التأمين الصحي الشامل نظرة مقارنة

3 يناير 2021

التأمين الصحي الشامل نظرة مقارنة

في مفهوم التأمين الصحي 

يقدم النظام الصحي الجيد خدمات عالية الجودة لجميع الناس في أي زمان ومكان يحتاجون فيهما إليها. وتتباين تلك الخدمات من حيث دقة التكوين من بلد إلى آخر، ولكن يلزمها في جميع الحالات آلية تمويل رصينة؛ وقوى عاملة مدرّبة جيداً؛ ومعلومات موثوقة يُستند إليها في اتخاذ القرارات ورسم السياسات؛ ومرافق وخدمات لوجستية جيدة الصيانة لتوفير أدوية وتكنولوجيات عالية الجودة.

السياسات والاستراتيجيات والخطط هي ليست غايات في حد ذاتها، وإنما هي جزء من عملية أكبر تهدف إلى مواءمة الامكانيات المالية و البشرية مع الاحتياجات الصحية الفعلية للسكان، والترويج لتأييدها بشكل كبير بين صفوف الشركاء الحكوميين والشركاء في قطاعي الصحة والتنمية وفئات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وتحسين الاستفادة من جميع الموارد المتاحة لقطاع الصحة - حتى يتسنى لجميع الناس في الأماكن كافة الحصول على رعاية صحية عالية الجودة تطيل عمرهم وتمتعهم بصحة أفضل نتيجة لذلك.

 التأمين الصحي ليس إلاّ وسيلة لتغطية تكاليف الرعاية الصحية ، أي أنه وسيلة لغاية. وتحرص الحكومات التي ترغب في ضمان استفادة سكانها من الخدمات الصحية على توفير الحماية الصحية الاجتماعية لهم- عن طريق نظام تأمين ميسور التكلفة أو برنامج تموّله الحكومة ويمكّن أولئك السكان من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية دون التعرّض لمخاطر الإملاق أو ضائقة مالية حادة. وتختلف النُهج المتّبعة إزاء الحماية الصحية الاجتماعية باختلاف البلدان، غير أنّ القاسم المشترك بين جميع البلدان في هذا المجال هو نظام يُدعى نظام تجميع المخاطر. ويمكّن ذلك النظام مجموعة واسعة من الأشخاص من تقاسم مخاطر الإصابة بالمرض واللجوء إلى رعاية مكلّفة. ويعني ذلك أنّه يتم جمع الأموال المخصّصة للرعاية الصحية عن طريق الدفع المسبق، وإدارتها بطريقة تضمن تحمّل جميع أفراد تلك الجماعة تكاليف الرعاية الصحية في حال الإصابة بالمرض، بدلاً من أن يتحمّل كل فرد تلك التكاليف على حدة.

وفي ذلك النظام يواصل الأشخاص الأصحاء، الذين لا يحتاجون إلاّ إلى رعاية صحية محدودة، تمويل الأشخاص المرضى الذين يعتمدون بشكل أكبر على الموارد الصحية المتاحة. ويمكن إدارة نظام تجميع المخاطر بطريقتين اثنتين هما:

 1- التمويل الصحي القائم على الضرائب: تستخدم الحكومة الدخل المتأتي من الضرائب العامة لتمويل خدمات الرعاية الصحية. ويحقّ لجميع الناس الاستفادة من تلك الخدمات؛ وبالتالي تكون التغطية شاملة.

 2- التأمين الصحي الاجتماعي: تُجمع مساهمات الرعاية الصحية من العمال والأشخاص الذين يعملون لحسابهم والمؤسسات والحكومة. ويتم تجميع تلك الأموال في صندوق أو صناديق للتأمين الصحي الاجتماعي. ولا يمكن تحقيق التغطية الشاملة عن طريق هذا النظام التمويلي إلاّ إذا قام كل من السكان بدفع ما عليه وإذا تم تحديد مساهمة كل فرد وفق قدرته على الدفع. وعليه تلجأ معظم نُظم التأمين الصحي الاجتماعي إلى مصادر تمويلية مختلفة، وتقوم الحكومة بدفع مساهمات الأشخاص غير القادرين على سدادها.

