منظمات حقوقية تدين تنصل الحكومة من مسؤولياتها تجاه البهائيين المصريين وتطالب بوقف الانتهاكات المتزايدة بحقهم

بيان صحفي

18 سبتمبر 2025

تنتقد المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه رد الحكومة المصرية على خطاب سبعة من المقررين الخواص التابعين لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بشأن أوضاع البهائيين المصريين؛ إذ جاء الرد إنشائيًا ومقتصرًا على الإشارة إلى التزام مصر بواجباتها تجاه مواطنيها وفقًا للدستور والتشريعات الوطنية واتفاقيات حقوق الإنسان التي وقعت عليها، ولم يتطرق الرد على الانتهاكات المحددة التي تضمنها خطاب المقررين الخواص، استنادًا إلى شكاوى البهائيين من تزايد معاناتهم اليومية. كما تجنب الرد المصري تقديم أية ضمانات أو التزامات مستقبلية لوقف هذه الانتهاكات وعلاج الاختلالات القانونية التي تسمح بها. 

ووقع على الخطاب المرسل إلى الحكومة المصرية كل من المقررة الخاصة المعني بحرية الدين والمعتقد والمقررة الخاصة بمجال الحقوق الثقافية والمقررة الخاصة المعنية بالحق في التعليم والمقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير والمقررة الخاصة المعنية بحرية التنظيم والتجمع السلمي، ونائبة رئيس فريق العمل الخاص بالاحتجاز التعسفي.

وأبرز خطاب المقررين الأمميين إلى الحكومة المصرية  جوانب متعددة من تداعيات غياب حقوق البهائيين المصريين، خاصةً فيما يتعلق بتخصيص المقابر وإدراج البهائية في خانة الديانة في الأوراق الثبوتية، والاعتراف بالزواج، إذ لا تزال مؤسسات الدولة المصرية تتعنت دون مبرر في الاعتراف بعقود زواج البهائيين، حتى لو كانت بدون الإشارة إلى هويتهم الدينية، ما يترتب عليه انتهاكات عدة حقوق من بينها استخراج شهادات الميلاد للأطفال مسجلاً بها أسماء والديهم، والتحاق  الأبناء بالمدارس، وتوزيع الإرث، واكتساب الجنسية للأبناء في حالة كان أحد الزوجين أجنبيًا. 

كما تناولت الشكوى المراقبة المفروضة على بعض المنتمين للدين البهائي في مصر، حيث يطلب منهم تقديم قائمة بأسماء الأفراد من ينسقون أنشطة المجتمع البهائي الداخلية إلى جهاز الأمن الوطني، ووضع أعداد منهم بشكل متزايد على قوائم ترقب الوصول، والتفتيش الدقيق لحقائبهم واحتجازهم لعدة ساعات قبل إخلاء سبيلهم.  

وورد في شكوى  مقرري الخواص: "يُستدعى بهائيون للاستجواب في مكاتب الأمن الوطني بخصوص انخراطهم في الأنشطة البهائية…بالإضافة لذلك، تُغلّق المشاريع الاجتماعية والإنسانية التي يضطلع بها البهائيون، كما يُهدد أصدقاؤهم ومعارفهم بشأن استمرار علاقتهم بهم". 

ومن الملفت للنظر أن رد الحكومة المصرية تعرض للرد الشكلي على كافة الانتهاكات الواردة في الخطاب فيما تجاهل أي إشارة إلى هذه الانتهاكات الأمنية. 

يذكر أن وجود البهائية في مصر يرجع إلى عام 1863، في حين أنشئ أول محفل روحاني وطني للبهائية عام 1925، وكانت المحافل تتولى تنظيم شؤون البهائيين إلى أن صدر  قرار رئيس الجمهورية في 1960 بحل المحافل البهائية وحظر أنشطة البهائية في مصر. ويتعرض البهائيون لحملات من الملاحقة والحرمان من حقوقهم الدستورية، تزايدت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة.

