في تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: أحداث "المريناب" نموذج صارخ لانحياز الدولة لجانب التعصب

بيان صحفي

5 أكتوبر 2011

أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم نتائج تحقيقاتها في أسباب وتداعيات الاعتداء على كنيسة الشهيد مار جرجس وحرقها وعدد من منازل الأقباط بقرية المريناب التابعة لمركز إدفو بشمال أسوان يوم الجمعة الماضي الموافق 30 سبتمبر، علاوة على عمليات تهديد وترويع المواطنين داخل منازلهم.

وبالرغم من الإشارات المبكرة التي كانت تنذر بتزايد الاحتقان داخل القرية فإن التقرير يظهر كيف فشل المسئولون في إيجاد حلول جذرية للمشكلة والتعامل معها قبل تفاقمها إلى هذا الحد المفزع، حيث عجزت أجهزة الدولة وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية التي عقدت 3 جلسات للصلح العرفي على مدى شهر كامل عن التصدي للتوتر الطائفي بالقرية ومنع حدوث الاعتداءات، فضلا عن فشلها في حماية الضحايا أثناء تعرضهم للهجوم.

وقال إسحق إبراهيم، الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومعد التقرير: "إن ما يبعث على الأسى ليس فقط الاعتداء على منازل وممتلكات الأقباط ومكان عبادتهم وفشل الدولة في حمايتهم، وإنما أيضا أننا شاهدنا هذه الأحداث تتكرر بنفس التسلسل بل وتقريبا بنفس التفاصيل من قبل. وستظل هذه الجرائم تتكرر طالما لم يحدث تغيير يذكر في طريقة تعامل السلطات مع هذا الملف."

وتوصلت تحقيقات المبادرة المصرية والإفادات التي حصلت عليها من شهود عيان ورجال دين من المسلمين والمسيحيين إلى أن أقباط القرية واظبوا منذ منتصف ثمانيات القرن الماضي على الصلاة وإقامة الشعائر الدينية في مبنى من الطوب اللبن لخدمة الأقباط من أهالي القرية وأهالي خمس قرى مجاورة. كما قامت مطرانية أسوان ومنذ أكثر من عقدين من الزمن بتعيين كاهن متواجد بصورة دائمة للقيام بالطقوس الدينية في المبنى، وعينت مديرية أمن أسوان حراسة دائمة على المكان أسوة بباقي كنائس الجمهورية. إلا أن الأحداث تفجرت بالقرية مع قرب انتهاء الأقباط من إعادة بناء الكنيسة بعد الحصول على التراخيص اللازمة من الجهات المعنية لإزالة المبنى المتهالك وإعادة بنائه بالخرسانة.

وقد حصلت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على نسخ من الوثائق والتراخيص التي تثبت بشكل قاطع قانونية وجود الكنيسة وعلم كافة المسئولين بذلك واستيفاء كافة إجراءات الهدم والإحلال.
 
غير أن أهالي القرية من المسلمين اعترضوا في البداية على وجود منارة وجرس وصليب أعلى المبنى، ووافق المسيحيون على هذه الطلبات. ثم طالب مسلمو القرية بهدم القباب الست الموجودة أعلى المبنى الخرساني، وبعدها حررت الإدارة الهندسية بمركز ادفو محضراً للكنيسة بمخالفة الارتفاع المقرر بالرسم الهندسي – زيادة أربعة أمتار – وطالبت بإزالتها وهو ما يعني هدم القباب تلقائيا. وبينما وافقت مطرانية أسوان على التصالح وتنفيذ هدم القباب وشرعت في ذلك بالفعل، إلا أن الأوضاع انفجرت مرة أخرى قبل الانتهاء من عملية الهدم عندما قام مئات المسلمين ـ بعد تحريضهم من إمام مسجد القرية في خطبة الجمعة وفقاً لما أكده محافظ أسوان ـ بإشعال النيران في أجزاء من الكنيسة وهدم القباب والحوائط وأجزاء من الأعمدة الخرسانية في حضور القوة الأمنية المتواجدة أمام الكنيسة. كما طالت النيران ثلاثة منازل مجاورة يمتلكها أقباط، دون أن تقع خسائر في الأرواح.

وقال حسام بهجت، المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "إن علينا جميعا أن نتحمل مسئوليتنا إزاء فرض الأغلبية الدينية لشروط مهينة ومذلة على مواطنين أقباط كشرط للسماح لهم بممارسة الصلاة. كيف نسارع جميعا لإدانة حظر إقامة منارات المساجد في سويسرا ثم نفرض على مواطنين مصريين أن يقيموا دار عبادة بشرط ألا تضم كنيستهم منارة أو جرساً أو صليباً أو قبابا بدعوى أن هذه المظاهر (تؤذي مشاعر المسلمين)؟!".

وأعربت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن رفضها واستغرابها من تصريحات محافظ أسوان اللواء مصطفى السيد التي بررت الاعتداء على إحدى دور العبادة بدعوى أن المكان (مضيفة) بها تجاوزات في البناء، والتي أكد فيها أيضا أن المبني يستخدم لإقامة الصلوات والشعائر الدينية المسيحية ولذلك لا يجوز اعتباره كنيسة. وأشارت المبادرة المصرية إلى أن حرية العقيدة وممارسة الشعائر تم النص عليها في المادة الثانية عشر من الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير البلاد، والتي تنص على أن " تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية"، وهو ما يتضمن بالضرورة وفقا للإعلان الدستوري والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان حماية حق المواطنين في إقامة دور العبادة لممارسة الطقوس الدينية التي يؤمنون بها. ومن ثم ترى المبادرة المصرية أن التمادي في فرض قيود مذلة على الأقباط بعدم وجود منارة أو جرس أو صليب على كنيستهم كشرط لإعادة بنائها أو ترميمها وتواطؤ الدولة مع هذه الشروط بل ورعايتها تمثل جميعا انتهاكاً صارخ لحرية الاعتقاد ومبادئ المساواة.

