المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: إقرار التعديلات الأخيرة على قوانين "حماية المنشآت العامة" و"مكافحة الإرهاب" و"العقوبات" خطوة خطيرة للخلف ومزيد من التقنين للطوارئ
بيان صحفي
قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم إن موافقة مجلس النواب على تعديل قوانين حماية المنشآت العامة ومكافحة الإرهاب وقانون العقوبات، يعد خطوة للخلف تستهدف تقنين حالة الطوارئ، وتُوسِّع اختصاص القضاء العسكري، وتفرض محاذير جديدة على حرية البحث العلمي.
وأشارت المبادرة إلى بيانها الصادر في 26 أكتوبر الماضي عقب قرار رئيس الجمهورية بوقف تمديد حالة الطوارئ. والذي قالت فيه إن إيقاف تمديد حالة الطوارئ خطوة إيجابية تحتاج إلى استكمال، وذلك بتفكيك القوانين القمعية الصادرة خلال السنوات الماضية، من أجل إثبات جدية الدولة المصرية في التراجع عن تطبيق صلاحيات قانون الطوارئ التي أدخلت إلى القوانين الجنائية. في هذا الصدد لا يمكن رؤية مشروعات القوانين التي تقدمت بها الحكومة إلى مجلس النواب إلا كمحاولة جديدة لتثبيت ممارسات حالة الطوارئ بشكل دائم.
وقد وافق مجلس النواب في 31 أكتوبر الماضي على ثلاثة مشروعات قوانين مقدمة من الحكومة في 23 أكتوبر قبل أيام من إعلان رئيس الجمهورية إنهاء حالة الطوارئ المفروضة على البلاد. وذلك بإدخال تعديلات على القانون رقم 136 لسنة 2014 بشأن حماية المنشآت العامة والحيوية، وقانون مكافحة الإرهاب الصادر بقانون رقم 96 لسنة 2015، وقانون العقوبات.
تسمح التعديلات الجديدة في قانون حماية المنشآت العامة بتوسيع اختصاص القضاء العسكري في نظر القضايا التي ترتكب أثناء قيام القوات المسلحة والشرطة بتأمين المنشآت العامة والحيوية، وهكذا يتحول هذا الاختصاص إلى وضع دائم ولا يتعلق فقط بوجود حالة استثنائية.
تضمن التعديل أيضًا حذف المادة الخاصة بمدة تطبيق قانون حماية المنشآت العامة؛ حيث أُقر القانون للمرة الأولى في يناير 2013 ونَص على مساعدة الجيش للشرطة في تأمين المنشآت الحيوية لحين انتهاء الانتخابات التشريعية وكلما طلب رئيس الجمهورية منها ذلك، وأقر اختصاص القضاء العادي بنظر القضايا التي تخضع للقانون. ثم صدر قانون جديد في أكتوبر 2014 تضمن إحالة جرائم الاعتداء على المنشآت العامة إلى القضاء العسكري، ونظراً لأنه قانون استثنائي يطبق في ظروف غير عادية فكانت مدة تطبيقه سنتين تنتهي في 2016، ثم جدد رئيس الجمهورية العمل بالقانون لمدة خمس سنوات حتى 2021.
واستبدل مشروع القانون الجديد بنص المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 136 لسنة 2014 في شأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية النص التالي:
المادة الأولى: " مع عدم الإخلال بدور القوات المسلحة في حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها تتولي القوات المسلحة معاونة أجهزة الشرطة والتنسيق الكامل معها في تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية بما في ذلك محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكة الحديدية وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها"
المادة الثانية: " تخضع الجرائم التي على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة والحيوية المشار إليها في المادة الأولى من هذا القانون لاختصاص القضاء العسكري".
ويأتي التعديل الجديد متوافقاً مع الدستور المعدل في 2019 الذي قنن محاكمة المدنيين عسكرياً في المادة 204 التي نصت على أنه "لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري، إلا فى الجرائم التي تمثل اعتداء على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها أو المنشآت التي تتولى حمايتها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك..". جاء ذلك بعد أن ظل القانون غير دستوري لمدة خمس سنوات حتى الاستفتاء على تعديلات الدستور في 2019. وهو ما يدعم من تخوفات العديد من المنظمات الحقوقية والسياسية التي اعترضت على هذه المادة في حينها بوصفها تغولًا صريحًا على اختصاص القضاء العادي.
