صورة أرشيفية

الحركة الشعبية في وادي القمر بالأسكندرية من أجل العدالة البيئية، رصد مقاومة أهالي وادي القمر ضد تلوث البيئة الذي يسببه مصنع تيتان للأسمنت

خبر

9 يوليو 2017

ملخص:

يعاني سكان منطقة وادي القمر في الإسكندرية من تلوث البيئة وتدهور الصحة بسبب مصنع الإسكندرية لأسمنت بورتلاند المجاور لمساكنهم، والذي ينتهك حقهم في الصحة وفي السلامة وفي الحياة. يتضرر السكان من انبعاثات مدخنة المصنع ومن الأتربة التي تتصاعد من عمليات الطحن والتعبئة وغيرها، كما يتضررون من الاهتزازات التي أدت إلى تصدع بعض المنازل ومن الضجيج المستمر من الماكينات. أدي تحول المصنع مؤخرا من استخدام الغاز الطبيعي إلى حرق الفحم والمخلفات إلى مضاعفة معاناة السكان.

عبر سنوات طويلة، مارس السكان أشكال عديدة الاحتجاج السلمي ضد من المصنع فقاموا بكتابة العرائض وتقديم الشكاوى وتنظيم الوقفات الاحتجاجية وعقد مفاوضات مع المسئولين في المصنع والتحدث عن قضيتهم في وسائل الإعلام واستخدام السوشيال ميديا ، وتصوير الأفلام الوثائقية وقاموا حتى بإجراء الأبحاث وطرح البدائل المدروسة، واللجوء إلى المجالس المنتخبة المحلية والوطنية وصولًا إلى التقاضي في ساحات القضاء الوطنية كما تقدموا بشكوى إلى مكتب المحقق في البنك الدولي ضد مؤسسة التمويل الدولية التي تمول الشركة.

ساعد تشكَّيل اللجنة التنسيقية الشعبية للدفاع عن أهالي منطقة وادي القمر، والتي تتمتع بمساندة رؤساء العائلات في المنطقة التي يغلب عليها الطابع القبلي، في تدعيم دور القيادات الطبيعية وتفعيل المقاومة و التشبيك والتواصل مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والبرلمانيون وغيرهم. يذكر أعضاء اللجنة أنه في مواجهة هذه المقاومة قامت الشركة بتحريض البلطجية ضدهم كما قامت باختلاق التهم وتلفيق القضايا لهم وأيضا محاولة رشوتهم.

وادي القمر

تقع منطقة وادي القمر غرب الإسكندرية على ساحل البحر المتوسط. يقع مصنع الأسمنت إلى الشمال من المنطقة السكنية ويفصل بينها وبين البحر. يبعد السور الجنوبي للمصنع عن المنطقة السكنية بحوالي 10 أمتار فقط هو عرض الشارع الفاصل بينهما.

ويذكر الأهالي إن معظم السكان في المنطقة ينتمون إلى قبائل استوطنت هذا الجزء منذ أزمنة طويلة، وعلى وجه التحديد قبيلة أولاد على وقبيلة جهينة، أن تعدادهم يصل إلى حوالي 60 ألف فرد. و عايش كبار السن منهم المنطقة عندما كانت المنطقة مكانا للنزهة والاستشفاء، ويذكرون انعكاس أشعة القمر على مزارع الشعير الواسعة الذي اشتهرت به المنطقة وإليه يعود تسميتها. تغيرت المنطقة عبر السنين، نظرا لقربها من ميناء الإسكندرية، وغزتها المصانع كما اخترقتها الطرق الرئيسية التي تعبرها الشاحنات محملة بالبضاعة والخامات. لكن رغم وجود عدد من الصناعات في المنطقة، فموقع مصنع الأسمنت إلى الشمال من المنطقة السكنية تحت مهب الرياح السائدة وكونه المصنع الوحيد في المنطقة الذي ينبعث منه غبار وأتربة.