وبينما استندت الحكومة في مستهل ردها إلى المادة 64 من الدستور المصري التي تضمن حرية الاعتقاد المطلقة، والتي تتماشى مع المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (الذي صدقت عليه مصر وأصبح جزءاً من تشريعها الوطني عام 1982) في ضمان حرية كل فرد في الاعتقاد وفي إظهار معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، فإن المنظمات المصرية تؤكد أن هذه المادة أفرغت من معناها بمنح حق ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأتباع الديانات "السماوية" حصرًا، ما يعني حرمان البهائيين من حقهم في ممارسة الشعائر الدينية والحق في حريات الرأي والتعبير والتنظيم.

وفي نفس الوقت، نص الرد المصري على  أن الدولة لا تفرض قيودًا على الاعتقاد الشخصي أو الانتماء الديني ما دام ذلك يتم في نطاق احترام "النظام العام" وحقوق الآخرين.  

وتلفت المنظمات الحقوقية الموقعة على هذا البيان النظر إلى أن الاستخدام العملي لـ"النظام العام" في الأحكام القضائية، يخلق واقعًا مُستنِدًا إلى تفسير أحادي للشريعة الإسلامية، باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع (مادة 2 من الدستور المصري)، ويخلق مظالم مُركبة بالنسبة للمؤمنين بغير الديانات الإبراهيمية "السماوية"، وهو ما يُعتَبَر بدوره مُخالِفًا لتفسير المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يفيد بأن "الاعتراف بديانة ما باعتبارها دين الدولة أو الدين الرسمي أو التقليدي، أو باعتبار أتباعها يشكلون أغلبية السكان، يجب ألا يؤدي إلى إعاقة التمتع بأي حق من الحقوق المنصوص عليها في العهد". 

وتشير المنظمات الموقعة أدناه إلى شكاوى البهائيين المستمرة المرتبطة بعدم كفاية المدافن التي سبق تخصيصها لهم منذ عام 1939، فقد صودرت المدافن الأربعة التي خُصِصَت لهم سابقًا؛ ليتبقى فقط مدفن واحد في القاهرة يعاني بدوره من الاكتظاظ وعدم كفاية المقابر، ما يضطرهم إلى نقل جثامين البهائيين المتوفين من أي مدينة في مصر لدفنها في القاهرة. 

وبينما أقامت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بصفتها وكيلًا عن أعداد من البهائيين دعاوى لتخصيص مقابر للبهائيين في الإسكندرية وبورسعيد، فقد رُفِضَت طلباتهم من جانب المُحافظتين وكذلك من جانب القضاء. وهو ما عبر  المقررون الأممين الخواص عن قلقهم إزاءه قائلين: "نُعرِب عن قلقنا البالغ من منع البهائيين من القيام بممارساتهم الدينية والثقافية المرتبطة برعاية موتاهم وحقهم في التمتع والوصول إلى تراثهم الثقافي والأماكن التي تحمل ذكرى عائلاتهم". 

وردًا على ذلك، نَفت الحكومة وجود احتياج لدى البهائيين لمقابر إضافية، قائلة: "يحق للسلطات المختصة تحديد وتنظيم عدد المقابر بناءً على الإحصاءات الرسمية المرتبطة بعدد السكان ومعدّلات الوفيات السنوية. تؤخَذ هذه القرارات بناءً على البيانات التي توردها الجهات الرسمية المؤهلة لذلك؛ وعلى رأسها وزارة الصحة، مع مراعاة المعايير الصحية والبيئية والاجتماعية. وبناءً على ما سبق، تؤكد الدولة على وجود مواقع دفن كافية لتلبية احتياجات كافة المواطنين".

كما ورد في شكوى المقررين الخواص، فلا يتمكن البهائيون من استخراج أوراق ثبوتية مدوَّن فيها انتماؤهم الديني الحقيقي في خانة الديانة. فبعد حصول المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ممثلة عن البهائيين على حكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا في 2008 بأحقيتهم في استصدار أوراق ثبوتية بها خانة ديانة فارغة أو إضافة  شَرْطَة (-) أمام خانة الديانة، صدر قرار وزير الداخلية رقم 520 لسنة 2009 والذي سمح بوضع علامة شَرْطَة(-) في حالة المواطنين غير المنتمين للديانات المُعتَرَف بها، مع حصر ذلك على من سبق لهم أو لأبويهم استصدار أوراق ثبوتية مدون بها ديانة غير الديانات الثلاث المعترف بها، باعتبارها الطريقة الوحيدة لإثبات الإنتماء الديني للمواطن حيثُ لا توجد "جهة اختصاص" يلجأ لها المواطن من أجل إثبات عقيدته على غير الأديان الثلاث. إلا أن البهائيين المصريين -حتى ممن ينطبق عليهم هذا الشرط التعسفي- عادوا في الفترة الأخيرة لمواجهة عقبات بيروقراطية وغير قانونية في الحصول على هذا الحق الذي حصلوا عليه بعد صراع قضائي طويل.