وهناك فئة من السكان في بعض البلدان تستفيد من تغطية مباشرة من خلال الضرائب العامة، بينما على الفئة الثانية دفع مساهمات إلى أحد صناديق التأمين الصحي الاجتماعي أو غير ذلك من أشكال التأمين الصحي، التي قد تكون مؤسسات خاصة.

الرعاية الصحية في هولندا :

تضمن تشريعات النظام الصحي في هولندا حق الوصول للرعاية الصحية للجميع ، لكن النظام الصحي الهولندي شهد تغييرات مستمرة منذ إنشاء نظام التأمين الصحي هناك لعديد من الإصلاحات التي غيرت منه تدريجيا.

تم طرح برنامج التأمين الصحي الوطني لأول مرة في عام 1941 ، مما كان يعكس نموذج بسمارك الألماني  للتأمين الصحي العام والخاصة . تمت تغطية حوالي 63 في المائة من السكان بالتأمين الصحي العام ، في حين أن الأكثر ثراءً يمكنهم اختيار التأمين الخاص .

و مع ذلك ، فإن طريقة تناول كل أشكال الاصلاحات التي تمت ، قد استهدفت دائما قضية القدرة على الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية كما تحددها المعاهدات و الاتفاقيات التي تشمل الاتحاد الأوربي . و لكن ، ما يلفت النظر هو قوة و فعالية قانون المجتمع الأهلي التي تدعم و تضمن حق المريض في الرعاية الصحية . 

يقوم الإطار القانوني للنظام الصحي الهولندي على مبدأ التضامن ، ما يعني أن جميع أعضاء المجتمع الذين يحتاجون للرعاية الصحية يجب أن تتاح لهم القدرة على الوصول للخدمة الصحية بغض النظر عن قدرتهم على الدفع. و التضمان هنا ليس فكرة هلامية عن فعل الخير ، التضامن له معنى محدد يقوم على أن نظام الرعاية الصحية يدار و ينتظم على أساس حق الوصول الشامل للجميع ، دون التعرض لخطر الانتقائية ( خدمات متاحة للجميع و خدمات أخرى مقيدة ) ، و يقوم على أساس الإشتراكات طبقا للدخل . في الأول من يناير عام 2006 بدأ تنفيذ قانون التأمين الصحي الجديد ( و هو من نوع التأمين الصحي الاجتماعي ). يقدم هذا القانون نظاما تأمينيا صحيا إجباريا لجميع السكان ، تقوم على تنفيذه و إدارته شركات تأمين خاصة غير هادفة للربح. باختصار ، يقدم هذا القانون رعاية صحية للمؤمن عليهم تخضع لاختبارات الكفاءة معايير الجودة ، و الحاجة لاليات التمويل الجماعي و التي تختلف باختلاف نوع الرعاية العلاجية ( قصيرة أو طويلة الأمد ، أساسية أم فندقية )

   

بريطانيا :

كانت الخدمة الصحية الوطنية (NHS) أول نظام رعاية صحية شامل تم تطويره بعد الحرب العالمية الثانية ، وقد تم تأسيسه عام 1948 بعد التضحيات الهائلة للحرب ، طالب الناس بتسوية جديدة ، و اتفاق جديد ، تقوم الدولة بضمان تقديم عدد من الخدمات الأساسية لتوفير رعاية صحية شاملة مجانية عند الحاجة ، بغض النظر عن العمر أو الصحة أو العرق أو الدين أو الوضع الاجتماعي أو القدرة على الدفع. اليوم في المملكة المتحدة ، و يتم تمويله من الضرائب العامة ، و لا تزال هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS تعتبر الإنجاز الأكثر فخرًا للمجتمع الحديث وتستمر في التمتع بشعبية ورضا كبيرة.

