ورقة موقف: اختفاء وثائق قرض صندوق النقد الدولي لمصر بين قواعد الصندوق وتجاهل الحكومة للدستور
بيان صحفي
أغفل صندوق النقد الدولي إصدار وثيقتين حين وافق المجلس التنفيذي على قرض الإثني عشر مليار دولار لمصر، يوم 11 نوفمبر 2016: تقرير طاقم الصندوق عن وضع الاقتصاد المصري، ومواعيد نشر الوثائق المتعلقة بالقرض وببرنامج الإجراءات المصاحبة له، والتي يتوجب على الحكومة المصرية نشرها.
خالف الصندوق قواعد الشفافية الخاصة به ثانية في السبت، 10 ديسمبر، الموعد المحدد لنشر ما يسمى "إعلان نوايا النشر". والذي يعلن تأخر الجانب المصري عن نشر وثائق القرض، ويحدد جدول مواعيد النشر.
تخالف الحكومة الدستور بالمضي قدما في الاقتراض من الصندوق بدون عرض القرض وبرنامجه على مجلس النواب.
وفقا لقواعد الصندوق على مصر أن تنشر: مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية...وهو ما لم تفعله حتى الآن.
لا شيء ملزم فعليًّا في سياسات الصندوق فيما يتعلق بوجوب نشر أكبر قدر من المعلومات وتوخي الحد الأقصى من إتاحتها. لا يوجد سوى النوايا الحسنة ومرونة كبيرة في التطبيق.
ولكن حتى في ذلك الإطار الفضفاض من قواعد الشفافية، والتي يجملها الصندوق في وثيقة من أكثر من خمسين صفحة، وتسمى:" المذكرة الإرشادية حول سياسة الصندوق المتعلقة بالشفافية"، هناك ما يجب أن يلتزم الصندوق به، وما يجب أن يحث الدولة العضو على أن تلتزم به من نشر أهم الوثائق المتعلقة بمختلف أنواع المعاملات بين الدولة وبين الصندوق.
وحين تقترض مصر من الصندوق ما قيمته 12 مليار دولار، وفق اتفاق يسمى تسهيل الصندوق الممدد Extended Fund Facility، فإن هناك عددًا من التوصيات التي احتوت عليها المذكرة من شأنها أن تعزز الالتزام بالشفافية.
وفيما يلي مقتطفات من نص "المذكرة الإرشادية حول سياسة الصندوق المتعلقة بالشفافية".
ينتهج الصندوق مبدأ الشفافية الذي عبر عنه في مقدمة القرار المتعلق بتطوير نظام الشفافية. ووفقًا لهذا المبدإ فإن الصندوق "سوف يسعى من أجل الإفصاح عن الوثائق والمعلومات على أساس توقيتات منضبطة، إلا إذا كان هناك من الأسباب القوية والمحددة التي تحاجج ضد هذا الإفصاح". (P. 1)
ومن أجل تدعيم تطبيق هذا المبدأ، فإن القرار يقوم بتوصيف معنى "النشر الفوري".
وفقًا لهذا التعريف، فإن الصندوق سوف يستهدف نشر الوثائق التي يشملها القرار، في غضون مدة لا تتجاوز 14 يومًا، بعد لقاء المجلس التنفيذي، أو جلسة غير رسمية للمجلس، أو تبنٍ لقرار بـ"فسحة من الوقت" (Lapse of Time, LOT) (تاريخ يحدده المجلس)، أو 28 يومًا بعد صدور الوثيقة التي تقدم إلى المجلس التنفيذي، أيهم تأخر. (P. 1)
حين يقوم الصندوق بالتوقيع على قرض مع دولة ما، فإن هناك عددًا من الوثائق التي يجب أن ينشرها طاقم الصندوق، وأخرى على الحكومة المعنية أن تنشرها.
وفي الحالة الأردنية، حين طلبت الأردن الحصول على قرض من نفس النوع الذي حصلت عليه مصر، في سبتمبر 2016، التزم الصندوق بنشر كافة الوثائق التي تقتضيها شروط الإفصاح وفقًا لدليل الشفافية الخاص به. واحتوت هذه الحزمة من الوثائق على مئة صفحة من المعلومات. هذه الوثائق التي نشرها الصندوق على موقعه (IMF, 2016)، بما يتفق مع ما يقتضيه الالتزام بدليل الشفافية الخاص به، هي:
- بيان صحفي ويتضمن بيانًا من رئيس المجلس التنفيذي.
- تقرير طاقم الصندوق Staff Report المقدم إلى المجلس التنفيذي في 24 أغسطس، بغرض البت. وذلك في أعقاب انتهاء المناقشات وقد أنهى الطاقم تقريره في 3 أغسطس 2016.
- بيان من المدير التنفيذي للأردن.
كما أشارت حزمة الوثائق في صدر الغلاف إلى أن الوثائق التالي ذكرها سوف تنشر بشكل منفصل (وهي الوثائق التي يحث الصندوق الحكومة الأردنية على نشرها)، وهي:
- خطاب النوايا المرسل إلى صندوق النقد الدولي وإلى السلطات في الأردن.
- مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية الخاصة بالسلطات الأردنية.
- مذكرة التفاهم الفني.
أما في حالة القرض المصري، فلم ينشر أي من الطرفين سوى بيانات صحفية، وبيان كريستين لاجارد رئيس المجلس التنفيذي للصندوق، وتفريغ للقاءات الصحفية المتعلقة بالقرض (انظر قائمة المراجع). وهذا إخلال بمقتضيات الشفافية.
