15 منظمّة عربية من بينها المبادرة المصرية تُطلق الشبكة العربية لاستقلال القضاء

بيان صحفي

10 يوليو 2025

أعلنت اليوم الخميس في 10 يوليو 2025، 15 منظمة عاملة في 6 دول عربيّة، من مجالات حقوقيّة وقضائيّة مختلفة، تأسيس شبكةٍ إقليمية لتحقيق استقلال القضاء والدفاع عنه وبشكل أعمّ عن قيم العدالة وعن حقوق المواطنين وحرياتهم  في المنطقة العربيّة، بحسب ما أعلنت في بيان. 

وانعقد مؤتمر الإطلاق حضوريًا في مكتب المفكرة القانونية في بيروت وعبر “زوم” بمشاركة ممثلين وممثلات عن المنظمات المؤسّسة للشبكة، وهي من لبنان: نادي قضاة لبنان، المفكرة القانونية، ألف، المركز اللبناني لحقوق الإنسان، ومن تونس: جمعية القضاة التونسيين، الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية، الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، البوصلة، ومن فلسطين: مؤسّسة الحق، المركز الفلسطيني لاستقلال القضاء والمحاماة – مساواة، الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون – استقلال، ومن مصر: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الذاكرة والمعرفة للدراسات، ومن المغرب: نادي قضاة المغرب، ومن سورية: الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

في ما يلي نصّ بيان التأسيس الذي تلاه المحامي نزار صاغية من المفكرة القانونية:.

نجتمع اليوم من منظّمات عاملة في 6 دول عربيّة، من مجالات حقوقيّة وقضائيّة مختلفة، لنُعلن اشتراكنا في تأسيس شبكةٍ إقليمية لتحقيق استقلال القضاء والدفاع عنه وبشكل أعمّ عن قيم العدالة والحقوق والحريات، في المنطقة العربيّة. وإذ نقول ذلك، فإنّنا نعِي حجم التحديّات التي تواجهُنا بفعل عوامل داخليّة وإقليميّة ودوليّة على حدّ سواء. 

فعلى صعيد الأوضاع الداخليّة، بُذلت جهود هامّة في المنطقة في السنوات التي أعقبت حراكات 2011 من أجل تعزيز الحقّ باللجوء إلى قضاء محايد ومستقلّ. ومن دون التقليل من أهمية ما أنجز في عدد من دولنا، فإنّ القضاء ما برح يُستخدم في أغلب هذه الدول كأداةٍ لممارسة العنف المُمنهج ضدّ كلّ معارض أو معترض، ومن ضمنهم قضاة ومحامين وناشطين حقوقيين، وغالبًا ضدّ كلّ من يرغب بالعيش بكرامة. وقد وصلت استباحة الحقوق في عديد الدول درجة تحويل السّجون إلى مُعتقلات سياسيّة يمارس فيها الإخفاء القسري والتعذيب وصولا إلى التصفية الجسدية. ومؤدّى ذلك ليس فقط تجريد المواطن من كرامته وغالبا من إنسانيّته، ولكن أيضا تحرير السّلطة الحاكمة من أيّ قيود أو ضوابط مؤسساتيّة، مع كل ما استتبع ذلك من انهيار مؤسّساتيّ وقيميّ والأهم مجتمعيّ. 