مصنع الإسكندرية لأسمنت بورتلاند- تيتان

يعود تاريخ إنشاء مصنع الإسكندرية لأسمنت بورتلاند إلى عام 1948 حيث أنشأته الحكومة المصرية، ظل المصنع ا مملوكا للدولة حتى نم تخصيصه عام 1999 عندما اشترته شركة بلوسيركل اندستريز. في عام 2002 تم تفكيك خطوط الإنتاج الأربعة القديمة التي كانت تعمل بالطريقة الرطبة، وانشي خط إنتاج يعمل بالطريقة الجافة (الفرن الخامس). بعد سلسلة من الدمج والبيع استحوذت شركة تيتيان للأسمنت علي شركة الإسكندرية للأسمنت عام 2008 . وحاليا تمتلك شركة الإسكندرية للتنمية المحدودة مع شركات أخرى بمجموعة تيتان، قرابة 88 في المائة من أسهم المصنع، وفي عام 2010 تم توقيع اتفاقية استثمار مع ومؤسسة التمويل الدولية بقيمة 80 مليون يورو، مما يعطي المؤسسة حصة نسبتها حوالي 15% من رأس المال. تبلغ طاقة مصنع الإسكندرية الإنتاجية حوالي 2 مليون طن من الأسمنت سنويا.

المقاومة

لاقى إنشاء مصنع للأسمنت في المنطقة عدم قبول من الأهالي منذ بداياته، لأنه حجب عنهم البحر وقضى على نقاء الهواء وجمال المنظر الذي اعتادوا عليه. ولكن مقاومتهم له كانت فردية ومتفرقة واتخذت شكل تقديم عرائض وشكاوى للمسئولين.

ولأن "الوضع لم يكن شديد السوء في البداية" ، لكن بعد عام 2002 ، بعد الخصخصة وبناء الفرن الجديد زاد التلوث بشكل كبير " ربما ﻷن مدخنة الفرن أقصر وأقرب من المساكن ، ولأن الطاقة الإنتاجية للمصنع زاد ولأن أداء المصنع البيئي نفسه سيء ومخالفاته كثيره"، يذكر الأهالي أن" أن الأدخنة والأتربة زادت جدا ومرضنا ومرض أطفالنا "

ومع زيادة المعاناة زاد الغضب، وتكررت الشكاوى كما تكرر تجمع الأهالي بشكل عشوائي أمام المصنع للتعبير عن سخطهم وغضبهم ويمنعهم أمن الشركة من الدخول لمقابلة المسئولين . وظهرت بعض القيادات الطبيعية في المنطقة والتي حاولت قيادة التفاوض مع الشركة،بلوسيركل وقتها، لكن المفاوضات لم تصل إلى أي توافق،" اكتشفنا أن المفاوضات كان هدفها تضيع الوقت واقناعنا بأننا لا حق لنا وأننا لا نعبر عن غالبية الناس و كانوا يكلموننا بصلف شديد وتعال "

كرد فعل على فشل المفاوضات نظمت مجموعة من القيادات أول مؤتمر جماهيري في الشارع، حضره عدد كبير من السكان وسجلته بعض الفضائيات. أظهر المؤتمر بوضوح أن غالبية السكان متضررين من المصنع ومعترضين `على أداءه. لكن عقب المؤتمر استدعى امن الدولة بعض القيادات وحذرهم من التحرك في الشارع أو التجمهر وإثاره الناس، وأن عليهم عرض مطالبهم بأشكال أخرى.

للتكيف مع هذا الوضع ، لجأ الأهالي إلى تأسيس اللجنة التنسيقية للدفاع عن أهالي وادي القمر، والتي تشكلت من خلال عقد اجتماع العرفي ضم كبار وممثلي العائلات المعروفة في المنطقة وأصدر بيان تأسيسي للجنة وفيه أن اللجنة تمثل الأهالي وتعبر عنهم وأنها تتعامل مع الجهات التنفيذية بهذا الصفة حوالي وذلك حوالي عام 2004.

