تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن جرائم ضباط قسم شرطة ميت غمر

بيان صحفي

27 سبتمبر 2012

أصدرت اليوم المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تقريرا يضم نتائج تحقيقاتها حول الأحداث التي شهدتها مدينة ميت غمر بمحافظة الدقهلية يوم 16 سبتمبر الماضي، والتي راح ضحيتها اثنان من أبناء القرية على يد ضباط قسم شرطة ميت غمر، الأول بعد تعذيبه داخل القسم والثاني بعد إطلاق الرصاص الحي عليه خارج القسم، بالإضافة إلى عدد من المصابين. ويذكر أن المبادرة المصرية كانت قد أصدرت بيانا صحفيا في 20 سبتمبر الماضي طالبت فيه التحقيق الفوري في الوقائع، ووقف الضباط المتهمين عن الخدمة لحين الانتهاء من التحقيقات.

وبعد مرور عشرة أيام على الواقعة، ورغم فتح التحقيقات من قبل نيابة بندر ميت غمر وتوجيه الشهود الذين استمعت إليهم النيابة اتهامات مباشرة بالتعذيب وبالقتل العمد ضد عدد من ضباط قسم شرطة ميت غمر تم تحديدهم بالاسم، إلا أن النيابة لم تصدر ضدهم أوامر ضبط وإحضار بل ولم يتم استدعاء أي منهم لسؤاله حتى الآن، ولا يزالون يمارسون عملهم كضباط في نفس القسم. كما رصدت المبادرة محاولة بعض ضباط القسم التأثير على الشهود لتغيير شهاداتهم. ويستعد أهالي ميت غمر لتنظيم واقفة صامتة يوم الجمعة 28 سبتمبر للتنديد بعنف الشرطة، مطالبين بسرعة ضبط الجناة.

اعتمدت المبادرة المصرية في تقريرها على انتقال باحثيها لميت غمر ومقابلة عشرات الأهالي وتوثيق حوالي 15 إفادة من شهود العيان والمصابين، فضلا عن التقارير الطبية وشهادات الوفاة. كما حضر محامي المبادرة المصرية التحقيقات وسؤال الشهود أمام النيابة.

يسرد التقرير الأحداث ابتداء بحملة الاعتقالات العنيفة التي قام بها ضباط من قسم ميت غمر على محال ومقاهي منطقة "وش البلد"، وغضب الأهالي بعد اقتحام وتكسير المحال وتعدي أحد الضباط بالضرب على سيدة مسنة، وتوجه بعضهم إلى القسم. ثم يتناول التقرير واقعة تعذيب عاطف المنسي حتى الموت، حيث كان توجه إلى القسم لعمل محضر للسيدة التي تعرضت للضرب، وتم اصطحابه هو وآخر يدعى مصطفى محمد إلى داخل القسم وتعذيبهم. يتناول التقرير أيضا الاشتباكات التي بدأت على إثر وفاة عاطف، واستخدام ضباط من القسم للرصاص الحي مباشرة على المتواجدين وقتل السيد عادل وإصابة رامي محمد إصابة خطرة. وأخيرا يرصد التقرير بدء التحقيقات وأقوال الشهود أمام النيابة، والذين اتهموا ضباط من قسم ميت غمر بالتعذيب والقتل العمد، ثم محاولات التأثير على الشهود.   

حملة اعتقالات عشوائية واستخدام مفرط للقوة
بدأت الأحداث يوم الأحد 16 سبتمبر في حوالي الساعة التاسعة مساء عندما قامت قوة من قسم شرطة ميت غمر بمداهمة بعض المحال والمقاهي في منطقة "وش البلد" فيما وصفته الشرطة بحملة إزالة تعديات وتنفيذ أحكام. توصلت تحقيقات المبادرة المصرية إلى أن قوة الشرطة لجأت لضرب المتواجدين وسبهم وتكسير معدات بعض المحلات وأدوات المقاهي أثناء القبض على أشخاص من داخل المحال ومن على المقاهي، مما تسبب في حالة من الذعر بين الأهالي ورواد المقاهي. وأدى تعرض رجال الشرطة بالضرب لسيدة مسنّة تدعى سهير، وهي مالكة أحد المقاهي (مقهى النزهة) إلى استنفار أبنائها ورواد المقهى الذين حاولوا الدفاع عن السيدة فقامت قوات الشرطة بالاعتداء عليهم وألقت القبض على ابن هذه السيدة المدعو سعد عبد اللطيف محمد المدابغي وشقيقها المدعو جمال واقتادوهما لقسم الشرطة مع حوالي خمسة أو ستة أشخاص آخرين. وكان استخدام الشرطة للعنف المفرط والإهانة أثناء الحملة هو سبب تفاقم الوضع على حسب أقوال الشهود الذين تحدثت معهم المبادرة المصرية.

