الدين والكورونا: الشعائر أونلاين وتعثر العمل الخيري وجدل حول الحساسيات الطائفية والبعد الإنساني الأشمل
خبر
كتب: محمد جمال علي- الباحث في ملف حرية الدين والمعتقد
عُقدت ندوة "الشعائر والأنشطة الدينية وتحديات التباعد" التي نظمها منتدى الدين والحريات ونُقلت عبر بث مباشر على موقع يوتيوب، يوم الاثنين الموافق 18 مايو الماضي، واستضافت الندوة مجموعة من الأعضاء البارزين في مجموعاتهم الدينية والناشطين في المجال الديني:
- الشيخ أحمد البهي، الداعية الإسلامي.
- الأب جون جبرائيل، راهب دومينيكاني ومدرس لاهوت.
- د. سوسن الشريف، استشارية نفسية وتربوية وباحثة في الدراسات الإسلامية.
- غادة علاء، ناشطة في مجال التنمية ومهتمة بالعمل الحقوقي والإعلامي ضمن مجتمع البهائيين المصريين.
وأدار النقاش: عمرو عزت، الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وشارك في المناقشة والتعليق مجموعة من الباحثين والناشطين المهتمين بالمجال الديني مع مجموعة من باحثي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
الشعائر والاجتماعات من دور العبادة إلى وسائل التواصل الاجتماعي:
أشار أغلب المتحدثين إلى لجوء مختلف المجموعات الدينية إلى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لاستئناف الأنشطة التربوية والتعليمية والتعبدية بعد إغلاق دور العبادة، ولكنهم أشاروا إلى تحديات مختلفة تواجه العمل الخيري والخدمي المرتبط بالمؤسسات الدينية ودور العبادة، كما ناقشوا تنوع الجدل الديني بين بعض الحساسيات الطائفية وبين الانتباه إلى البعد الإنساني الأوسع في مواجهة الوباء العالمي.
وتحدث الشيخ أحمد البهي عن قيام وزارة الأوقاف ببث ملتقيات فكرية ودعوية عبر الموقع الرسمي للوزارة، كما أشار إلى تكثيف بعض الدعاة والأئمة جهودهم الدعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قام بعض الدعاة ببث صلوات التراويح من منازلهم على مواقع التواصل الاجتماعي ووصول أعداد المشاهدات إلى مليون مشاهدة، الأمر الذي يعكس اشتياق الناس إلى سماع الشعائر، وهو الأمر الذي استجابت له الدولة عن طريق بث صلاة التراويح منذ منتصف رمضان من مسجد عمرو بن العاص أولًا ثم الجامع الأزهر لاحقًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا.
وكذلك تحدث القس جون جبرائيل عن لجوء بعض رجال الدين المسيحيين إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للقيام بأدوارهم الدينية عن طريق القيام بقداسات وبثها مباشرة عبر مواقع التواصل ليشاهدها المسيحيون، وبالفعل يشهد التواصل بين رجال الدين ومجموعاتهم الدينية عبر مواقع التواصل الاجتماعي إقبالًا كبيرًا في هذه الفترة كوسيلة للتكيف مع إجراءات التباعد الاجتماعي.
وأشارت غادة علاء إلى الإجراءات التي اتخذها مجتمع البهائيين المصريين للوقاية من فيروس كورونا، مثل الحرص على عدم وجود تجمعات بين البهائيين خصوصًا بعد الإفطار خلال شهر الصيام الخاص بهم، كما تم إلغاء كل الاحتفالات بعيد النيروز التي كان يتم تنظيمها بالطبع في بيوت البهائيين المصريين لعدم وجود أماكن مخصصة للتجمعات الدينية البهائية، ولكن مع ذلك لم يتم الاستغناء تمامًا عن فكرة الالتقاء وإنما لجأ المجتمع البهائي إلى التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي للتواصل والتجمع والاحتفال شهريًّا بكل شهر بهائي جديد، وذلك بهدف الحفاظ على الروح الجماعية وتجنب الإحساس بالعزلة. وأكدت غادة علاء على أن الوقت الحالي فرصة للتجمع والالتقاء بين الجميع باستخدام التكنولوجيا التي تتميز عن اللقاءات المباشرة بتجاوزها التحديات المتعلقة ببعد المسافات أو عدم القدرة على تحديد مواعيد مناسبة للجميع بالإضافة إلى صعوبة انتقال المرضى وكبار السن.
