مقدمة وملخص- في يوم 6 يناير 2010، وفي حوالي الساعة 30:11 مساء، شهدت مدينة نجع حمادي بمحافظة قنا في صعيد مصر حادثاً إجرامياً حين تم إطلاق الرصاص على تجمعات من شباب الأقباط في ثلاثة مواضع مختلفة عقب دقائق من انتهاء قداس عيد الميلاد القبطي. وأسفر الهجوم الذي تم تنفيذه باستخدام سلاح آلي من سيارة مسرعة عن مقتل سبعة أشخاص من بينهم مساعد شرطة مسلم في الثامنة والعشرين من عمره، و6 أقباط تتراوح أعمارهم بين 17 و29 عاماً، فضلاً عن إصابة تسعة أقباط آخرين.
وأثناء تشييع جنازات القتلى ظهر يوم الخميس 7 يناير وحتى فجر السبت 9 يناير اندلعت موجات من الاعتداءات الطائفية التي طالت منازل وممتلكات الأقباط في نجع حمادي، وقرية بهجورة المجاورة، وعزبة تركس التابعة للقرية، حيث قامت مجموعات تحمل أسلحة بيضاء وعصياً وأوعية من البنزين بكسر أبواب المحلات التجارية وسرقتها وإشعال النيران فيها، بل وحاولوا في بعض الحالات فتح أبواب المنازل عنوة والتهجم على سكانها.
وبعد أقل من يومين على ارتكاب جريمة ليلة الميلاد، قام ثلاثة أشخاص بتسليم أنفسهم للشرطة بعد محاصرة منطقة اختبائهم، وفقاً لبيان وزارة الداخلية. وفي 16 يناير قرر النائب العام إحالة المتهمين الثلاثة إلى محكمة جنايات أمن الدولة العليا، المنشأة بموجب قانون الطوارئ، والتي ستبدأ في شهر فبراير القادم محاكمة المتهمين بارتكاب عدد من التهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.
تسعى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من خلال هذا التقرير إلى استجلاء الحقائق الأساسية بشأن حادث 6 يناير، والظروف المحيطة به والمؤدية إليه، والاعتداءات الطائفية التالية له والتي روعت أهالي المنطقة من الأقباط على مدى أربع ليال من العنف والنهب والتخريب. وبينما يقدم التقرير حصيلة التحقيقات الميدانية التي أجراها باحثو المبادرة المصرية في مدينة نجع حمادي والقرى المجاورة لها بعد بضعة أيام من وقوع الاعتداءات، فإن التقرير أيضاً يستند إلى الإفادات والأدلة التي تم جمعها من خلال هذا التحقيق الميداني واستكمالها عبر الجهد البحثي، ليخلص إلى بعض النتائج التي من شأنها أن تسلط الضوء على أداء أجهزة الدولة ـ وتحديداً أجهزتها الأمنية ـ قبل وبعد أحداث يناير 2010.
ومن هذا المنطلق يسعى التقرير إلى الاشتباك مع عدد من الأسئلة الضرورية لتقييم موقف الدولة من أحداث نجع حمادي. وأول هذه الأسئلة، هو عما إذا كان يمكن لأجهزة الدولة توقع اعتداءات نجع حمادي. يؤكد مسئولو الدولة أن الأجهزة الأمنية لم تكن لديها معلومات عن وقوع حادث نجع حمادي، وأنها كانت كفيلة بمنعه في حال توافر معلومات. ولكن المعلومات والشهادات والقرائن المتوافرة لدى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تدفعنا لاستنتاج أن هذا التصريح يخالف الحقيقة، وأن أجهزة الأمن كانت أمامها دلائل متواترة ومتطابقة تشير إلى أن المنطقة تغلي على نيران من التوتر الطائفي، بل وتلقى أسقف المنطقة وأقباطها ـ وفقاً لتقارير إعلامية منشورة قبل اعتداءات 6 يناير ـ رسائل تهديد ومؤشرات بأن المنطقة قد تشهد أحداث عنف في ليلة عيد الميلاد. وبالتالي فإن التقرير يطرح تساؤلات جادة حول سبب إخفاق أجهزة الأمن في التنبؤ بوقوع جرائم كان ينبغي أن تعلم بأن وقوعها مرجح في ذات الوقت والمكان اللذين وقعت فيهما تلك الجرائم.