وقال طالب بجامعة المنصورة فضل عدم ذكر اسمه: "احنا نعرف الضابط فكري شعيب (رئيس المباحث) من زمان. حتى لو الناس عليها أحكام لازم يخش يضرب؟ ما يتعامل كانه بيتعامل مع بني آدمين."

وقدم الشاهد مصطفى محمد مصطفى (30 سنة, صنايعي يعمل بالورش في منطقة وش البلد) وشاهد آخر رفض ذكر اسمه رواية متطابقة عن قول الضابط أثناء الاقتحام "إنتوا بلد معيز مافيكوش راجل" وأنه هدد بأنه حصل على رخصة لإطلاق الرصاص من مدير الأمن, وهو الكلام الذي استفز العديد من رواد المقهى وأهالي البلد بعد أن تناقله الأهالي.

وقدر محمد السيد علي معوض (35 سنة، عامل بورشة لطباعة الكروت) حجم القوة التي نفذت الاقتحام بحوالي عشرة من رجال شرطة. كان محمد جالسا بين زملائه على مكتبه في منطقة وش البلد، يقوم بطبع كروت أفراح عندما دخل عليه معاونو المباحث وفتشوه وزملاءه تفتيشا ذاتيا. فلما لم يجدوا شيئا "دخلوا الورشة من ورا وقلبوا كل العدد على الأرض. وبعدين رجعوا لنا تاني وقلبوا الحاجة اللي كانت على المكتب". وأضاف أحد العاملين بالورشة فضل عدم ذكر اسمه: "أنا بقوله "خلي بالك يا باشا انت وقعت مصحف على الأرض". قام ضربني بالقلم وقالي "وانت مال أمك"".

وقال محمد عبد اللطيف (31 سنة(, صاحب مقهى النزهة وابن السيدة سهير "دخل المعاونين على أول قهوة كسروها, وبعدين اللي جنبها, احنا ابتدينا نقفل أبواب القهوة ونلم الكراسي فجم يضربونا." وأضاف عبد اللطيف وشهود آخرون أن ضابطا يدعى "كريم" وعددا من أمناء الشرطة بدءوا في ضرب المتواجدين في المقهى وأنهم تعدوا بالضرب على والدة محمد عبد اللطيف صاحب المقهى وأن ضرب السيدة استفز أولادها فدافعوا عنها وقاموا برد الضرب إلى الضابط كريم والأمناء.

تعذيب عاطف المنسي حتى الموت داخل القسم
غادرت قوة الشرطة بعد أن اعتقلت حوالي سبعة أشخاص تم اصطحابهم إلى قسم الشرطة الذي يبعد مسافة بسيطة عن منطقة وش البلد. بدأ التجمهر في هذا الوقت حيث توجه عدد من أهالي وأصدقاء المقبوض عليهم إلى القسم للاحتجاج على الاعتقالات التي وصفها الأهالي بالعشوائية.

في نفس الوقت أصرت والدة صاحب مقهى النزهة, أن تقدم بلاغا في قسم الشرطة تثبت فيه تعرضها للضرب. وهنا قام أحد رواد المقهى, عاطف المنسي (47 سنة، يعمل بليبيا وكان وقتها يقضي أجازته في مصر مع أهله) باصطحاب السيدة أم محمد عبد اللطيف إلى القسم لتحرير محضر بالواقعة. كان هذا في وقت ما بين التاسعة والعاشرة مساء.