جدير بالذكر أن المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، رئيس مجلس الشيوخ الحالي، أصدرت في 2017 حكماً بعدم جواز محاكمة المدنيين المتهمين في قانون التظاهر وفقاً لهذا القانون. كما وضعت الدستورية ضوابط لتطبيقه منها "أن يكون الاعتداء على المنشأة اعتداء واضحاً، وأن تكون قوات الجيش متواجدة بالفعل لحماية المنشأة، وأن تكون الجريمة المرتكبة يعاقب عليها في قانون العقوبات المدني".
وتعكس الموافقة على القانون حالة من التناقض بين ما جاء في كلمة رئيس الجمهورية للإعلان عن إلغاء حالة الطوارئ. فليس من المنطقي أن تكون مصر قد باتت "واحةً للأمن والاستقرار في المنطقة" بما يستدعي وقف تمديد الطوارئ، بينما تُفرض فيها محاكمة المدنيين عسكرياً بشكل مستمر.
من ناحية أخرى، تضمن تعديل قانون مكافحة الإرهاب الصادر بقانون رقم 96 لسنة 2015 المقدم من الحكومة، ما يلي:
"لرئيس الجمهورية عند فرض حظر التجوال أو إخلاء بعض المناطق أو عزلها عند قيام خطر جريمة إرهابية في منطقة محددة أن يحدد الجهة المختصة بإصدار القرارات المنفذة لتلك التدابير. والمعاقبة بالسجن المشدد وغرامة لا تزيد عن 100 ألف جنيه لمخالفة هذه التدابير، وإن لم يحدد الرئيس في قراره العقوبة، يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن 20 ألف ولا تزيد عن 50 ألف جنيه".
وذلك فضلًا عن تشديد عقوبة تصوير أو تسجيل أو بث أو عرض أية وقائع من جلسات المحاكمة في الجرائم الإرهابية بدون إذن رئيس المحكمة إلى غرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 300 ألف جنيه، عوضاً عن 20 ألف جنيه و100 ألف بحد أقصى في النص الأصلي.
وهكذا يمثل قانون مكافحة الإرهاب وتعديله نوعًا من نقل صلاحيات قانون الطوارئ إلى قانون جنائي ة دائم، ويعكس الالتزام به نية الدولة في التمسك بممارسات حالة الطوارئ.
وقد وافق المجلس أيضًا على مشروع قانون بتعديل مواد بقانون العقوبات تعاقب بالحبس على إجراء الدراسات أو الاستبيانات التي تتعلق بالقوات المسلحة.
جاء التعديل بإضافة بند للمادة "80 أ" الخاصة بإفشاء أسرار الدولة للدول الأجنبية، واستبدل التعديل بنص المادة "80 أ" من قانون العقوبات النص التالي :
مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه، على أن تكون العقوبة السجن، إذا وقعت في زمن الحرب أو باستعمال وسيلة من وسائل الخداع أو الغش أو التخفي أو إخفاء الشخصية أو الجنسية أو المهنة أو الصفة، أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات أو كان الجاني ضابطًا بالقوات المسلحة أو أحد أفرادها من العاملين المدنيين بها، ويعاقب بالعقوبات نفسها على الشروع في ارتكاب تلك الجرائم.
كل من " قام بجمع الاستبيانات أو الإحصاءات أو إجراء الدراسات لأي معلومات أو بيانات تتعلق بالقوات المسلحة ومهامها أو أفرادها الحاليين أو السابقين بسبب وظيفتهم بدون تصريح كتابي من وزارة الدفاع".
وترى المبادرة أن النص المضاف للمادة "80 أ" من قانون العقوبات يضع مزيداً من القيود على البحث العلمي في مصر في ظل تردي حالة الحرية الأكاديمية التي تشهدها مصر بمعاقبة الباحثين المصريين والأجانب على عملهم الأكاديمي بالحبس الاحتياطى والمنع من السفر بالإضافة للعوائق المفروضة على حرية البحث والتدريس بالجامعات المصرية.
وإذ تحيي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية النواب الذين رفضوا هذه التعديلات، فإنها تعتبر أن الموافقة على هذه القوانين بمثابة خطوة للوراء نحو إعادة تقنين ممارسات قانون الطوارئ الذي ألغى العمل به الرئيس عبد الفتاح السيسي. وتطالب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية رئيس الجمهورية بعدم التصديق على مشروعات القوانين.