كما أكدت المبادرة المصرية على أنه لا يجب أن يكون إنشاء دور العبادة وترميمها وتجديدها وإحلالها مرهوناً بموافقة أغلبية سكانية ذات ديانة معينة، تسيطر على حي سكني أو مدينة أو قرية، وإنما هو حق دستوري يجب أن يكون مكفولاً للجميع دون تمييز، وعلى الدولة أن تضمن ممارسة هذا الحق.

وطالبت المبادرة المصرية محافظة أسوان بضرورة إعادة الكنيسة إلى ما كانت عليه، والالتزام بالرسوم الهندسية التي تم على أساسها منح تراخيص الإحلال وإعادة البناء. كما أوصت بأن يتم ذلك على نفقة الدولة والتي يجب عليها أيضاً صرف تعويضات عادلة للمضارين من جراء الاعتداءات. كما حثت المبادرة المصرية النيابة العامة على التحرك السريع وإجراء تحقيقات واسعة للوقوف على المحرضين والمنفذين وإحالتهم للقضاء لتحقيق العدالة.

وأضاف حسام بهجت: "إن إهدار العدالة وإفلات المجرمين من العقاب بعد هدم كنيسة قرية صول بحلوان في شهر مارس الماضي كان ضوءا أخضر بتكرار حرق الكنائس وهدمها في إمبابة واليوم في أسوان. وعلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يتحمل مسئوليته عن كل هذه الاعتداءات التي ستظل تتكرر طالما بقيت سياسات المجلس على حالها."

التقرير| تحقيق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في اعتداءات قرية وكنيسة المريناب بإدفو – أسوان

شهدت قرية " المريناب" التي تبعد حوالي ثمانية كيلو مترات عن مدينة إدفو شمال محافظة أسوان توترات وأحداث عنف طائفي منذ يوم الجمعة 2 سبتمبر 2011 وحتى هذه اللحظة، على خلفية رفض مسلمي القرية وجود كنيسة مار جرجس التي تقام بها الصلوات والشعائر الدينية بصورة منتظمة منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين، وذلك بعد إعادة بنائها.

ووفقا للإفادات والمقابلات التي أجراها باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مع شهود العيان ورجال الدين المسيحيين والمسلمين والمستندات الرسمية التي حصلت عليها المبادرة المصرية من الكنيسة فإن أقباط القرية بدءوا في الثمانينات في الصلاة بمنزل من الطوب اللبن كان مملوكا لمواطن يدعى يوسف معوض وتبرع به للكنيسة لإقامة الصلوات الدينية. لكن مناوشات وتوترات طائفية نشبت بين أقباط القرية ومسلميها عام 1985 حين اعترض مسلمو القرية على بناء المسيحيين لقاعة خدمات اجتماعية مجاورة للمبنى، وقام بعض الشباب المسلم بهدمها ليلاً. وعقدت وقتها جلسة صلح عرفية تم خلالها الاتفاق على استمرار الصلاة بالمبني كما هو. وبمرور الوقت عينت الكنيسة كاهناً متفرغا للصلاة، وجرت مخاطبة الجهات الرسمية باسم الكنيسة الشهيد مار جرجس بالمريناب، كما عينت قوات أمن أسوان حراسة على الكنيسة أسوة بباقي كنائس الجمهورية. ثم قدمت مطرانية أسوان التي تتبعها الكنيسة طلبا خلال عام 2009 لترميم مبني الكنيسة المتهالك لخطورته على حياة المصلين، وشكل مجلس مدينة ادفو لجنة للمعاينة أقرت بضرورة هدم المبني وإعادة بنائه مرة أخرى نظراً لأن ترميم المبني بصورته الحالية لن يكون مجديا، وهو ما أكدته لجنة هندسية شكلتها المحافظة وأوصت بإحلال المبني بالكامل.

وقال ثابت كامل، أحد سكان القرية المسيحيين:

" هذا المكان كنيسة تقام بها الصلوات الدينية دون مشاكل، وهى من الطوب اللبن ومسقوفة بجريد النخيل. وتخدم الكنيسة 50 أسرة بالقرية إضافة للأهالي في خمس قري مجاورة هي العصي والشيخ محمود والبلاليص والغنيمة والقنادلة، كما يوجد عليها حراسة تابعة مديرية الأمن."

وعلى الجانب الآخر ذكر الشيخ محمد موسي مأذون القرية في شهادته للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ما يلي:

"نحن عايشين من قديم الأزل مع بعض، في الخير والشر، في الفرح والكرب. المشكلة بدأت في عام 1985، الجماعة المسيحيين كانوا يريدون تحويل مضيفة إلى كنيسة، وقام الأهالي المسلمون بإزالتها. واجتمع والدي ومعه كبار البلاد مع المسيحيين وقالوا لهم انتوا عددكم صغير جدا، وفيه كنيسة في قرية "الحاج زيدان" على بعد ثلاثة كيلو مترات من القرية. ثم عقدت جلسة صلح بين المسلمين والمسيحيين وتم الاتفاق على أن تكون مضيفة للأفراح والأحزان ووقع محضر للصلح، واستمر الوضع دون مشاكل، هم كانوا يجتمعون في هذا المكان ويصلون معا، وكل واحد حر في عقيدته."

وأضاف الشيخ على مكي أحد سكان القرية:

"صلى الأقباط خلال عام 1985 بأحد منازل القرية، فقام بعض الشباب بهدم المبني ليلا، فتدخل المسئولون وتم الاتفاق على السماح للأقباط بالصلاة فقط دون أن يكون كنيسة. بعد الثورة وجدنا المبني يتم بناؤه على شكل كنيسة وعليه قباب وهذا مخالف للاتفاق القديم. وحصول الأقباط على تصريح رسمي من المحافظ لا يعني أن الموضوع يمر بسهولة. المسلمون لم يعتادوا على رؤية كنيسة بها قباب، فهي تثير مشاعر المسلمين."

