أوراق هوية وزواج ومدافن: الحقوق الأساسية الغائبة لأصحاب الديانات غير المعترف بها في مصر

في هذه الورقة المختصرة نتقدم بعدد من المقترحات التنفيذية والتشريعية بالأساس، التي يمكن أن تَشرَع مؤسسات الدولة في تبنيها مباشرة وبشكل عاجل إذا كانت جادة بالفعل في التزامها الذي أعلنه رئيس الجمهورية في السير خطوات في اتجاه كفالة حرية الدين والمعتقد للجميع دونما تمييز.

تتقدم فيها المبادرة إلى الحكومة والبرلمان وصناع القرار بمقترحات تنفيذية وتشريعية عاجلة، تهدف بالأساس إلى ضمان الحقوق الأساسية للمواطنين المصريين غير المنتمين إلى الديانات الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، وهي تحديدًا الحق في الحصول على بطاقة هوية بدون الاضطرار إلى كتابة بيانات غير صحيحة في خانة الديانة، والحق في الحصول على شهادات توثيق الزواج والحق في التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، والحق في تخصيص مدافن خاصة بهم.

مع إشارة إلى تعديلات دستورية مطلوبة وإلى وجهة الإصلاحات الواسعة المطلوبة لتأسيس سياسات مستدامة لحرية الدين والمعتقد.
وترتكز هذه المقترحات على بعض أحكام المحاكم العليا المصرية وكذلك على عدد من النصوص في الشِّرعة الدولية لحقوق الإنسان والتي تحولت بمقتضى الدستور المصري في 2014 إلى مكون أصيل من مكونات القانون المحلي.

فهرس المحتوى:

مقدمة

1- اقتراحات تنفيذية عاجلة لحماية الحقوق الأساسية

-تسجيل الديانة

-تخصيص المدافن

-توثيق الزواج و التقاضي في الأحوال الشخصية

2- مقترحات تشريعية على المدى القصير

-بديل آخر لتوثيق الزواج

3-تعديلات تشريعية تضمن اصلاحًا جرئيًا لسياسة الإعتراف

-الفصل بين الاعتراف بوجود طائفة ما وكفالة الحقوق الأساسية للمنتمين إليها وبين الاعتراف المرتبط بممارسة الشعائر الدينية واتخاذ دور العبادة

4- تعديلات دستورية

-إصلاح أوسع لسياسة الإعتراف

المقدمة:


منذ عام 2015 والعناوين الكبيرة، مثل: "تجديد الخطاب الديني" و"الإصلاح الديني" و"الثورة الدينية" تحتل مساحات كبيرة في الإعلام وتتكرر في خطابات المسئولين الرسميين، من رئيس الجمهورية إلى مسئولي المؤسسات الدينية والسياسيين والأكاديميين وأصحاب الرأي، لكن في الوقت نفسه يمكن القول إن هذا العناوين الكبيرة لإصلاحات مفترضة لم تمس السياسات الدينية للدولة بشكل كبير.

في نوفمبر 2018 قال عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، في كلمته أثناء إحدى جلسات "منتدى شباب العالم" في شرم الشيخ، ما يمكن اعتباره تصريحات تشير إلى ضرورة كفالة الدولة حريات دينية لكافة أطياف التنوع الديني،  الأوسع من الأديان الثلاثة: الإسلام، دين الدولة، والمسيحية واليهودية اللتين تحظى طوائفهما بالاعتراف الرسمي من جانب الدولة. حيث قال:

"إن الدولة المصرية لم تكن تفكر من قبل في بناء دور عبادة للمواطنين غير المساجد، ولكن الآن الدولة معنية أن تبني في كل مجتمع جديد (..) كنائس لمواطنيها لأن لهم الحق في العبادة كما يعبد الجميع، ولو عندنا في مصر ديانات أخرى نحن كنا سنبني لهم دور عبادة، لو أن لدينا يهود سنبني لهم دور عبادة، لو أن لدينا ديانات أخرى كذلك"، وأضاف أن ذلك "حق المواطن يعبد كما يشاء، أو بالمناسبة لا يعبد، هذا موضوع لا نتدخل فيه". وقال أيضًا: "لا تمييز بين دين ودين، الكل سواء، وهذا ليس كلامًا يقال، وإنما ممارسات يجب أن تنفذ، وتتحول إلى سياسات وآليات عمل مستقرة في الدولة لها الاستدامة".

في هذه التصريحات إقرار بضرورة قبول الدولة التنوع الديني وإن كانت "ديانات أخرى" غير المسيحية واليهودية، بل وضرورة كفالة الدولة حقهم في اتخاذ دور عبادة وممارسة الشعائر الدينية، وأيضًا ضرورة احترام الدولة خيار المواطن في عدم الانتماء إلى أي دين.

