رسالة إلى وزيري الصحة والخارجية حول الموقف المصري في اجتماع الأمم المتحدة رفيع المستوى بشأن الإيدز

بيان صحفي

7 June 2006

السيد الدكتور حاتم الجبلي
وزير الصحة والسكان 

3 شارع مجلس الشعب
فاكس رقم 7953966
السيد أحمد أبو الغيط
وزير الخارجية 
شارع كورنيش النيل- ماسبيرو
فاكس رقم 5748822  

الموضوع: موقف الحكومة المصرية في مفاوضات الإعلان السياسي للأمم المتحدة بشأن الإيدز

سعادة وزيري الصحة والخارجية
تحية طيبة وبعد،

نكتب إليكما احتجاجاً على موقف ممثلي الحكومة المصرية المشاركين في اجتماع الأمم المتحدة رفيع المستوى بشأن فيروس ومرض الإيدز (نيويورك من 31 مايو إلى 2 يونيو) والذي ساهم بشكل كبير في إفشال هذه القمة الهامة وخروج إعلانها السياسي في مستوى ضعيف لا يحقق على الإطلاق طموحات المجتمع المدني العالمي من هذا الحدث الكبير.

لقد حرصت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على المشاركة في المؤتمر، ضمن حوالي 800 من نشطاء المجتمع المدني من دول العالم المختلفة، انطلاقاً من اهتمامنا كمنظمة حقوقية مصرية غير حكومية بالعمل من أجل حماية وتعزيزالحق في الصحة. وقد ذهبنا إلى المؤتمر يملأنا التفاؤل بأن تنجح الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في تأكيد التزامهم بمواجهة وباء الإيدز كما فعلوا في عام 2001 في إعلان الالتزام الصادر عن الجلسة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الإيدز، والذي خصص اجتماع الأسبوع الماضي كما تعلمون لتقييم تنفيذ الحكومات له خلال السنوات الخمس الماضية.

كما ذهبنا للمشاركة ونحن على أمل بنجاح الاجتماع، بعد أن نجحت قمة رؤساء الدول والحكومات الأفريقية- التي انعقدت في أبوجا بنيجيريا في أوائل شهر مايو، ورأس الوفد المصري فيها الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة والسكان- في اعتماد وثيقة شديدة الأهمية بعنوان "الموقف الأفريقي المشترك من اجتماع الأمم المتحدة بشأن الإيدز". وقد جاءت هذه الوثيقة نتيجة لجهد مشترك على مدى الشهور الثلاث الماضية بين مفوضية الاتحاد الأفريقي ومنظمات المجتمع المدني في القارة وحكومات الدول الأفريقية من أجل ضمان أن تتحدث القارة الأكثر تأثراً بالوباء بصوت واحد وواضح. وخرجت وثيقة أبوجا تتضمن أهدافاً محددة لمواجهة الوباء، وبرنامجاً زمنياً لتحقيق هذه الأهداف، وتعهداً من الدول الأفريقية بضمان احترام حقوق الإنسان والمرأة والوصول إلى أكثر الفئات عرضة للإصابة بالفيروس من أجل حمايتها وحماية المجتمع.

غير أننا فوجئنا فور بدء المفاوضات بين الدول الأعضاء بالأمم المتحدة من أجل اعتماد الإعلان السياسي الصادر في ختام القمة بتراجع الحكومة المصرية عن تأييد وثيقة أبوجا التي كان يفترض أن تمثل التعليمات الملزمة للبعثة المصرية الدائمة لدى الأمم المتحدة أثناء المفاوضات. بل وبذل ممثلو الحكومة المصرية في المفاوضات جهوداً غير حميدة في إقناع الدول الأعضاء بالمجموعة الأفريقية بتنحية وثيقة أبوجا جانباً وتجاهلها بدعوى أنها "حصيلة مفاوضات بين مسئولين فنيين وليس مسئولين سياسيين". ونجحت مصر وجنوب أفريقيا والجابون في إعاقة المفاوضات عبر اتخاذ سلسلة من المواقف السلبية التي أدت إلى تعطيل المفاوضات حتى الساعة الثالثة من صباح اليوم الأخير للقمة. كما نتج عن هذه المواقف خروج الإعلان السياسي للقمة على درجة عالية من الضعف، وهو ما أدى إلى إعلان منظمات المجتمع المدني رفضها للإعلان واعتبار القمة فرصة تم تضييعها بسبب مواقف مصر وعدد قليل من الدول الأعضاء.

وقد تضمنت هذه المواقف السلبية على سبيل المثال انضمام مصر إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان في معارضة تضمين الإعلان السياسي لأية أهداف كمية محددة أو محطات زمنية لضمان الحق في الحصول على العلاج والوقاية والدعم، رغم أن وثيقة أبوجا حددت هذه الأهداف والمحطات الزمنية بدقة. كما عارضت مصر أن يتضمن الإعلان إشارة إلى أن الوباء ينتشر بشكل أسرع بين الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس والتي تضم النساء والشباب ومتعاطي المخدرات عن طريق الحقن والعاملات في الجنس التجاري وممارسي الجنس المثلي، رغم أن هذه الحقيقة العلمية قد تم النص عليها صراحة في وثيقة أبوجا بحضور وزير الصحة المصري وموافقته. وعارضت مصر الإشارة إلى التمييز ضد النساء كأحد عوامل انتشار الإيدز بينهن بسرعة أعلى من انتشاره بين الرجال كما أشارت وثيقة أبوجا. وعارضت النص على تمكين الفتيات من حماية أنفسهن من العدوى في تجاهل غير مسئول لحقيقة أن الفتيات يمثلن 77% من الشباب المتعايشين مع فيروس ومرض الإيدز.