أما القس مكاريوس بولس مجلع، كاهن الكنيسة، فقد روى للمبادرة المصرية في إفادته ما يلي:

"تقدمت مطرانية‏ ‏أسوان عام 2009 ‏‏بطلب‏ ‏ترميم‏ ‏الكنيسة‏ ‏نظرا‏ ‏لتهالك‏ ‏حالتها‏ ‏وتعريض‏ ‏حياة‏ ‏المصلين‏ ‏للخطر‏, ‏فتم‏ ‏تشكيل‏ ‏لجنة‏ ‏هندسية‏ ‏من‏ ‏المحافظة، فكتبت تقرير ‏بعدم‏ ‏صلاحية‏ ‏الكنيسة‏ ‏للترميم‏ ‏وأوصت‏ ‏بإحلالها‏ ‏وتجديدها‏. ‏فتم‏ ‏تشكيل‏ ‏لجنة‏ ‏أخرى‏ ‏من‏ ‏الإدارة‏ ‏الهندسية‏ ‏وقامت ‏بالمعاينة‏ ‏وأوصت‏ ‏بالإحلال‏ ‏والتجديد‏ ‏فصدر‏ ‏قرار‏ ‏من‏ ‏محافظ‏ ‏أسوان‏ ‏في‏ ‏يونيه‏ 2010 ‏بإحلال‏ ‏وتجديد‏ ‏الكنيسة‏ ‏على ‏نفس‏ ‏المساحة‏ ‏القديمة. ‏وتم‏ ‏تقديم‏ ‏الرسوم‏ ‏الهندسية‏ ‏للبناء‏ ‏بكامل‏ ‏المواصفات‏ ثم حصلنا على موافقات أمن الدولة بتاريخ 9 يناير 2011 لكن تأخرت‏ ‏عملية‏ ‏الإحلال‏ ‏إلى‏ ‏ما‏ ‏بعد قيام‏ ‏ثورة‏ 25 ‏يناير‏ ‏نظرا‏ ‏للظروف‏ ‏التي‏ ‏كانت‏ ‏تمر‏ ‏بها‏ ‏البلاد،‏ ‏وفي‏ ‏شهر‏ ‏يونيو الماضي بدأت عملية الهدم وإعادة البناء.‏"

وحول الإجراءات القانونية التي سلكتها الكنيسة للحصول على طلب الإحلال والبناء قال أسامة رفعت المحامي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية:

"بعد تقديم تجديد وترميم لمجلس مدينة إدفو انتهت اللجنة التي قامت بالمعاينة إلى ضرورة الإحلال الكلي للمبنى بهدم الكنيسة إلى منسوب الأرض ثم إعادة البناء مرة أخري. وتقدمنا بتقرير استشاري هندسي وانتهى إلى نفس النتيجة بحتمية الإحلال والتجديد. ثم رفعت مذكرة من رئيس مدينة إدفو إلى المحافظ الذي عرضها على المستشار القانوني الذى انتهى بالموافقة على رأي الإدارة الهندسية بالوحدة المحلية لمدينة إدفو وقام المحافظ بالتأشير بالموافقة بتاريخ 24/6/2010. ثم شرعنا في استخراج ترخيص الهدم والبناء والحصول على الموافقات الأمنية، وبالفعل لم يتعرض لنا أحد أثناء عملية الهدم والبناء إلى انتهينا من عمل القواعد والكمر (الدعامات الخرسانية) والقباب والحوائط."

مستندات التراخيص

اطلع باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية خلال مقابلة مع القس مكاريوس بولس كاهن الكنيسة وأسامة رفعت يسى محامي مطرانية أسوان التي تتبعها الكنيسة، وذلك بمقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، على عدد من المستندات الرسمية الموقعة من المسئولين التنفيذيين والمختومة بختم النسر. كما حصلت المبادرة المصرية على صور ضوئية من المستندات تم إرفاقها بملحق لهذا التقرير. ويفيد الاستطلاع التفصيلي لمحتوى هذه الوثائق في توضيح الموقف القانوني للكنيسة والقائمين عليها، ومدى علم كافة المسئولين المعنيين بالدولة بحقيقة وتفاصيل الأمر قبل وقت غير قصير من اندلاع الاعتداءات التي فشلت الدولة في حماية ضحاياها.

ويبدو من واقع المستندات أن قصة هدم وإعادة بناء الكنيسة قد بدأت بطلب قدم من القمص مكاريوس بولس مجلع بصفته (كاهن كنيسة أمير الشهداء مار جرجس بالمريناب بإدفو) لرئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة إدفو موضحا أنه نظرا لقدم وتهدم مبني كنيسة مار جرجس بالمريناب والمقام منذ عام 1940 وخطورته على أرواح المصلين فيرجى التصريح بترميم الكنيسة وذلك بإحلال وتجديد سقف الكنيسة بالدور الأرضي بالخرسانة المسلحة بدلا من فلاق النخيل والجريد وإحلال وتجديد عدد 3 قباب من الطوب الأحمر بالدور الأول العلوي بالكنيسة بدلا من الطين والطوب اللبن، وكذلك تجديد الوصلات الكهربائية داخل الكنيسة وإعادة الطلاء بالدهانات. وتم التأشير على هذا الطلب بالعرض على الإدارة الهندسية للمعاينة.

واطلعت المبادرة المصرية على صورة مذكرة صادرة من الوحدة المحلية لمركز ومدينة إدفو وموقعة من المهندسة ليلي محمود صغير رئيس الإدارة الهندسية وطايع عثمان بشير رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة إدفو بتاريخ 8/6/2010، وذلك للعرض على السيد محافظ أسوان، وتضمنت الإشارة إلى الطلب المقدم من كاهن الكنيسة للترميم ثم عرضت لنتائج المعاينة على الطبيعة ثم أوضحت المذكرة أن الوحدة المحلية لمركز ومدينة إدفو طلبت من راعي الكنيسة تقديم تقرير استشاري يفيد دراسة الحالة الراهنة للمبني معتمدة من المهندس الاستشاري، وقد تقدم راع الكنيسة بالتقرير. وفي نهاية المذكرة أبدت الوحدة المحلية رأيها كالتالي:

"لعدم إمكانية عمل إحلال جزئي على مراحل فإن الإدارة الهندسية ترى عمل إحلال كلي للكنيسة بهدمها لمنسوب سطح الأرض وعلى الطالب بعد الموافقة التقدم بطلب للحصول على التراخيص المطلوبة من هدم وبناء.