أعقبت هذه التصريحات ردود أفعال من مواطنين منتمين إلى هذه التنوعات الدينية، فكتب حاتم الهادي في موقع التحرير مقالًا بعنوان :"نعم يا سيادة الرئيس هناك ديانات أخرى في مصر"، وقال فيه إنه مواطن مصري بهائي يرحب بهذه التصريحات ولديه أمل في أن تترجم إلى سياسات تكفل الحرية الدينية للجميع، وأشار إلى أن هناك "إشكاليات تعيق حق البهائيين في المواطنة كغيرهم من المصريين، منها ما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية، ومنها عدم تخصيص أراضي قبور لدفن موتاهم، وهذه احتياجات أصبحت الآن مُلِّحة (..) قبل أن يأملوا في بناء دور عبادة لهم كما صرحت وكما هو مسموح به للبهائيين في الـ160 دولة التي جاء ممثلوها لمنتدى الشباب العالمي".  
كما وقع عدد من المواطنين على "بيان من مصريين ملحدين ولا دينيين ولا أدرييين أو مواطنين يفضلون الاحتفاظ بخصوصية عقائدهم"، يقول البيان إن:

"هذه التصريحات ليست منعكسة على أي ممارسات وسياسات تقوم بها الدولة، وننتظر هذه الممارسات والسياسات التي تؤكد على حرية العقيدة وحق كل مواطن في أن يعتقد ما يشاء بدون أن يعاني من تمييز أو تضييق أو حرمان من حق. ونحن كمواطنين و كأفراد ملحدين أو دينيين أو لا أدريين نطلب أبسط حقوقنا وهو أن لا تقوم الدولة بالكذب في خانة الديانة في أوراقنا الرسمية، حيث أنها ما زالت تحتوي على أديان آبائنا إن كانت ضمن الديانات الثلاث المتاحة فقط للتسجيل في خانة الديانة (مسلم - مسيحي - يهودي)، والمحاولات لتركها فارغة أو كتابة (-) تم رفضها من قبل مصلحة الأحوال المدنية في وزارة الداخلية".
وردود الأفعال هذه تكشف بالفعل أن "هناك ديانات أخرى" في مصر، والتزام الدولة الذي أشار إليه الرئيس بخصوص حقهم في ممارسة الشعائر واتخاذ دور العبادة أو بخصوص عدم تدخل الدولة في خياراتهم العقائدية يبدو غير متحقق، بل على العكس يبدو متناقضًا مع واقع وتاريخ البناء الدستوري والتشريعي المصري والسياسات الدينية الحاكمة التي ترفض الاعتراف بمكونات للمجال الديني أبعد من الأديان الإبراهيمية الثلاثة، إلى الحد الذي يهدر
أبسط الحقوق الأساسية مثل الحق في إثبات المعتقد بشكل صحيح عندما تتطلبه أوراق رسمية، والحق في توثيق الزواج، والحق في الحصول على تخصيص مدافن.

تنص المادة 64 من الدستور المصري على أن الدولة تكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية وبناء دور العبادة لأتباع "الأديان السماوية"، وتوضح سياساتٌ تنفيذية وأحكامٌ قضائية متعددة المقصود بالأديان السماوية بأنها الإسلام والمسيحية واليهودية، دون غيرهم من الأديان والعقائد التي يتم وصف بعضها في سياقات مختلفة بأنها "غير معترف بها" رسميًّا، أي لا توجد شخصية اعتبارية قانونية لهيئة أو كيان يمثل هذه الطائفة أو هذا المعتقد.

غير أن هذه الحالة من "عدم الاعتراف" لا تمس فقط حرية ممارسة الشعائر أو بناء دور العبادة ولكنها تمتد لتهدد الحقوق الأساسية لمن يدينون بغير الإسلام والمسيحية واليهودية.

وباستثناء الإسلام الذي ينص الدستور على كونه "دين الدولة"، فإن "الاعتراف" بالنسبة إلى المسيحية واليهودية ليس مطلقًا أيضًا، ولكنه مقيد بالطوائف المحددة التي أقرت لها الدولة بشخصية اعتبارية بطريقة ما، وهناك طوائف مسيحية لا تحظى بأي شكل من أشكال الاعتراف الرسمي.