التأمين الصحي في ألمانيا :

أسست ألمانيا أول نظام تأمين صحي في العالم في عام 1883 على يد بسمارك. و يقوم النظام على " الضمان الاجتماعي " ، و الضمان الاجتماعي إجباري بحيث أن كل شخص من الفئة المستحقة يجب أن يسجل نفسه و يدفع رسم الاشتراك المعين ( المساهمة ) ، هذه المساهمة تتحدد في الغالب كنسبة معينة من أجره. فور ما يدفع الشخص الحد الأدنى من الاشتراك ( أو المساهمة ) يتمتع بالمنافع التي يقدمها التأمين. و تمثل معظم رسوم الاشتراك في الضمان عقدا اجتماعيا . معدلات المساهمة و الخدمات المقدمة يحددها القانون ، و لا يمكن تعديلها بسهولة بواسطة مجرد إجراءات إدارية . يقوم الضمان الاجتماعي هكذا على أساس لا لبس فيه بين المؤمن عليهم و النظام ،يوافق المواطنون على قدر معين مع توقع أن الأموال ستذهب لمن يحتاج لها ، و سوف تستخدم بنزاهة و بشكل فعال لتمويل الرعاية الصحية . و سمة أخرى للضمان الاجتماعي ، بينما يرفض معظم وزراء المالية تخصيص ضرائب معينة للصرف في جهات بعينها ، تعتمد برامج التأمين الصحي نمطيا على مثل هذه الايرادات.

التأمين الصحي الشامل في مصر :

كان عــــام 1964 نقطة تحول هامة في مسار التأمين الصحي في مصر وذلك بصدور قانونين هامين هما : ـ قانون 75 لسنة 1964 تقضي أحكام هذا القانون بتطبيق التأمين الصحي على موظفي الحكومة والهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات الإدارة المحلية مقابل إشتراك قدره 3 % من أجور العاملين شهرياً يسددها صاحب العمل ( الحكومة ) ، بالإضافة إلى 1 % من الأجر الشهري يسدده العامل أو الموظف . وبناءً على هذا القانون صدر قرار رئيس الجمهورية 1209 لسنة 1964 بإنشاء الهيئة العامة للتأمين الصحي لتنفيذ ما جاء به . قانون 63 لسنة 1964 بتطبيق التأمين الصحي على العاملين بالقطاعين العام والخاص الخاضعين لقانون التأمين الاجتماعي مقابل إشتراك 4 % من الأجور الشهرية يسددها صاحب العمل بالإضافة إلى 1 % من الأجر الشهري يسدده العامل . وقد أناط القانون بالهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في ذلك الوقت تنفيذ هذا القانون ونظراً للازدواج في تنفيذ التأمين الصحي بين الهيئة العامة للتأمين الصحي والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية .

عــــام 1975 نقطة تحول أخرى حيث صدر قانونين هامين لا يزال العمل بهما سارياً حتى الآن هما : ـ قانون 32 لسنة 1975 في شأن العلاج التأميني للعاملين بالحكومة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة الذين يصدر بتحديدهم على مراحل قرار من وزير الصحة والسكان خفض هذا القانون الأعباء المالية الملقاه على صاحب العمل من 3% من الأجور الشهرية الى 1.5% كما خفض الاعباء على العاملين من 1% الى ½ % من الأجر الأساسى وفى مقابل هذا التخفيض أضاف بعض المساهمات المالية يدفعها المؤمن عليه عند الحصول على الخدمة . و الثاني هو قانون ٧٩ لنفس السنة و نسبة الاشتراك فيه تتراوح بين   1% إلى 3 % .

بعدها ، مرت المؤسسة الصحية المصرية منذ بداية سنوات الانفتاح الاقتصادى – العشوائى الطابع – بوضع صعب ، والذى تسبب فى العديد من المشكلات التى تواجه النظام الصحى المصرى، و هذه المشكلات كانت سببا في التفكير في إنشاء نظام تأميني جديد أهمها: 

• التصاعد المستمر للإنفاق الذاتى من جيوب المواطنين المباشر للحصول على الخدمات الصحية والدواء، مع التراجع المستمر للإنفاق العام على الصحة، أدى إلى خروج قطاع كبير من المواطنين خارج نطاق النظام الصحى العام خاصة الشرائح الأفقر والمهمشة والبعيدة عن أطر العمل الرسمى، إضافة إلى تزايد العوائق المالية والجغرافية المؤدية إلى عدم إتاحة الخدمات الصحية والدوائية، مع استمرار التردى فى جودة الخدمات المتاحة والمعتمدة فى القطاعات الصحية العامة فى إطار هش للمناخ التشريعى الذى ينظم هذه القطاعات، الأمر الذى يزيد من عشوائية الممارسات الصحية بما يؤدى إلى إهدار للموارد المالية والبشرية.