وسجلت المذكرة برقم وارد 153 بتاريخ 17/ 6/،2010 حيث رأى السيد السكرتير العام للمحافظ عرض الموضوع على المستشار القانوني لمعرفة قانونية الإزالة وإعادة البناء لكنيسة ثم كتب بخط اليد "الأمر مفوض للسيد المحافظ". بينما قام المحافظ بالتأشير على المذكرة "أوافق وطبقا للقواعد والقوانين والحصول على الموافقات من الجهات المعنية."

وبتاريخ 20 /6/2010 أرسل المستشار حسين عبده خليل نائب رئيس هيئة قضايا الدولة بأسوان والمستشار القانوني لمحافظة أسوان خطابا للسيد محافظ أسوان حول طلب إعادة بناء الكنيسة سجل برقم 2390 وبتاريخ 22/6/2010 يرى فيه الموافقة على رأي الإدارة الهندسية بالوحدة المحلية لمدينة ومركز إدفو بعمل إحلال كلي للكنيسة وهدمها حتى سطح الأرض، وذلك بعد عرض المواد القانونية التي تنص على تفويض المحافظين بالترخيص بأعمال هدم وإقامة كنيسة محلها في ذات الموقع. وقام المحافظ بالتأشير على الخطاب "أوافق على الرأي القانوني والحصول على الموافقات القانونية."

كما حصلت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على صورة من ترخيص بالهدم رقم 2 لسنة 2010 والصادر بتاريخ 8/10/2010 من الإدارة الهندسية بمحافظة أسوان جاء فيه أن اسم الطالب وصفته هو (القمص مكاريوس وبالميلاد رأفت بولس)، وموقع المبني محل الترخيص المريناب البحرية ومسطح الأرض الكلي 280 متر مربع. وجاء فيه أيضا:

"يملك الطالب قطعة أرض مقام عليها كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس بالمريناب قديمة بواجهتين شرقية بطول 14.9 م وقبلية 21.7 م وهي مبنى من الطوب الأحمر ومونة الطين مكونة من مدخل وفناء به أعمدة بينية من الطوب الأحمر ومونة الأسمنت والسقف عروق ولوح ويرغب في هدم الدور الأرضي حتى مستوي سطح الأرض طبقا للرسم الهندسي."

وفي مضمون القرار "يرخص للطالب بهدم الدور الأرضي بواجهتين قبلية بطول 21.7 متر تطل على شارع بعرض 5.2 متر وبحرية بطول 14.9 تطل على شارع بعرض 3 م حتى متوسط سطح الأرض بالقانون 144 ولائحته التنفيذية وإخطار المجلس عند البدء في التنفيذ تحت إشراف المهندس المشرف."

وضمت الأوراق التي حصلت عليها المبادرة المصرية أيضاً صورة لمستند صادر من الإدارة الهندسية قسم التنظيم التابع للوحدة المحلية لمركز ومدينة إدفو بمحافظة أسوان عبارة عن ترخيص رقم 42 ق لسنة 2010، ومكتوب عليه أرضي + أول علوي + قباب. وفي صورة مستند آخر بعنوان "بيانات الترخيص" بتاريخ 12/12/2010 جاء في بيانات صاحب الترخيص أن "صفته: مفوض من نيافة الحبر الجليل الأنبا هدرا، الاسم: القمص مكاريوس وبالميلاد رأفت بولس مجلع."

أما المستند المعنون "قرار الترخيص" والموقع عليه من الإدارة الهندسية والمختوم بتاريخ 16 مايو 2011 ومرفق به رسم كروكي للموقع، فقد نص على "الترخيص بإنشاء دور أرضي + أول علوي + قباب حتى الارتفاع المسموح به. والمبني هيكل من الخرسانة المسلحة بمساحة 12.9م في 19.2م بواجهة شرقية بطول 12.9 م تطل على شارع 5.5 متر يتم استكماله إلى 6 أمتار من الجار المواجه للمبني وفقا لأحكام القانون 119 لسنة 2008 وواجهة قبلية بطول 19.2م تطل على ممر خاص بعرض 5 متر." ثم ذكر الترخيص أن الدور الأرضي عبارة عن "سلم + صالة الكنيسة + الهيكل"، والدور الأول عبارة عن " سلم + تراس سيدات يعلوها قباب."

كما قدم كاهن الكنيسة صورة من إشارة صادرة من مركز ادفو إلى كل من ماهر إبراهيم سيد وأحمد إبراهيم خليل لتكليفهما "لحراسة كنيسة المريناب بحري حراسة مشددة وحملتكم المسئولية" وحملت الإشارة توقيع مأمور المركز وكاهن إدفو قبلي بتاريخ 6/1/1999.

جلسات صلح عرفي فاشلة

توترات أنباء في الأول من سبتمبر 2011 – ثالث أيام عيد الفطر – بأن بعض مسلمي القرية يخططون للهجوم على الكنيسة عقب صلاة الجمعة في اليوم التالي. وقد قامت القيادات الكنسية بالاتصال بأجهزة الأمن والقيادات التنفيذية والشعبية بالمركز والمحافظة لاتخاذ اللازم بمجرد ورود المعلومات إليها. وتجنبا لما قد يحدث عقدت جلسة ودية مصغرة تم الاتفاق خلالها على عقد جلسة عرفية تحضرها القيادات الأمنية والدينية وكبار العائلات. وفي اليوم المحدد للجلسة وهو ‏الجمعة‏ 2 ‏سبتمبر تجمهر مئات من ‏أهالي‏ ‏القرية‏ ‏حول‏ ‏الكنيسة‏ ‏مرددين‏ ‏هتافات‏ ‏عدائية‏ ‏رافضة‏ ‏لوجود الكنيسة‏ ‏‏ومطالبين‏ ‏بإزالتها بدعوى أنها منزل يود الأقباط تحويله إلى كنيسة، ولم تقم هذه المجموعات باقتحام الكنيسة أو الاعتداء على روادها وإنما اكتفت بمحاصرتها من الخارج.

