موت إيهاب جحا بسبب الإهمال الطبي بعد خمس سنوات من الحبس الاحتياطي
بيان صحفي
توفي أول أمس، 4 نوفمبر 2024، إيهاب مسعود جحا (51 عامًا) في المستشفى الميري بالإسكندرية ، بعد أكثر من خمس سنوات من الحبس الاحتياطي غير القانوني، تعرض خلالها لإهمال طبي يرقى لوصفه قتلًا بالامتناع، بعدما أصرت دوائر الإرهاب على تجديد حبسه رغم وضعه الصحي الحرج، لأكثر من ثلاث سنوات بعدما قضى الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي (عامين)، وبعدما امتنعت مصلحة السجون عن تمكينه من الخضوع لعملية جراحية لازمة لحالته، واكتفت بصرف أدوية غير مخصصة لعلاجه.
مات جحا بعد 8 أيام من انعقاد جلسة إلكترونية لتجديد الحبس، قرر خلالها المستشار وجدي عبد المنعم رئيس الدائرة الثالثة إرهاب المنعقدة بغرفة المشورة ببدر تجديد حبس جحا لمدة 45 يوما إضافيًا. صدر هذا القرار في غيبة جحا، لم يناظره القاضي ولم يستمع لأقواله أو شكواه، ولم يأخذ في اعتباره قبل إصدار قرار تجديد الحبس ما قالته محامية المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بخصوص تواجد جحا وقت الجلسة في المستشفى الميري بالإسكندرية آنذاك في الرعاية الحرجة على جهاز استنشاق.
خلال السنوات الخمس الماضية، تدهورت صحة جحا أثناء احتجازه المخالف للقانون. فبالإضافة إلى إصابته بمرض السكري الذي ظهرت مضاعفاته عليه خلال الحبس، أصيب جحا بمياه على رئتيه في سجن بدر1، خلال عامه الثالث من الحبس الاحتياطي غير القانوني، ومع تدهور وضعه الصحي، أصبح قعيدًا غير قادر على الحركة بشكل مستقل. وضع جحا الصحي كان يستلزم إجراء عملية بزل للمياه على رئتيه بشكل متكرر، سمحت مصلحة السجون له بإجراء العملية مرتين فقط، ثم بعد ذلك اكتفت بإعطائه مضادات حيوية، مما أثر على صحته العامة.
تعيش زوجة جحا وأبنائه الأربعة بمحافظة الغربية، بينما احتُجز هو في ثلاثة سجون ما بين القاهرة والإسكندرية، هم طرة وبدر وبرج العرب. حُرِمت أسرة جحا من أي تواصل حقيقي معه، حيث كان التعامل بينهم وبينه في ذلك الوقت مقصورًا على زيارة واحدة شهريًا، لأن وزارة الداخلية مازالت تعتمد التدابير الوقائية التي فرضتها وقت انتشار فيروس كورونا، بشأن زيارات المحتجزين حتى بعد مرور سنوات على انقضاء الجائحة. علاوة على ذلك، أصرت إدارة السجن على أن تتم الزيارات بعد نقله على كرسي متحرك من مستشفى السجن إلى صالة الزيارة لرؤية زوجته، رغم وضعه الصحي المتردي، ورغم أن المادة 76 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم السجون تسمح بالزيارة في مستشفى السجن.
الأمر لم يكن صعبًا، كان من الممكن إنقاذ جحا، وكان من الممكن ألا يتعرض بالأساس لأي مما جرى خلال السنوات الخمس الأخيرة من حياته. لكن كل من نيابة أمن الدولة، ودوائر الإرهاب المنعقدة بغرفة المشورة ببدر، ومصلحة السجون رفضوا ذلك.
حققت نيابة أمن الدولة العليا مع جحا على ذمة القضية 1358 لسنة 2019 حصر أمن الدولة العليا والمعروفة إعلاميًا بقضية "حزب الاستقلال"، دون مواجهته بأدلة حقيقية أو شهود جادين، وقررت على إثر ذلك حبسه احتياطيًا على ذمة القضية رغم عدم وجود مبرر لحبسه احتياطيًا. واستمرت دوائر الإرهاب في تجديد حبسه بمخالفة القانون بعدما تخطى الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي والذي يحدده القانون بسنتين في حالات الجنايات. من ناحية أخرى لم يُجب مساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون على خطاب زوجة جحا للمطالبة بنقله إلى سجن ملحق به مستشفى مجهز، وتجاهلت المصلحة طلبات محامي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي قدمها أغسطس الماضي لنقل جحا إلى سجن أقرب إلى محل سكن أسرته، ولتمكينه من الخضوع لعملية بزل المياه اللازمة لحالته.
خلال خمس سنوات قضاها جحا في السجن، كان هناك عدة فرص تسمح بتصحيح وضعه وإطلاق سراحه، إلا أن السلطات المعنية قررت تجاهلها كلها. في 2020 عند انتشار فيروس كورونا وتحوله إلى جائحة كان من الممكن أن يخرج جحا من السجن خاصة وأنه لم يُدن ولا يُخشى هربه أو تأثيره على التحقيقات. لم يخرج جحا أو غيره آنذاك، حيث لم تتجاوب مصر مع مناشدات مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتقليل اكتظاظ السجون المصرية وإطلاق سراح المحبوسين احتياطيًا وقت الجائحة. ثم في 2021 كان من المفترض أن يُطلق سراح جحا بعد قضائه الحد الأقصى القانوني، لكن ذلك لم يحدث أيضًا. وفي 2022 أوصى رئيس الجمهورية بإعادة تفعيل "لجنة العفو الرئاسي" للإفراج عن "المحبوسين على ذمة قضايا ولم تصدر بحقهم أى أحكام قضائية"، كانت الشروط منطبقة على جحا، إلا أن عمل اللجنة لم يستمر، ولم يدرج اسم جحا مثله مثل كثيرين على القوائم المحدودة التي تم إعدادها في ذلك الوقت.
خلال السنوات الخمس الماضية، صدرت "استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان"، وعُدِّل القانون حيث تم تغيير مصطلح "سجن" ليصبح "مركز الإصلاح والتأهيل" إلا أن الوضع مازال كما هو، مازال المحتجزين يموتون بسبب الإهمال الطبي.
جحا كان العائل الوحيد لزوجته وأبنائه الأربعة (أصغرهم يبلغ من العمر 6 سنوات)، لا توجد تعزية كافية لأسرة جحا، ولا يوجد ما يمكن أن يطمئن الباقي من زملائه المحبوسين منذ أكثر من 5 سنوات على ذمة القضية نفسها، أو غيرهم ممن تخطوا الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي ورغم ذلك مازال تجديد حبسهم مستمرًا.
تطالب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية النائب العام المستشار محمد شوقي بفتح تحقيق عاجل بشأن تناول مصلحة السجون لملف جحا الطبي على نحو أدى إلى وفاته. وتنوه أن حالة جحا ليست فردية، وعليه تناشد المبادرة النائب العام بمراجعة أوضاع المحبوسين احتياطيًا، والإفراج الفوري عن كل من تخطى حبسه عامين، فضلًا عن وضع خطة واضحة بإطار زمني محدد للاستجابة لكافة طلبات الرعاية الصحية التي تقدم بها المحتجزون سواء للنيابة العامة أو مصلحة السجون.