بعد اعتراض رئيس الجمهورية على بعض مواد مشروع قانون تنظيم البحوث الطبية و الإكلينيكية: قانون مهم يسد فجوة تشريعية طالت المعاناة منها واعتراضات تحقق مع ما قدمته المبادرة إلى البرلمان
بيان صحفي
أرسلت رئاسة الجمهورية خطابًا إلى البرلمان المصري تعبر فيه عن اعتراضات عمَّا ورد بقانون تنظيم البحوث الطبية والإكلينيكية الذي أقره المجلس بجلسة 14 مايو 2018. يأتي هذا القانون المهم في سياق عام شهد تغيرًا كبيرًا في وضع التجارب السريرية للعقاقير تحت رعاية الشركات المنتجة متعددة الجنسيات. فقد زادت هذه التجارب بشدة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. هذه الزيادة في تلك البلاد تزيد من فرصة الإخلال بالمعايير الأخلاقية التي يجب مراعاتها أثناء إجراء التجارب.
فهناك عدة أسباب جعلت مصر من أكثر الأماكن مناسبة لإجراء تلك التجارب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. من بين هذه الأسباب: بنية مصر التحتية الجاذبة للبحث، الزيادة السكانية السريعة، انتشار الجهل بالأدوية والعلاجات. هذا بالإضافة إلى انخفاض تكلفة إجراء هذه التجارب في مصر.
فتحتل مصر المركز الثاني بعد جنوب إفريقيا في قائمة أكثر الدول الإفريقية استضافة للتجارب السريرية للعقاقير تحت رعاية الشركات المنتجة متعددة الجنسيات. يجد الكثير من المصريين صعوبة في الحصول على العلاج الأساسي ما يؤدي إلى لجوء بعض المرضى إلى المشاركة في هذه التجارب على الرغم من احتمالية استغلالهم فيها بغرض الحصول على العلاج المجاني حتى وإن كانت نتائج هذا العلاج غير معروفة. هذا المناخ العام يسهِّل استغلال المواطنين الأكثر ضعفًا واحتياجًا.
يُذكر أن، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قامت بإصدار تقرير مشترك في عام 2016 تحت عنوان: "أسئلة أخلاقية حول التجارب السريرية على الدواء في مصر: تحديات محلية وتمويل من الشركات المنتجة." وقد قدم هذا التقرير الذي أصدرته المبادرة مجموعة من الاقتراحات إلى السلطات المصرية ومتخذي القرار، تشمل مجموعة توصيات للقانون الجديد.
تأتي هذه التوصيات تطبيقًا لنص الدستور المصري لعام 2014 في المادة 60 والذي ينص على أن" جسم الإنسان له حرمة، وأي اعتداء، هتك عرض أو تشويه يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. يمنع الاتجار بالأعضاء، ولا يمكن إجراء أي تجربة طبية أو علمية في هذا الشأن دون توثيق الموافقة الحرة للموضوع وفقًا للمبادئ المعمول بها في المجال الطبي على النحو الذي ينظمه القانون".
فقد كان من الضروري إنشاء إطار تشريعي موحد قوي معزز بنظام مراقبة فعال ومستقل، من أجل التأكد من استفادة المواطنين من التجارب السريرية التي تقام في مصر واحترام حق المريض في استمرار العلاج بعد انتهاء التجربة، والتأكد من إتاحة الفرصة للمرضى وتمكينهم من إعطاء الموافقة المستنيرة طواعية وبعض المعايير الأخلاقية الأساسية الأخرى.
وفي شهر إبريل 2018، تمت دعوة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى المشاركة في جلسة استماع عقدتها لجنة الصحة بالبرلمان وذلك بهدف التعرف على رأي الجهات المعنية المختلفة حول مشروع قانون تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية المزمع مناقشته في المجلس.
قامت المبادرة بتقييم مدى تحقيق القانون لتوصياتها السابقة. كان القانون الصادر عن المجلس في مايو 2018 يحقق 75% من التوصيات الأساسية التي قدمتها المبادرة وهي نسبة تعكس تحقيق القانون للمقومات الأساسية للقانون الذي أوصت به المبادرة. فتمثل أهم مقومات هذا القانون تعامله مع الفجوة التشريعية الحالية التي لا تتصدى لقانونية المرحلة الأولى والثانية من التجارب السريرية لعقارات تقوم بإنتاجها شركات عالمية قبل حصولها على تراخيص التسويق من بلد المنشأ.
كما قدمت المبادرة إلى لجنة الصحة بالبرلمان بعض التوصيات والمقترحات التي، حال تضمينها في القانون، سوف تتيح له تفادي أوجه القصور الأساسية التي تنتاب إجراء البحوث الإكلينيكية في مصر والتي من شأنها أن تثري العملية البحثية في مصر بشكل لا يمثل انتهاكًا لحقوق المصريين ولا يتعارض مع ما نص عليه الدستور. وكان على رأس هذه الاعتراضات التمثيل المبالغ فيه للجهات الأمنية في عملية الموافقة على إجراء البحوث الطبية والعراقيل غير المبررة لعملية إرسال العينات إلى الخارج بالإضافة إلى ضعف تمثيل الباحثين والجهات المعنية بالبحث العلمي والمجتمع المدني في الجهات واللجان التي ينشئها القانون.
هذا وقد جاءت التحفظات على القانون المقدمة من رئاسة الجمهورية في مطلع هذا الشهر بشكل يتماشى مع اعتراضات وتعليقات المبادرة بشكل كبير. لذا، تثني المبادرة على هذه الخطوة وتتطلع إلى رؤية نسخة جديدة من القانون تراعي النقاط والتوصيات الموضحة للجنة كما توصي بالحرص على عرض المسودات للإعلام وعلى المجتمع المدني حتى يتسنى للمجلس إصدار قانون يلتف حوله المعنيون ويجعل منهم شركاء في تنفيذه بالشكل المأمول.
أخيرًا، تشدد المبادرة على أهمية الإسراع في إصدار هذا القانون وعدم اتخاذ اعتراضات رئاسة الجمهورية مبررًا لتأخير إصداره وذلك نظرًا إلى أهمية هذا القانون وتأثيره المباشر على صحة المصريين وحقوقهم من ناحية، وعلى البحث العلمي من ناحية أخرى.