وفي نفس اليوم ‏عقد‏ت ‏جلسة‏ ‏عرفية بمقر كنيسة السيدة العذراء بإدفو في الساعة الثالثة ظهرا ‏بحضور‏ ‏اللواء‏ ‏عادل‏ ‏حسن‏ ‏رئيس‏ ‏قطاع مباحث ‏شمال أسوان‏ ‏والعميد‏ ‏أيمن‏ ‏فتحي‏ ‏رئيس‏ ‏مباحث‏ ‏إدفو‏ ‏وحسين معوض عضو مجلس الشعب السابق ‏وممثلين لعائلات القرية ‏ورجال‏ ‏الكنيسة. وقدم ممثلو أهالي القرية المسلمين قائمة تضمنت أربعة مطالب هي:

1) عدم‏ ‏وضع‏ ‏صلبان‏ ‏‏أعلى ‏الكنيسة

2) ‏‏عدم‏ ‏تعليق أجراس‏ أعلى ‏الكنيسة

3) ‏عدم‏ تركيب ‏‏ميكروفونات‏ ‏أعلى‏ ‏الكنيسة

4) أن تهدم القباب الست الموجودة أعلى الكنيسة

وافق رعاة الكنيسة على المطالب الثلاثة الأولى مؤكدة على عدم بناء منارة أو تركيب صليب أو جرس أو مكبرات صوت أعلى الكنيسة، بينما رفضوا المطلب الرابع الخاص بهدم القبب معللين ذلك بأن تنفيذ ذلك يتطلب هدم السقف بأكمله مما قد يؤثر على قوة وصلابة البناء نفسه. وتدخل اللواء عادل حسن لإقناع الجانب المسلم وهو ما تم فعليا. وتعهد المسلمون من الحاضرين للجلسة باحتواء الشباب وعدم التعرض للكاهن أثناء بناء الكنيسة.

الاعتداءات على الأقباط وفرض الحصار عليهم

سادت حالة من الهدوء القرية خلال يومي السبت والأحد وقامت الكنيسة بإدخال سيارتين محملتين بالطوب لاستكمال البناء. وفي يوم الاثنين تلقى القس مكاريوس كاهن الكنيسة اتصالين متتاليين من مدير الأمن، الأول يطالبه بوقف البناء لحين تهدئة مجموعات من المسلمين ما زالت رافضة لوجود كنيسة بالقرية، ثم اتصال ثاني بعدها بساعة يفيد بإمكان استكمال البناء وعدم توقفه.

في عصر الثلاثاء 7 سبتمبر تجمهرت‏ ‏أعداد‏ ‏من‏ ‏مسلمي‏ ‏القرية‏ ‏‏ ‏للمطالبة‏ ‏بإزالة‏ ‏قباب‏ ‏الكنيسة‏، ‏‏واحتشدت ‏أعداد‏ ‏من‏ ‏الأهالي‏ ‏‏أمام‏ ‏الطريق‏ ‏المؤدي‏ ‏للكنيسة‏. وفي صباح اليوم التالي قاموا ‏بغلق‏ ‏مداخل‏ ‏ومخارج‏ ‏القرية‏ ‏ومنع‏ ‏الأقباط‏ ‏من‏ ‏الخروج‏ ‏لأعمالهم‏ ‏أو‏ ‏الذهاب‏ ‏لأراضيهم‏ ‏الزراعية‏ مع فرض‏ ‏حالة‏ ‏من‏ ‏الحصار‏ ‏حول‏ ‏منازلهم‏ ‏و‏التهديد‏ات العنية‏ ‏بالانتقام‏ ‏وهدم‏ ‏الكنيسة‏ ‏في‏ ‏حالة‏ ‏عدم‏ ‏إزالة‏ ‏القباب‏.‏

وقال محمد موسي مأذون القرية تفسيرا لهذا التصعيد:

"فؤجئنا خلال شهر رمضان بأن المسيحيين طلعوا بمبني وبه خمس قباب. اعترضنا وقلنا انتوا عاوزين تحولوا المضيفة لكنيسة، وهذا لن يحصل، عددكم صغير، وبصراحة الكنيسة تؤذى مشاعر المسلمين. ثم قلنا لهم هاتوا أوراق ومستندات الملكية للمكان وقرار تحويله لكنيسة. واتضح أن معهم عقد بيع للمنزل من مالكه يوسف معوض للأنبا هدرا منذ عام 1988 وتم توثيقه عام 2008 لكن إيصالات المياه والكهرباء مازالت باسم يوسف معوض والمنزل مبني بالطوب اللبن. وهذا أغضب المسلمين، هم عاوزين يضحكوا علينا. أرسلوا إلينا الحاج حسين معوض أول يوم العيد فجلسنا حوالي 15 واحد من البلد وكانت الجهات المعنية موجودة ومأمور المركز ورئيس المباحث وكهنة الكنيسة. قدمنا أربعة مطالب هي: لا يعلق جرس ولا يوجد صليب ولا ميكروفونات ولا قباب. ووافقوا على ثلاثة منها لكن عندما عدنا إلى أهل البلد المسلمين، رفضوا هذا الكلام وقالوا انتوا على أي أساس يتم التفاوض؟ ومن طلب منكم تمثيله؟ وقالوا ده منزل."