ورد في خطاب المقررين الخواص " بينما لا تعترف بطاقات الهوية بالبهائية كديانة، فلا يزال البهائيون مطالبين بتحديد ديانتهم في بطاقات الهوية من ناحية، وهم يُحرمون من حقهم في تحديد ديانتهم الحقيقية في وثائق الهوية الرسمية من ناحية أخرى. ويُزعم أن وضع علامة  شرطة (-) في بطاقات الهوية يُستَخدَم كأداة للإقصاء والتمييز ضد البهائيين في حياتهم اليومية، ويشمل ذلك الحصول على عمل، والحصول على التعليم والرعاية الصحية، وغيرها من الحقوق. يؤدي ذلك أيضًا إلى التعرُّض لمضايقات من مسؤولي الأمن في الأنشطة اليومية. وبحسب المعلومات الواردة، فإن البهائيين يواجهون تحديًا إضافيًا في استصدار وثيقة هوية بسبب وجود مكتب واحد فقط في مصر يمكن للبهائيين التقدُّم إليه بطلبات بطاقة هوية وأنواع الأوراق الثبوتية الأخرى"، إضافةً لاستمرار مصلحة الأحوال المدنية باستخراج رقم قومي للمتزوجين من البهائيين باعتبارهم غير متزوجين، بدعوى عدم اعتراف الدولة بالزواج بين البهائيين، والذي أشار الخطاب لمخالفته المادة 23 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذلك المادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل التي صدقت عليها مصر عام 1990.

وقال مقررو  الأمم المتحدة في ختام خطابهم إن كل هذه الوقائع تبدو أنها "تمثل نمطًا من التمييز المستمر ضد البهائيين، يستهدف تهميشهم من المجال العام ويعوقهم عن التمتع بحرية الدين أو المعتقد والضمير؛ مما يؤشر على وجود انتهاك لحق الحرية الدينية كما ورد في المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتمييز ضد الأقليات الدينية، المحظور بموجب نفس العهد في مادته الـ 27، وبالتالي، قد تكون هذه الأفعال مخالفة لالتزامات جمهورية مصر العربية فيما يتعلق بحقوق الإنسان." 

وإذ تدين المنظمات الموقعة أدناه تنصل الحكومة المصرية من مسؤولياتها تجاه المواطنين البهائيين المصريين، فإنها تتقدم بالتوصيات التالية التي بتنفيذها ستشرع مصر في الوفاء بأدنى التزاماتها وفقًا للدستور والتشريعات الوطنية واتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمت إليها: 

  1. أن يصدر المحافظون قرارات تخصيص مدافن للبهائيين قريبة من أماكن معيشتهم وفقا لاحتياجاتهم والطلبات المقدمة منهم. 

  2. أن يصدر وزير العدل قرارًا، وفقًا للمادة الثالثة من القانون رقم 68 لسنة 1947، بتعيين موثقين منتدبين في المحافظات المختلفة لتوثيق عقود الزواج بين البهائيين.

  3. التوقف عن ملاحقة المنتمين للبهائية، ووقف استجوابهم عن أنشطتهم، ورفع أسمائهم من قوائم ترقب الوصول، مع السماح للقيادات الدينية وأتباع البهائية من غير المصريين بدخول البلاد بدون مضايقات.  

المنظمات الموقعة

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية 

مركز النديم 

منصة اللاجئين في مصر 

لجنة العدالة 

مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان

إيجيبت وايد لحقوق الإنسان

المنبر المصري لحقوق الإنسان 

مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان 

المفوضية المصرية للحقوق والحريات