في خضم الأزمة السياسية: رئيس الجمهورية يصدر تشريعا بتغليظ العقوبات على الباعة الجائلين - المبادرة المصرية تدين تجريم استرزاق الفقراء وتطالب بتعديل تشريعي شامل لتنظيم عملهم
بيان صحفي
أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن رفضها قانون تغليظ العقوبات على مخالفات الباعة الجائلين، الذي أصدره رئيس الجمهورية يوم الخميس الماضي الموافق 6 نوفمبر ونشرته الجريدة الرسمية في ساعة مبكرة من صباح اليوم.
وأعربت المبادرة عن دهشتها من إقدام رئيس الجمهورية على استخدام سلطته التشريعية الاستثنائية - التي تعهد سابقا بعدم استخدامها الا في أضيق الحدود - لتشديد حدة تجريم الأنشطة الاقتصادية للفقراء في الوقت الذي كانت البلاد تمر فيه بإحدى أعنف أزماتها السياسية التي وصلت إلى ذروتها في نفس يوم صدور هذا التشريع.
ولم يتضمن القرار بقانون رقم 105 لسنة 2012 (بتعديل قانون الباعة المتجولين رقم 33 لسنة 1957) أكثر من مادة وحيدة نصت على تغليظ العقوبات على مخالفات الباعة الجائلين الذين يعملون بدون ترخيص أو يتسببون في تعطيل المرور في الشوارع والميادين بزيادة مدة الحبس المقررة من مدة لا تتجاوز شهرا وغرامة لا تزيد على خمسة جنيهات إلى الحبس لمدة ثلاثة أشهر أو غرامة قدرها ألف جنيه. كما قامت المادة ذاتها بتغليظ العقوبة في حالة العودة لارتكاب نفس المخالفات من الحبس لمدة ثلاثة أشهر أو غرامة قدرها ألف جنيه إلى الحبس ستة أشهر أو غرامة تبلغ خمسة آلاف جنيه مع مصادرة البضاعة المضبوطة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه هي المرة الثانية التي يتم فيها تغليظ العقوبة على الباعة الجائلين بعد أن كان تعديل مشابه قد صدر في عام 1981، وهو ما يعني أن كافة التعديلات التي أدخلت على هذا القانون منذ صدوره في عام 1957 قد انحصرت في مواد العقوبات فحسب، في إشارة بالغة الدلالة على اقتصار معالجة الدولة لظاهرة الباعة الجائلين على التجريم والعقاب دون النظر للجوانب الاقتصادية والاجتماعية الأخرى للظاهرة.
وقال د. عمرو عادلي، مدير قسم العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "إن قصر معالجة قضية الباعة الجائلين على الجانب الأمني والجنائي هو استمرار لنفس نهج تهميش الفقراء وتجريم أنشطتهم الاقتصادية الهادفة لتأمين الرزق لهم ولأطفالهم. فمع التسليم بضرورة تنظيم وضبط نشاط الباعة الجائلين حتى لا يؤدي لإعاقة حركة المرور في الشوارع والطرقات فإن هذا التنظيم لا يعني بحال من الأحوال تجريم نشاطهم، وإطلاق يد الشرطة في مطاردتهم وحرمانهم من حريتهم بحبسهم، ومصادرة أرزاقهم الهزيلة أصلاً من خلال الاستيلاء على بضائعهم وتشريد أسرهم."
وأكدت المبادرة المصرية أنه كان الأحرى إدخال تعديل شامل لقانون البائعة الجائلين الذي مر على صدوره خمسة وخمسون عاما ليلائم اتساع الظاهرة وينظمها، بل ويشجع نشاط الباعة الجائلين بعد تنظيمهم وتسجيلهم باعتبار أن نشاطهم الاقتصادي هو إسهام في جهود مكافحة الفقر والبطالة، وهو الخط الذي انتهجته بالفعل حكومات كالهند وجنوب إفريقيا وتايلاند وبيرو والبرازيل عبر تطوير سياسات لاستيعاب وتنظيم الاقتصاد غير الرسمي كأداة من أدوات التنمية.
كما شددت المبادرة على أن استعادة الدولة لـما يسمى "هيبتها" في السياق الحالي لن يأتي عبر إرهاب الباعة الجائلين باسم فرض النظام ومحاربة الفوضى، وإنما بكفالة حقوق الفئات الأكثر فقراً وتهميشا في المجتمع، لا سيما وأن أغلب الباعة الجائلين ـ الذين يتجاوز عددهم طبقا لبعض التقديرات الملايين الخمسة في شتى أنحاء مصر ـ يعانون في الأصل من الفقر وضعف التعليم وغياب فرص العمل اللائقة في الاقتصاد الرسمي.
وأضاف عادلي: "ينبغي على الحكومة أن تدرك أن أنشطة الباعة الجائلين هي جزء من الاقتصاد غير الرسمي أو غير المسجل، والذي يمثل نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر ويولد ما يزيد عن 60% من الوظائف وفرص العمل، أي أن نصيب القطاع غير الرسمي يفوق القطاعين العام والخاص الرسميين، وهو ما يستوجب تنظيم وتشجيع هذه الأنشطة بدلا من تجريمها."
وطالبت المبادرة المصرية الحكومة بإلغاء القرار بقانون رقم 105 لسنة 2012، وتشكيل لجنة لدراسة أوضاع الباعة الجائلين وفتح حوار مجتمعي معهم ومع الأطراف الأخرى ذات الصلة لتعديل القانون تعديلاً شاملاً يكفل تنظيم أنشطة الباعة الجائلين وتسجيلهم وتأمينهم على أرزاقهم بل وتشجيعهم، في إطار سياسة عامة للتنمية ومكافحة الفقر والبطالة.
القرار بقانون رقم 105 لسنة 2012 (بتعديل قانون الباعة المتجولين رقم 33 لسنة 1957)