كما يلفت التقرير إلى أن جميع إفادات شهود العيان الذين تواجدوا في مناطق إطلاق النار ليلة عيد الميلاد أشاروا إلى الوجود الأمني الهزيل أمام الكنائس في ليلة العيد، في منطقة كانت قد شهدت اعتداءات طائفية جماعية استهدفت الأقباط في نوفمبر 2009، وتتواتر فيها التهديدات باعتداءات جديدة عليهم. وإجابة هذا السؤال سترتبط بالطبع بالإجابة عن السؤال السابق. وسيبقى السؤالان دون إجابة شافية حتى يتم فتح تحقيق مستقل وشامل في الظروف المؤدية إلى جريمة ليلة عيد الميلاد.
ينتقل التقرير بعد ذلك إلى معالجة إخفاق أجهزة الدولة في حماية منازل وممتلكات الأقباط التي تعرضت للاعتداءات الجماعية والنهب والحرق من قبل جماعات من المسلمين على مدى الأيام الثلاثة التالية لحادث إطلاق النار، حيث غاب التواجد الأمني عن الشوارع والمناطق الملتهبة، والتي كانت مرشحة للانفجار في أي وقت. غير أن التقرير لا يفوته أن يتوقف عند عدد من النماذج المضيئة التي حاول فيها رجال ونساء من المسلمين الدفاع ببسالة عن جيرانهم الأقباط في وجه المعتدين.
ويتعرض الفصل الأخير من التقرير للانتهاكات التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية في الأيام التالية لحادث إطلاق النار. ففي الوقت الذي فشلت فيه أجهزة الأمن في التنبؤ باعتداءات نجع حمادي، وفي التصدي للمهاجمين أثناء تنفيذها، وفي حماية منازل وممتلكات الأقباط من النهب والإحراق والتدمير، فإنها عوضت هذا الفشل بانتهاج النمط المعهود من الانتهاكات التي دأبت على ارتكابها في أعقاب أحداث العنف الطائفي: الاعتقالات العشوائية الفردية والجماعية من الطرفين، واستعمال قانون الطوارئ، وتعذيب المحتجزين وإساءة معاملتهم، وتقييد حرية ممثلي الإعلام ونشطاء المجتمع المدني.
وينتهي التقرير بعدد من التوصيات للقيادات التنفيذية والقضائية والتشريعية، على رأسها ضرورة فتح تحقيق رسمي وشامل ومستقل، سواء من خلال مكتب النائب العام أو عبر تشكيل لجنة مستقلة خاصة وذات صلاحيات قانونية أو كليهما، من أجل إجلاء حقيقة المسئولية الفعلية أو التقصيرية عن وقوع اعتداءات يناير 2010، على أن يشمل التحقيق جميع الظروف المحيطة بهذه الاعتداءات، على الأقل منذ أحداث فرشوط في نوفمبر 2009 وحتى 10 يناير 2010. كما يوصي التقرير بمحاسبة المسئولين عن الاعتداءات الطائفية في الفترة من 6 إلى 9 يناير 2010، وكذلك المسئولين عن الاعتقالات العشوائية وحالات الاحتجاز غير القانونية، والتحقيق في التقارير التي تشير إلى تعرض محتجزين للتعذيب واستعمال القسوة داخل مقر مباحث أمن الدولة بنجع حمادي، وإحالة المسئولين من الضباط ومساعديهم إلى المحاكمة الجنائية بتهمة التعذيب.