وأشارت داليا فهمي _الباحثة المهتمة بالطرق الصوفية_ إلى كثافة الحضور الصوفي على وسائل التواصل الاجتماعي منذ بداية الأزمة ووقف التجمعات، وما وفره ذلك من فرص أكبر للوصول إلى الدروس والتجمعات الصوفية حيث سهُل على الكثيرين التواصل مع الشيوخ وحضور جلساتهم التي كان من الصعب حضورها والوصول إليها حينما كانت تُعقد في دور العبادة البعيدة أو في منازل أعضاء الطرق الصوفية، وكذلك أشار محمد جمال الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى انتقال دروس العلوم الشرعية التي كانت تُعقد في مضايف العلماء بمحيط الجامع الأزهر أو بالمدارس التعليمية الحرة إلى وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة عدد هذه الدروس إلى درجة انعقادها خلال شهر رمضان الذي كان عادة يُعد شهر إجازة بالنسبة إلى هذه الدروس.
تحديات الدور الاجتماعي والخدمي لدور العبادة
أشار إسحاق إبراهيم _الباحث بالمبادرة المصرية_ إلى التأثير السلبي لقرارات إغلاق الكنائس على أوضاعها الاقتصادية وأدوارها الاجتماعية، لأنها تعتمد في تمويلها وفي مرتبات الكهنة على تبرعات المصلين وعلى الأنشطة الاقتصادية الملحقة بها والتي تعتمد أيضًا بشكل كبير على استهلاك المصلين وشرائهم منتجاتها، وبالتالي فإن قدرة الكنائس على توفير مرتبات رجال الدين لفترة طويلة ليست كبيرة، وبالفعل يوجد بعض من رجال الدين لم يتقاضوا رواتبهم كاملة خلال الفترة الماضية بسبب تداعيات هذه الأزمة، كما يؤثر ذلك سلبًا على الإعانات الخيرية التي تقدمها الكنائس إلى الأفراد المحتاجين.
وقال الأب جون جبرائيل إن تأثر النشاط الاجتماعي للكنائس يختلف باختلاف الأدوار التي تقوم بها، فمثلًا دير الآباء الدومينيكان الذي ينتمي إليه يضم أكبر مكتبة إسلامية في الشرق الأوسط، وبالتالي فالخدمة الأساسية بالدير مقدمة بالأساس للمسلمين أو للباحثين في الدراسات الإسلامية والتراث الإسلامي، ولكن المكتبة مغلقة إلى الآن منذ منتصف شهر مارس، أما الكنائس الأخرى التي تقدم خدمات طبية ومستوصفات وغير ذلك فهي لا تزال تقدم هذه الخدمات، ولكنها بالتأكيد تتأثر بتراجع التمويل والتبرعات، فضلًا عن أن الحالة الاقتصادية العامة للناس تتراجع في هذا الأيام وبالتالي قد يتزايد عدد طالبي المساعدات الاجتماعية من الكنائس، ومن ثم تتضاعف المسئوليات والأعباء الاجتماعية على الكنائس وبالتالي تتزايد الصعوبات في مواجهتها.
وأشار الأب جون إلى سعي دير الآباء الدومينيكان إلى تقديم نموذج للنظم الرأسمالية المُطالبة بمراعاة ظروف العمال في هذه الأزمة، حيث أن الرهبان منذ أكثر من شهر ونصف لا يحضرون إلى الدير ومع ذلك لم يُخصم من مرتباتهم على الإطلاق، مؤكدًا أن هذه فرصة لكي تُقدم الجهات الدينية مثلًا ونموذجًا عمليًّا لأصحاب الأعمال.
وقال محمد جمال إن هذه الأزمة قد كشفت أن أغلب المساجد ليست محورية في حياة المسلمين في مصر، بمعنى أن الاحتياج إليها لا يتعدى الاحتياج الروحي والتعبدي بينما لا تنطلق من أغلب المساجد أعمال خدمية واجتماعية أخرى في محيطها المحلي، بخلاف الكنائس على سبيل المثال، وليس هذا الوضع نتاج إرادة مجتمعية حرة، وإنما هو نتاج سياسات معينة للسلطة ووزراة الأوقاف تستهدف السيطرة الحكومية الكاملة على المجال الديني وعدم إعطاء فرصة للمجتمع المحلي بإدارة أنشطة وفعاليات في المساجد أبعد من مجرد الممارسات التعبدية والروحية.