مع تزايد الحشود خارج الكنيسة وحصار الأقباط في منازلهم داخل القرية طالبت القيادات الكنسية بالمنطقة الحاكم العسكري لأسوان والقوات المسلحة بسرعة التدخل وإنهاء الأزمة‏ ‏والحيلولة دون تفجرها. وانتقلت ‏قوات‏ ‏الأمن‏ ‏إلي‏ ‏موقع‏ ‏الكنيسة‏ ‏وتم‏ تطويقها،‏‏‏ ‏كما‏ ‏تمركزت‏ ‏قوات‏ ‏أخري‏ ‏على‏ الطريق‏ ‏الرئيسي‏ ‏للقرية.

ثم عقدت جلسة صلح ثانية يوم الخميس 9 سبتمبر بديوان‏ القرية‏ ‏بحضور‏ ‏أقباط‏ ‏ومسلمين،‏ غير أن ‏الجلسة‏ فشلت ‏في‏ ‏إنهاء الأزمة‏ ‏وفض‏ ‏التجمهر،‏ ‏حيث‏ ‏هتف‏ شباب مسلمون ‏بضرورة‏ ‏هدم الكنيسة‏ ‏بالكامل وليس القباب فقط‏. وتمسك كل طرف بموقفه: الجانب المسلم يقول أنها مضيفة وليست كنيسة وتجب إزالة القباب من أعلاها، والجانب المسيحي يقول إنها كنيسة، وتقام بها الشعائر والصلوات منذ سنين كما أنهم حصلوا على التصاريح الرسمية بالهدم وإعادة البناء متضمنة وجود قباب. و‏رفعت‏ ‏الجلسة‏ ‏دون‏ ‏أي‏ ‏حلول‏ ‏وتم‏ ‏الاتفاق‏ ‏الأمني‏ ‏مع‏ ‏كهنة‏ ‏الكنيسة‏ ‏على‏ ‏عدم‏ ‏الصلاة‏ ‏يوم‏ ‏الجمعة‏ 9 ‏سبتمبر‏ ‏تحسبا‏ ‏لأي‏ ‏أعمال‏ ‏عنف وانتظارا لحل المشكلة فيما بعد. كما منع الكاهن من دخول القرية بناء على تعليمات أمنية ولدواعي أمنية كما أكد هو للمبادرة المصرية لحقوق الشخصية.

وقال سمير أحد أقباط القرية الذين منعوا من مغادرتها:

"عملوا حصار على منطقة المسيحيين ومنعونا من الدخول والخروج، ولدرجة عندما حاولت الخروج برفقة قريب لي لشراء خضار وسلع غذائية منعونا، فقمنا بالاتصال بالأمن المتواجد بالقرية فخرجنا بسيارة شرطة لشراء الحاجات الضرورية. وقام الآباء الكهنة بالاتصال بالأمن الوطني والجيش من أجل التدخل وفك الحصار عنا. وبعدها جاءت سيارات للجيش والحاكم العسكري لكن ظلت الأزمة مستمرة ورفع المسلمون سقف مطالبهم بهدم الكنيسة للأرض. وفشلت قيادات البلد خلال جلسة الصلح الثانية في التوصل لحل المشكلة."

نجاح الضغوط والموافقة على هدم القباب

في يوم الخميس 12 سبتمبر قامت لجنة من الإدارة الهندسية لمركز إدفو بمعاينة مبني الكنيسة ومطابقة المبني على الطبيعة مع الرسم الهندسي المرفق بالرخصة، وقامت بإجراء قياسات للمبني. وانتهت اللجنة لوجود تجاوز في الارتفاع يبلغ 4 أمتار، وحررت اللجنة محضر مخالفات رقم 1 لسنة 2011 مركز إدفو ضد القس مكاريوس كاهن القرية وذلك لوجود ارتفاع زائد عن المسموح به في الأوراق الرسمية. ثم عرض الموضوع على الأنبا هدرا مطران أسوان الذى قرر التصالح مع مجلس المدينة وإزالة القباب إنهاء للنزاع المتصاعد بشأنها. وعقدت جلسة جديدة بمركز شرطة إدفو بحضور مدير أمن أسوان وبعض المسئولين لإتمام الصلح، وأوكل الحاضرون مقاولا مسيحيا للبدء في عمليات إزالة التجاوزات بحضور قوات من الأمن، وتم البدء بإزالة قبتين من الناحية الشرقية.

‏وقال ميخائيل رمزي أحد المسيحيين المقيمين بجوار الكنيسة:

"تم الاتفاق بين مجلس المدينة و المطرانية على هدم القباب لإزالة المخالفات التى ادعوا أنها موجودة. حيث حررت الإدارة الهندسية تقريرا بمخالفة ارتفاع زائد وأحالته للنيابة وقيل للكنيسة إما رفع المخالفة خلال 15 يوما وإما إزالة المبني كله، فقرر الأنبا هدرا مطران أسوان إزالة الأمتار الزائدة والتصالح مع مجلس المدينة. لكن المجلس رفض قائلا إنه يجب تغيير المسمى إلى دار مناسبات لإقامة الشعائر الدينية، ووافقنا ووقعنا على التصالح وبدأنا عملية إزالة المخالفات."

تحريض باسم الدين

رغم إبرام الصلح وشروع الأقباط في إزالة القباب من أعلى كنيستهم، فقد شهدت صلاة الجمعة يوم 30 سبتمبر قيام أحد مشايخ القرية أثناء خطبة الجمعة بحشد المسلمين وتحريضهم على القيام بهدم الكنيسة بأكملها وبأنفسهم، وهي واقعة ذكرها عدد من شهود العيان بل ومحافظ أسوان نفسه في حوار تلفزيوني لاحقا. وخرج مئات المسلمين عقب الخطبة وتوجهوا إلى المبني حيث أشعلوا النيران في مواد خشبية يستخدمها المقاول في أعمال البناء، كما ألقوا كرات نارية على مكتبة الكنيسة ومكتب للكاهن به بعض الأجهزة الكهربائية وماكينة تصوير وجهاز فاكس ومكتب ودولاب وأوراق خاص بالكنيسة. ثم ألقيت بعض أنابيب الغاز على منزل مجاور للكنيسة ويستخدم الدور الأرضي منه كمخزن للأجهزة الكهربائية والمفروشات. وقد أتت النيران على الدورين الأول والثاني ثم انتقلت النيران إلى منزلين مجاورين أحدهما من الطوب اللبن تأثر بشكل كبير والأخر تعرضت محتوياته للحرق.

