‎تفتيش النيابات على السجون يتطلب التفعيل وليس التذكير-تعليق حول تكليف النائب العام دوائر النيابات عمليات تفتيش مفاجئة على السجون

بيان صحفي

4 أكتوبر 2012

رضا مرعي، محامي بوحدة العدالة الجنائية

في عددها الصادر صبيحة الاثنين الأول من أكتوبر، طالعتنا جريدة الشروق بخبر عنونته: "النائب العام يكلف النيابات بالتفتيش المفاجئ على جميع سجون الجمهورية". وقد جاء بمتنه أن سيادة المستشار النائب العام أصدر تكليفا مباشرا لدوائر النيابات المختلفة في جميع محافظات الجمهورية، بإجراء عمليات تفتيش مفاجئة على السجون التابعة لها، ومراقبة تطبيق القوانين واللوائح وحقوق وواجبات المسجونين. كما أضاف الخبر أن النائب العام قد أمر بضبط أية مخالفات والتصدي لها، وإخطاره بنتيجة التفتيش؛ للتأكد من تطبيق اللوائح والقوانين، وضبط أية مخالفات سواء من المسجونين أو القائمين على إدارة السجن، وتلقي أية شكاوى من المسجونين.

ولقد تلقينا محتوى الخبر باستغراب شديد، إذ يوحي للقارئ خصوصا غير المتخصص بالقانون، أن النائب العام قد استحدث تكليفا للنيابة يضاف لما لديهم من مهام. وحقيقة الأمر التي يجب إظهارها هاهنا أن هذا ليس بتكليف وتحديد لواجبات إضافية تلقى علي عاتق النيابة العامة، وإنما هو "تذكير" من النائب العام لأعضاء النيابة بأداء واجب قانوني وضعته علي كواهلهم المادة 42 من قانون الاجراءات الجنائية. وهو واجب أصيل مهملا من جانبهم، ويحوي من المهام ماهو أكثر بكثير مما جاء بتكليف النائب العام المشار إليه.

لقد نصت المادة 42 على: أن لكل من أعضاء النيابة العامة ورؤساء ووكلاء المحاكم الابتدائية والاستئنافية "زيارة السجون العامة والمركزية الموجودة في دوائر اختصاصهم، والتأكد من عدم وجود محبوس بصفة غير قانونية، ولهم أن يطلعوا على دفاتر السجن وعلى أوامر القبض والحبس وأن يأخذوا صورا منها وأن يتصلوا بأي محبوس ويسمعوا منه أي شكوى يريد أن يبديها لهم." واضافت المادة المذكورة "وعلى مدير وموظفي السجون أن يقدموا لهم كل مساعدة لحصولهم على المعلومات التي يطلبونها."

وتكمل المادة 43 بحق أصيل من حقوق السجناء مفاده: أن لكل مسجون بموجب نص من قانون الإجراءات الجنائية الحق في أن يقدم في أي وقت لمأمور السجن شكوى كتابية أو شفاهية. ويطلب منه تبليغها للنيابة العامة، وعلى المأمور قبولها وتبليغها في الحال، بعد إثباتها في سجل يعد لذلك في السجن.
وعزز قانون تنظيم السجون مهمة النيابة العامة في التفتيش علي السجون حيث جاء بالمادة 85 من هذا القانون: أن للنائب العام ووكلائه في دوائر اختصاصهم حق الدخول في جميع أماكن السجن، في أي وقت، للتحقق من مراعاة ما تقضي به القوانين واللوائح. وبالأخص أنه لا يوجد شخص مسجون بغير وجه قانوني، وأن كل فئة من المسجونين تم عزلها عن الفئة الأخرى ويعاملوا المعاملة المقررة لفئتهم، وأن السجلات المفروضة طبقا للقانون مستعملة بطريقة منتظمة.

ولأعضاء النيابة العامة – طبقا لذات المادة - قبول شكاوى المسجونين وفحص السجلات والأوراق القضائية للتحقق من مطابقتها للنماذج المقررة. وعلى مدير السجن أو مأموره أن يوافيهم بجميع ما يطلبونه من البيانات الخاصة بالمهمة الموكول إليهم القيام بها.
كما أعطى القانون لرؤساء ووكلاء محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وقضاة التحقيق حق الدخول في كل وقت في السجون الكائنة في دوائر اختصاص المحاكم التي يعملون بها. ولرئيس ووكيل محكمة النقض حق الدخول في جميع السجون وعلى إدارة السجن أن تبلغ الملاحظات التي يدونونها إلى المدير العام.

ولا حاجة لنا لتذكير النيابة بقانونها، قانون السلطة القضائية الذي تنص مادته 27 على تولى النيابة العامة الاشراف على السجون وغيرها من الأماكن التي تنفذ فيها الاحكام الجنائية ، ويحيط النائب العام وزير العدل بما يبدو للنيابة العامة من ملاحظات في هذا الشأن.

كان المفروض بدلا من إصدار قرار يوحي باستحداث مهمة، أن يكون قرار النائب العام متضمنا آليات توقيع جزاءات علي أعضاء النيابة العامة المقصرين في أداء هذا الواجب، وليس مجرد تكليفا بما هو أقل في حقيقة الأمر مما هو واجب في الأساس.

يجدر هاهنا أن نبين أن القانون المصري يحوي ثغرة تمر منها انتهاكات شائنة بحق المحتجزين، إذ لم يعطي للنيابة العامة حق التفتيش الدوري والمفاجئ على أماكن الاحتجاز الأخرى (التي لم ترد بقانون تنظيم السجون) مثل أقسام الشرطة أو معتقلات أمن الدولة أو سجون القوات المسلحة والمخابرات، ويعطي للنيابة العامة حق دخول هذه الأماكن فقط بعد إخطارها بوجود محبوس بصفة غير قانونية أو في محل غير مخصص للحبس. وفي هذه الحالات عليها أن تنتقل فوراً إلى المحل الموجود به المحبوس وأن تقوم بإجراء التحقيق وأن تأمر بالإفراج عن المحبوس بصفة غير قانونية (المادة 43 من قانون الاجراءات الجنائية).

كما أن القانون المصري لا يسمح لممثلي المجتمع المدني أو لخبراء مستقلين بزيارات وقائية لأماكن الاحتجاز للرقابة على الأوضاع بداخلها واحترام حقوق السجناء، كما هو مقرر في البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وكما هو معمول به في العديد من الدول. وهو ما يحد من مستوى من مستويات الرقابة علي السجون كان له أن يفيد في الحد من ظواهر الانتهاك والتعذيب داخل هذه الأماكن.