• فى سنة 1995 صدر تقرير عن لجنة الصحة بمجلس الشورى ــ الموجود حينها ــ خرج بنتيجة فحواها ضرورة إصلاح القطاع الصحى والسياسات الواجب تبنيها لتحقيق التغطية الصحية الشاملة من خلال نظام شامل للتأمين الصحى الاجتماعى. 

• فى سنة 1997 انخرطت الدولة فى موجة إصلاحية لمحاولة إصلاح النظام التأمين الصحى عبر تنفيذ توصيات ودراسات علمية لبرنامج شامل وأفقى لإعادة هيكلة المنظومة الصحية والتأمين الصحى.

• وشهدت أعوام 2000 و2004 و2007 و2010 عدة محاولات ومشاريع لإصدار قانون جديد وشامل للتأمين الصحى يهدف إلى إصلاح المنظومة وضمان العدالة الاجتماعية، والتغطية الصحية الشاملة، ففى عام 2000 / 2001 قدم الوزير مشروعا للحوار مع اتحاد عمال مصر، والذى رفضه بسبب زيادة نسب اشتراكات المشمولين به. وفى مشروع 2004 / 2005 وافق اتحاد العمال على الزيادات المقررة بنسب محدودة، ولكن تغيير الوزير المسئول قبل وصول المشروع إلى مجلس الشعب حال دون التنفيذ، وبقدوم حكومة رجال الأعمال تقدمت بمشروع جديد سنة 2007 شملت مقدماته قرارا من مجلس الوزراء بتحويل الهيئة العامة للتأمين الصحى إلى شركة قابضة للرعاية الصحية، وقد تصدى المجتمع المدنى لذلك من خلال تبنيه لدعوى أمام محكمة القضاء الإدارى، والتى صدر فيها الحكم بتاريخ 4 ديسمبر سنة 2008 بوقف تنفيذ قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 637 لسنة 2007 بإنشاء الشركة القابضة للرعاية الصحية.

• ما بعد ثورة يناير 2011: تشكلت لجنة من ممثلى الحكومة والمجتمع مشبعة بالروح الينايرية عملت على إجراء تعديلات جوهرية فى القانون استجابة لمتطلبات المجتمع وإعمالا لما جاء بحكم محكمة القضاء الإدارى فقامت بإجراء العديد من الحوارات المجتمعية وأثمر ذلك عن تعديلات عديدة وصلت 42 تعديل على مسودة قانون 2010. وخلال عامى 2012 و2013 استمرت اللجنة فى عملها على مسودة القانون المطروح على مجلس الشورى، إلا أنه شمل تعديلا طفيفا فى الاسم من التأمين الصحى الشامل إلى الضمان الصحى الشامل، ولم يمس جوهر التعديلات السابقة.

• الفترة من 2013 حتى إقرار القانون: لأول مرة جدث أن تولت حقيبة وزارة الصحة أستاذ فى الصحة العامة، والتى تولت بنفسها رئاسة لجنة القانون، وأضافت إلى عضويتها عددا من ممثلى التيارات المجتمعية المختلفة، واستعانت بالعديد من الخبراء، وقد عملت هذه اللجنة على إتمام هذا المشروع قرابة الخمس سنوات، عقدت خلالها ما يزيد عن 30 حوارا مجتمعيا، واستجابت للعديد من الملاحظات والإضافات الموضوعية، وانتهت اللجنة إلى مشروع قانون متكامل لتحقيق أهداف الإصلاح الصحى والتغطية الصحية الشاملة تدريجيا وذلك بتاريخ 17 / 11 / 2016.