بدأت اللجنة في التواصل مع السكان والدعاية للقضية إعلاميا عن طريق التواصل مع الصحافة وأيضا القنوات التلفزيونية والفضائية. مع الوقت قامت اللجنة بتوسيع عملها فبدأت في توثيق الانتهاكات البيئية للمصنع والمخالفات بالصور وتقديم شكاواي لوزارة البيئة، كما حاولوا توثيق الضرر الصحي عن طريق جمع الشهادات والروشتات للمرضى ومن الصيدليات ، وتجميع الشكاوى وقضايا التعويض التي رفعها بعض الأهالي من المرضى ضد الشركة . كما قاموا بعمل ملف للشركة لرصد أوضاعها القانونية .

وضعت اللجنة بعض القواعد العامة لعملها منها التعامل بشفافية وعدم التواصل مع الشركة في الخفاء، كذلك عدم التصادم مع البوليس والدولة حتى لا تثير خوف الأهالي ، تحييد الميول السياسية وعدم الارتباط مع أي حزب أو جماعة سياسية، التواصل والتشبيك مع كل منظمات المجتمع المدني والهيئات والأفراد المتعاطفين معهم من كافة التوجهات .

عام 2007 تمكن أحد أعضاء اللجنة، الذي كان منتخبا عن المنطقة في المجلس المحلي من تحريك القضية داخل المجلس، وأيضا داخل مجلس الشعب، حيث عرضت مشكلة تلويث المصنع للبيئة وتم تشكيل ، لجنة من خبراء البيئة والصحة، إضافة إلى أعضاء تنفيذيين لبحث الموضوع وأصدرت اللجنة تقريرها الذي أكد أن "الانبعاثات الصادرة عن الشركة تسبب أضرارًا جسيمة على السكان وأيضًا على الشركات المجاورة ومنتجاتها ومعداتها الصناعية وأن هناك خطرًا شديدًا على صحة المواطنين. أوصت اللجنة في تقريرها، بنقل الشركة من موقعها الحالي إلى مناطق بعيدة عن المناطق السكنية ولكن لم تنفذ هذه التوصية .

مع تجميع الوثائق والتحرك بشكل منظم، اكتشف الأهالي عدد من مخالفات الشركة القانونية، أهمها المتعلقة بالترخيص. واقام الأهالي دعوى قضائية ضد الشركة أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية عام 2010 طالبوا فيها بإلغاء الترخيص الصادر للمصنع لعدم قانونيته. ورغم أن تقرير هيئة مفوضي الدولة في الدعوى خلص إلى أن الشركة تعمل بموجب ترخيص غير سليم قانونا ويستوجب إلغاءه،مازالت القضية تتعرض للتأجيل المستمر ويرجح الأهالي أن نفوذ الشركة وراء هذه المماطلة

في عام 2012 أقام بعض الأهالي دعوى أخرى تتعلق باستيلاء الشركة على 60 مترًا من الطريق العام أمام المصنع وبناء سور حديدي أمام البوابة الرئيسية للشركة، وطالوا بإزالة السور المخالف للقانون، وصدر الحكم في صالح الأهالي ولكن لم يتم إزالة السور بعد.

أحدثت ثورة يناير 2011 إنعاش لرغبة الناس في المطالبة بحقوقهم ، عاودوا التحرك والتظاهر في الشارع وتم تنظيم مظاهرة كبيرة أواخر 2011 ; لطرح مطالبهم وللحشد الإعلامي للقضية. وفي ديسمبر 2012 قام أعضاء اللجنة بتنظيم مظاهرة أخرى أمام بوابة الشركة ويذكر الأهالي أنهم وقفوا لفترة امتدت من بعد الظهر إلى ما قبل الغروب وهم يحملون لافتات ويرددون هتافات. لكن مع الظلام الشركة أرسلت بلطجية اندسوا وسطهم وقاموا بالتخريب والعنف وحرقوا بعض المكاتب في الشركة، ثم اتهمت الشركة عدد من القيادات بهذا وتمت احالتهم إلى محكمة أمن الدولة وظلت القضية سيف على رؤوس الأهالي إلى أن برأهم القضاء في ديسمبر 2016