عند وصولهم للقسم قام الضباط والأمناء, حسب رواية والدة صاحب المقهى والعديد من الشهود, بالتعدي بالضرب المبرح على عاطف المنسي دون سبب. وقد رآهم العديد من الأشخاص الذين تواجدوا خارج القسم وقتها يضربونه بكعوب البنادق, ثم يصطحبونه إلى الداخل مع مصطفى محمد مصطفى والذي كان بصحبته.

ووفقا لشهادة مصطفى محمد مصطفى: "لما شفتهم نازلين ضرب في عاطف أنا الصراحة ماقدرتش آخد أي رد فعل, كنت واقف مذهول, بعدين الضابط شاور عليا وقال هاتوا الواد ده, وخدوني أنا وعاطف جوه القسم. عاطف كان شكله فاقد للوعي فسحلوه على ضهره حتى تلاقي دراعاته من تحت عليها آثار سحل واضحة."

وبعد أن اكتفى الضباط والأمناء بضرب مصطفى وعاطف أطلقوا سراحهم فخرج مصطفى ماشيا على قدميه إلا أن عاطف احتاج مساعدة لحمله لأنه كان فاقدا للوعي. وكان من بين الأشخاص الذين حملوه عاطف أبو تراد القيادي بأمانة حزب الحرية والعدالة في ميت غمر. وفور خروجهم اصطحبوا عاطف على دراجة بخارية إلى مستشفى التأمين الصحي القريبة من قسم الشرطة إلا أنه توفي من آثار التعذيب.

يؤكد مصطفى أن جثة عاطف قبل الدفن كان ظاهرا فيها آثار السحل بوضوح على الذراعين والكيعان، كما روى أحد الشهود الذي امتنع عن ذكر اسمه أن "عاطف خرج جثة تقريبا من الضرب والناس كانت واقفة." ولاحظ باحثو المبادرة المصرية أيضا جرحا عميقا في رأس مصطفى يبدو أن سببه ضربة تلقاها من أداة صلبة عندما كان يتعرض للضرب داخل القسم.

اشتباكات بين الأهالي والأمن أمام القسم
روى العديد من الشهود ـ من بينهم المحامي محمود رضوان والقيادي بالحرية والعدالة عاطف أبو تراد ـ أنه بعد واقعة وفاة عاطف بقليل أطلق رئيس المباحث الضابط فكري شعيب سراح بعض الأفراد الذين قامت الحملة الأمنية باعتقالهم من المقاهي, وأنهم خرجوا يمشون من بين الضباط دون أي تدخل من الأهالي واستقبلهم أهلهم بالترحاب، وهو ما يخالف رواية الشرطة التي ادعت أن الأهالي اقتحموا القسم للإفراج عن ذويهم.

إلا أن العدد كان قد بدأ في التزايد أمام القسم وازداد غضب الأهالي بضرب وسحل عاطف المنسي ومصطفى محمد مصطفى فبدأ التراشق بالحجارة بين الجنود من داخل القسم والأهالي خارج القسم. وطبقا لرواية الأهالي لم يكن العدد وقتها يزيد عن بضع عشرات من الأشخاص الذين تراوحت أعمارهم بين الستة عشر والعشرين عاما ولم يلق أحدهم حينذاك أي زجاجات أو عبوات حارقة كما لم يجر تبادل لإطلاق النار كما تقول رواية الشرطة .

إطلاق الرصاص الحي على المتواجدين وقتل السيد عادل وإصابة رامي محمد إصابة خطيرة
وفقا لشهادات المتواجدين أمام القسم، في حوالي الساعة العاشرة مساء خرج الضابط كريم عبد الفتاح البرعي يتبعه عدد من الضباط من داخل القسم، وبعدهم خرجت مجموعة من أمناء الشرطة الذين التزموا الوقوف عند بوابة القسم. بدأ الضابط كريم البرعي في إطلاق الرصاص الحي بكثافة من مسدسه وبندقيته الآلية مباشرة على المتجمهرين وتبعه في إطلاق النار بنفس الطريقة باقي الضباط، وذلك رغم أن عدد المتجمهرين وقتها لم يكن يزيد عن عشرين شخصا. وذكرت شهادات الشهود أسماء بعض الضباط ممن أطلقوا الرصاص ومنهم: الضابط كريم عبد الفتاح البرعي، والضباط أحمد فريد، ومحمود الجمل، علاوة على معاون المباحث الذي يعرف باسمه الأول فقط "كريم" وضابط آخر يسمى "مهدي".

