ورقة جديدة بعنوان: "شفافية الموازنة: الضرورة الاقتصادية الغائبة عن الواقع المصري"، وتتطرق الورقة إلى الأهمية القصوى للتطبيق الفوري للمعايير الدولية لشفافية الموازنة الخاصة بتوفير وإتاحة معلومات عن الإنفاق العام والإيرادات العامة، كذلك بشكل ميسر ومبسط لجميع المواطنين. تسعى الدراسة إلى الخروج من النقاش حول شفافية الموازنة كرفاهية ديمقراطية لا نحتملها في ظل الظروف السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد، إلى تناول شفافية الموازنة في إطار كونها ضرورة اقتصادية لا نحتمل تجاهلها في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية والمستمرة التي نواجهها، مثل: ارتفاع عجز الموازنة والتزايد المطرد في الدَين العام وتأثر الكثير من القطاعات الخدمية الأكثر مساسًا بالفقراء بهذه الظروف وما تبعها من إجراءات.

وعلي عكس الأعذار التي تتكرر من مسؤولين حكوميين، فإن شفافية الموازنة العامة أصبحت أكثر ضرورية من الناحية الافتصادية، ومن ناحية إدارة الموارد في ظل الظروف الحالية، وبخاصة مع مطالبة المواطن بتحمل إجراءات التقشف دون أن يدرى ماذا تم إنفاقه ولا كيف تم إنفاقه، ولا يدرى كذلك من يتحمل عبء السعي نحو زيادة الإيرادات، بل ويدفع من جيبه هذه الزيادة. الموازنة العامة للدولة في مصر اﻵن، هي موازنة بنود لا ترتبط بأهداف واضحة للإنفاق العام، ولا يمكن من خلالها مساءلة الحكومة عن حق المواطن في خدمات عامة جيدة، وهى موازنة لا تعكس في عرضها البعد المكاني لتوزيع الإنفاق العام، ولا نصيب الأعلى أو الأدنى في هرم الأجور الحكومية بما يفتح أبوابًا عدة للهدر والفساد وغياب الفعالية، ويكسر أبسط مبادئ العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن.

تكون الحجة أحيانًا، هي أن تطوير أدوات لتعزيز شفافية الموازنة عملية تحتاج إلى موارد ضخمة، خصوصًا في ظل محاولات خفض الإنفاق الحكومي التي تشهدها مصر حاليًّا، ولكن الدراسة تتناول عددًا من دراسات الحالة التي تثبت أن شفافية الموازنة تؤدي إلى توفير الأموال واستخدامها بشكل أكثر كفاءة مما يجعلها أكثر تناسبًا مع أوقات الأزمات الاقتصادية، الدليل على ذلك هو تمتع الكثير من الدول المشابهة لمصر في مستوى الدخل بل والأقل دخلًا بدرجات أعلى كثيرًا من شفافية الموازنة، مثل أوغندا التي سجلت 65% في مؤشر الموازنة المفتوحة في تقييم عام2012 ، مقارنة بمصر التي سجلت 13% فقط بالرغم من أن متوسط دخل الفرد في أوغندا 571 دولارًا، أي أقل من 50 دولارًا شهريًّا، في حين يبلغ متوسط دخل الفرد في مصر حوالي 300 دولار شهريًّا.

يضاف إلى غياب الشفافية عن عرض الموازنة الحكومية وجود جهات خارج الموازنة مثل الصناديق الخاصة، حيث تعمل هذه الصناديق وتُحصِّل إيرادات عامة من المواطن بدون أن يدري كيف تنفق أموالها، ويوجد هيئات لا يعلم المواطن بشكل واضح وموحد معايير علاقتها بالخزانة العامة وكيفية تحويل الأموال منها وإليها. هذا الوضع يشكك كثيرًا في إدارة المال العام ويضيف لاضطراب علاقة الدولة بالمواطن على الأخص في ظل سياسات تقشفية يتحمل الفقير عبئها.

وتطالب الورقة بتفعيل الرقابة المجتمعية والسياسية وليس فقط المحاسبية على هذه العلاقات المالية غير الواضحة.

"الشفافية ليست فقط سرد مجموعة من الأرقام والبيانات حول الإنفاق والإيرادات ولكنها تعنى توفير المعلومة التي يفهمها المواطن والتي تمس حياته وتعبر عن تقدير الدولة وتثمينها لوعيه ومشاركته في صنع القرار، فلكي تكون الموازنة شفافة مثلًا في بند الأجور لا بد من توضيح أجور كل درجة وظيفية ونصيب كل منها من هذا البند وأسباب ارتفاع أو انخفاض أي منها، ولا بد من ربط الإنفاق بأهداف واضحة يفهمها المواطن ويسائل الدولة عليها"، كما تقول ريم عبد الحليم الباحثة في شؤون العدالة الاقتصادية بالمبادرة المصرية، والتي شاركت في كتابة الورقة مع أسامة دياب، الباحث في شؤون الفساد بالمبادرة.

وتنتهي الدراسة بمجموعة من التوصيات التي تتمحور حول ضرورة إخضاع جميع أوجه الإنفاق العام للرقابة المحاسبية والبرلمانية والشعبية عن طريق التعامل الجدي مع ظاهرة تفشي ما يسمى بالصناديق والحسابات الخاصة، وإعادة هيكلة البنية التشريعية لتصبح ملزمة بشكل أكثر صراحة على توفير وإتاحة معلومات مفصلة ومبسطة للمواطنين عن مراحل إعداد وإقرار ومراجعة الموازنة العامة المختلفة والرقابة على الإنفاق العام، والابتعاد عن العمومية الشديدة فيما يتعلق ببنود الإنفاق العام وتوفير وإتاحة معلومات عن الإنفاق على المستويات الإدارية الأدنى وبخاصة في قطاع تقديم الخدمات للجمهور والتي تمس المواطن لتحقيق مراقبة أكثر كفاءة وتطوير أدوات لمكافحة الفساد أكثر فاعلية، وتفعيل الميكنة الكاملة لكافة المعاملات المالية الحكومية، في إطار يجعلها أكثر شفافية ويجعل الرقابة أكثر صرامة.

للاطلاع وتحميل التقرير اضغط هنا