الفصل الثامن: تأديب المسجونين

من حق ومسؤولية إدارات السجون الحفاظ على الأمن وحسن الانتظام داخل أماكن الاحتجاز في ظل احترام حقوق السجناء واحترام مبادئ الضرورة والتناسبية في عقاب المحبوسين. وقد جاء تنظيم تأديب المسجونين والجزاءات التي توقع عليهم بقانون تنظيم السجون بعدد 6 مواد بالقانون، تبدأ من المادة 43 وتنتهي بالمادة رقم 48، وجاءت اللائحة الداخلية للسجون العمومية بمادة واحدة لتنظيم التأديب، وهي المادة رقم 82 وذلك بعد إلغاء عقوبة الجلد، وﻹلغاء المادة رقم 81 باللائحة والتي كانت تتعلق بها. أما اللائحة الداخلية للسجون المركزية فقد أفرد بها عدد خمسة مواد للتأديب تبدأ من المادة رقم 50 وتنتهي بالمادة رقم 55.

وحسب ما جاء بقانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية فإن لمأمور السجن أو مديره توقيع عقوبات على المسجونين وهي:

  1. عقوبة الإنذار.
  2. الحرمان من بعض الامتيازات المقررة لفئة المسجون.
  3. تأخير نقل المسجون إلى درجة أعلى (1) لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر إن كان محكومًا عليه بالسجن المشدد أو لمدة لا تزيد على شهر إن كان محكومًا عليه بالسجن أو الحبس مع الشغل.
  4. الحبس الانفرادي لمدة لا تزيد على خمسة عشر يومًا.

وهناك عقوبات أخرى يوقعها مدير عام السجون بناء على طلب مدير السجن أو مأموره، وذلك بعد تحرير محضر يتضمن أقوال المسجون، وتحقيق دفاعه، وشهادة الشهود، وهي:

  1.  تأخير نقل المسجون إلى درجة أعلى من درجته فى السجن لمدة لا تزيد على ستة أشهر إن كان محكومًا عليه بالحبس أو بالسجن، ولمدة لا تزيد على سنة إن كان محكومًا عليه بالأشغال الشاقة.
  2.  تنزيل المسجون إلى درجة أقل من درجته فى السجن لمدة لا تزيد على ستة أشهر إن كان محكومًا عليه بالحبس أو بالسجن، ولمدة لا تزيد على سنة إن كان محكومًا عليه بالسجن المشدد.
  3. الحبس الانفرادي لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا.
  4. وضع المحكوم عليه بغرفة خاصة شديدة الحراسة لمدة لا تزيد على ستة أشهر وذلك على النحو الذي تبينه اللائحة الداخلية.(2)

وبالنظر إلى قانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية فيما يتعلق بالتأديب وتوقيع العقوبات نجده يطبق عقوبات غير إنسانية، وفي بعض الحالات ترقى إلى مستوى التعذيب، و نجده خاليًا من أدنى مبادئ العدالة مفتقدًا للشرعية، حيث حدد القانون الجزاءات والعقوبات التي يجوز توقيعها دون تحديد الأفعال التي تستوجب توقيع هذه العقوبات لا بالقانون ولا باللوائح باستثناء جزاء الوضع بغرفة خاصة شديدة الحراسة تتوافر فيها الشروط الصحية لمدة لا تزيد على ستة أشهر.

حيث أصبح الوضع بهذه الغرفة بعد إقرار التعديلات الواردة على لائحة تنظيم السجون الصادرة بتاريخ 15 فبراير 2017 يتم بقرار من مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون بناء على طلب مأمور السجن وبعد أخذ رأي طبيب السجن، وتحرير محضر أقوال المسجون وتحقيق دفاعه وشهادة الشهود، إذا ارتكب المحكوم عليه أفعالًا محددة هي "إحراز أشياء يحتمل حصول أذى منها للغير أو لأمن السجن، سرقة مفاتيح السجن أو تقليدها، الهروب أو الشروع فيه، التعدي على أحد الموظفين الذين يدخلون السجن لأداء عمل يتعلق بوظيفتهم أو على أحد الزائرين، إتلاف سجلات السجن أو أوراق المسجونين عمدًا أو إحداث تغيير فيها، إتلاف شيء من محتويات السجن عمدًا، إشعال النار داخل غرف السجن، ضرب مسجون إذا أحدث الضرب إصابة تحتاج إلى علاج، ارتكاب أي أفعال من شأنها الإخلال بأمن السجن". وذلك دون الإخلال باتخاذ الإجراءات الجنائية حيال الواقعة، ولا يجوز نقل المحكوم عليه إلى الغرفة المشار إليها إذا كان سنه يقل عن ثماني عشرة سنة أو تجاوز الستين عامًا.