وقد أدى إطلاق الرصاص إلى مقتل السيد عادل محمد عبد اللطيف الشهير بالسيد عسلية (24 سنة، عامل بالورش). كما أصيب رامي محمد (صنايعي) إصابة خطرة, حيث يرقد الآن في المستشفى العام بالمنصورة وقد تحسنت حالته الصحية نسبيا إلا أن الرصاصة التي أصابته مازالت مستقرة في الحنجرة.  وأصيب عدد آخر غير محدد من المارة على الكورنيش بالرصاص. وقد ازداد تجمهر الأهالي بعد إطلاق الرصاص وقتل السيد عادل وزادت حدة الاشتباكات حتى وصلت تعزيزات قوات الأمن من مدينة المنصورة في ساعة متأخرة من الليل وبدأت في إطلاق الغاز بكثافة أكبر لتفريق المتظاهرين.

التقى باحثو المبادرة المصرية بالمصاب رامي محمد في مستشفى المنصورة، وبسبب الرصاصة المستقرة في حنجرته كان يتحدث بصعوبة شديدة وتم إجراء المقابلة بالإشارات والرسومات وبقراءة حركة الشفاه. وتطابقت روايته مع رواية الشهود الآخرين من القاطنين بجوار القسم ومن الأشخاص الذين تواجدوا خارج القسم وآخرين انضموا إلى المظاهرة، حيث قال رامي إنه كان متواجدا خارج القسم بصحبة السيد عادل, وأن عدد المتظاهرين وقتها لم يكن يزيد عن بضع عشرات أغلبهم تحت سن العشرين. وأضاف رامي أنه في حوالي الساعة التاسعة والنصف خرج الضابط كريم عبد الفتاح البرعي وحده وهو يتوعد ويهدد ويطلق الرصاص في الهواء من مدفعه الآلي بكثافة, ثم انضم إليه حوالي عشرون ضابطا مسلحين بالأسلحة الآلية والمسدسات وأطلقوا الرصاص. كما أكد أن الضابط كريم عبد الفتاح البرعي هو من أطلق عليه الرصاص بعد سقوط السيد عادل, وأنه كان يقف على مسافة ليست بعيدة واستطاع تمييز وجهه خاصة أن الضابط كريم توجد بوجهه علامة مميزة وهي بعض البثور في منطقة الخد أسفل العينين.

وقال شاهد آخر رفض ذكر اسمه إن أغلب المتظاهرين تراجعوا باستثناء عدد قليل عندما بدأ الضباط في إطلاق الرصاص بهذه الكثافة. وأكد شاهد آخر يعمل بالمول التجاري الذي يبعد بضع مئات من الأمتار عن القسم وكان يشاهد الأحداث من داخل المول إنه شاهد رامي محمد يجري تجاه المول وشاهد الضباط كريم عبد الفتاح البرعي وهو يطارد رامي في اتجاه المول. وأضاف الشاهد الذي رفض ذكر اسمه خوفا من الملاحقة الأمنية أن رامي لم يكن يحمل شيئا في يده وأنه كان يصيح في غضب في وجه الضابط كريم الذي كان يطلق الرصاص في الهواء ويسبه، ثم أطلق الضابط كريم عبد الفتاح البرعي رصاصة من مدفعه الآلي فسقط رامي.

واتفقت هذه الرواية مع ما رواه شهود عيان آخرون من أن مقتل السيد عادل وإصابة رامي كانا بسبق الإصرار والترصد, وأنهما لم يكونا ضحية رصاصات طائشة أو خاطئة، حيث ذكر شاهد آخر تصادف وجوده أمام بوابة نادي ميت غمر الرياضي المواجه للقسم ناحية الكورنيش أنه رأى الضابط كريم البرعي يجري وراء المتظاهرين وهو يطلق الرصاص من سلاحه الآلي في اتجاه المول ورأى الضابط مهدي وهو يحمل طبنجة ويجري وراء المتظاهرين في الاتجاه المقابل. 