وعن الدور الاجتماعي للمساجد قال الشيخ أحمد البهي إن الجمعيات الخيرية المشهرة والملحقة بالمساجد لا تزال تقوم بأعمالها الخيرية، وأن وزارة الأوقاف تسعى إلى تفعيل دورها الاجتماعي والخدمي عن طريق رعايتها أنشطة خيرية مثل مشروع صكوك الأضاحي الذي بدأته الوزارة منذ عام 2015، وتنظيمها زكاة الفطر لأول مرة هذا العام.
اعتبارات طائفية وأمنية:
وقال محمد جمال إن مراعاة الحساسيات الطائفية والأمنية لها الأولوية الأولى في تعامل المؤسسات الدينية مع هذه الأزمة، وهو ما ظهر في تأخر قرارات إغلاق الكنائس والمساجد خوفًا من إشعال الغضب الطائفي في حال صدور أحد القرارين قبل الآخر، وتأكدت هذه الاعتبارات بعد إعلان وزارة الأوقاف قرارها ببث شعائر صلاة التراويح من مسجد عمرو بن العاص في منتصف رمضان بعد إعلان الكنيسة استئناف الأكاليل وشعائر الزواج بشروط معينة، فعلى الرغم من الرفض المطلق من وزارة الأوقاف لمقترحات بث الشعائر من المساجد منذ بداية رمضان والذي وصل إلى حد فصل المتحدث باسم الوزارة من منصبه بعد تصريحه بإمكانية دراسة مقترحات بهذا الشأن، فإن الوزارة فجأة وبدون مقدمات اتخذت هذا القرار عقب قرار الكنيسة باستئناف الزواج، وهو ما قد يعكس أن الاعتبارات الأمنية والطائفية مقدمة على الاعتبارات المتعلقة باحتياجات المواطن ومصالحه.
وقال الشيخ أحمد البهي إنه كان من الصعب فعلًا في مصر غلق المساجد وترك الكنائس مفتوحة أو العكس، أما التفاصيل الأخرى مثل السماح بإقامة الأكاليل في الكنائس فليست محل اهتمام من الوزارة على الإطلاق وغير صحيح بالمرة علاقة ذلك بقرار بث صلاة التراويح من مسجد عمرو بن العاص.
وأضاف محمد جمال أن هذه الأزمة يمكن أن تلقي الضوء على قصور سياسات الدولة في تنظيم المجال الديني، فعدم استيعاب الدولة التنوع الديني بشكل كامل وبقاء مجموعة من الطوائف الدينية غير معترف بها وغير مرخص لها بدور عبادة وأماكن مخصصة للتجمع _مثل البهائيين والشيعة والأحمديين_ يحد من قدرة الدولة على تنظيم التجمعات الدينية لهذه الطوائف، التي لا تؤثر قرارات إغلاق دور العبادة على سلوكها اليومي والتعبدي بشكل مباشر.
التفكير الديني والأزمة:
أشار عمرو عبد الرحمن _مدير وحدة الحريات المدنية في المبادرة المصرية_ إلى انحسار اشتباك رجال الدين المسلمين والتيارات الإسلامية باختلافها مع أزمة كورونا في مسألتي إغلاق دور العبادة ومدى جوازه وموعد انتهائه، وما يتعلق بالتكافل الاجتماعي والتطوع وتوزيع الصدقات والزكوات وغير ذلك، في مقابل غياب تام لأي تناول جاد من رجال الدين المسلمين للسؤال الأهم الذي يشغل العالم خلال هذه الأزمة والمتعلق بفتح الاقتصاد وتشغيله في ظل الأزمة أم إغلاقه تفاديًا لانتشار الوباء؟ هذا السؤال ليس على أجندة رجال الدين المسلمين وتتم الإحالة غالبًا في الإجابة عليه إلى "المتخصصين"، بالمخالفة للمقولة الشائعة خلال عقود ما يُسمى بالصحوة الإسلامية بأن "الإسلام دين ودولة" وأن رجال الدين أو على أقل تقدير الأحزاب السياسية الإسلامية لديها ما تقوله في كل القضايا على قدم المساواة مع باقي الأيديولوجيات.
وتساءل عمرو عبد الرحمن عمَّا تبقى من هذه الفكرة، وهل سنخرج من هذه الأزمة ولدينا تقسيم أدوار وظيفي واضح جدًّا بين وظائف اجتماعية يكتشفها أخيرًا رجال الدين الإسلامي، وكأن هناك إقرارًا عمليًّا بمزيد من العلمنة الفعلية، وهو فصل واضح بين نطاق تأثير رجال الدين ونطاق تأثير غيرهم من المشتغلين بالسياسات العامة.
