هناك العديد من الجهات والمبادرات، التي تهدف إلى الحد من الأثار الاجتماعية السلبية لعقوبة السجن، ولكنها للأسف الشديد دون أثر ملموس أو جدوى حقيقية.

الخاتمة والتوصيات

في النهاية نستطيع القول أن الإفراط في استخدام العقوبات السالبة للحرية والحبس الاحتياطي بمصر، والتوسع في بناء سجون جديدة ليست هي السياسات والطرق المناسبة للحد من الجريمة وتحقيق استقرار المجتمع وأمنه في ظل تشريعات حاكمة للسجون تحتاج لتعديل شامل، مع وجود تكدس بالسجون، وتبعيتها لجهات متعددة، في الوقت الذي تتجه معظم دول العالم للتقليل من استخدام العقوبات السالبة للحرية، وتفعيل بدائل أخري غير عقوبة السجن بعد تنامي الاتجاهات القائلة بفشل منظومة السجون في تحقيق أهدافها لما لها من تأثيرات اجتماعية واقتصادية سلبية للغاية على الفرد والمجتمع على حد سواء.

وفي سبيل تحقيق ما يمكن تحقيقه من الهدف الأساسي المرجو من توقيع العقوبات السالبة للحرية، وهو الإصلاح والتأهيل داخل عالم السجون المغلق، لابد أن تتوافر الظروف التي تساعد على تحقيق هذا الهدف، وأهمها تقليل التكدس بالسجون، بعدم التوسع في توقيع العقوبات السالبة للحرية، وتشريع وتفعيل عقوبات بديله لعقوبة السجن، كذلك عدم التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي لمن لم يحكم عليه، وأن يتم تطبيقه في أضيق حدود ممكنة، والتوسع في تفعيل نظام الافراج الشرطي والافراج الصحي؛ ولابد من أن تحكم السجون قوانين ولوائح تراعي إنسانية المحكوم عليهم.

وخلاصة النتائج العامة لهذه الورقة، أننا لم نكن بحاجة لهذا الكم الهائل من السجون، التي تكلف إنشائها وتشغيلها مليارات الجنيهات، بقدر حاجتنا لإعادة النظر لعقوبة السجن، من حيث أثارها السلبية وتكلفتها الاقتصادية والاجتماعية، على الدولة والمواطنين على حد سواء، وهناك بعض التوصيات التي نرى أنها قد تقلل من الآثار السلبية لعقوبة السجن منها:

  • العمل على تشريع قانون جديد للسجون يتوافق مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا).

  • نقل تبعية كافة أنواع السجون لوزارة العدل مع الأخذ بنظام قاضي تنفيذ العقوبة.

  • الحد من الإسراف في الحبس الاحتياطي، وعدم اللجوء إليه إلا في الأحوال التي تستوجب ذلك فعلياً.

  • التوسع في نظام إيقاف تنفيذ العقوبة، وفي استخدام العقوبات البديلة بشكل عام، ويقتضي ذلك مراجعة نصوص قانون العقوبات وتفعيلها.

  • وضع حد أدني مرتفع للعقوبة السالبة للحرية ومنع الحكم بالعقوبات السالبة للحرية الأقل من ستة أشهر، واستبدالها بعقوبات أخري.

  • جعل الإفراج الشرطي بنصف مدة العقوبة إجباريًا ومنع جهة الادارة في التحكم فيمن يستحقه.

  • تفعيل نظام الإفراج الصحي دون طلب المحكوم عليه وتيسير إجراءات استحقاقه.

  • معاودة قطاع مصلحة السجون في إصدار تقريرها السنوي بانتظام عن حالة السجون في مصر من حيث أعداد السجناء وأعداد السجون والقدرة الاستيعابية لكل سجن.

  • تعديل قانون المجلس القومي لحقوق الانسان بحيث يكون من حق أعضاء المجلس القيام بزيارات مفاجئة لكافة أماكن الاحتجاز دون الحصول على إذن مسبق من وزارة الداخلية.

  • العمل على إنشاء هيئة مستقلة للتفتيش على السجون وأماكن الاحتجاز دون إذن