وأهم الحقوق الأساسية المهددة لمن يعتقدون أو يدينون بأفكار ومعتقدات دينية "خارج الاعتراف" أو لا يدينون بأي دين أو معتقد، هي الحق في استخراج أوراق رسمية مدون بها ديانتهم أو عقائدهم، أو على الأقل غير مكتوب فيها ديانة أخرى لا يدينون بها، والحق في توثيق الزواج، والحق في التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، وتيسير إجراءات دفن موتاهم وتخصيص مدافن لهم، وكذلك الحق في حرية التعبير، نظرًا إلى السوابق المتعددة للتعامل مع تعبيرهم عن عقائدهم وأفكارهم باعتباره "ترويجًا لأفكار متطرفة" تندرج تحت المادة (98و) من قانون العقوبات، ويلاحقون و يحاكمون وفقها فيما يعرف بقضايا ازدراء الأديان.

هذه الحقوق والحريات ليست فقط مرتبطة بالانضمام إلى طائفة دينية تنتظر "الاعتراف" من أجهزة الدولة، ولكن أغلبها حقوق شخصية لصيقة بالحق في المواطنة، يجب أن تكون مكفولة للأفراد مهما كان اعتقادهم، وفي هذه الحالة يجب أن تكون سياسات الدولة وتشريعاتها ضامنة لهذه الحقوق الأساسية والحريات الدينية، ولكنها حاليًّا تتضمن العديد من العوائق أمام هذه الحقوق والحريات، وتستهدف هذه المقترحات إزالة هذه العوائق.

في هذه الورقة المختصرة نتقدم بعدد من المقترحات التنفيذية والتشريعية بالأساس، التي يمكن أن تَشرَع مؤسسات الدولة في تبنيها مباشرة وبشكل عاجل إذا كانت جادة بالفعل في التزامها الذي أعلنه رئيس الجمهورية في السير خطوات في اتجاه كفالة حرية الدين والمعتقد للجميع دونما تمييز.
مع إشارة إلى تعديلات دستورية مطلوبة وإلى وجهة الإصلاحات الواسعة المطلوبة لتأسيس سياسات مستدامة لحرية الدين والمعتقد.
وترتكز هذه المقترحات على بعض أحكام المحاكم العليا المصرية وكذلك على عدد من النصوص في الشِّرعة الدولية لحقوق الإنسان والتي تحولت بمقتضى الدستور المصري في 2014 إلى مكون أصيل من مكونات القانون المحلي.


مقترحات تنفيذية عاجلة لحماية الحقوق الأساسية
 

تستهدف هذه المقترحات إزالة العوائق أمام الحقوق الأساسية للمواطنين غير المنتمين إلى الأديان الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية، مثل الحق في الحصول على بطاقة الرقم القومي وشهادات توثيق الزواج والحق في التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية والحق في دفن الموتى منهم، وذلك من خلال قرارات تنفيذية تصدرها الحكومة وهي لا تتطلب تعديلًا تشريعيًّا أو دستوريًّا ولا تتطرق إلى تعديلات أو إصلاحات في مسألة الاعتراف بالطوائف والفئات الدينية الأخرى.
 

تسجيل الديانة في سجلات الأحوال المدنية والحصول على بطاقة رقم قومي

يصدر وزير الداخلية قرارًا بتعديل المادة 33 من اللائحة التنفيذية لقانون الأحوال المدنية الصادرة بالقرار رقم 1121 لسنة 1995 والمعدلة بقرار وزير الداخلية رقم 520 لسنة 2009 والذي أضاف الفقرة:
"ويتم إثبات علامة (ــ) قرين خانة الديانة للمواطنين المصريين الذين سبق قيدهم أو حصولهم أو آبائهم على وثائق ثبوتية غير مثبت بها إحدى الديانات السماوية الثلاثة أو مثبت بها علامة (ــ) أمام خانة الديانة، أو إنفاذًا لأحكام قضائية واجبة النفاذ. ويسري ذلك على كافة النماذج والإصدارات الأخرى المرفقة باللائحة، شريطة أن يقدم طلب بذلك من ذوي الشأن إلى مساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة الأحوال المدنية أو من ينيبه ويتم إيداعه بالسجل المعد لذلك."

المقترح:

إضافة عبارة: "أو يتقدمون بطلب إلى لجنة خاصة يشكلها قطاع الأحوال المدنية تكون هي جهة الاختصاص في توثيق انتماء المواطنين المصريين إلى غير الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية".