وفي موازاة هذه التحدّيات الداخليّة، نشهد اليوم على صعيد العالم تنامي الممارسات الشموليّة على نحو يهدّد أسس حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. ومن أخطر ما يحصل على هذا الصعيد، الانتهاكات الجسيمة والمستمرّة في فلسطين المحتلة، والتي توسّعت إلى حدّ ارتكاب إبادة جماعيّة تجري على مرأى العالم ومسمعه. وفيما تبذل جهود كبيرة يسهم فيها أعضاء من الشبكة لمواجهتها أمام المحاكم الوطنية والدولية وفي الخطاب العام العالمي، تتواصل الضغوط والتهديدات والعقوبات التي باتت تطول بالإضافة إلى آلاف الناشطين، قضاة وعاملين في المحكمة الجنائية الدولية. ومؤدّى ذلك في حال استمراره والسكوت عنه، إضعاف مرجعيّة هذه المحكمة التي وُجدتْ لتحصين السلم العالمي وإخضاع القوة للمبادئ التي انبنى عليها القانون الدولي الإنساني، وتاليا إضعاف حظوظ استتباب السلام ومعها هذه المبادئ، في موازاة تشريع الجريمة وتعميم الإفلات من العقاب. 

ولمواجهة كلّ هذه التحديات على اختلافها، تأمل الشبكة أن تكون مساحة لتبادل الخبرات والمشورة والدّعم المتبادل في كل ما يهدف إلى ترسيخ حق الأفراد والشعوب بالعيش بسلام وكرامة، والأهم قوة حقوقيّة إقليمية تمارس دورها داخل المنطقة وخارجها، آملة أن تسهم فعليًا في تحقيق ذلك. 

فضلًا عن ذلك، يهمّنا في هذا الإعلان، الإضاءة على أمور ثلاثة تميّز تكوين الشبكة وآليات عملها، وهي الآتية: 

أولًا، إنها ربما أوّل شبكة تضمّ جمعيّات قضائيّة ومنظّمات حقوقيّة على صعيد المنطقة العربية. ويعكس هذا الأمر قناعةً لدى المنظمات الحقوقية بأهميّة الدفاع عن استقلاليّة السلطة القضائية وبشكل أعمّ عن مرجعية القضاء كملاذٍ آمن ومنبرٍ ديمقراطيّ وحاكمٍ منصف وعادل وشفاف، وذلك في سياق دفاعها عن حقوق الأفراد والشعوب بالعيش بكرامة. كما يعكس في الآن نفسه التحوّلات العميقة في فهم القضاة للمبادئ التي تحكم السلطة القضائية، التي باتت تتمحور بالدرجة الأولى حول حماية الحقوق والحريات وإحداث التوازن المطلوب في مواجهة السلطة الحاكمة. ومن المهمّ هنا أن نوضح أنّ استقلالية القضاء بفهم الشبكة تشمل إلى جانب استقلالية القضاة، ضمان مبادئ المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع وضمنًا استقلالية المحاماة في ممارسة هذه الحقوق. 

ثانيًا، أنّ الشبكة تهدف ليس فقط إلى إنتاج المعرفة القضائية أو نشرها أو تبادلها، إنّما أيضًا إلى مواكبة إصلاحات مؤسساتيّة في مجالي القضاء والمحاماة واقتراحها وإبداء الآراء بشأنها. وهي تأمل بفعل ذلك أن تكون مصدر معرفة بقدر ما تأمل أن تؤدّي دورًا فاعلًا في تطوير القوانين والمؤسسات. ومن أهمّ ما تأمل إنجازه في هذا الخصوص هو تكوين لجنة إقليمية تغرف من تجارب المنطقة ومعارفها والمبادئ الكونية لاستقلالية القضاء وتؤدّي دور المشورة في أيّ ورشة إصلاحيّة سواء تمت بمبادرة مجتمعية أو رسمية،  

ثالثًا، أنّ الشبكة تطمح إلى التوسّع لتضمّ منظمات أخرى عاملة في دول المنطقة، وضمنًا الدول غير الممثلة فيها، على أمل أن تشكّل مساحة للتبادل والتعلّم والتآزر في فترة قد تكون إحدى أقسى الفترات التي تعبر فيها منطقتنا. 

وإذ نستشعر مسؤولية عالية، نتعهّد أن نغلّب دومًا في أداء مهامنا، هذا الشعور بالمسؤولية على أيّ اعتبار آخر، آملين أن ننجح في تفعيل الشبكة وضمان تطويرها واستدامتها.