مقدمة- تشهد مدينة نيويورك في الفترة من 14 إلى 16 سبتمبر 2005 قمة العالم 2005، والتي ستعقد بمقر الأمم المتحدة في حضور حوالي 170 من رؤساء الدول والحكومات. ويعد هذا أضخم تجمع لزعماء العالم في التاريخ، وينظر إليه كفرصة تاريخية نادرة لاتخاذ قرارات جذرية فيما يتعلق بالأمن والتنمية وحقوق الإنسان وإصلاح الأمم المتحدة.
وفي خضم اهتمام الإعلام المصري وتركيزه على مسألة إصلاح مجلس الأمن وتوسيع عضويته، وسعي مصر إلى الحصول على أحد مقاعده الجديدة المقترح إضافتها، فقد وجدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن مسألة إصلاح نظام حقوق الإنسان بمنظمة الأمم المتحدة لم ينل نصيبه من الاهتمام بما يتوافق مع أهمية وجذرية هذه العملية والتأثير المتوقع لها على كفاءة المجتمع الدولي في الاستجابة لقضايا حقوق الإنسان الملحة. وربما عاد ضعف الاهتمام هذا إلى قلة المعلومات والمصادر المتوافرة باللغة العربية حول تفاصيل خطة إصلاح لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ومبادرة إنشاء مجلس دائم لحقوق الإنسان، وتطور المباحثات بهذا الشأن؛ وهو ما شكل دافعاً للمبادرة المصرية لإصدار هذا التقرير بهدف سد ذلك النقص المعلوماتي وتقديم ملخص حول تاريخ وتطور عملية إصلاح المنظومة الحقوقية الدولية إلى المهتمين بهذا الشأن.
أما الدافع الإضافي إلى إصدار هذا التقرير، فقد كان اكتشاف باحثي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تدريجياً لأبعاد وتفاصيل الموقف المصري السلبي من عملية إصلاح لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بدءاً من المعارضة الحادة لفكرة إنشاء مجلس دائم لحقوق الإنسان، ووصولاً إلى محاولة إضعاف المجلس الجديد، وتجريده من وظائفه الرقابية والحمائية، وقصر نشاطه على مناقشة الموضوعات وصياغة الصكوك دون أي دور حقيقي في ضمان إنفاذ الحقوق، كما يعرض هذا التقرير بالتفصيل.
إن المبادرة المصرية لحقوق الشخصية ترى في قمة العالم 2005، وفي إنشاء مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة كهيئة تابعة للجمعية العامة فرصة تاريخية لإعطاء حقوق الإنسان المكانة التي تستحقها في البنية الهيكلية للمنظمة الدولية. كما نرى أن إنشاء كيان جديد بصلاحيات جديدة هو السبيل الأفضل لعلاج مشكلات التسييس المفرط والانتقائية وازدواجية المعايير التي أصابت لجنة حقوق الإنسان بالشلل وفقدان الفاعلية وغياب المصداقية والدور. ومن هنا فقد شعرنا بقلق وانزعاج بالغين، وخيبة أمل كبيرة من موقف وزارة الخارجية المصرية، التي يبدو وكأن دافعها الأول في التعاطي مع هذا التطور الهام هو ضمان عدم تمتع المجلس الجديد في حال إنشائه بأي صلاحيات تكفل له القيام بدوره في تعزيز وحماية حقوق الإنسان باستقلال وكفاءة.
كذلك يأتي هذا التقرير انطلاقاً من استراتيجية المبادرة المصرية للحقوق الشخصية القائمة على زيادة تعاطي منظمات حقوق الإنسان المصرية من آليات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية، والحضور الإيجابي والتواصل الدائم مع هذه الآليات، بغرض تعظيم الاستفادة من الفرص والأدوات التي تقدمها هذه الآليات من ناحية، والإسهام في تطوير هذه الآليات والأدوات من ناحية أخرى. ويكمل هذه الاستراتيجية توجه المبادرة المصرية نحو رصد ومتابعة الدور المصري الرسمي في هذه الآليات والمحافل، ومدى اتساقه مع تعهدات والتزامات الحكومة المصرية في مجال حقوق الإنسان، وتعريف الرأي العام المحلي بهذا الدور، ومحاولة دعمه والتأثير فيه بما يتسق مع رسالة المنظمة.
ومن هنا فإن هذا التقرير يأتي مكملاً لنشاط المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الذي شمل هذا العام المشاركة في جزء من الجلسة السنوية للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بجنيف، وجلسة لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة بنيويورك بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لمؤتمر بكين للمرأة، وجلسة اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بجامبيا لمناقشة التقرير الدوري بشأن حقوق الإنسان في مصر، ومتابعة المبادرة المصرية للمحادثات الدائرة بين الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي حول الجزء الخاص بحقوق الإنسان من خطة العمل المصرية في إطار سياسة الجوار الأوروبي.
ويتناول هذا التقرير عنصراً واحداً من حزمة إصلاحات الأمم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ألا وهو إنشاء مجلس حقوق الإنسان ليحل محل لجنة حقوق الإنسان الحالية. وجاء هذا الاختيار لأسباب متعددة منها الأهمية القصوى لهذا المجلس والذي سيحل محل أعلى هيئة دولية حكومية لحقوق الإنسان، والخبرة المباشرة للمبادرة المصرية في التعاطي مع هذه الهيئة واستخدام آلياتها، والموقف المصري الرسمي المعارض لهذا المجلس أو الساعي لإضعافه كما ورد أعلاه. وتشمل بقية عناصر هذه الحزمة من الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان: دعم وتقوية المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وتأكيد مسئولية مجلس الأمن عن حماية الأفراد، وإصلاح نظام تقديم التقارير الدورية بموجب معاهدات حقوق الإنسان، إلى جانب التأكيد على حقوق المرأة والطفل واللاجئين، والديمقراطية وحكم القانون ، والصحة الجنسية والإنجابية، ومكافحة فيروس ومرض الإيدز وغيرها.
ويبدأ التقرير بخلفية حول تأسيس وتكوين ووظائف لجنة حقوق الإنسان، ثم يقدم مدخلاً إلى الأزمة الحالية للجنة والتي دفعت إلى الرغبة الدولية في إنهاء عملها بعد قرابة ستين عاماً واستبدالها بكيان جديد أكثر فاعلية ومصداقية. ثم يعرض التقرير لمبادرات الإصلاح المختلفة التي تم تقديمها ومناقشتها وصولاً إلى المقترح المفصل الحالي الذي سيناقشه ويقره قادة دول العالم في سبتمبر القادم. أما الجزء التالي فيتقصى الموقف المصري من مبادرات الإصلاح هذه منذ خروجها إلى النور في مطلع العام الحالي، والمتمثل في معارضة فكرة المجلس الدائم، ثم محاولة تجريده من الوظيفة الرقابية والحمائية، ومحاربة استقلالية آلياته الخاصة، ومحاولة تحجيم مشاركة المنظمات غير الحكومية في أعماله، وانتهاءً بمحاولة إرجاء مناقشة كافة تفاصيله إلى ما بعد القمة. وينتهي التقرير باستنتاجات للمبادرة المصرية وتوصيات إلى كل من وزارة الخارجية المصرية والمجلس القومي لحقوق الإنسان.