خلفية:

أصدر وزير الداخلية قرارًا رقم 250 لسنة 2009 بتعديل المادة 33 من اللائحة التنفيذية لقانون الأحوال المدنية بإضافة الفقرة الموضحة بعد عدة أحكام من محكمة القضاء الإداري برفض إلزام وزارة الداخلية بإثبات ديانة غير الديانات الثلاث المعترف بها في خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي، وبإلزام وزارة الداخلية بترك خانة الديانة فارغة أو التهشير عليها أو إضافة الشَّرطة (-) للمواطنين الذين سبق لهم أو لأبويهم استصدار أوراق مدون بها ديانة غير الديانات الثلاث، ولم تتقدم وزارة الداخلية بطعن على الأحكام وبعدما قضت المحكمة الإدارية العليا في مارس 2009 برفض الطعن المقدم على أحد هذه الأحكام.

وقالت محكمة القضاء الإداري في حكمها رقم 12780 لسنة 61 ق إن حيثيات الحكم أتت "انطلاقًا من مبدأ عدم إجبار أي مواطن على الدخول في دين من الديانات السماوية إذا كشفت أوراقه ومستنداته خلو خانة الديانة من إثبات سماوي بها، وعليه فإنه يضحى استخراج أوراق بطاقة رقم قومي لهم خالية أمام خانة الديانة أو مهشرة بعلامة محددة بما يوضح أنه لا يعتنق أيًّا من الديانات السماوية الثلاث"، وأشارت في موضع آخر إلى أنه "كما أن النصوص التشريعية المنظمة لا تتعارض مع وضع علامة (-) أمام من سبق التحرير لهم بمستندات خالية الديانة لمن لا ينتمي إلى دين سماوي… وتطرح المحكمة جانبًا ما استندت إليه الإدارة متمثلًا في صدور رأي استشاري يتضمن إجبارهم على إثبات دين سماوي بحسبان أن ذلك يمثل ضررًا بليغًا بالدين المطلوب إثباته على غير الحقيقة".

ولذلك فإن الوضع الحالي الذي يعاني منه مواطنون مصريون مدون بأوراقهم الرسمية إحدى الديانات الثلاث متابعة لديانة الأب ولكنهم في الوقت نفسه يعلنون أنهم لا يدينون بدين من الديانات الثلاث المعترف بها سواء أكانوا ينتمون إلى ديانة غير معترف بها أم لا يدينون بأي دين، هو مخالف للحقيقة ومخالف لحكم القضاء الإداري الذي أيدته المحكمة الإدارية العليا، وإذا كانت المحكمة قيدت إلزام وزارة الداخلية بتدوين (-) أمام خانة الديانة بتقديم أوراق سابقة تفيد ذلك لهم أو لآبائهم، وإذا كانت حرية الاعتقاد مطلقة للفرد فإنها لا يمكن أن تكون مقيدة بديانة أبويه، أو مقيدة بسابق استخراج أوراق تفيد ذلك إذا قرر الفرد تغيير معتقده أو الانتماء إلى معتقد غير الديانة التي ولد عليها، فإنه يتوجب على وزارة الداخلية لتنفيذ ذلك على الوجه الصحيح أن تشكل جهة تابعة لقطاع الأحوال المدنية لتكون هي جهة الاختصاص في إثبات انتماء المواطنين إلى غير الديانات الثلاث، حيث أنه لا جهة موجودة مختصة بذلك.

كما أن حكم المحكمة قد أشار إلى المادة 47 في القانون 143 لسنة 1994 في شأن الأحوال المدنية التي تنص على أن إجراء التغيير في الديانة بناءً على أحكام أو وثائق من جهة الاختصاص، وبما أنه لا يستقيم أن يكون طريق إثبات مواطن عقيدته التي يقر له الدستور بحريته المطلقة في اختيارها أن يتم عبر تقاضٍ، وفي الوقت نفسه لا توجد جهة اختصاص لإثبات هذه العقيدة إذا كانت بخلاف الديانات الثلاث وطوائفها التي لها جهات اختصاص، وهي الكيان الاعتباري للجهة الدينية التي اعترفت بها الدولة بأحد أشكال الاعتراف وتصدر وثائق تفيد انتماء الفرد إليها يعتد بها أمام القضاء، فإنه يتوجب على قطاع الأحوال المدنية أن يشكل جهة الاختصاص المطلوبة ولو بشكل مؤقت لإثبات ذلك وتيسير حصول المواطنين على أوراقهم الرسمية.


تخصيص المدافن

المقترح:

يصدر المحافظون قرارات تخصيص مدافن لغير المنتمين إلى الأديان الثلاثة، في المحافظات التي يتقدم فيها مواطنون بطلب يفيد حاجتهم إلى ذلك.