وقال شاهد مختلف رفض الإفصاح عن اسمه أيضا بسبب الخوف من الملاحقة الأمنية: "أنا رحت ساعة ما ضرب النار بدأ. الأهالي كانوا بيحدفوا طوب على يفط المركز من بره. ولما العدد زاد الشرطة ضربوا نار في الهوا, فتحوا البوابة وطلعوا ضربوا نار من الآلي والمسدسات. الأغلبية جروا وأنا جريت لورا شوية بس فيه يمكن 15 واحد ثبتوا لقيناهم بيضربوا نار عليهم! كانوا حوالي عشرين أمين و4 ضباط مثلا. وأنا شفت الضابط كريم واقف بيضرب نار من طبنجته على الناس وشفت سيد عسلية بيموت قدام عيني."

كانت هذه هي النقطة التي بدأ عندها عدد المتجمهرين الغاضبين في الازدياد طبقا لعدة شهادات متطابقة. فقد أكد طالب يسكن في عمارة سكنية تبعد 30 مترا تقريبا عن قسم الشرطة رفض أيضا ذكر اسمه: "بعد 9 بليل كدة فجأة سمعت صوت ضرب نار من سلاح آلي والضرب استمر لمدة نص ساعة تقريبا بصورة مرعبة. الضابط فكري (شعيب، رئيس المباحث) كلمني وقال لي لو انت برّه روّح عشان فيه ضرب وبهدلة, وحكى لي أنهم قبضوا على كام واحد من على القهوة وان الأهالي اتجمهروا وقال لي اضطرينا نضرب عشوائي واتنين ماتوا." وتابع الشاهد أنه خرج إلى الشارع في حذر محاولا مشاهدة ما يحدث, وأن الساعة وقتها كانت قد تعدت العاشرة مساء, وأنه عند خروجه شاهد إطلاقا كثيفا جدا للعبوات المسيلة للدموع ورأى رجال الشرطة يقومون بإطلاق النار من البنادق الآلية في الهواء.

وتؤكد هذه الرواية رواية أخرى حكاها اثنان من المحامين تصادف أن تواجدوا داخل القسم منذ الثامنة والنصف لأسباب متعلقة بعملهم, وهما محمد رضوان وعمر رضوان. وقد رأى محمد وشقيقه عمر سيارات الشرطة تصل إلى القسم محملة بحوالي ستة أو سبعة أشخاص, ثم شاهدا رجال الشرطة وهم يعتدون عليهم بالضرب والصفعات بطريقة "اقشعر لها جسداهما" على حد قول محمود.  ثم خرج المحاميان في حوالي الساعة العاشرة من مبنى القسم  فوجدا حوالي 15 شابا في حدود سن العشرين واقفين أمام بوابة القسم يهتفون ضد الشرطة, وقالا إن الشباب قاموا بقذف عدد قليل من الحجارة في اتجاه القسم. ثم بدأ إطلاق الرصاص من داخل القسم فتفرق الناس وبعدها عاودوا التجمع والهتاف بنفس الطريقة. ثم خرج الضباط ووقفوا خارج بوابة القسم وبدأ بعضهم في إطلاق النار في اتجاه المتظاهرين مباشرة وكان أغلبهم مسلحا بالرشاش الآلي والطبنجة ما عدا واحدا كان يحمل طبنجة فقط, وخرج خلفهم أمناء بأعداد كبيرة والتزموا الوقوف عند بوابة القسم.

وأضاف محمد وعمر رضوان أنهما شاهدا الضباط يطاردون المتظاهرين في اتجاه المول وفي الاتجاه المقابل له، ووجدوا بعدها جثة السيد ملقاة أمام الجزيرة في منتصف الطريق من ناحية القسم وأن الضباط رأوها والتفوا حولها ثم انصرفوا عائدين للقسم دون أن يهتموا بها. وتوجه المحاميان إلى الجثة بعد تراجع الضباط وحاول عمر وقتها الاتصال بالإسعاف ولم يجد استجابة فقاما بحمل الجثة ووضعها على إحدى الدراجات البخارية.