ملامح النظام الجديد : يمثل هذا القانون فى الواقع قفزة نوعية هائلة وطَموحا بسعيه لإصلاح النظام كأداة تشريعية تؤسس لهيئة تمويل وشراء للخدمات الصحية نيابة عن المواطنين المشتركين فى النظام، وهيئة لإدارة تقديم الرعاية والخدمات الصحية والإشراف عليها لمقدمى الخدمة، ثم هيئة ثالثة للرقابة واعتماد ضمان جودة الخدمات المقدمة. وهو اتجاه جديد تماما فى تاريخ نظامنا الصحى يسعى على الرغم من صعوبته إلى تحقيق نظام حوكمة رشيدة للمنظومة يتم فيها فصل الوظائف المختلفة وضمان المحاسبة والمساءلة حولها والجودة والشمول من خلالها وتدعيم الاستخدام الأمثل للموارد وحسن إدارتها واستدامتها.

في نفس السياق ، أثار البعض وضع القطاع الصحى الحالى المتردى الذى نعرفه جميعا من نقص فى أطباء وتمريض الرعاية الأولية وتدنى حال المستشفيات العامة ونقص الدواء وسوء المعاملة وغيرها من التحديات المنطقية، وقالوا: لماذا لا نبدأ بإصلاح ذلك أولا قبل القانون، و السبب ببساطة أننا قد بدأنا برنامج الإصلاح الصحى فى عام 1999 ومع تغير قيادات وزارة الصحة الدائم أدركنا أن إطار الإصلاح الحقيقى يفتقر إلى تشريع ملزم وقوى لإعادة هيكلة المنظومة نظريا، وفصل التمويل عن إدارة وتقديم الخدمة، ثم الرقابة واﻻعتماد فى إطار جديد يسمح بتوفير حجم تمويل كاف وكبير يوفر مزايا لمقدمى الخدمة من الفرق الصحية يجعلهم يعملون فى مجال الرعاية الأولية أساسا فى الريف والصعيد والمناطق الأفقر من البلاد. كمدخل للنظام ولضمان جودته نحتاج إلى هذه الأموال وهؤلاء البشر ليعملوا فى رضاء واكتفاء بالتوازى مع خطة عاجلة لتطوير التعليم الطبى ليناسب احتياجات الإصلاح... إلخ. نعم العربة والحصان معا، أو القانون والإصلاح فى الوقت نفسه وليس أيهما أولا، فالقانون أداة ورافعة لإصلاح المنظومة و هو قانون للإصلاح الصحى الشامل.

يعتمد النظام الجديد فى تمويله وضمان استدامته على ثلاثة محاور تمويلية أساسية: 

المحور الأول: يشمل اشتراكات الأسر المنخرطة تحت مظلته بنسب اشتراكات تعتمد على الدخل الكلى لرب الأسرة له ولأولاده ولزوجته إذا كانت لا تعمل وإذا كانت تعمل تدفع عن نفسها نسبه 1%، ويقدر الاشتراك إجمالا للأسرة بمتوسط يصل إلى 6% من دخله الكلى و4% من صاحب العمل سواء كانت الدولة أو القطاع الخاص الذى يعمل فيه، أى بإجمالى قرابة نسبه 10% إذا كان لديه طفلان وزوجة لا تعمل. وهذا الاشتراك إجمالا للفئات القادرة فى المجتمع التى تعمل فى أطر عمل رسمية محددة أى الدولة، والقطاع الخاص المنظم قد يمثل قرابة ثلث التكلفة الإجمالية للنظام أى نحو 200 مليار جنيه فى حالة التطبيق الكلى للنظام لقرابة 90% من السكان المقيمين تقريبا.

والمحور الثانى: والضرورى لاستدامة المنظومة هو نصيب الخزانة العامة للدولة للفئات غير القادرة فى المجتمع والتى تقدر بنحو من 30% إلى 35% من الأسر، وسوف يصل أيضا لقرابة 200 مليار أخرى، وسيظل إشكالية هذا المحور فى تحديد هذه الفئات تحديدا دقيقا ودوريا وعادلا. 