خلفية:

يشكو المصريون من غير أتباع الديانات السماوية من عدم كفاية المدافن التي سبق تخصيصها لهم، وقال بعض ممثليهم في مقابلات مع باحثي المبادرة إنه سبق تخصيص أراضٍ كمدافن لهم في محافظات القاهرة والإسكندرية وبورسعيد.
ولا ترتبط قرارات الدولة بإنشاء مدافن لغير أتباع الديانات السماوية بالاعتراف الرسمي بهم، ومثال ذلك مرسوم الملك فاروق الأول المنشور في العدد 53 من الوقائع المصرية بتاريخ 14 إبريل 1949 وعنوانه: "مرسوم بإنشاء جبانة بمدينة بورسعيد بمحافظة القنال لدفن موتى أفراد الطوائف التي تدين بغير الأديان المعترف بها في مصر".


الحق في الزواج وتوثيقه والتقاضي في مسائل الأحوال الشخصية
المقترح:

يصدر وزير العدل قرارًا بتعيين موثقين منتدبين في المحافظات المختلفة لتوثيق عقود الزواج بين المصريين غير المسلمين ممن أثبتت لهم مصلحة الأحوال المدنية علامة (-) في خانة الديانة في أوراقهم الرسمية، وذلك وفقًا للمادة الثالثة من القانون رقم 68 لسنة 1947 التي تنص على أنه:
"تتولى المكاتب توثيق جميع المحررات، وذلك فيما عدا عقود الزواج وإشهادات الطلاق والرجعة والتصادق على ذلك، الخاصة بالمصريين المسلمين والمصريين غير المسلمين المتحدين الطائفة والملة. ويوثق عقود الزواج والطلاق بالنسبة إلى المصريين غير المسلمين والمتحدي الطائفة والملة موثقون منتدبون يعينهم بقرار من وزير العدل - ويضع الوزير لائحة تُبين شروط التعيين المنتدبين واختصاصاتهم وجميع ما يتعلق بهم ويستحق على عقود الزواج المذكورة رسم طبقًا للقانون رقم 91 لسنة 1944 المشار إليه".

خلفية:

يعاني العديد من البهائيين الآن من رفض الجهات الرسمية توثيق عقود زواجهم وتستمر مصلحة الأحوال المدنية باستخراج بطاقات رقم قومي لهم باعتبارهم غير متزوجين رغم قيامها بإصدار شهادات ميلاد لأطفالهم، وهو ما يظل إثباتًا لبيانات مخالفة للحقيقة بدعوى أن عدم اعتراف الدولة بالطائفة البهائية وبالتالي بالزواج وفق الشريعة البهائية يبرر تجاهل وإنكار الجهات الرسمية حقيقة زواجهم واختلاف حالتهم الاجتماعية وهو ما يلجئهم إلى التقاضي في محاكم الأسرة للحصول على أحكام بإثبات الزواج.
ورغم تمسك جهات الدولة بعدم الاعتراف بعقد الزواج البهائي باعتباره شعيرة دينية تنتمي إلى ديانة غير معترف بها، فإنه يجب على الدولة أن تيسر الحق في الزواج وتوثيقه بعيدًا عن الشكل الديني للزواج، وهو ما يتوافق مع حق المصريين من أديان وعقائد أخرى أو غير مؤمنين بأي دين في الزواج وتوثيقه.

وبناء على أن مجلس الدولة المصري قد سبق وفسر عبارة "غير المسلمين" الواردة في المادة السابقة (المادة 3 من القانون 68 لسنة 1947) على أنها  تشمل غير المسلمين على تنوعهم بمَن فيهم مِن البهائيين في الفتوى رقم 582 في 19 نوفمبر 1952، فإن المادة بذلك تنطبق على سائر المصريين غير المسلمين من غير المنتمين إلى الديانات الثلاث.
كما أن استخراج مصلحة الأحوال المدنية لهم بطاقات رقم قومي بها علامة (-) أمام خانة الديانة تندرج تحت اتحاد الطائفة أو الملة، حيث أن لهم مركزًا قانونيًّا واحدًا من حيث تسجيل الديانة. وبذلك يمكن لوزير العدل أن يصدر قرارًا بتعيين موثقين لعقود الزواج بين طرفي زواج ممن حصلوا على أوراق مدون بها علامة (-) في خانة الديانة.
 

