سياسة الهيدروجين الأخضر في مصر: بين أولوية التصدير والتحول الطاقي المحلي

اقرأ الدراسة كاملة من هنا

المقدمة

في السنوات الخمس الأخيرة، انتقل الهيدروجين الأخضر سريعًا من كونه خيارًا تقنيًا لخفض الانبعاثات الكربونية وتأمين إمدادات الطاقة إلى موقع أكثر مركزية في أجندات الانتقال الطاقي العالمية. جاء هذا الصعود السريع للهيدروجين الأخضر بسبب تغير خارطة أسواق الطاقة في أوروبا مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، لتعويض إمدادات الغاز الروسي وتنويع مصادر الطاقة في الاقتصادات الأوروبية الكبرى. وبدأ زخم الهيدروجين بالظهور في مؤتمر الدول الأطراف كوب26 بجلاسكو؛ فخلال انعقاده أطلقت 32 دولة والاتحاد الأوروبي مبادرة لتسريع نشر الهيدروجين المتجدد وجعله متاحًا عالميًا وبسعر تنافسي بحلول العقد المقبل (UNFCCC, 2021). ووضع الاتحاد الأوروبي خطة إعادة إمداد أوروبا بالطاقة (REPowerEU) لإنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين المتجدد محليًا، واستيراد كمية مماثلة بحلول 2030. 

كحل إستراتيجي، بادر الاتحاد الأوروبي بتأسيس شراكات واسعة مع دول الجنوب التي تتمتع بموارد طبيعية ومساحات أراضي كبيرة بما يكفي لإنتاج الكهرباء من الشمس والرياح، ويشمل هذا بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وكان لاعتبارات الموقع الجغرافي والتكلفة المنخفضة للإنتاج دوراً أساسياً في صياغة هذه الشراكات، حيث توفر تلك البلدان أراضِ عالية الجودة لمشروعات الطاقة المتجددة، إلى جانب قربها الجغرافي من أوروبا. دفعت تلك الشراكات البلدان المرشحة إلى صياغة إستراتيجيات وطنية للهيدروجين وإقرار حوافز تنظيمية وتشريعية تقدم الدعم المالي والضمانات السيادية للمستثمرين من أجل تأمين فرصة الاستحواذ على حصة من السوق الدولية الناشئة لتجارة الهيدروجين ومشتقاته. 

في هذا السياق، سارعت مصر إلى تبني السياسات الداعمة والمنظمة للهيدروجين الأخضر بصفتها أحد الأطراف المرشحة للإنتاج بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي. فقد شرعت منذ عام 2021 في إعداد إستراتيجية وطنية للهيدروجين منخفض الكربون، وأطلقت عدداً من المشروعات التجريبية بالشراكة مع مستثمرين دوليين، قبل أن تعلن رسمياً إستراتيجيتها في عام 2024. وتحاول مصر اقتناص حصة من السوق المستقبلية في سعيها إلى تأمين مصادر دخل إضافية من العملة الصعبة على المدى القريب، وللمساهمة في تنويع مصادر الطاقة على المديين المتوسط والبعيد. ويأتي هذا التوجه في ظل ضغوط اقتصادية وطاقية معقدة: تراكم المديونية الخارجية، وعجز الميزان التجاري، وتراجع إنتاج الغاز الطبيعي – الوقود المهيمن في مزيج الطاقة المصري – وتكرار الانقطاعات.

تستند هذه الورقة إلى مجموعة كبيرة من الوثائق الرسمية والدولية، والإحصاءات القطاعية، والتقديرات السوقية، بهدف توصيف وضع الهيدروجين الأخضر في مصر ضمن مسار الانتقال الطاقي العالمي. وتقدم الورقة قراءة شاملة لملف الهيدروجين الأخضر في مصر، من خلال تتبع مسار تحضير الإستراتيجية الوطنية، ورصد المشروعات المعلنة ومراحلها، وتحليل وضع الطاقة المحلي بما فيه من أزمات وفرص، بالإضافة إلى مناقشة التحديات البنيوية المتعلقة بالأراضي، وشبكات نقل الكهرباء. كما تتناول الدراسة الاستخدامات المتوقعة للهيدروجين محلياً وفي التصدير، وتستعرض الأطر المؤسسية والقانونية التي تشكلت لدعم هذا القطاع. وفي الختام، نناقش أبعاد الاستدامة والعدالة في نموذج الانتقال الطاقي المصري.

إذن تهدف الدراسة إلى تقديم قراءة وصفية وتحليلية، توضح حيثيات صعود قطاع الهيدروجين الأخضر في مصر، وتفاعله مع التحولات العالمية والإقليمية، مع توفير قاعدة معرفية لفهم أبعاد هذا الملف عند تقاطع الاقتصاد، والسياسات، والبيئة، والتنمية.


