حرية افتراضية.. نحو إنهاء قمع حرية التعبير في قانون الجريمة الإلكترونية

شهدت السنوات الأخيرة في مصر اتساعًا في التضييق التشريعي والقضائي والأمني على أشكال مختلفة من التعبير على المنصات الرقمية. شمل التضييق التشريعي تجريمًا لطائفة من الأفعال لم تكن مُجرَّمة في السابق، أو استحداث عقوبات خاصة وتغليظ عقوبات قائمة لأفعال مؤثمة في القوانين الحالية إذا ما ارتكبت في الفضاء الافتراضي. وتحفل قوانين مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وتنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، ومكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 بأمثلة كاشفة لهذا التضييق.

كذلك استحدثت النيابة العامة شكلًا جديدًا من الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي عبر إنشاء "وحدة الرصد الإلكتروني"، المفترض بها رصد هذه الأفعال المؤثمة فور وقوعها. كما توسعت في توجيه الاتهامات استنادًا لمواد قانونية أقدم لم تكن مُستَخدَمة على نطاق واسع سواء في قانون العقوبات، مثل المواد 80 (د)، 102 (مكرر)، 188 المجرّمة لأشكال مختلفة من إذاعة الأخبار الكاذبة، والمادة 306 (مكرر أ)، المجرِّمة لأشكال بعينها من السب والقذف، أو قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003، خصوصًا المادة 76 المجرمة لما يسمى "بتعمد الإزعاج باستخدام وسائل التواصل". 

وبالتوازي مع التطورات التشريعية والقضائية، عكست الممارسات الأمنية ميلًا إلى التضييق على أشكال مختلفة من التعبير إذا ما عرفت طريقها للمجال الافتراضي، سواء بحجب عدد ضخم من المواقع الإلكترونية بدون سند من القانون، أو المبادرة إلى إلقاء القبض على مواطنين بعد نشر مواد تعتبرها الأجهزة الأمنية مخالفة للقانون والدستور. 

وكلما اتسعت دائرة الأفعال المؤثمة، اتسعت معها دائرة المستهدفين أمنيًا وقضائيًا بشكل غير مسبوق لتشمل أعضاءً في أحزاب سياسية شرعية جنبًا إلى جنب مع متهمين بالإرهاب أو الانضمام لجماعات مشكلة على خلاف أحكام القانون. كما شملت صحفيين وإعلاميين وكتاب رأي في عدد من المنصات الصحفية، وصناع محتوى بصري، بل وعدد كبير من مستخدمي الحسابات الخاصة على منصات التواصل الاجتماعي من غير المعروف عنهم أي نشاط في المجال العام. 

ظهرت هذه الاتجاهات التقييدية في وقت تصفه مؤسسات الدولة بـ "الاستثنائي" (2013-2023)، اتسم بمواجهة شاملة بين الدولة والجماعات المتطرفة المسلحة، وتعبئة سياسية واسعة لجماعات معارضة اتخذت من الإنترنت مسرحًا لها في كثير من الأحيان، بخلاف جملة من حوادث العنف الطائفي. إلا أن هذه المؤسسات الرسمية نفسها أرسلت عددًا من الإشارات بأن الأوان قد آن لإعادة النظر في هذه القيود، أخذًا في الاعتبار تجاوز البلاد لهذا الظرف الاستثنائي. ومن تلك الإشارات إلغاء حالة الطوارئ في أكتوبر 2021 وانعقاد جلسات الحوار الوطني بدءًا من 2023.

وبعيدًا عن خلافنا مع إطلاق صفة "الاستثنائية" على الظروف التي أحاطت بعملية إقرار هذه التشريعات، وما إذا كانت استثنائية هذه الظروف تعد مبررًا لهذا الانفلات الأمني والتعسف التشريعي والقضائي، فنحن نرى أن مجرد الإقرار بأهمية الحوار يعد تطورًا إيجابيًا يقتضي إيجابية مماثلة في التعاطي معه.

ويتمثل تعاطينا الإيجابي في محاولة صياغة إطار معياري أو مرجعية ديمقراطية تساعد المشرعين والقضاة على تعيين حدود حرية التعبير عبر الفضاء الرقمي بشكل عام، وتحدد بدقة مبررات تقييد هذه الحرية وآليات هذا التقييد وضوابطه، بما لا يخل بالهدف الأساسي للإطار الدستوري والقانوني القائم، وهو حماية وتعزيز الحقوق والحريات الأساسية وفي القلب منها حرية التعبير.

ونحن نعي جيدًا أن أي إطار معياري مهما بلغت درجة إحكامه، لن يحسم الخلاف الطبيعي والمتجدد بين المشرعين والقضاة وعموم المواطنين حول حدود حرية التعبير. ولكننا لا نستهدف حسم هذا الخلاف من الأصل، بقدر ما نسعى لتوفير إطار ديمقراطي لإدارته، يخرج بالجدل العام بشأن هذه المسألة من دوامة التسلط والتعسف والاجتزاء وإلباس الأهواء الشخصية لباس القانون والعدالة. 

لقراءة الورقة كاملة اضغط هنا