وفي حالة التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، فإن محكمة النقض قد أرست مبدأ التحاكم إلى الشريعة الإسلامية في مسائل الأحوال الشخصية باعتبارها القانون العام الذي يتم التحاكم إليه سواء للمسلمين أو لغيرهم، باستثناء اتحاد الزوجين غير المسلمين في الملة والطائفة ووجود لائحة دينية لنظام الأحوال الشخصية أقرتها الدولة للطائفة التي تجمعهم، وبخلاف ذلك يسري ما وصفته محكمة النقض بالقانون العام أو الشريعة العامة، حيث أنه وفق "المستقر في قضاء هذه المحكمة (محكمة النقض) أن الشريعة الإسلامية هي شريعة القانون العام وبمعنى أنها تختص أصلًا بحكم علاقات الأسرة بالنسبة إلى المسلمين وغيرهم وأن الشرائع الأخرى تختص بصفة استثنائية وعند توافر شروط معينة".
وطالما استمر الوضع القانوني لعدم اعتراف الدولة بلائحة دينية للأحوال الشخصية في حالة البهائيين أو غيرهم من أصحاب الديانات والعقائد أو لعدم وجودها مطلقًا في حالة المواطنين اللادينين أو الملحدين، فإن هذا المبدأ الذي أرسته محكمة النقض ينطبق هنا أيضًا ويتم التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية لهم وفق ما وصفته المحكمة بـ"القانون العام".


مقترحات تشريعية على المدى القصير

بديل آخر لتوثيق الزواج لأصحاب الديانات والعقائد الأخرى: في مكاتب التوثيق بالشهر العقاري

يعالج هذا المقترح خلو القانون مما ينظم توثيق الزواج والأحوال الشخصية للمصريين من غير أتباع الديانات الثلاث بطوائفها المعترف بها، ويقترح بديلًا لتمكينهم من توثيق الزواج والطلاق والتقاضي في مسائل الأحوال الشخصية بدون التطرق بالضرورة إلى إصلاح الخلل المتعلق بعدم الاعتراف بالطوائف والفئات الدينية التي ينتمي إليها بعض المصريين.

المقترح:

تعديل المادة 5 من قانون الأحوال المدنية 143 لسنة 1994:

".. وتختص مكاتب التوثيق بالشهر العقاري بقيد واقعتي الزواج والطلاق إذا كان أحد طرفي العلاقة أجنبيًّا أو كان الطرفان مصريين واختلفا في الديانة أو الملة"، بإضافة عبارة "أو خلو خانة الديانة ووجود (-) لدى طرفي الزواج" إلى نص المادة.

وتبعًا لذلك يصدر وزير العدل قرارًا بإلغاء المادة 134 من الباب الخامس في القسم الثاني من تعليمات الشهر العقاري والتوثيق: "لا يجوز توثيق عقود زواج البهائيين فيما بينهم أو فيما بينهم وبين غيرهم من معتنقي الديانات الأخرى المعترف بها في جمهورية مصر العربية. كما لا يجوز توثيق عقود الزواج التي تكون ديانة أحد طرفيها المسيحية "شهود يهوه". ولا يقبل إجراء التصديق أو إثبات تاريخ أي أوراق صادرة من جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس التي هي نفسها جمعية شهود يهوه".
حيث تتضمن هذه المادة تمييزًا ضد فئات من المصريين وسلبهم الحق في توثيق زيجاتهم.

ويرتبط هذا التعديل التشريعي بتعديل اللائحة التنفيذية للأحوال المدنية بقرار وزارة الداخلية السابق الإشارة إليه بخصوص خانة الديانة وإتاحة خلو خانة الديانة ووجود (-) للفئات التي ترفض أجهزة الدولة الاعتراف بها، وبذلك يتم توثيق الزواج في حالة وجود (-) في خانة الديانة في مكاتب التوثيق بالشهر العقاري، ويكون التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الخاصة بهذه الحالات وفق القانون العام وليس وفق شريعة دينية.
 

تعديلات تشريعية تتضمن إصلاحًا جزئيًّا لسياسة "الاعتراف"
الفصل بين الاعتراف بوجود طائفة ما وكفالة الحقوق الأساسية للمنتمين إليها وبين الاعتراف المرتبط بممارسة الشعائر الدينية واتخاذ دور العبادة
 

إذا كان حرمان مجموعات من المصريين الحقَّ في ممارسة الشعائر الدينية واتخاذ دور العبادة بسبب سياسات الاعتراف وبسبب نصوص دستورية تناقض المبادئ الدستورية وتميز بين المصريين وتحرمهم حرياتهم الدينية، فإن عدم الاعتراف بوجود هذه المجموعات من المصريين وبعلاقاتها الاجتماعية القائمة ورفض توثيق عقود الزواج الخاصة بهم هو خلل صارخ وانتهاك لأبسط حقوق المواطنة.
ولذلك، تستهدف هذه التعديلات التشريعية على المدى المتوسط، حماية الحق في الزواج وفق شعيرة دينية واعتراف الدولة بوجود هذه الطوائف وبعلاقاتها الاجتماعية بدون التطرق إلى الحق في ممارسة الشعائر الدينية واتخاذ دور العبادة التي تتطلب تعديلات دستورية وإصلاحًا شاملًا لسياسات الدولة في إدارة الشئون الدينية.