وبالنظر إلى الأفعال التي تستوجب توقيع أية عقوبة تأديبية على المحكوم عليه نجد أن العبارات الواردة بالتعديل الأخير عامة وفضفاضة إلى الدرجة التي تسمح لإدارة السجن بتوقيع العقوبات دون أن يكون هناك فعل يستوجب العقاب مما يؤدي إلى إطلاق يد الإدارة في التعسف وتكدير المسجونين.

وتشمل بواعث قلق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أيضًا حرمان المسجون من الحق في التظلم من العقوبات الموقعة عليه وعدم وجود آلية لذلك.

بالإضافة إلى أن القضاء بالعقوبات وتوقيعها من إدارات السجون وهي جهات تنفيذية وليست قضائية يتعارض مع مبادئ العدالة ولا يتيح للمسجون فرصة الدفاع عن نفسه بشكل يحقق العدل.

الوضع في المواثيق والاتفاقيات الدولية:

وضع التأديب والعقاب في القانون المصري واللائحة التنفيذية قبل التعديل الأخير كان مخالفًا للدستور المصري والمواثيق والاتفاقيات الدولية، إلا أن التعديلات الأخيرة تجاوزت المخالفة وأصبحت انتهاكًا صارخًا للحقوق الواردة في تلك المواد القانونية.

"كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًّا أو معنويًّا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًّا وصحيًّا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومخالفة شىء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقًا للقانون. وللمتهم حق الصمت. وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه".

"السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر. وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم".

هذا ما جاء بالدستور المصري الصادر عام 2014 في مادتيه أرقام 55 ، 56 وبالنظر إلى نظام التأديب والعقاب بقانون تنظيم السجون وبخاصة التعديل الوارد على نص المادة 82 من قرار وزير الداخلية رقم 79 لسنة 1961 الصادر بالقرار رقم 345 لسنة 2017 نجد أن نظام التأديب والعقاب وبخاصة النص الجديد يخالف ما جاء بالدستور المصري إذ أن نص المادة 82 قبل تعديلها كانت تتحدث عمَّا يسمى فرقة التأديب المخصوصة وكانت تلك الغرفة بالليمانات فقط وكان لا يجوز وضع سجين الليمان بها إلا بعد موافقة النائب العام، أما النص الجديد فقد جاء مخالفًا للدستور المصري، إذ أنه يقر عقوبة لا إنسانية وهي الوضع بغرفة خاصة شديدة الحراسة لمدة تصل إلى ستة أشهر، الأمر الذي يعني عمليًّا أن عقوبة الحبس الانفرادي قد تصل إلى مدة ستة أشهر، تلك العقوبة التي تعتبر عقوبة لا إنسانية إذا زادت على خمسة عشر يومًا.

وتنص المادة 93 من الدستور المصري على أن (تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة) ومن الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وقد وضعت اتفاقية مناهضة التعذيب تعريفًا شاملًا لجريمة التعذيب والعقوبات اللاإنسانية والمهينة وحظرتها تمامًا كما وقد أقر العهدان الدوليان الخاصان بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحقوق المدنية والسياسية أن يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني.

أما عن القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا)، فقد جاء بها أن يؤخذ بالحزم في المحافظة على الانضباط والنظام، ولكن دون أن يفرض من القيود أكثر مما هو ضروري لكفالة الأمن وحسن انتظام الحياة المجتمعية، وألا يعاقب أي سجين إلا وفقًا لأحكام القانون، ولا يجوز أبدًا أن يعاقب مرتين على المخالفة الواحدة، وألا يعاقب أي سجين إلا بعد إعلامه بالمخالفة وإعطائه فرصة فعلية لعرض دفاعه، وعلى السلطة المختصة أن تقوم بدراسة مستفيضة للحالة.