سعادة وزيري الصحة والخارجية
إننا نشعر بالحيرة أمام التناقض بين هذه المواقف السلبية وبين مبادرة رئيس الجمهورية بإنشاء مركز إقليمي في القاهرة لمكافحة الأمراض الوبائية والإيدز يكون نقطة انطلاق لمواجهة هذه الأمراض في القارة الأفريقية.كما تتناقض هذه المواقف مع إعلان الحكومة المتكرر عن دعمها للاتحاد الأفريقي ومؤسساته وحرصها على تعميق انتماء مصر الأفريقي. لقد شكلت مواقف مصر التفاوضية التي تابعناها يوماً بيوم أثناء الاجتماع إهانة للاتحاد الأفريقي ومنظمات المجتمع المدني المصري والأفريقي والمتعايشين مع فيروس الإيدز في مصر وباقي أنحاء القارة الأفريقية التي تستأثر وحدها بحوالي 70% من الانتشار العالمي للوباء.

لقد كانت الجلسة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الإيدز في عام 2001 نقطة تحول في الجهود الدولية لمكافحة الوباء وحشد الموارد لهذه الجهود وتأكيد الإرادة السياسية لدول العالم على اعتبار الإيدز قضية تتعلق أساساً بالتنمية والأمن وحقوق الإنسان وليس فقط بالصحة العامة. أما اجتماع الأسبوع الماضي، فقد تسببت المواقف غير المسئولة لممثلي مصر وبعض الدول الأخرى في المفاوضات في إفشاله وإضعاف مخرجاته نتيجة الخضوع لمواقف سياسية وأيديولوجية ضيقة الأفق تتجاهل كارثة إنسانية يذهب ضحيتها ثمانية آلاف شخص في اليوم الواحد.

سعادة وزيري الصحة والخارجية
إن المواقف التي اتخذها ممثلو مصر في المفاوضات لا تعكس حتى حقيقة ما يجري على أرض مصر كل يوم. وتتجاهل الجهود الكثيفة التي يبذلها البرنامج الوطني لمكافحة لإيدز بوزارة الصحة منذ إنشائه وحتى اليوم في العمل مع منظمات المجتمع المدني المصرية والدولية ووكالات الأمم المتحدة على تسريع وزيادة جهود الوقاية والعلاج والدعم في مواجهة الإيدز، خاصة مع تراكم الأدلة على ازدياد معدلات العدوى التي يتم إبلاغ وزارة الصحة بها، وعلى وجود تربة خصبة لانتشار الفيروس في مصر وتركزه وبائياً بين نفس الفئات المعرضة للخطر التي اعترض ممثلو مصر لدى الأمم المتحدة على مجرد الإشارة إليها. إن تجاهل الممارسات الإيجابية والجهود المبذولة داخل البلاد أصاب ممثلي المجتمع المدني المصري بالحرج والإحباط والغضب، وأعطى صورة مغلوطة عن الأوضاع داخل مصر.

إن ما حدث في الأسبوع الماضي يستوجب وقفة فورية لدراسة أثره على وضع مصر في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. لقد كانت المواقف الحكومية المصرية أثناء المفاوضات مثار استياء واسع وانتقادات متواصلة من مسئولين حكوميين وموظفين لدى الأمم المتحدة ونشطاء أفارقة وغير أفارقة انعكست في أروقة القمة وبيانات المجتمع المدني وكافة المقالات والتغطيات الصحفية التي تناولت القمة، حيث تأكد للجميع بما لا يدع مجالاً للشك أن مصر هي التي تقف وراء المواقف السلبية لكل من المجموعة الأفريقية ومجموعة منظمة المؤتمر الإسلامي بما تسبب في هذه النتائج المؤسفة.

وختاماً، فإننا نرجو منكم منح هذا الأمر عنايتكم بما يتناسب مع أهميته.
 

                                                              مع خالص التحية،

                                          حسام بهجت
                                                  مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية

نسخ إلى:
السيد الدكتور نصر السيد، وكيل وزارة الصحة وعضو الوفد المصري
السيد الدكتور إيهاب صلاح، مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بوزارة الصحة
السيدة السفيرة نائلة جبر، مساعد وزير الخارجية للشؤون متعددة الأطراف
السيد السفير ماجد عبد الفتاح، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة ورئيس الوفد المصري
السيد المستشار محمد البدري، عضو بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة
السيد المستشار إيهاب جمال الدين، مدير إدارة حقوق الإنسان والشئون الإنسانية والاجتماعية بوزارة الخارجية