إصدار جديد للمبادرة المصرية: إجراءات الحماية الاجتماعية محدودة في وجه عواصف تخفيض الجنيه
نشرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم ورقة تحليلية بعنوان "كيف يعيش الفقراء في ظل الغلاء: أثر ارتفاع الأسعار وتخفيض الجنيه على حقوق المصريين"، تركز على تأثير موجات الغلاء، التي يمر بها المصريون في السنوات الأخيرة على حياتهم، بالذات على حياة ومعيشة الفقراء وقدرتهم على تأمين احتياجاتهم الأساسية.
تستعرض الورقة موجات التضخم التي توالت تباعًا منذ عام 2016، مع تطبيق أول برنامج لصندوق النقد مع الحكومة المصرية وتواصلت مع أزمتي كوڤيد 19 والحرب الروسية على أوكرانيا، وعودة الصندوق باتفاق قرض جديد وبرنامج جديد نهاية عام 2022.
وتفند الورقة الخطاب الحكومي الذي يلقي باللوم فقط على هذه التطورات العالمية، مستعرضةً عوامل الهشاشة الاقتصادية ونتائج السياسة الاقتصادية، التي تم اتباعها بالاتفاق والتنسيق مع صندوق النقد الدولي. هذه السياسة زادت من أعباء وحجم الدين العام، ومزجت بين التقشف وتخفيض الإنفاق العام ورفع أسعار الخدمات العامة وبين تخفيض سعر العملة، مما كان له آثار تضخمية بالغة، كشفت نفسها في صدمات عميقة في الأسعار، قفزت بمعدل التضخم لأسعار المستهلكين لأعلى مستوياته في خمس سنوات في فبراير الماضي، ورفعت معدل التضخم الأساسي لمستوى 40٪، وهو الأعلى في تاريخه.
ترصد الورقة أيضًا النتائج المباشرة لهذه الأوضاع على حياة المصريين، وبالذات الشرائح الأفقر منهم، ممن ينفقون ما يقرب من نصف دخلهم على الغذاء، وهو البند الذي قاد الارتفاعات السعرية، وذلك بالمقارنة بمستويات معيشتهم قبل بداية الموجة الأخيرة من الغلاء، بدءًا من عام 2022. إذ أن المجموعات الفقيرة تتأثر بتضخم أسعار الغذاء بشكل أكبر من غيرها، ﻷنها تخصص جزءًا أكبر من دخلها المحدود لاستهلاكه.
ويقسم الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء السكان إلى عشرة شرائح بحسب إنفاقهم، لتسهيل المقارنة بين مستوياتهم المعيشية. ويُظهر بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك في آخر نسخه قبل ثلاث سنوات أن الشرائح الأكثر فقرًا تنفق نسبة أكبر من الدخل على بنود الطعام والشراب مقارنةً بالفئات الأعلى، حيث توجه الشريحة الأقل دخلًا حوالي 47% من إنفاقها لهذا البند. وتقل النسبة قليلًا في الشريحتين الثانية والثالثة الواقعتين تحت خط الفقر، ولكنها تبقى قريبة من نصف النفقات. وتشير الورقة للآثار المحتملة على معدلات الفقر في ظل تحولات الاستهلاك التي أجبرت السياسات الحكومية من خلالها الناس على تقليل ما تأكله من لحوم ودواجن وأسماك وفواكه، والتحول إلى سلع أقل في التكلفة والقيمة الغذائية.
وتستعرض الورقة الإجراءات التي اتخذتها الدولة لمحاولة تخفيف الآثار الاجتماعية للتضخم وسياسة تخفيض العملة، ومن بينها رفع الحد الأدنى للأجر وزيادة المعاشات ورقع حد الإعفاء الضريبي وزيادات معاشات تكافل وكرامة، وهي إجراءات إيجابية، لكنها غير كافية لتحقيق هدف حماية الملايين المهددين بالحرمان من حقهم في الغذاء والتعليم والرعاية الصحية ومختلف الحقوق الأساسية.
وتقترح الورقة مداخل مغايرة للسياسة الحكومية الحالية للتعامل مع الأزمة تتضمن:
-
اتخاذ قرار بتوجيه السياسات نحو إخراج الاقتصاد من مأزق الديون، وتعديل المسار في اتجاه نمو مبني على إنتاج سلع وخدمات حقيقية، بما يمكنه من الخروج من دائرة التضخم وتخفيض العملة. بدون اتخاذ هذا المسار لن تكفي أي سياسات للدعم أو تحسين الأجور في حماية النسبة الغالبة من المصريين من التدهور العنيف في مستوياتهم المعيشية.
-
إعادة الاعتبار للدعم التمويني كأحد المداخل المؤثرة في حماية أعداد كبيرة من الفئات الأكثر هشاشة في الوضع الحالي، خاصة وأن الدعم العيني في صورة سلع يعد أقل تأثرًا بالتضخم المتزايد، مقارنةً بالدعم النقدي أو زيادات الأجور، التي تتآكل قيمتها مع تراجع الجنيه وزيادات الأسعار. وقد تقلصت ميزانية الدعم التمويني بشكل كبير في السنوات الأخيرة كنسبة من الإنفاق العام، وزادت قيمته زيادات طفيفة لا تتناسب مع التضخم.
-
إذا كانت الدولة تستهدف تخفيف الأزمة عن نسبة كبيرة من السكان فإن تخفيض الضرائب المرتبطة مباشرة بالاستهلاك مثل ضريبة القيمة المضافة يمكن أن يخفف العبء. وطالما الحكومة مستعدة للتخلي عن بعض إيراداتها المتوقعة، كما تفعل بالتأجيل والتجميد المتكرر لضريبة الأرباح الرأسمالية، رغم أنها تفرض بطبيعتها على الشرائح الأغنى وعلى نشاط ريعي، فبإمكانها بدلًا من ذلك تخفيض ضريبة القيمة المضافة التي تنعكس مباشرة على الأحوال المعيشية لكل السكان.