التحديث الأممي السنوي بشأن العدالة بين الجنسين في القوانين: واقع المصريات يتحدى مجددَا خطاب "الإنجازات"
بيان صحفي
بينما تستمر أجهزة الدولة التنفيذية ومجلسها القومي في الاحتفاء بتحقيق "تقدم" في قضايا حقوق النساء، يصدر تقرير جديد عن مؤسسات أممية ليشير إلى غياب حتى في المساواة القانونية الأساسية للنساء في مصر. ففي تحديثها الأخير بشأن مساواة النساء والرجال أمام القانون في الدول العربية، أصدرت مبادرة العدالة بين الجنسين والقانون –وهي مبادرة تقوم عليها أربع وكالات تابعة للأمم المتحدة، هي لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهيئة الأمم المتحدة لللمرأة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، بالتعاون مع المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق النساء في كل دولة عربية- كشفت الأمم المتحدة مجددًا الفجوة الواضحة بين الخطاب الرسمي عن "الإنجاز" والواقع التشريعي القائم.
يقيس التقرير ستة محاور رئيسية، هي: الإطار العام للدولة، والأهلية القانونية والحياة العامة، والحماية من العنف ضد المرأة، والعمل والمزايا الاقتصادية، وشؤون الأسرة والأحوال الشخصية، والصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. ويقع تحت هذه المحاور ما مجموعه 73 مؤشرًا قانونيًا.
عبر مجمل هذه المؤشرات، جاءت نتائج مصر على النحو التالي:
54% من المؤشرات جاءت سلبية أو سلبية جزئيًا، بعدد 39 مؤشرًا؛ من بينها 24 مؤشرًا يقرّ التقرير فيهم بوجود نصوص قانونية جزئية، لكنه يؤكد أنها "لا تزال تتضمن أوجه انعدام مساواة كبيرة"، و15 مؤشرًا لا ينص فيها القانون على أي مساواة بين الجنسين، ولا يوفّر حتى الحد الأدنى من الحماية.
في المقابل، جاء 32 مؤشرًا فقط بتصنيف إيجابي، أي أن النص القانوني يقرّ بالمساواة بين النساء والرجال. ويجدر التنويه إلى أن التقرير يقيّم النصوص القانونية في ذاتها، دون النظر إلى مدى تنفيذها أو أثرها الفعلي. كما خرج مؤشران من التصنيف بسبب عدم توافر معلومات كافية لمعدّي التقرير.
ويجب فهم هذه النتائج في سياقين أساسيين: أولهما، أن التقرير صادر عن مؤسسات دولية تُعد شريكة وصديقة للحكومة المصرية، وتم إعداده بالتعاون مع المؤسسات الوطنية. وثانيهما، أن التقرير ذاته يعاني من محدودية منهجية جوهرية، كونه معني بالنظر إلى القانون كنص تشريعي مجرد ، سواء كان دستوريًا أو قانونيًا، دون النظر، في أغلب الأحيان، إلى علاقته بنصوص قانونية أخرى تقيده، أو إلى واقع تنفيذه من عدمه.
فعلى سبيل المثال، يعتبر التقرير إقرار الدستور لمبدأ المساواة بين النساء والرجال إنجازًا قائمًا، دون التوقف عند سياقه الدستوري العام، أو عند القيود التي تفرضها مواد أخرى، مثل المادتين الثانية والثالثة من الدستور، أو حتى تجاهل حقيقة أن الدستور نفسه ينص على إنشاء مفوضية مستقلة لمناهضة التمييز، وهو استحقاق دستوري متأخر تواصل الدولة تجاهله. في هذه الحالة، تُحتسب المساواة الدستورية كمؤشر متحقق، بغض النظر عن أدواتها، أو قابليتها للتفعيل، أو تقييدها بنصوص دستورية وتشريعية أخرى.
وبالمثل، يُحتسب إصدار أي استراتيجية أو سياسة عامة، مثل الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية، كإنجاز قائم حتى وإن لم تُقيَّم هذه الاستراتيجية أو تُحقق أهدافها منذ إطلاقها في 2015 وحتى اليوم.
ورغم ذلك، فإن نتائج التقرير -حتى بهذه المحدودية- لا تزال أقل تعبيرًا عن واقع النساء المصريات. فقد جاءت أفضل نتائج مصر في مجال العمل والمزايا الاقتصادية، وهو في الواقع أحد أسوأ مجالات تحقق العدالة للنساء، كما تعكسه أوضاع النساء الفعلية وكما تؤكده تقارير دولية أخرى تنظر إلى الإطار القانوني كمنظومة متكاملة أو إلى النتائج الملموسة على أرض الواقع. فبحسب مؤشر البنك الدولي للمرأة وأنشطة الأعمال والقانون، جاءت مصر في المركز 175 من أصل 190 دولة، كما جاءت ضمن أسوأ عشر دول في العالم في تقرير الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. وكمثال محدد، بينما يصنف التقرير محل التعليق المساواة في الأجر على نفس العمل بصفته حقًا في المساواة متحققًا بالقانون، فبالنظر لتفاصيل هذا القانون واللوائح والآليات التي تضمن تطبيقه يأتي تصنيف البنك الدولي للمساواة في الأجر في درجة صفر٪، وفي تقرير الفجوة بين الجنسين للمنتدى الاقتصادي العالمي، تحصل مصر على أسوأ تصنيف من بين كل مؤشراتها فيما يتعلق بالدخل المتوقع للنساء، بترتيب 145 ضمن 148 دولة في العالم.
في ضوء هذا السياق، تتضح دلالة نتائج تحديث مبادرة العدالة بين الجنسين والقانون: إذ تتركز أوجه القصور الأشد في مجالات الحماية من العنف، وشؤون الأسرة والأحوال الشخصية، والصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، بينما يسجل مجال العمل أفضل أداء نسبيًا نتيجة تعديلات تشريعية حديثة.
ويكشف هذا التفاوت بين المجالات عن نمط متكرر في سياسات الدولة تجاه مساواة النساء؛ فبينما لا تمانع الدولة -بل ترحب أحيانًا- برفع بعض العوائق القانونية أمام مشاركة النساء في المجال العام والعمل والمواطنة بمعناها الدستوري المحدود، تظل مقاومة بشدة لتحقيق حتى المساواة القانونية النظرية فيما يتعلق بمؤسسة الأسرة وحماية أفرادها -وخاصة النساء والأطفال- من العنف في المجال الخاص، وكذلك في ما يتعلق بحقوق النساء الجنسية والإنجابية. ففي هذه المجالات تتعامل الدولة مع النساء كأدوات لتحقيق سياسات سكانية أو اجتماعية، أو عوائق أمام تحقيق أهداف كبرى مثل التماسك الأسري، لا كصاحبات حقوق مستقلة، لتبقي المجال الخاص خارج نطاق أي إصلاح قانوني حقيقي، حتى على المستوى الشكلي.
ويؤكد هذا التحديث الأخير، إلى جانب الأدلة المتراكمة، أنه مهما كررت الدولة في خطاباتها الرسمية الاحتفاء بتحقيق العدالة للنساء المصريات، يظل الواقع -وحتى النصوص القانونية نفسها- دليلًا مناقضًا لهذا الخطاب وكاشفًا للطابع الحقيقي لهذه السياسات.
للاطلاع على التقرير كاملاً من هنا