الملخص التنفيذي

تقدم الدراسة قراءة موسعة لمسار الهيدروجين الأخضر في مصر بوصفه ملفًا يقع عند تقاطع التحول الطاقي والعدالة المناخية. تنطلق الدراسة من أن صعود الهيدروجين الأخضر إلى صدارة أجندة الطاقة الوطنية جاء على شكل إستراتيجية صناعية موجهة للتصدير، مدفوعة بتحولات جيوسياسية أوروبية بعد بداية الحرب الروسية–الأوكرانية وبسعي الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر طاقة متجددة ومنخفضة التكلفة والالتزام بمعايير الاعتماد الأخضر. وفي هذا السياق، سارعت مصر إلى إنشاء بيئة جاذبة للاستثمار عبر حزمة تشريعية وتنظيمية كان أبرزها القانون رقم 2 لسنة 2024 الذي يمنح حوافز استثمارية سخية، وتأسيس المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر ومشتقاته (NCGH) لتنسيق التخطيط والاعتمادات والمعايير، بما يستهدف جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتدفقات النقد الأجنبي في ظل ضغوط الاقتصاد الكلي.

تحدد الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون خارطة طريق ثلاثية المراحل حتى عام 2040، مع توجيه الإنتاج للأسواق الأوروبية. وقد أُبرمت حتى الآن نحو 30 مذكرة تفاهم و12 اتفاقية إطارية ملزمة مع مستثمرين دوليين تتركز في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. تتجاوز القدرات المُعلنة في بعض هذه الاتفاقات الأهداف الرسمية قريبة الأجل، وترجح الدراسة تباطؤ التنفيذ على الأرض بفعل قيود متداخلة تتعلق بتوافر قدرة متجددة إضافية على نحو متوافق مع المعايير الأوروبية، وتأمين عقود شراء طويلة الأجل، واشتراطات التمويل الأخضر وارتفاع كلفة رأس المال في السوق المحلية.

تعرض الدراسة خلفية عن هشاشة منظومة الطاقة المصرية كنقطة انطلاق لا غنى عنها لفهم خيارات الهيدروجين. إذ لا يزال الوقود الأحفوري يوفر نحو 95% من إمدادات الطاقة، كما يهيمن الغاز الطبيعي على توليد الكهرباء، في وقت شهد فيه الإنتاج المحلي – خصوصًا من حقل ظُهر – تراجعًا ملموسًا أعاد البلاد من وضع المُصدر الصافي إلى المُستورد ودفع إلى انقطاعات متكررة للكهرباء. وبالتوازي، يقتضي الوفاء بأهداف الإستراتيجية الوطنية للطاقة وإستراتيجية الهيدروجين إضافة قدرات ضخمة من الرياح والشمس تتراوح، بحسب السيناريوهات، بين 46–56 جيجاوات بحلول 2030، و90 جيجاوات في السيناريو الأخضر الطموح، وقد تصل إلى 120–145 جيجاوات بحلول 2040 لتلبية الطلب المحلي والتزامات التصدير معًا، بالإضافة إلى تكاليف تقوية شبكة النقل الكهربائي والتي تُقدر بمليارات الدولارات لدمج عشرات الجيجاوات الإضافية بحلول 2030.

وتناقش الدراسة احتمالية تنافس صناعة الهيدروجين ومنظومة الطاقة المحلية على الموارد بوصفها محددات مادية لنطاق التوسع مثل الأرض وشبكات النقل. فبينما خُصصت مساحات شاسعة لمشروعات الطاقة المتجددة، يتركز الهيدروجين في نطاق محدود نسبيًا، في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالقرب من الموانئ لخدمة سلاسل تصدير الأمونيا والميثانول. وتتميز تلك المنطقة بجودة عالية في ما يخص ظروف توليد طاقة الرياح ولكنها محدودة المساحة، ما يُنبئ باحتمالية التنافس على المواقع عالية الجودة في منطقة خليج السويس بين محطات الرياح المخصصة للتصدير وتلك المخصصة لإمداد الكهرباء المحلية. وفي بنية الشبكة الكهربائية، تطرح فكرة شبكة كهرباء خضراء منفصلة – ممر أخضر – مخصصة لمشروعات الهيدروجين استجابة للمتطلبات الإضافية والتطابق الزمني والجغرافي في المعايير الأوروبية. ورغم ما قد يوفره هذا الخيار من يقين تنظيمي للمستثمرين، إلا أنه يحمل خطر التكريس لشبكات معزولة تخدم التصدير بمعزل عن المنظومة القومية واحتياجات الطلب المحلي. يبين التحليل أن هذا التقسيم قد يضعف أثر خفض بصمة الكربون على مستوى النظام ككل، وقد يترك الشبكة القومية أكثر اعتمادًا على الوقود الأحفوري إذا استُنزفت أفضل المواقع المتجددة لخدمة ممرات التصدير بدلًا من تعزيز الكهرباء الداخلية.

