لا توجد عقوبة رادعة ضد جلادى التعذيب
بيان صحفي
أصدرت محكمة جنايات الجيزة حكمها فى 19/12/2002 فى قضية مصرع الشاب/ أحمد محمود محمد تمام بعد تعذيبه صعقاً بالكهرباء بوحدة مباحث قسم العمرانية على يد رئيس المباحث/ مقدم عرفه حمزة منصور حسن. وقضت المحكمة بمعاقبة المتهم/ عرفه حمزة بالسجن مع الشغل لمدة سنة وإلزامه متضامنا مع وزير الداخلية - بصفته مسئولاً عن الحقوق المدنية بأداء مبلغ 2001 جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
ويشكل حكم الإدانة هذا إحدى حلقات سلسلة الأحكام الصادرة خلال هذا العام بمعاقبة ضباط الشرطة فى قضايا التعذيب ، حيث سبق معاقبة المتهمين فى قضية التعذيب التى وقعت بقسم مدينة نصر بالحبس ثلاث سنوات، وكذلك نفس العقوبة للمتهمين فى قضية تعذيب التى جرت فى قسم إمبابة.
وتشير المراكز الثلاثة إلى الاتجاه الايجابى للمحاكم المصرية فى إدانة رجال الشرطة المتهمين بارتكاب جرائم تعذيب؛ وفى نفس الوقت فأننا نرى أن هذه العقوبات غير رادعة، وذلك لعدم تضمن القانون المصرى عقوبات رادعة. وتعكس هذه العقوبات المخففة قصورا جوهريا فيما يختص بجريمة التعذيب. فالمحاكم عاجزة عن التعامل مع هذه الجرائم بصفتها جرائم تعذيب وتعتبرها إما جريمة قتل خطأ أو ضرب أفضى إلى موت، ويرجع ذلك لتبنى القانون المصرى تعريفا أضيق لجريمة التعذيب عما هو متعارف عليه فى مواثيق حقوق الانسان.
وعلى الرغم من أن انضمام مصر إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة يشكل خطوة هامة فى مجال مواجهة التعذيب إلا أنها تظل مع ذلك خطوة محدودة وقاصرة طالما لم يتم تغيير القانون العادى بما يتفق وأحكام هذه الاتفاقية.
فالقانون المصرى لا يجرم كل الأفعال المجرمة فى الاتفاقية حيث لم يجرم الأفعال التالية:
- التعذيب من أجل الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات.
- التعذيب من أجل الحصول من شخص ثالث على اعتراف.
- التعذيب من أجل معاقبة الشخص الخاضع للتعذيب على عمل ارتكبه أو يشتبه فى أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث.
- التعذيب من أجل التخويف أو الإرغام له أو لشخص ثالث.
- التعذيب القائم على أساس أى سبب من أسباب التمييز أيا كان نوعه
- كما لم يجرم كل صور المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التى لا تصل إلى حد التعذيب.
والقانون المصرى لا يمد نطاق المسئولية لتشمل كافة الأشخاص المحددين فى الاتفاقية حيث استبعد الشخص الذى يوافق على التعذيب من الموظفين الرسميين أو أى شخص يتصرف بصفته الرسمية (م 1)، كما استبعد الشخص الذى يوافق على المعاملة القاسية من الموظفين الرسميين أو أى شخص يتصرف بصفته الرسمية (م 16). واستبعد الشخص الساكت على التعذيب من الموظفين الرسميين أو أى شخص يتصرف بصفته الرسمية (م 1)، كما استبعد الشخص الساكت على المعاملة القاسية من الموظفين الرسميين أو أى شخص يتصرف بصفته الرسمية (م 16). واستبعد الشخص المتواطئ على التعذيب (م 4).
واشترط القانون المصرى دائما فى جريمة التعذيب والمعاملة القاسية توافر صفة الموظف أو المستخدم العمومى أو المكلف بخدمة عمومية، بينما مد الاتفاقية نطاق التجريم ليشمل علاوة على ما تقدم أو أى شخص آخر (م 4). كما أن القانون المصرى يقيم عقبات إجرائية لملاحقة مرتكبى التعذيب تتمثل فى حرمان الشخص المتعرض للتعذيب من رفع دعوى جنائية مباشرة أمام المحكمة الجنائية، كما لا يملك ضحية التعذيب الطعن على قرارات جهة التحقيق، ولا يملك ضحية التعذيب طلب ندب قاضى تحقيق إذا تقاعست النيابة فى تحقيق دعواه.
بالإضافة لكل ذلك تتوافر أوضاع عملية وقانونية تسهل وقوع وإخفاء أعمال التعذيب خلال الفترة الحرجة وذلك بإطالة الفترة الزمنية المسموح لأجهزة الشرطة خلالها بالاحتفاظ بالمقبوض عليهم بدون استجوابه من قبل جهة قضائية (من يومين إلى تسعة أيام)، واستمرار قانون الطوارئ يطيل المدة الحرجة إلى 45 يوما، كما ويسمح التطبيق الواقعى فى ظل استمرار سريان قانون الطوارئ لسلطات البوليس بالجمع بين الاعتقال والقبض، ففى العديد من القضايا يذهب البوليس لتنفيذ أمر النيابة بالقبض على المتهمين وعند القبض عليهم يتم تحويل القبض إلى اعتقال بقرار منفرد من البوليس مما يسمح لرجال الشرطة بالاحتفاظ بالمتهمين لمدد طويلة كمعتقلين بدون العرض على النيابة ويتم التعذيب خلال هذه الفترة بعيدا عن أي رقابة قضائية واصبح أسلوب متكرر فى معظم القضايا السياسية لعل آخرها قضية حزب التحرير الإسلامي.
تناشد المراكز الثلاثة مؤسسات المجتمع المصرى للاضطلاع بدورها لمواجهة التعذيب المنظم من خلال تعديل تشريعى جذرى يتضمن:
1- تعديل قانون العقوبات بما يتفق مع اتفاقية مناهضة التعذيب سواء من حيث تعريف جريمة التعذيب أو جريمة المعاملة القاسية أو من حيث الأفعال والأشخاص الخاضعة للتجريم، أو من حيث العقاب الرادع.
2- اعتبار جريمة التعذيب من الجرائم المخلة بالشرف وتحرم مقترفها من تولى أي وظيفة عامة أو ممارسة مهنة المحاماة.
3- إزالة العقبات الإجرائية أمام ضحايا التعذيب لملاحقة جلادى التعذيب.
4- وقف استيراد الدولة أجهزة التعذيب، وتجريم حيازتها.
5- عدم الجمع بين الاعتقال والقبض
6- انتداب قاضى لتحقيق بلاغات التعذيب.
7- إنهاء العمل بقانون الطوارئ.