مقدمة- في عام 2008 أعلنت وزارة الصحة والسكان في مصر اعتزامها تقديم مشروع قانون جديد للصحة النفسية إلى مجلس الشعب، ليحل محل القانون الساري منذ عام 1944 وحتى الآن، والذي يحمل عنوان (قانون حجز المصابين بأمراض عقلية). وتمثل هذه المبادرة التشريعية مناسبة هامة لمناقشة قضية الصحة النفسية من منظور حقوق الإنسان. كما أن مشروع القانون الجديد يعد فرصة لمراجعة البنية التشريعية الحالية، ومدى توافقها مع الالتزامات القانونية الواقعة على الحكومة المصرية بموجب الدستور المصري والقانون الدولي لحقوق الإنسان بشأن كفالة أفضل مستوى ممكن من الصحة النفسية، وحماية حقوق الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية ومنع التمييز ضدهم.
يقدم دستور منظمة الصحة العالمية الصادر عام 1948 تعريفاً للصحة بأنها "حالة من الشعور الكامل بالعافية الجسدية والنفسية والاجتماعية." كما دأبت المنظمة على التأكيد على الارتباط والتأثير المتبادل بين كل من الصحة الجسدية والصحة النفسية. 1 وتبرز أهمية الصحة النفسية كذلك في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عام 1966 والذي ينص على "حق جميع الأفراد في أفضل مستوى يمكن بلوغه من الصحة الجسدية والنفسية." وأكدت الاتفاقيات الحقوقية الإقليمية مثل الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان على نفس المفهوم.
وبالتوازي مع هذه الاتفاقيات والوثائق، فقد شهدت العقود الماضية انقلاباً حاسماً في مفاهيم الصحة النفسية وإدراك أهميتها، وفي سبل إتاحة الرعاية والعلاج للأفراد المصابين باضطرابات نفسية. وقد جاء مشروع القانون الجديد في مصر استجابة لهذه التطورات. ففي تقديمها للمشروع تذكر الأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة والسكان أن القانون الحالي وضع مند ما يزيد على ستين عاماً لم تكن طرق العلاج الناجحة في مجال الصحة النفسية قد اكتشفت بعد، مما يشير إلى حاجة ملحة إلى قانون يوائم روح العصر والتطور العلمي ومعايير حقوق الإنسان. 2 كما جاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون أن "مفهوم العلاج النفسي تغير ليصبح هدفه الأساسي علاج المريض وإعادته للمجتمع ليعيش حياة منتجة، وليس إقصائه وعزله في المنشآت النفسية لمدد طويلة كما هو الشأن في ظل القانون [الحالي]."
وتهدف هده الدراسة إلى تحليل مشروع قانون الصحة النفسية من وجهة نظر حقوقية لقياس مدى ملاءمته للمعايير الحقوقية والمبادئ الدولية لممارسة المهنة، آخذة في الاعتبار وضع الرعاية النفسية في مصر. وتتضمن الدراسة خلفية تاريخية عن تطور مفهوم الصحة والمرض النفسي وسبل تقديم الرعاية والعلاج في العالم، وتعرض للارتباط الوثيق بين قضايا الصحة النفسية وحقوق الإنسان، مع الإشارة إلى أهم المعايير الدولية التي تحمي حقوق الأفراد المصابين باضطرابات نفسية. ثم تتناول الدراسة بالتفصيل التعليق على مشروع القانون الجديد وعرض الجوانب الايجابية التي يحملها مقارنة بالقانون الحالي، ثم تقدم مقترحات تفصيلية لاستكمال ومعالجة بعض أهم جوانب القصور في مشروع القانون.
---
1- منظمة الصحة العالمية، الاستثمار في الصحة النفسية، 2003، ص 10.
World Health Organization, "Investing in Mental Health", (2003) p10.
2- الموقع الالكتروني للأمانة العامة للصحة النفسية:
.http://mentalhealthegypt.com/law_arabic_final.htm