وقال عمرو عزت إن صمت رجال الدين المسلمين عن مثل هذه القضايا يمكن رؤيتها كظاهرة إيجابية، حيث تعكس قدرًا من التواضع والحكمة واحترام التخصص العلمي، ودافع الشيخ أحمد البهي عن ابتعاد رجال الدين المسلمين عن هذه التساؤلات قائلًا إن مصر الآن دولة مدنية وستُثير فتاوى رجال دين بخصوص المسائل الاقتصادية والسياسية جدلًا واضطرابًا كما كان يحدث من قبل عندما كان رجال الدين يقولون آراءهم في الانتخابات ويوصون بانتخاب تيارات بعينها، أو أن يقولوا آراءهم في اتفاقيات دولية معينة دون إلمام بكل تفاصيلها، مؤكدًا على أن عودة رجال الدين إلى الإفتاء في مسائل اقتصادية وسياسية ستتسبب في عودة الفوضى التي كنا قد تخلصنا منها في السنوات السابقة.
وقال جون جبرائيل إنه _فيما يتعلق بخطاب رجال الدين المسيحيين_ فإن صمتهم عن مثل هذه القضايا الاجتماعية المهمة واكتفائهم بالجانب التقوي والخشوعي فحسب يعكس قدرًا من عدم إدراك الحدود الواسعة للدين، فالإنسان هو كلٌّ متكامل، لا فصل فيه بين ما هو روحي وما هو مادي، فعلى الرغم من أن الأمر محسوم بالنسبة إلى الكنيسة الكاثوليكية التي تعترف بالفصل التام بين الدين والدولة منذ مئات السنين، فإن هذا لا يلغي حضور المؤسسة الدينية بالتعليق على قضايا الشأن العام ومواكبة متغيرات العصر، فمثلًا منذ أكثر من مئة عام سنة 1899 صدرت وثيقة عن البابا لاون الثالث عشر تتحدث عن ماهية الأجر العادل للعامل في المصنع، وتتضمن هذه الوثيقة تفاصيل، مثل: حق العمال في الإضراب مثلًا، وكان ذلك في سياق التحول من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي، فكان من الممكن أن يظن الشخص المؤمن أنه أخرج صدقته فحسب وأدى ما عليه من واجب إيماني، ولكن دور الدين هو أن يُنير الضمير وتوعية المؤمنين بأن الإيمان غير قاصر على مجرد الصلاة والصدقات.
التنوع والبعد الإنساني الأوسع:
من جهة أخرى، تحدثت غادة علاء عن ملاحظتها تطورًا إيجابيًّا في الخطاب الديني في اتجاه قبول التنوع والتعايش مع الآخر والتخلص من الطائفية والتحدث بلغة تجميعية تشمل البشر جميعًا على اختلافهم وتنوعهم، وأن هذا يظهر في خطاب الأزهر ومبادراته بالتعاون مع الفاتيكان مثل ما حدث في يوم الصلاة من أجل الإنسانية، وقالت داليا فهمي إن بيانات الأزهر الرسمية دوليًّا _منذ عام 2011_ تتضمن خطابا استيعابيًّا تجاه الآخر المختلف دينيًّا، وهذا تحول مُبهر بالنسبة إليها، وأن هذا الخطاب ليس موجهًا إلى المسلمين والمسيحيين فقط ولكن يتضمن مصطلحات تشير إلى البشر جميعًا على تنوعهم واختلافهم باعتبارهم مشمولين بدعوات الأزهر إلى العيش المشترك، ولكن في مقابل ذلك تغيب هذه اللغة عن الخطاب المحلي للأزهر في مصر، ولكن هذه فرصة جيدة لاستقدام الخطاب الأزهري على المستوى الدولي وتفعيله في واقعنا المحلي في مصر.
وقال إسحاق إبراهيم إن هناك ملفات مهمة بحاجة إلى إعادة النقاش بشأنها في المؤسسات الدينية خاصة في حالة فتح دور العبادة مجددًا كما هو مخطط لذلك في الفترة القادمة بحسب تصريحات الحكومة، مثل طقس التناول مثلًا، والتي ترفض الكنيسة الأرثوذكسية حتى الآن تغيير طريقته التي قد تتسبب في نقل العدوى، وأضاف أن إعادة الكنيسة التفكير في مثل هذه القضايا من عدمه سيتوقف على المدى الزمني للتعايش مع الوباء، فإذا استمرت الأزمة فترات أطول أعتقد أن المؤسسات الدينية ستكون مجبرة على تفعيل النقاش بشكل أكثر جدية بشأن علاقة جمهور المصلين في المؤسسات الدينية وطريقة تقديم الخدمات الدينية، أما إذا انتهت الأزمة سريعًا فإن مساحة المحافظة الدينية الموجودة في المجتمع والتي تزيد بشكل كبير ستتسبب في عودة الأمور إلى ما كانت عليه وبنزعة دينية أكبر.
