تعقيب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على بيان وزارة الصحة بشأن الشركة القابضة للرعاية الصحية
بيان صحفي
أصدرت وزارة الصحة والسكان في 21 أكتوبر 2007 بياناً صحفياً للرد على ما أسمته "مزاعم المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" بشأن قرار إنشاء الشركة القابضة للرعاية للصحية. وجاء الرد الحكومي في نفس الأسبوع الذي واصلت فيه محكمة القضاء الإداري نظر الدعوى التي أقامتها المبادرة المصرية ضد القرار، وبعد أن قامت صحيفة المصري اليوم بنشر ورقة المبادرة المصرية حول تفاصيل الدعوى وأوجه الاعتراض على قرار إنشاء الشركة ومخالفته لحق المصريين في الصحة.
واتهم البيان الحكومي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بترديد "أمور تنافي الحقائق وتنطلق من هواجس ولا تستند إلى واقع وتهدف إلى نزع الثقة في السياسات التي تنتهجها الحكومة في إطار البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك". غير أن قراءة رد الوزارة تكشف عن احتوائه على العديد من المغالطات التي خالف فيها الرد الحقيقة بل وخالف نص قرار إنشاء الشركة القابضة ذاته وذلك على النحو التالي:
أولاً: دافع رد الحكومة عن سلطة رئيس الوزراء بموجب قانون شركات قطاع الأعمال في إنشاء شركات قابضة جديدة بدعوى أن القرار المذكور لم يقم بتحويل الهيئة العامة للتأمين الصحي إلى شركة قابضة وهي الصلاحية التي يملكها رئيس الجمهورية وحده. إلا أن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تصمم على أن قرار رئيس الوزراء قد تجاوز صلاحياته وخالف الدستور والقانون، حيث أن القرار لم يقتصر على إنشاء الشركة القابضة وإنما قام بتغيير دور واختصاصات وواجبات الهيئة العامة للتأمين الصحي التي تتكفل بتقديم الرعاية الصحية للمؤمن عليهم، بل وخالف الغرض التشريعي والمصلحة الاجتماعية من إنشاء الهيئة العامة حتى وإن كان قد أبقى عليها ككيان مالي وإداري. فالقرار الذي نص على نقل كافة المستشفيات والعيادات والوحدات المملوكة لهيئة التأمين الصحي إلى الشركة القابضة الجديدة يكون بذلك قد جرد الهيئة من أهم الأدوات اللازمة لتحقيق مهمتها المنصوص عليها في القانون، وهو ما يعد تعطيلاً ونسخاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 1209 لسنة 1964 بإنشاء الهيئة فضلاً عن القانون رقم 79 لسنة 1975 بشأن التأمين الاجتماعي والقانون رقم 99 لسنة 1992 بشأن التأمين الصحي على الطلاب.
كما خالف قرار رئيس الوزراء نص المادة 144 من الدستور، والتي قالت المحكمة الدستورية العليا في تفسيرها أنها تحظر قيام أي قرار تنفيذي بتعديل أو تعطيل القوانين لما يمثله ذلك من عدوان على السلطة التشريعية.
ثانياً: يدعي رد الحكومة أن قرار إنشاء الشركة القابضة يهدف إلى فصل تمويل العلاج عن تقديم الخدمة، بما يمكن الدولة من مد مظلة التأمين الصحي إلى جميع المواطنين ومراقبة جودة تقديم الخدمة العلاجية وتحمل تكاليف علاج محدودي الدخل. غير أن أياً من الرد الحكومي أو وزير الصحة أو رئيس هيئة التأمين الصحي أو أي مسئول حكومي لم يشرح لنا ما هي العلاقة بين الجودة ومظلة التأمين ومساعدة الفقراء من ناحية، وبين تغيير شكل ملكية مستشفيات وعيادات التأمين الصحي التي بنتها أموال المواطنين من أموال عامة إلى شركة قطاع أعمال تستطيع الحكومة استثمار أموالها والتصرف فيها بل وبيعها متى شاءت.
ثم إن مسألة فصل التمويل عن الخدمة ركن أساسي في مشروع قانون التامين الصحي الجديد الذي ما زالت وزارة الصحة تجري مشاورات بشأنه، والذي لم يوافق عليه مجلس الوزراء حتى الآن ولم يعرض رسمياً على البرلمان لإقراره: فكيف تقوم الحكومة بالفعل ودون سند تشريعي بفصل الهيئة عن مستشفياتها؟ ولماذا العجلة في إنشاء الشركة القابضة قبل أشهر من عرض مشروع القانون على البرلمان؟ ولماذا صدر قرار إنشاء الشركة القابضة ونشر في الجريدة الرسمية دون أي إعلان من الحكومة حتى كشفت عنه الصحافة بعد شهر كامل؟ وإن كانت الوزارة من صحة موقفها فلماذا أرسلت مسودة مشروع قانون التأمين الجديد إلى لجنتي الصحة بمجلسي الشعب والشورى ووسائل الأعلام والمنظمات الأهلية للتشاور بشأنه ولم تفعل الشيء نفسه مع هذا القرار المعيب؟
ثالثاً: جاء في الرد الحكومي أن "إنشاء الشركة القابضة لن يغير من العلاقات القانونية لموظفي الهيئة بتحويلهم من موظفين عموميين إلى عمال بإحدى شركات القطاع الخاص كما تزعم ورقة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية". والحقيقة أن ما جاء على لسان المبادرة المصرية في الورقة هو أن القرار "يغير من طبيعة العلاقة القانونية لموظفي هيئة التأمين بتحويلهم من موظفين عموميين إلى عمال بإحدى شركات قطاع الأعمال"، وهو ما نص عليه القرار بالحرف في المادة 12: "كما ينقل العاملون بمستشفيات التامين الصحي والوحدات التابعة لها من الهيئة العامة للتامين الصحي إلي الشركة القابضة والشركات التابعة لها... ويستمر العمل باللوائح المنظمة لشئونهم إلي أن تصدر لوائح أنظمة العاملين بالشركات المنقولين لها طبقاً لأحكام قانون شركات قطاع الأعمال."
فمن الذي يحاول "تضليل المواطنين والتأثير على الرأي العام بغير الحقيقة"؟
إن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لا تملك الآن إلا أن تنتظر نتيجة الدعوى القضائية التي قررت محكمة القضاء الإداري
تأجيلها إلى جلسة 13 نوفمبر 2007. وتثق المبادرة المصرية في أن القضاء سينحاز إلى حق المواطنين في العلاج والإبقاء على الطابع التكافلي والاجتماعي للتأمين الصحي.