المقترح:

تعديل المادة 3 من قانون رقم 1 لسنة 2000

"… ومع ذلك تصدر الأحكام في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية بين المصريين غير المسلمين المتحدي الطائفة والملة الذين كانت لهم جهات قضائية مِلِّية منظمة حتى 31 ديسمبر سنة 1955، طبقًا لشريعتهم ووفقًا للنظام العام".
وإلغاء عبارة "الذين كانت لهم جهات قضائية مِلِّية منظمة حتى 31 ديسمبر سنة 1955".

خلفية:

العبارة المقترح إلغاؤها تشير إلى تاريخ 31 ديسمبر 1955 وهو تاريخ صدور قانون حل المحاكم الشرعية والمحاكم المِلِّية وإخضاع مجال اختصاصها للمحاكم المدنية.
وكانت المحاكم الشرعية تتولى الفصل في قضايا الأحوال الشخصية الخاصة بالمسلمين، والجهات القضائية المِلِّية هي جهات خاصة بطوائف المسيحيين واليهود التي أقرت الدولة بلوائحها التي تتضمن شروط الزواج وما يتصل به وفق شريعة دينية ما.
وبعد حل المحاكم الشرعية والمِلِّية، تولت المحاكم المدنية الفصل في قضايا الأحوال الشخصية وفق قانون الأحوال الشخصية للمسلمين المستند إلى الشريعة الإسلامية، أو وفق لوائح الأحوال الشخصية للطوائف المختلفة التي كانت لها جهات قضائية مِلِّية، أو تطبيق الشريعة الإسلامية في حالة اختلاف الطائفة والمِلَّة بين طرفي الزواج.
ووجود هذه العبارة يمنع عمليًّا إقرار لوائح أحوال شخصية لم يتم إقرارها قبل ذلك التاريخ، وهو ما يغلق الباب أمام طوائف أخرى، حتى لو كانت مسيحية أو يهودية، من التقدم بلوائحها للأحوال الشخصية إلى أجهزة الدولة لإقرارها.

ويتطلب هذا التعديل قيام وزارة الداخلية بالإقرار بوجود أي طائفة دينية ينتمي إليها مجموعة من المصريين والاعتراف بشكلها التنظيمي وبلوائح الأحوال الشخصية الخاصة بها بإجراءات مماثلة لإجراءات اعتماد اللوائح التنظيمية للطوائف المسيحية واليهودية، وتكون الأشكال التنظيمية الرسمية التي تقرها الدولة لهذه الطوائف هي جهة الاختصاص في إصدار أوراق انتساب المواطنين إليها، ووفقًا لذلك يتم تسجيل ديانتهم في بطاقة الرقم القومي، وتتولى محاكم الأحوال الشخصية الفصل في قضاياهم وفق شرائعهم الدينية طالما لا تتصادم مع الحقوق والحريات التي يحميها الدستور.


تعديلات دستورية

يتطلب إصلاح وضع حرية الدين والمعتقد والسياسات الدينية مجموعة مترابطة من السياسات والإصلاحات الدستورية والقانونية تخص وضع الدين الرسمي وحدود استخدام مفاهيم مثل الشريعة الإسلامية والنظام العام والوضع القانوني للأزهر والهيئات التابعة له ووزارة الأوقاف والتنظيم القانوني لاتخاذ دور عبادة وقوانين تنظيم الأحوال الشخصية وغير ذلك، ولكن هناك تعديلًا أساسيًّا مطلوبًا يخص المصريين من غير أتباع الديانات الثلاث ليفتح الطريق إلى إتاحة حرياتهم الدينية وما يتصل بها من حقوق، خاصة أنه متصل بمفهوم "الأديان السماوية" الذي ترتكز عليه العديد من السياسات والممارسات القانونية والإدارية والحيثيات القضائية فيما يتعلق بـ"الاعتراف" والحق في الحريات الدينية.

المقترح:

تعديل المادة 64 من الدستور المصري:
"حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون".

وحذف عبارة "لأصحاب الأديان السماوية".

يعد قصر حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة على أصحاب الأديان السماوية تقييدًا وتمييزًا بين المصريين على أساس العقيدة، فضلًا عن كون مصطلح "السماوية" مصطلح غير منضبط قانونيًّا في إشارته إلى صفة غيبية تَدَّعيها معظم الأديان والعقائد، وحتى في الشريعة الإسلامية والتراث الفقهي لا يتم استخدام هذا الاصطلاح كتحديد لأديان أو عقائد دون غيرها.