كما يعتبر ذلك التعتيم استثناءً ضمن الدول التي حصلت على تمويل من الصندوق أخيرًا. في 2015، وافق 93% من الدول التي وقعت برامج مع الصندوق على نشر خطابات النوايا، ومذكرات السياسات الاقتصادية والمالية وكذلك مذكرات التفاهم الفنية، وذلك وفقًا لورقة حقائق الصندوق عن الشفافية Transparency FactSheet .
وبذلك تكون أهم الوثائق التي لم يلتزم الصندوق بنشرها هي تقرير طاقم الصندوق Staff Report. ووفقًا لدليل الشفافية، يجب أن يكون حجب النشر ذلك بناءً على طلب من الحكومة المصرية (P. 34-35)، ولأسباب "قوية ومنطقية".
وتقضي قواعد الصندوق بأن الأساس هو "النشر الفوري" لجميع الوثائق التي يتوجب على الصندوق نشرها، مثل تقارير طاقم الصندوق Staff Reports.
أما الوثائق التي يتوجب على الحكومة نشرها، وهي خطاب النوايا ومذكرة السياسات الاقتصادية والمالية، في حالة القرض المصري، فتخضع لقاعدة أن "النشر هو الأساس".إلا إذا طلبت الحكومة مسبقًا غير ذلك، وعلى طاقم الصندوق أن يقدم هذا الطلب من ضمن الوثائق التي تعرض على مجلس المديرين، من أجل إقرار القرض (P. 2, P. 35).
وتبلغ المهلة التي يمكن لكل من الطرفين حجب الوثائق خلالها بين 14 يومًا و28 يومًا كحد أقصى (P.7, P.8- P.34-35)، وذلك حتى لا تصبح المعلومات "قديمة" (P. 34).
في حالة الخلاف:
من حق الحكومة المقترضة أن تطالب بحذف بعض المعلومات الحساسة1، أو تعديل بعض الفقرات في الوثائق المنشورة، فقط في حالة خطأ مطبعي أو سوء عرض وجهة نظر الحكومة (P.11).
ويكون ذلك التعديل أو الحذف في موعد أقصاه موعد انعقاد المجلس التنفيذي للبت في أمر القرض.
وفي حالة استمرار الخلاف بين المدير العام وسلطات البلد المقترض، يعرض المدير التنفيذي الذي يعنيه أو ينتخبه البلد المقترض الخلاف على المجلس التنفيذي. وفي حالة إذا ما رأى المجلس أن المواد المطلوب حذفها قد تؤثر على سلامة تحليل الصندوق، أو مصداقيته، يوصي المجلس بعدم النشر.
ويجب أن تكتب نوايا النشر على غلاف التقرير المقدم إلى المجلس التنفيذي للصندوق (مثلما كان الحال في الأردن).
وإذا لم تلتزم الحكومة بنشر وثائقها، خلال 28 يومًا من إعلان موافقة المجلس التنفيذي، توجب على الصندوق في نهاية هذه المدة نشر ما يسمى ببيان الحقائق (P.33)، وهو تقرير حالة مختصر إضافة إلى إعلان نوايا النشر (سواء بالاتفاق على النشر في تاريخ محدد، أو بعدم الاتفاق على النشرـ P.54).
انتهت تلك المهلة في حالة مصر يوم السبت الموافق 10 ديسمبر 2016.
ولكن لم يصدر الصندوق هذا التقرير.
واكتفى المتحدث باسم الصندوق، جيري رايس، بأن يرد على سؤال عن مصر خلال مؤتمر صحفي عالمي عن أنشطة الصندوق يتعلق بنشر وثائق القرض وبرنامج الإجراءات المصاحبة له2.
معلنا أن الصندوق سوف يصدر "قريبا جدا، خلال الأيام القليلة الآتية" تقرير طاقم الصندوق Staff Report. كما ستُنشر وثائق أخرى متعلقة بالبرنامج "خلال الأسبوع".
الهوامش:
1-من الأرجح أن هذا هو وضع الحكومة المصرية في الوقت الحالي.
2-كان ذلك المؤتمر الصحفي يوم 8 ديسمبر 2016.
توصيات:
وعليه، توصي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بالتالي:
- أن يلتزم الصندوق بالمواعيد وبالصياغات التي تحددها مذكرة الشفافية لنشر بيان الوقائع الخاص بعدم نشر الوثائق المتعلقة بالقرض المصري، إضافة إلى تقرير طاقم الصندوق.
- أن يتوخى أكبر قدر من الشفافية في الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالقرض، وبتقييم طاقم الصندوق لوضع الاقتصاد المصري، وعن حزمة السياسات التي تم الاتفاق مع الحكومة المصرية على تطبيقها وكذلك وترتيبها الزمني وقياس أثرها في البطالة والتضخم.
- أن يلتزم كل من الصندوق والحكومة المصرية بأن يتم نشر هذه الوثائق قبل مناقشة البرلمان للقرض وإلا اعتبر القرض قرضًا غير دستوري ومن قبيل القروض الكريهة.
المراجع:
IMF, TRANSPARENCY AT THE IMF, Fact Sheet, July 2016.
IMF, GUIDANCE NOTE ON THE FUND’S TRANSPARENCY POLICY, November 2013.