في هذا الوقت انقسم الشباب المهاجم إلى مجموعتين: الأولي صعدت إلى مبني الكنيسة وبدأت في أعمال هدم القباب ثم السقف وأجزاء من الحوائط ثم قامت بتكسير أجزاء من أربعة أعمدة خرسانية من أسفل بمعاول ومناشير لتقطيع أسياخ الحديد المستخدمة. بينما طافت المجموعة الأخرى شوارع القرية وهى تردد شعارات عدائية ضد الأقباط وأخرى إسلامية وتقوم بالطرق على أبواب وشبابيك منازل الأقباط في محاولة لترويع وإرهاب ساكنيها. وأفاد شهود عيان للمبادرة المصرية بأن العميد أيمن فتحي رئيس مباحث ادفو كان يصلى في نفس المسجد الذى شهد عمليات التحريض ضد المسيحيين، ووقف هو والقوة التى كانت معينة لحراسة الكنيسة – نحو عشرين عسكري – يشاهدون قيام الجموع بهدم الكنيسة دون تدخل. وقال آخرون إن عددا من أهالي القرية المسلمين منعوا سيارة الإطفاء من الدخول إلى موقع الحرائق وتركت النيران حتى تخمد بعد أن تأكل كل شي، وأن قوات من أمن محافظة قنا جاءت نحو الساعة الثالثة وتمركزت خارج القرية ولم تدخل إلى موقع الكنيسة. واستمرت هذه الاعتداءات حتى الساعة السابعة حيث تمكنت القوة الأمنية من الدخول إلى موقع الكنيسة وتوقف الذين يقومون بعملية الهدم عن استكمال ما يفعلونه وعادوا إلى منازلهم، بينما فرت أعداد من مسيحيي القرية وخاصة النساء إلى مدينة ادفو وبقيت أعداد أخرى في منازلهم ولم تغادرها من شدة الخوف. كما أصيبت سيدتان بالاختناق من الحرائق وتم نقلهما إلى مستشفي ادفو العام.

وقال محمد موسى مأذون القرية وأحد مشايخها والذى وجهت إليه أصابع الاتهام بأنه لعب دوراً في تحريض المسلمين لهدم المبني:

"هذا المبني كان مضيفة مخصصة للعزاء والأفراح ثم قاموا بالصلاة فيه ولكنه ليس كنيسة ولن يكون. ولذلك صدر قرار إزالة من المحافظ للقباب، وانتظر المسلمون أكثر من 15 يوما ليقوم المسيحيين بتنفيذه لكن هناك بطء متعمد. نحن لم نحرض الناس، كان هناك إجماع على هدم القباب والمبنى. شيخ المسجد لم يقول حاجة ضدهم، المسلمون كانوا متفقين على تنفيذ القرار بأنفسهم. الناس كانت دائمة السؤال لإمام المسجد: أنت فينك ودورك أيه؟ وكانوا ينتقدوه بشدة. تخيل قرار إزالة ولا يتم تنفيذه لمدة 15 يوما. هم جابوا مقاول مسيحي بطيء. إحنا لو عاوزين أذيتهم وكان عندنا نية كنا حرقنا البيوت وهم أقلية، أو ضربناهم وإحنا نقدر نعمل ده. دي مضيفة المفروض أن المجلس كان يهدمها من الأول. وإحنا لم نقول بإشعال النيران، دورنا فقط هو هدم القباب وإزالة المخالفات."

أما شنودة محفوظ أحد أقباط القرية فقد ذكر في شهادته للمبادرة المصرية عن الاعتداءات:

"يوم الجمعة الماضية تجمهر المسلمون وخرجوا من كل جوامع القرية، أكثر من ألفين توجهوا إلى الكنيسة التى لم تنته أعمال التشطيبات بها، ورموا كرات نار وأنابيب غاز وتم إحراق مكتب كاهن الكنيسة ودمرت جميع محتوياته وحرق الخشب الخاص بالمقاول ثم صعدوا إلى سطح المبني وهدموا جزء كبير من السقف وقاموا بنشر الكمر وأسياخ الحديد لبعض الأعمدة. استمرت هذه العملية من الثانية عشر ظهرا إلى السابعة مساء دون تدخل من جانب القوات الأمن أو الجهات المعنية بالدولة. اتصلنا بالمطافئ وجاءت لكن منعت من دخول المنطقة التى يعيش بها المسيحيون حتى أكلت النيران 3 منازل مجاورة للكنيسة. رئيس وحدة مباحث ادفو أيمن فتحي كان موجوداً في المسجد الذى خرجت منه الدعاوى لهدم الكنيسة. وعندما بدأ الهجوم على الكنيسة وقفت القوة الأمنية المعينة لحراسة الكنيسة تشاهد ما يحدث دون تدخل. وجاءت التعزيزات الساعة السابعة مساء ، قوات أمن مركزي من قنا، وفي البداية لم يسمح لها الأهالي بالدخول إلى منطقة المسيحيين وهددوا أنهم لو دخلوا سيقومون بإشعال النيران في البلد كلها."