وذكر شاهد آخر يدعى عبد الرحمن رياض (20 سنة، طالب) نفس تفاصيل الرواية فيما يتعلق بتصاعد استخدام الشرطة للقوة ورد فعل الأهالي: "المولوتوف ماتحدفش إلا بعد ما ضربوا رصاص, والضرب استمر لحد وقت متأخر من الليل, لحد ما تعزيزات أمن مركزي وصلت, تقريبا 7 أو 8 عربيات, وضربوا غاز كتير جدا ساعتها. وبعدين الاشتباكات وقفت الساعة 3 بليل تقريبا." وكان العدد يتراوح بين 200 و300 شخص  في ذروة الاشتباكات حسب رواية عبد الرحمن. كما أكد عبد الرحمن والشاهد الذي يقطن بجوار القسم أنه لم يحدث في أي وقت تبادل لإطلاق النار ولم يكن أي من الأشخاص المتواجدين خارج القسم يحمل سلاحا.

يذكر أن قسم الشرطة يفصله عن الشارع بوابة خارجية رئيسية, ثم مساحة خالية تشغلها عادة بعض سيارات الشرطة والبوكسات, ثم بوابة داخلية يقع بعدها مبنى قسم الشرطة. والمسافة بين البوابة الخارجية والداخلية تقدر بـ50 متر تقريبا. وأكد نفس الشاهد أن المتظاهرين لم يتعدوا حتى البوابة الخارجية, وأنه من العبث الحديث عن محاولة اقتحام أو حرق قسم الشرطة, كما أكد أن الأهالي لم يقذفوا القسم بالزجاجات الحارقة إلا في وقت متأخر, وبعد أن خرج رجال القسم وأطلقوا النار بكثافة وقتلوا السيد عادل وأصابوا آخرين. وهو ما يتنافى مع رواية وزارة الداخلية التي قالت إن عددا من "أهالي الخارجين عن القانون، يقدر عددهم بالـ300، حاولوا اقتحام القسم، مما أدى إلى قيام ضباط المركز بإطلاق عدة أعيرة نارية في الهواء محاولة منهم لتفريقهم."

اعتصام الأهالي وبدء التحقيقات
بعد توقف الاشتباكات في الساعات الأولى من اليوم التالي، اعتصم الأهالي عند مدخل مدينة ميت غمر على الطريق الزراعي الذي يصل بين القاهرة والمنصورة. ورغم تهديد الشرطة لهم بفض اعتصامهم بالقوة, إلا أن الأهالي كانوا قد فقدوا الأمل تماما في إمكانية أن تستجيب الشرطة أو النيابة لمطالبهم بتحقيق العدالة ومحاسبة الجناة، خصوصا بعد أن تابعوا التغطية الإعلامية المنحازة بالكامل ضدهم والتي لجأت إلى تلفيق التهم للمتظاهرين بأنهم "مسجلين خطر" يحاولون تهريب مساجين من القسم. وبعد مفاوضات مع بعض أصحاب الأعمال وأعيان البلد قام المتظاهرون بفتح الطريق مساء الاثنين 17 سبتمبر. ونظم الأهالي يوم الجمعة الماضي 21 سبتمبر مسيرة سلمية احتجاجا على معاملة الشرطة ومطالبين بتحقيق العدالة وسرعة فتح التحقيقات، وقاموا بوقفة سلمية أمام قسم ميت غمر.

تولت نيابة بندر ميت غمر الجزئية التحقيق في الواقعة وتم تحرير محضر بالواقعة من قبل قسم الشرطة (محضر رقم 3815 لسنة 2012 ـ إداري قسم شرطة ميت غمر) وهو الطرف الذي ينظر له الأهالي باعتباره خصما في الأحداث. وذكر أحد أقارب السيد عادل (امتنع عن ذكر اسمه) أنه حضر التشريح الذي قال إنه لم يستغرق بضع دقائق، لكنه أكد أن الطبيب قال إن الرصاصة أطلقت من على بعد 30 سنتيمتر فقط. كما اطلع محامي المبادرة المصرية على تصريح الدفن الذي صدر للسيد عادل وشهادات الوفاة للقتيلين، ولم ترد في أي من هذه الوثائق أسبب الوفاة.