وقد تقرر بقواعد مانديلا أن العقوبة الجسدية والعقوبة بالوضع في زنزانة مظلمة، وأية عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، محظورة كليًّا كعقوبات تأديبية.

وأنه لا يجوز في أي حين أن يعاقب السجين بالحبس المنفرد أو بتخفيض الطعام الذي يعطى له إلا بعد أن يكون الطبيب قد فحصه وشهد خطيًّا بأنه قادر على تحمل مثل هذه العقوبة، وينطبق الأمر نفسه على أية عقوبة أخرى يحتمل أن تلحق الأذى بصحة السجين الجسدية أو العقلية.

ويجب على الطبيب أن يقوم يوميًّا بزيارة السجناء الخاضعين لمثل هذه العقوبات، وأن يشير على المدير بوقف العقوبة أو تغييرها إذا رأى ذلك ضروريًّا لأسباب تتعلق بالصحة الجسدية أو العقلية.

وقد اعتبرت قواعد نيلسون مانديلا الحبس الانفرادي إلى أجل غير مسمى والحبس الانفرادي لمدة تزيد على خمسة عشر يومًا وحبس السجين في زنزانة مظلمة أو مضاءة دون انقطاع والعقاب البدني أو خفض كمية الطعام أو مياه الشرب والعقاب الجماعي من قبيل العقوبات القاسية وغير الإنسانية وحظرتها تمامًا.

نجد أن القانون المصري يخالف المعايير الدولية في نظام عقاب المساجين، فالتشريعات المصرية قد حددت أنواع العقوبات التي يجوز توقيعها على السجناء دون تحديد ما هي الأفعال التي تستوجب كل عقاب من هذه العقوبات، أو ذكر بعض الأفعال بإستخدام عبارات عامة وفضفاضة لا تؤدي غلى التحديد الدقيق للأفعال وبذلك أطلقت يد جهة الإدارة أو مصلحة السجون في توقيع العقوبات وهي جهة غير قضائية دون وجود آلية للتظلم أو الشكاية تمكن السجين من الطعن على الحكم عليه بعقوبة ما بعرض دفاعه.

أما عن العقوبات البدنية فقد تم إلغاء عقوبة الجلد عام 2001، ولكن العقوبة الأكثر شيوعًا بالسجون هي عقوبة الحبس الانفرادي ويكون هذا الحبس بغرف مظلمة ولمدد تزيد على خمسة عشر يومًا بالمخالفة للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.

الهوامش:

  1. السجناء لهم ثلاث درجات إدارية "أولى، وثانية، وثالثة" وذلك وفقًا للفئة العمرية التي يقع فيها السجين أو السجينة: أقل من 55 سنة (الدرجة الثالثة)، ما بين 55 و60 (الدرجة الثانية)، وفوق 60 (الدرجة الأولى). وبالإضافة إلى شرط السن، هناك لجنة في كل سجن تقرر وضع السجين في الدرجة الإدارية الملائمة له ويترتب على الدرجة الإدارية للسجين، يختلف مخصصات الأكل والشرب وغيره.
  2. كانت اللائحة الداخلية للسجون تنص على أن تكون غرف التأديب في الليمانات فقط، إلى أن تم تغيير مسمى هذه الغرفة لتكون "غرفة خاصة شديدة الحراسة" ولم يعد وجودها وتوقيع العقوبة بها مقصورًا على الليمانات وذلك بموجب التعديل الأخير الصادر بتاريخ 15 فبراير 2017، (العدد رقم 38 تابع (ب) من الوقائع المصرية متضمنًا القرار رقم 345 لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام اللائحة الداخلية للسجون)، وبأن تخصص الغرف اللازمة ليوضع فيها من توقع عليهم هذه العقوبة من مسجوني الليمانات أو مسجوني السجون لمدة لا تزيد على ستة أشهر، ولا يجوز نقل المحكوم عليه من السجن إلى غرفة التأديب المخصوصة بالليمان إلا إذا كانت سنه لا تقل عن سبع عشرة سنة، ولا تجاوز الستين وذلك بعد موافقة النائب العام ويترتب على ذلك الحرمان من الزيارة والتراسل خلال المدة التي تقضى بهذه الغرفة.