"تبديد الأساطير" تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يرصد أسباب التردي الاقتصادي: حكومات ما بعد الثورة حذت حذو نظام مبارك وفشلت في خلق واقع اقتصادي جديد

بيان صحفي

3 June 2013

أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تقريرًا بعنوان: "تبديد الأساطير- الأزمة الاقتصادية في مصر: الأسباب - البدائل - الحلول"، يقدم رؤية تحليلية للسياسات الاقتصادية في المرحلة الأخيرة، في إطار تقييم عام للأداء الاقتصادي للحكومات المتتابعة بعد مرور ما يقترب من عامين ونصف على اندلاع ثورة 25 يناير.

وجَّه التقرير انتقادات إلى الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لإخفاقها في خلق واقع اقتصادي جديد، بل وتُسبب سياساتها المتخبطة في مزيد من التردي الاقتصادي، محذرا أن الاستمرار في هذا النهج قد يجعل الاقتصاد هو المسمار الأخير الذي يُدق في نعش النظام الحالي.

وأشار التقرير إلى أن مجمل السياسات الاقتصادية فيما بعد الثورة تسير على خطى الرؤية قصيرة النظر التي حكمت السياسات الاقتصادية لنظام المخلوع مبارك، والتي تؤمن بأن مفتاح حل الأزمة الاقتصادية يكمن في سد العجز المتنامي في الموازنة وتحقيق الاستقرار لقيمة الجنيه المصري في مواجهة عجز متفاقم في ميزان المدفوعات اعتمادا على الاقتراض، بدلا من التركيز على مواجهة الأسباب الهيكلية للتراجع الاقتصادي، مثل عدم عدالة نظام دعم الطاقة، وتدهور القطاعات الإنتاجية، وتراجع فرص العمل.

كما أشار التقرير إلى تجنُّب صناع السياسة الحاليين اتخاذ الإجراءات الضرورية - التي كان يتعين على النظام السابق اتخاذها - مثل إعادة هيكلة الميزانية عبر إعادة تخصيص النفقات، وزيادة العوائد الضريبية من خلال نظام ضريبي عادل، ما يؤدي إلى زيادة الاستثمارات العامة في الموارد البشرية عبر مجالات التعليم والتدريب المهني والخدمات الصحية.

وأضاف التقرير أنه على عكس الحال مع نظام مبارك الذي تمتع بالاستقرار السياسي النسبي لفترة طويلة، ومن ثم تمكّن من التكيف مع أزمة مالية مزمنة عن طريق الحصول على معونات ضخمة واعفاءات من الديون، فالنظام الحالي لا يمتلك رفاهية الحصول على مثل تلك المعونات نظرا لافتقاره إلى الاستقرار النسبي الذي تمتع به نظام مبارك.

وألقى التقرير الضوء على جوانب تردي الوضع الاقتصادي والأزمات التي يقف النظام الحالي عاجزًا عن التعامل معها. فبحلول نهاية عام 2012 وبداية عام 2013، برزت سلسلة من تطورات كانت بمثابة أجراس إنذار لابد من الانتباه إليها، منها تجاوز عجز الميزانية حاجز الـ176 مليار جنيه مصري خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالي 2012/2013، وتراجع الجنيه المصري إلى أدنى مستوى له منذ عام 2004، مع استمرار هروب رؤوس الأموال حتى وصلت إلى ما يقدر بخمس مليارات دولار أمريكي خلال عام 2012 وحده. كما أشارت توقعات اقتصادية، منها تقرير صدر عن مجلة الإيكونومست البريطانية، إلى تراجع توقعات نمو الاقتصاد المصري لتصل إلى معدل 2.2%، بما يقل عن المعدل المتوقع الذي أعلنته الحكومة المصرية لعام 2013 وهو 3%.

وأشار التقرير إلى أنه في مواجهة الأزمة المتفاقمة، ركزت الحكومة المصرية جل اهتمامها على جولة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، هي الرابعة في حقبة ما بعد الثورة. وغاية الحكومة كانت أن تنجح في الحصول على القرض الموعود، مؤملة أن تحدث ثقة الصندوق في البرنامج الاقتصادي المقترح انفراجة فيما يخص اجتذاب الاستثمارات وتعطي إشارات تطمين تسمح بتدفق المزيد من القروض والمنح.

وأوضح التقرير أن إذعان البنك المركزي في نوفمبر الماضي لضغوط الصندوق وقيامه بتخفيض قيمة العملة، أدى إلى فقدان الجنيه ما يزيد على الـ10% من قيمته منذ بداية يناير 2013. وهو الأمر الذي انعكس في نهاية المطاف على أسعار السلع الأساسية التي شهدت ارتفاعات متوالية. فبينما يشير البنك المركزي إلى وصول معدلات التضخم إلى 8.7%، فإن مسئولين بشعبة صناعة الغذاء بالغرفة التجارية رأوا أن الرقم يفوق ما أعلنته الحكومة بكثير، إذ يناهز الـ17%، وهو ما يعني أن نذر أزمة اجتماعية ــ اقتصادية طاحنة تلوح في الأفق. ففي دولة تستورد 60% من احتياجاتها الغذائية و40% من وقودها، بينما يقع أكثر من 25% من سكانها، نصفهم يقطنون في المناطق الريفية والعشوائية بالمدن، تحت خط الفقر، فضلًا عن أن معدلات البطالة بين شبابها تصل إلى 25%، تكون المحصلة مزيجًا اجتماعيًّا ــ اقتصاديًّا قابلًا للانفجار في أي لحظة.

وأكد التقرير أنه بدلاً من التعامل مع التحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد المصري، فإن كل حكومة تولت إدارة البلاد بعد اندلاع ثورة 25 يناير، سواء كانت انتقالية أو منتخبة، ركزت اهتمامها على كسب نقاط سياسية ولم تعبأ باستغلال المساحة المحدودة التي توفرها السياسات المالية والنقدية لإحداث إصلاحات هيكلية مطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإنه بدلاً من صياغة خطة اقتصادية متكاملة أو سياسة صناعية طويلة الأمد، فقد استمر النظام الحالي في اتباع إجراءات اقتصادية جزئية وقصيرة الأجل في محاولة لإرضاء صندوق النقد الدولي.

ويخلص التقرير إلى ضرورة اتباع حزمة سياسات تقوم على الشفافية وفتح النقاش المجتمعي لإعادة هيكلة الموازنة وإعادة تخصيص الموارد، وذلك في إطار استراتيجية طويلة الأجل لتنمية القطاعات الإنتاجية وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن ثم تنشيط الاقتصاد بشكل مستدام.