ومن جهة الدلالة، فإن دلالته المعروفة الموضحة في العديد من التفسيرات الرسمية والأحكام القضائية تشير إلى أن المقصود بالأديان السماوية: "الإسلام والمسيحية واليهودية"، وتشير تفسيرات قضائية متعددة إلى أن الوضع الخاص للأديان السماوية (اليهودية والمسيحية) هو امتداد لوضع "أهل الكتاب" أو "أهل الذمة" في التاريخ الإسلامي.
وأهل الكتاب في الشريعة الإسلامية هم بالأساس المسيحيون واليهود، ولكن يشهد التاريخ الإسلامي وتاريخ الفقه بالتوسع في إلحاق أهل الطوائف الدينية الأخرى بوضع أهل الكتاب واعتبارهم "أهل ذمة" وكفلت لهم الدولة الإسلامية حقهم في العبادة وممارسة الشعائر وأقرت بمعاملاتهم وعلاقاتاهم الاجتماعية فيما يعرف اليوم بالأحوال الشخصية. ومن المفترض أن الإطار الدستوري للدولة الحديثة يجب أن يتجاوز فيما يخص كفالة الحقوق الدينية وغيرها إطار أهل الكتاب وأهل الذمة لا أن تتراجع عنه.
هناك اعتراض يُثار بخصوص التنوعات الدينية المعاصرة، ويعتبر أهلها "مرتدين" عن الإسلام، وتعتبر أحكام متعددة  للقضاء المصري فعل الردة تهديدًا للنظام العام نظرًا إلى مخالفته الشريعة، وتشير أحكام قضائية إلى أن عدم الاعتراف بفعل الردة ليس مخالفًا لحرية الاعتقاد لأن حرية الاعتقاد محدودة باحترام النظام العام، وتشير الأحكام إلى أن النظام العام هو الشريعة الإسلامية، أو مستمد من الشريعة. وهذا التناقض الكبير بين أول بديهيات حرية الاعتقاد وهو حق الإنسان في تغيير عقيدته، وبين ما يعتبره القضاء نظامًا عامًّا يجب أن يتم معالجته، أولًا على أساس دستوري وقانوني يجب أن يصون أبسط أشكال الحرية الدينية، وحتى على المستوى الفقهي، فإن العديد من الآراء الفقهية المعاصرة تقول بعدم وجود عقوبة على فعل الردة في الشريعة الإسلامية.

يضاف إلى ذلك أنه فيما يخص طوائف مثل البهائيين في مصر فإننا نشهد الآن أجيالًا نشأت لأبوين بهائيين ولا ينطبق عليها نفس الجدل الذي انطبق على آبائهم الذين تحولوا عن الإسلام أو المسيحية إلى البهائية.

التعديل الدستوري الذي يحذف ذلك التقييد لحرية ممارسة الشعائر وإقامة دور العبادة بكون الأديان سماوية، سيكون بداية لإعادة النظر في العديد من الممارسات والسياسات التي ارتكزت على هذا التقييد، وحتى من قبل إضافته للدستور إلى الدستور في 2012، وسيفتح الباب لإصلاح حقيقي لحالة حرية المعتقد في مصر.

مراجع:

1- وفق الوثيقة الدستورية المعدلة الصادرة في يناير 2014.

2- تقدمت المبادرة المصرية بهذا المقترح إلى وزير العدل في 2012 في ورقة غير منشورة بعنوان "ورقة في شأن توثيق زواج البهائيين" أعدها عادل رمضان، المسئول القانوني بالمبادرة المصرية.

3- تنص الفقرة الأولى من المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "للرجل والمرأة، متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدِّين". وتنص المادة 10 من الدستور المصري على أن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها".

4- حكم محكمة النقض في الطعنين 16 و 26 لسنة 48 ق (أحوال شخصية).

5-يشير التعليق رقم 22 من التعليقات العامة لهيئة معاهدات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلى أن ”"الاعتراف بديانة ما باعتبارها دين الدولة أو الدين الرسمي أو التقليدي، أو باعتبار أن أتباعها يشكلون أغلبية السكان، يجب ألا يؤدي إلى إعاقة التمتع بأي حق من الحقوق المنصوص عليها في العهد، بما في ذلك المادتان 18 (حرية الدين والمعتقد) و27 (حقوق الأقليات)، كما يجب ألا يؤدي إلى أي تمييز ضد أتباع الديانات الأخرى أو الأشخاص غير المؤمنين بأي دين”، "، وأيضًا  إلى أنه “"تستند القيود المفروضة على حرية المجاهرة بالدين أو المعتقد بغرض حماية الأخلاق إلى مبادئ غير مستمدة حصرًا من تقليد واحد”.".