تقدم عدد من الأهالي بمساعدة المبادرة المصرية ببلاغ للنائب العام والمحامي العام لنيابات الدقهلية، للمطالبة بأن تتولى نيابة المنصورة الكلية التحقيق في الواقعة, وللمطالبة باستخراج جثث المقتولين وتشريحها لبيان أسباب الوفاة. وبدأ مدير نيابة ميت غمر الجزئية التحقيق في الواقعة (التي قيدت برقم 8575 لسنة 2012- جنايات ميت غمر) يوم السبت 22 سبتمبر بالاستماع لأقوال والدة المجني عليه السيد عادل المدابغي، واستمعت النيابة أيضا لأقوال زوجة المجني عليه عاطف المنسي. وقد اتهمت المبلغتان ضباط قسم الشرطة بقتل ذويهما. فقد وجهت والدة السيد الاتهام للضابط كريم البرعي بقتل نجلها رميا بالرصاص، كما اتهمت زوجة عاطف ثلاثة ضباط من القسم وهم كريم البرعي ومحمود الجمل ومهدي بتعذيب زوجها داخل القسم مما تسبب في وفاته.

واستمعت النيابة أيضا لأقوال عاطف أبو تراد القيادي بحزب الحرية والعدالة بميت غمر والذي قرر في شهادته أنه ذهب لقسم الشرطة لتهدئة الأمور بعدما تلقى اتصالا تليفونيا مفاده وجود تجمهر، وأنه أثناء تواجده شاهد عاطف المنسي يخرجه شخصان من داخل القسم وكان واضحا عليه علامات إنهاك شديدة فتلقفه منهم وقال له عاطف حينها: "أنا بنزف من جوه يا حاج عاطف" فقام بإخراجه بنفسه لخارج القسم وتم وضعه على دراجة بخارية للذهاب به إلى المستشفى ولكنه توفي ولا يعلم إذا كان قد توفي قبل وصوله المستشفى أو بعد دخوله إياها.

كما شهد عاطف أبو تراد أنه رأى بعض الأشخاص - اللذين ادعت المباحث أن الأهالي تمكنوا من تهريبهم باستخدام القوة - خارجين من القسم وسط ضباط وأفراد الشرطة وأمام مرأى ومسمع كل العاملين بالقسم دون أي تدخل من الأهالي وأنه لم يكن هناك أي اقتحام للقسم ولا تهريب مساجين.

واستمعت النيابة لأقوال محمد عبد اللطيف المدابغي والذي رأى الضابط كريم البرعي يطلق النار علي ابن عمه السيد عادل المدابغي واتهمه بقتله.

هذا ورغم بدء التحقيقات ووجود اتهامات مباشرة لعدد من ضباط قسم شرطة ميت غمر بالتعذيب وبالقتل العمد إلا أنه لم يتخذ أي إجراء ضد هؤلاء الضباط ولا يزالون يمارسون عملهم كضباط شرطة. فلم تصدر أية قرارات بإيقاف أي منهم عن العمل لحين انتهاء التحقيقات ولم تقم النيابة باستدعاء أي منهم لسؤاله كمتهم في حين أنه يفترض في كافة جرائم القتل أن تقوم النيابة العامة على الفور بإصدار أمر بضبط وإحضار المتهم وتحقيق الواقعة.

وجدير بالذكر أن من أهم مبررات الحبس الاحتياطي أن هذا الإجراء يتخذ لمنع المتهم من العبث بأدلة الجريمة كالتأثير على الشهود، وبالطبع فإن بقاء هؤلاء المتهمين في مواقعهم وعدم إلقاء القبض عليهم سيجعلهم يسعون بكل قوة لطمس الأدلة والاستماتة في محاولات التأثير على الشهود ترغيبا أو ترهيبا. وقضايا قتل المتظاهرين أثناء أحداث الثورة وما حدث بها نتيجة ترك المتهمين بمواقعهم ليست بالبعيدة عن الأذهان. وقد سجلت المبادرة المصرية بالفعل عدة أفعال قام بها فكري شعيب رئيس مباحث ميت غمر بعد قيام الأهالي بتقديم بلاغات للنائب العام، حيث قال بعض الشهود وأهالي الضحايا لباحثي المبادرة المصرية إنه أرسل إليهم مفتشي مباحث لاستدعائهم بالقسم وإنه هدد بعضهم بأنه يستطيع تحريك اتهامات سرقة وحمل سلاح ضدهم. وتحمل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية النيابة العامة كامل المسئولية عن حماية المبلغين والشهود حتى انتهاء التحقيقات.