أما المحور الثالث: والأخير والأهم  لتحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف؛ هو ما يسمى بالمصادر الأخرى أو التمويل المجتمعى أو الرسوم المخصصة للصحة على حزمة من السلع والخدمات التى لا تمس مصالح الفقراء، لأنها من دلالات التضامن المجتمعى من ناحية وتعبيرا عن المسئولية الاجتماعية من ناحية أخرى خاصة للقطاعات الصناعية والتجارية الخاصة الأغنى فى المجتمع والتى تحقق أرباحا فعلية واستقطاع جزء منها لا يؤدى إلى مزيد من التضخم أو إعاقة الاستثمار.

الخلاصة :

بالمقارنة بالعديد من النظم الصحية ، و خاصة نظام التأمين الصحي الإنجليزي ، النظام الصحي الذي يشهد الجميع بتميزه و عدالته ، تم التوصل لنموذج مناسب للسياق الاقتصادي و الاجتماعي المصري ، بنمط التمويل الذي تم شرحه سابقا لأن ليس لدينا  نظام ضريبي مثل بريطانيا، فضلا عن وجود قطاع غير رسمي كبير في مصر ( عمالة غير منتظمة ) . بالاضافة إلى أن القانون الجديد" إلزامي " ، لا مجال للتخارج منه opt out  ، حتى يضمن النظام الجديد استدامة التمويل ، لأنه لو سمح بالتخارج سيخرج الأغنياء من النظام ، و يترك التأمين للأفقر . و بالتالي ، عالج القانون الجديد مشكلة التخارج بالالزامية . بالاضافة إلى أنه يعتمد في صميمه على مفهوم طبيب الأسرة  ، بحيث يقوم بإجراء الكشف الطبى وتسجيل التاريخ المرضى للمنتفع والإشراف على البرتوكول العلاجى حال مرضه أو ثبوت إصابته بمرض مزمن مع صرف الدواء ، و يتم تحويل للمستوى الثاني و الثالث بواسطة طبيب الأسرة ايضا عند الحاجة. 

و نقطة أخرى ، مع تعدد قوانين التأمين في مصر ، و التي تم عرضها سابق ، كانت الحاجة لتوحيدها في قانون واحد.

من التجارب المتكررة للإصلاح الصحي في مصر ، و في غيرها من الدول ، نعرف أن عملية الإصلاح الصحي هي عملية صعبة ، أصحاب المصالح لديهم من الأسباب للوقوف في وجه عمليات الإصلاح بقوة . و لكن ، يجب بناء نظام تقييم في داخل تجارب الإصلاح بحيث يتم التعلم من الأخطاء ، مقدمو الخدمة و التأمين في حاجة إلى حوافز لكتابة تقارير البيانات بدقة ، و من الضروري تجميع البيانات و تحليلها و نشرها ، و إدراك أن النظام الجديد سوف تظهر نتائجه على المدى المتوسط و الطويل مع شرط وجود رقابة برلمانية و مشاركة مجتمعية على الأداء .

 و لأهمية و صعوبة إنشاء نظام جديد بهيئات جديدة ، من قلب نظام قديم ، تحتاج الهيئات الجديدة لوقت للاستقرار و تأدية عملها بشكل كامل ، وضع القانون قواعد و إجراءات منظمة لعملية التدرج فى تطبيق أحكامه ، بحيث تتم إدارة المرحلة الانتقالية من النظام القديم للنظام الجديد بشكل متوازن ،  و سيتم تطبيق القانون تدريجيا على عدة مراحل تصل لعشر سنوات ، لضمان جودة التنفيذ. حيث تشمل المرحلة الأولى محافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس وجنوب سيناء والأقصر وأسوان، فيما تضم المرحلة الثانية مطروح والبحر الأحمر وقنا وشمال سيناء، وتشمل المرحلة الثالثة الإسكندرية والبحيرة ودمياط وسوهاج وكفر الشيخ، والمرحلة الرابعة بنى سويف واسيوط والمنيا والوادى الجديد والفيوم، والمرحلة الخامسة الدقهلية والشرقية والغربية والمنوفية والمرحلة السادسة فى القاهرة والجبزة والقليوبية .

و بالطبع فإن التدرج في التطبيق على عدة مراحل يعطي صانع القرار فرصة جيدة للتعلم من الأخطاء و  من ثم تلافيها

نشر هذا المقال في مجلة  الديمقراطية عدد يناير ٢٠٢١