روحانية وتضامن:
وقالت دكتورة سوسن الشريف إنه يجب استثمار الأزمة وغياب دور العبادة من أجل تدعيم وتقوية الارتباط بالجانب الروحاني والوجداني للعبادات ومضمونها وروحها أكثر من الارتباط بدور العبادة، كما أشارت إلى المساحة المخصصة للمرأة في الفضاء الديني متسائلة إن كان النساء قد تأثرن بقوة من غلق المساجد أم أنها كانت تعاني بالفعل من ضيق المساحات المخصصة لصلاة النساء أو قلتها أو صعوبة الوصول إليها، لكونها أحيانًا في مقصورات علوية، بينما صعود أو نزول السلم يعد مشقة على فئات كثيرة من النساء خاصة كبيرات السن، أو غلقها أغلب الوقت تحت اعتبار أن الرجال أكثر ارتيادًا للمساجد ولهم الأولوية، وأكدت على ضرورة أن يتم إعادة النظر في حق النساء في دور العبادة.
وقال حاتم الهادي _الناشط بمجتمع البهائيين المصريين_ أنه يُمكن استخلاص إطار مفاهيمي من هذه المناقشة يساعد المسؤولين وأصحاب القرار على تشكيل رؤية للتعامل مع الأزمة الحالية والتعايش مع فيروس كورونا، ومن هذه المفاهيم بث روح الأمل وتنمية ورعاية الصفات المطلوبة في المجتمع بشكل عام في كل الأوقات وفي وقت الأزمات بشكل خاص مثل التآخي والوحدة والاتحاد والتعاطف بين الناس وإدراك المسؤولية الاجتماعية وروح العبادة وإدراك المسعى والمصير المشترك بين البشرية جميعها بغض النظر عن خلفياتها الدينية والعرقية والطبقية والثقافية المتنوعة، كما تبرز في هذه الأزمة أهمية اتفاق العلم مع الدين.
في الختام: ما الذي يمكن أن نتعلمه من الأزمة
واختتم النقاش عمرو عزت مستعرضًا أبرز ما تطرقت إليه المناقشة من تحديات وأيضًا من فرص للمجموعات الدينية المختلفة، منها ما أشار إليه بعض المتحدثين من إمكانيات تغليب ودعم الجانب الروحي على حساب جوانب أخرى شعائرية وطقوسية، وكذلك بالنسبة إلى إعادة التفكير في اللاهوت والعقائد والعلاقة بين المؤمنين ورجال وعلماء الدين، وربما العلاقة بين المؤمنين والإله من الزوايا المختلفة لكل دين أو عقيدة، وإعادة اكتشاف طرق غير تقليدية للتواصل بين المجموعات الدينية عبر وسائل التواصل الحديثة.
وأشار كذلك إلى التزام التفكير الديني ذي الأبعاد السياسية حدودًا صارمة وتجنبه التغول على المساحات العلمية الطبية والاقتصادية والسياسية مستشعرًا جدية الوضع وخطورة إقحام رؤًى فقهية وعقائدية في التعامل مع الأزمة، وأضاف أن هذه الأزمة أيضًا تضع الخطاب العام الذي يتحدث عن التضامن الإنساني والوحدة الإنسانية على المحك بصورة أكبر، فهل سيُفعَّل هذا الخطاب ونفكر معًا في التحديات أم أن كل مجموعة دينية ستنغلق على معتقداتها وأفكارها وأبنائها فحسب.
وأضاف أن إحساس المسلمين والمسيحيين بأثر سلبي لغياب رموزهم الدينية في المجال العام قد يُمثل دافعًا لهم إلى التفكير في مشاعر أعضاء المجموعات الدينية الأخرى المحرومين من ظهور رموزهم الدينية المستبعدة عمدًا من المجال العام، نتيجة لأسباب كثيرة، منها عدم استيعاب الإطار الاجتماعي والقانوني التنوع الديني، وهو ما يدفعنا ذلك إلى التفكير في كيفية ظهور الرموز الدينية في المجال العام بشكل ديمقراطي يحترم التنوع ويراعي المساواة.