يجب احترام حقوق المرضى النفسيين وليس المطالبة باستمرار عزلهم

بيان صحفي

28 سبتمبر 2008

في تعليق على الجدل الدائر حالياً بشأن مشروع قانون الصحة النفسية الجديد، طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم بمنح الأولوية لاحترام الحقوق الإنسانية للمرضى النفسيين ومنع انتهاك هذه الحقوق. وشددت المبادرة المصرية على ضرورة أن تفي الدولة بالتزاماتها وأن يتحمل المجتمع مسئوليته تجاه المرضى النفسيين بدلاً من المطالبة بعزلهم وحرمانهم من الحرية والحياة الطبيعية بدعوى حمايتهم.   

وقالت الدكتورة راجية الجرزاوي، مسئولة ملف الصحة والتمييز بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "يجب أن يتم تقييم أي تعديل تشريعي يتعلق بالصحة النفسية وفقاً لمدى احترامه لحقوق المرضى النفسيين في الرعاية والكرامة والمساواة، وليس وفقاً لمدى نجاحه في غسل يد الدولة والمجتمع من أي مسئولية تجاه المرضى عبر سجنهم خلف أسوار المستشفيات."

وكانت الحكومة قد أعلنت مؤخراً عن نيتها التقدم بمشروع قانون جديد للصحة النفسية لإقراره في الدورة البرلمانية القادمة. ومن المنتظر أن يحل القانون الجديد ـ والذي تم إعداده بالتشاور مع بعض منظمات حقوق الإنسان ومن بينها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ـ في حال إقراره محل القانون الحالي الذي صدر في عام 1944 ويحمل اسم (قانون حجز المصابين بأمراض عقلية).

ويتميز مشروع القانون الجديد عن سابقه بالنص على طائفة من الحقوق والحريات الأساسية للمريض النفسي والتي يجب على جميع القائمين على رعايته الالتزام بها. ويقوم القانون الجديد في هذا الصدد بتنظيم قواعد إصدار قرارات الاحتجاز الإلزامي والعلاج الإجباري للمرضى النفسيين، ونظم المراجعة الدورية والمستقلة لهذه القرارات، وحق المرضى في التظلم منها بما يكفل لهم الحماية من الخطأ أو التعسف أو الاضطهاد.

وتعكس هذه التعديلات التشريعية التوجه السائد في أغلب دول العالم وتوصيات منظمة الصحة العالمية بعدم اللجوء للحجز داخل المستشفيات إلا في حالات استثنائية ينص عليها القانون. فقد تطور الطب النفسي على مدى نصف القرن الماضي على نحو أصبح ينظر فيه إلى اضطرابات الصحة النفسية بوصفها أمراضاً يمكن الشفاء منها بتلقي العلاج. كما أثبتت الدراسات المتخصصة دولياً ومحلياً أن تلقي العلاج خارج المستشفيات يحقق نتائج أفضل نظراً لتوافر عوامل التكيف مع المجتمع والحياة اليومية، وفي ظل الانتهاكات التي يتعرض لها نزلاء المصحات النفسية في العديد من دول العالم، ومن بينها مصر. وأصبح من المستقر عليه أن المريض النفسي إنسان له كافة الحقوق التي يتمتع بها باقي أفراد المجتمع ولا يجوز أن يتم عزله أو لفظه بسبب مرضه، خاصة في ظل المعلومات المتوافرة الآن حول الأعداد الكبيرة للأفراد المصابين باضطرابات نفسية في كل المجتمعات.

وتساءلت الدكتورة راجية الجرزاوي: "إذا كانت منظمة الصحة العالمية تقدر عدد الأفراد المصابين باضطرابات نفسية حول العالم بحوالي 450 مليوناً، وإن كانت الإحصائيات الخاصة بمصر تشير إلى أن 17% من تعداد السكان البالغين يعانون من اضطرابات نفسية، فهل من المعقول أن يتم حبس هؤلاء جميعاً خلف الأسوار؟"

وأكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن الدولة تخضع لالتزام قانوني بموجب الدستور والقانون الدولي بكفالة أعلى مستوى ممكن من الرعاية الصحية للمرضى النفسيين، بما يشمل تقديم خدمات العلاج والرعاية لهم داخل مجتمعاتهم وأماكن معيشتهم وتيسير إعادة إدماجهم في المجتمع. ورغم الأهمية القصوى لإصلاح الأحوال داخل المصحات النفسية القائمة وحماية حقوق نزلائها من المرضى، فإن هذا يجب أن يتم بالتوازي مع خطوات أخري مثل توفير خدمات الرعاية الصحية النفسية والتأهيل في المجتمع ضمن حزمة خدمات الرعاية الصحية الأولية، وتوفير الموارد اللازمة لتحقيق ذلك، وضمان حقوق الأفراد المصابين باضطرابات نفسية في التعليم والإسكان والعمل والتأمين الصحي والاجتماعي.

كما شددت المبادرة المصرية على أهمية أن يتحمل المجتمع ـ بما في ذلك وسائل الأعلام ومنظمات المجتمع المدني ـ المسئولية تجاه أفراده المصابين باضطرابات نفسية. وأضافت الدكتورة راجية الجرزاوي: "إن الوصم والتمييز والتنميط ونشر المعلومات المغلوطة والمخاوف غير المبررة تجاه المرضى النفسيين تمثل أقوي العوائق التي تمنعهم من الحصول علي حقوقهم. وعلينا أن نستغل فرصة مناقشة قانون الصحة النفسية لمواجهة هذه السلبيات وليس ترسيخها."

ويعتزم برنامج الصحة وحقوق الإنسان بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إصدار تحليل مفصل لمشروع قانون الصحة النفسية الجديد من منظور حقوق الإنسان خلال الأيام المقبلة.