تقدم الأهالي في أبريل عام 2015 بمساعدة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومنظمات أخرى بتقديم شكوى إلى مكتب المحقق المستشار لشؤون التقيُّد بالأنظمة في البنك الدولي. ويعتبر مكتب المحقق هو آلية للمساءلة،لتبحث التظلمات التي يقدمها الأفراد أو المجتمعات المحلية التي تتضرر من الآثار السلبية البيئية والاجتماعية المرتبطة بالمشروعات التي تمولها المؤسسة الدولية.  قبلت الشكوى وفي سبتمبر جاءت بعثة فض المنازعات مكتب المحقق لزيارة المنطقة ومقابلة أطراف الشكوى لتقييم اموضع وبحث امكانية التفاوض. وافق الاهالي على التفاوض بينما رفضت الشركة، بناء على ذلك الرفض احيلت الشكوى إلى آلية الالتزام بالأنظمة في مكتب المحقق التي أصدرت تقريرها الاولي في 18 يوليو 2016 وأوضح التقرير أن هناك عدد من النواحي المثيرة للقلق الشديد في أداء المصنع وتستدعي التحقيق المعمق، وبالفعل في يناير 2017 زارت بعثة من مكتب المحقق وخبراء دوليين الموقع عاينت الموقع وتحدثت مع الأطراف المعنية ومن المنتظر أن يصدر تقرير خلال بضعة أشهر

بالأضافة إلى القضية المتعلقة بالترخيص التي لم يفصل فيها بعد ، والقضية الخاصة بالسور والتي صدر فيها حكم ولكن لم يتم تنفيذه . ساعدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الأهالي في أقامة دعوى ضد رئيس الوزراء والشركة وآخرون بخصوص استخدام المصنع للفحم في يناير 2016 حيث كان رئيس الوزراء قد اصدر تعديلا للائحة التنفيذية سمحت باستخدام الفحم في الأماكن السكنية ومنها وادي القمر. والقضية مازالت قيد التداول وقد طلب القاضي تشكيل لجنة من أساتذة جامعة الإسكندرية لتقييم الأثر البيئي والصحي وأعداد تقرير بذلك للمحكمة في يوليو القادم للاستعانة به في اصدار الحكم.

نجح الأهالي كذلك، في بمساعدة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في إقامة جنحة ضد المصنع بسبب مخالفاته لقانون البيئة والأضرار الصحية التي يسببها لهم وما زالت منظورة في القضاء

تواصل الأهالي أيضا مع نواب البرلمان عن المنطقة ، وساعدتهم المبادرة في إعداد ملفات وافية عن الموضوع وعرضوها على النواب، وبالفعل قدم نائب من نواب الإسكندرية طلب إحاطة في لجنة البيئة بالبرلمان، وقام عدد منهم بزيارة للمنطقة والتعرف على الوضع على الطبيعة وطابلوا المصنع بتحسين أداؤه وتقديم خدمات للمنطقة بشكل أفضل

نظرا للأوضاع السياسية وإحكام القبضة الأمنية، أصبح التحرك الجماهيري اكثر صعوبة وأعلى تكلفه، كما أن التوجهات الإعلامية تغيرت وأصبح من الصعوبة الوصول أليها للتعبير عن شكاوى الناس. رغم الإحباط والإرهاق فما زال الأهالي ينشطون على السوشيال ميديا ويتابعون القضايا ويتقدمون بالشكاوى للجهات المسئولة ويأملون في تحقيق العدالة البيئية يوما ما.

تم نشر هذا المحتوى عبرموقع أطلس العدالة البيئية باللغة الإنجليزية