وقال ثابت كامل، شاهد آخر من أقباط القرية، في إفادته:

"وافقت الكنيسة على هدم القباب من عشرين يوما ولم يعجبهم هذا الكلام، لأنهم عاوزين الكنيسة تجئ على الأرض. آلاف خرجوا بعد صلاة الجمعة وتوجهوا لمبني الكنيسة وقذفوها بكرات نارية أدت لإحراق الخشب المستخدم في إتمام عملية البناء والخاص بالمقاول المنفذ ثم احترقت مكتبة الكنيسة ومكتب الكاهن وبه ماكينة تصوير وجهاز فاكس ودولاب حفظ أوراق وتربيزة ثم بعد أن خمدت النار لعدم وجود شي تحرقه قاموا بعملية هدم كامل للقباب وأجزاء من الأعمدة والحوائط ثم قاموا عند أسفل الأعمدة بهدم جزء منها ونشر الحديد المسلح ذلك بغرض وقوعها. وأثناء ذلك قامت مجموعة ثانية بالمرور في الشوارع وهى تطرق على الأبواب والشبابيك بعنف وباستخدام الشوم وهم يهتفون (الله أكبر الله أكبر، العزة لله والإسلام) ثم قاموا بإشعال النيران في 3 منازل ملاصقة للكنيسة الأول يملكه يوسف معوض وهو عمارة مكونة من 4 أدوار دمر دورين كان يستخدم الأرضي كمخزن للأجهزة الكهربائية والمفروشات تقدر قيمة خسائره بنحو مليون جنيه والثاني منزل صبحي عزيز وأصبح حيطان فقط ثم منزل رفعت عياد."

ووصف شاهد عيان يسكن بجوار الكنيسة أجواء اليوم قائلا:

"خوف وهلع وترويع ورعب عشناه يوم الجمعة. مجموعات تقوم بالخبط العنيف على الأبواب وتكسر عدادات المياه والكهرباء وتأخذ ما يقع تحت إيدها. ما حدث عملية لا يرضاها الإسلام ولا الديانات كلها. إحنا اضطررنا لترحيل النساء من القرية خوفا عليهن من الاعتداءات."

مغالطات المحافظ وضغوطه

في الوقت الذى انتشرت فيه استغاثات رجال الدين المسيحي عبر مواقع الانترنت من عمليات الهدم التى كانت تجرى على قدم وساق دون تدخل من الجهات المسئولة، خرج محافظ أسوان اللواء مصطفي السيد متحدثاً لعدة قنوات فضائية ينفى ما يحدث بالمريناب، مؤكدا عدم وجود كنيسة بالقرية مع اعترافه بشكل واضح بوجود مضيفة تستخدم لإقامة الشعائر الدينية والصلوات. وقال المحافظ لقناة النيل للأخبار في يوم 30 سبتمبر نافيا وجود أية اعتداءات:

"قرية المريناب تبعد عن مدينة إدفو 8 كيلو مترات، وبها مضيفة مساحتها 240 متر وارتفاعها 9 أمتار ومعمولة من الخشب. وتقدم أهالي القرية الأقباط بطلب بأن تكون مباني خرسانية وأعطيت تأشيرة بأن تبنى على نفس المساحة والارتفاع. وكانت تقام الصلوات بهذه المضيفة لكنهم تجاوزوا الارتفاع إلى 13 مترا. ولا يوجد أي احتكاك بين المسلمين والمسيحيين. هي ليست كنيسة لكن مضيفة تقام بها الشعائر الدينية وجلسوا معا واتفقنا على إزالة الزيادة وبدأ مقاول مسيحي بالفعل في إزالة المساحة الزائدة لكنه كان بطئ. وأحد المشايخ في صلاة الجمعة سخن الشباب، وقادهم للذهاب إلى المبني والقيام بهدم الزيادة بأنفسهم، وهو تصرف غير مقبول. وقام الأهالي المسلمون بهدم الأربعة متر الزيادة والأمن مشاهم. ويملك المقاول مخزن جنب الكنيسة قام أحد الشباب المسلم بحرق المخزن ولا توجد خسائر في الأرواح. إدفو آمنة وحاليا الحكمدار ورئيس المدينة والمشايخ موجودون ولا صحة لما تناقلته المواقع الإلكترونية من أن هناك كنائس تحرق بإدفو."

أغضب نفى المحافظ وجود كنيسة بالقرية مسيحيي إدفو ورجال الدين. وقال القمص صليب الديك وكيل مطرانية أسوان للمبادرة المصرية:

"كلام المحافظ غير صحيح. هذا المكان كنيسة وتقام فيها الصلوات بانتظام منذ منتصف الثمانينيات. والأجهزة الأمنية عينت لها حراسة كباقي الكنائس. وحصلنا على التراخيص اللازمة لإعادة البناء وبالطرق الشرعية، وقدمنا عدة تنازلات لكنها حجج غير صحيحة للمحافظ. فقد حدث هجوم وحرق للكنيسة وهدم الحوائط والجدران وتكسير الكمر والأعمدة وحرق مكتب كاهن الكنيسة و3 منازل مجاورة. تمت الاستغاثة والاتصال عدة مرات بقوات الأمن منذ بداية الهجوم وكانوا يردوا حاضر، إحنا في الطريق كما وصلت سيارة مطافي وتم منعها من الدخول والعساكر وقفت للفرجة على من يقومون بالهدم."

تسود القرية الآن حالة من الهدوء النسبي. غير أن المحافظ قام بزيارة موقع الكنيسة في الأول من أكتوبر ثم طلب من رجال الدين المسيحي هدم أغلب البناء والنزول به إلى مستوى 4 أمتار فقط فوق الأرض خلال 3 أيام وهددهم بأن المحافظة ستقوم بتنفيذ عملية الهدم ما لم يقم به رعاة الكنيسة. وقال القمص صليب: "هو يريد المبنى من دور واحد وارتفاعه 4 أمتار وأن يكون مضيفة وتمنع فيه الصلاة ولن نوافق على ذلك." ومع استمرار المواجهة وتصاعد احتجاجات الأقباط في عدة مدن ومحافظات أخرى على أحداث قرية المريناب، فإن من غير المستبعد أن تعود الأمور للاشتعال مجددا.

مرفق وثائق الكنيسة.