تحلل الدراسة أثر الأسواق الأوروبية على تصميم سياسات الطاقة في مصر. فشروط الاعتماد الأخضر، والقواعد الإضافية، ونظم القياس والإبلاغ والتحقق، هي عوامل تدفع نحو نماذج الربط المباشر بين مواقع الرياح والشمس ووحدات التحليل الكهربائي داخل مناطق اقتصادية حرة بعقود ورسوم تفضيلية. هذا التصميم المؤسسي للمشروع ينتج ما يمكن تسميته جيوبًا أو واحات طاقة مصممة لتحقيق قواعد الامتثال الأوروبية وتقليل مخاطر الاستثمار، مع ضعف القابلية للاندماج في المنظومة الوطنية، ما لم تُعتمد سياسات تشغيلية وقانونية تُلزِم بالربط مع الشبكة القومية وبفرض قواعد بتخصيص حصص استخدام محلي للصناعة ومنظومة الكهرباء. وتستشهد الدراسة بفترة ارتفاع أسعار الغاز في 2021–2022 التي اتسمت بتفضيل التصدير وما صاحبه من زيادة استخدام المازوت محليًا، وما ترتب على ذلك من انبعاثات وتلوث هواء، بما يعكس انقلابا – تشهد عليه التجربة – في ترتيب الأولويات من تلبية الطلب المحلي ثم تصدير الفائض إلى تأمين التصدير ثم استخدام المتبقي محليًا.

على مستوى الاستخدامات، ترى الدراسة الهيدروجين باعتباره مكملًا للكهربة المباشرة لا بديلًا عنها على المستوى العام، مع أولوية الهيدروجين في القطاعات صعبة الكهربة مثل الشحن البحري وإنتاج الأسمدة. وترجح الدراسة استخدام الهيدروجين كمصدر طاقة في أنشطة الشحن البحري، حيث يظل الفرصة التجارية الأوقع في الأجل القصير بسبب الموقع الجغرافي المتميز للمشروع على ممر قناة السويس. أما مسارات الهيدروجين الأزرق فهي أقل اتساقًا مع الواقع المصري نظرًا لضيق موارد الغاز وكلفة الالتقاط والتخزين. وتشير الدراسة إلى الخيارات المرحلية مثل المزج بنسبة محدودة في شبكة الغاز ومحطات الكهرباء التقليدية التي يمكن أن تعمل بالهيدروجين لخلق طلب محلي واستيعاب الإنتاج المبكر.

تتناول الدراسة أيضًا أبعاد الاستدامة والعدالة وتوزيع المنافع، وتبين أن تغليب المنطق التصديري قد يفضي إلى إعادة إنتاج اختلالات في تقاسم موارد الأرض والمياه ومخاطر التدهور البيئي، ما لم تعتمد ترتيبات ملزمة لتقاسم القيمة على المستوى المحلي. ويدعو التحليل إلى تحويل الأولوية من نموذج التصدير إلى نموذج التحول الداخلي.

معالجة الاستدامة والعدالة في الدراسة تنطلق من تشخيص ان التوجه التصديري لنموذج الهيدروجين حين يُبنى بالأساس على متطلبات الامتثال الخارجي (الإضافية، والتطابق الزمني/الجغرافي، ونظم القياس والإبلاغ والتحقق)، يدفع نحو ترتيبات ربط مباشر وممرات خضراء موازية تنتج جيوبا طاقية عالية الامتثال مع القواعد الأوروبية لكنها ضعيفة الاندماج مع الشبكة القومية. هذا التصميم يعيد توجيه أفضل مواقع الرياح والشمس إلى مسارات التصدير، ويزيد تنافس الاستخدام على الأرض ذات الجودة المرتفعة، ويحد من أثر خفض الكربون إذا بقيت الشبكة الوطنية تتحمل أحمال الطلب المحلي بموارد أحفورية أعلى. كما تؤكد القراءة أن تقييم الاستدامة لا ينبغي أن يقتصر على مشروع منفرد، بل على الآثار التراكمية على المستوى الوطني، وعلى الشفافية والإتاحة العامة لبيانات الانبعاثات والمياه واستخدامات الأرض بوصفها شرطًا للقبول الاجتماعي واستمرارية الاستثمار.

وبناء على ذلك، توصي الدراسة بمقاربة تكاملية بين الأنظمة لا العزل بينها على المستوى المحلي، ويتطلب ذلك تراتبية واضحة للأولويات تبدأ بالكهربة وكفاءة الطاقة لخفض الاعتماد على الغاز، وتتضمن تسريع تقوية الشبكة القومية باعتبارها بنية مشتركة لا ينبغي أن تنافسها شبكات موازية معزولة، بحيث يصبح التصدير أداة داعمة ضمن انتقال داخلي أوسع دون تنافس على الموارد. كما توصى الدراسة بمقاربة أوسع للانتقال الطاقي ضمن مسار العدالة المناخية، ما يسمح بالتفاوض على قواعد الامتثال والتمويل ومعايير الشهادات الخضراء مع الشركاء الأوروبيين، بما يضمن عدالة تقاسم الأعباء وتناسب الالتزامات مع قدرات الاقتصاد المحلي. كما تدفع إلى بناء تفاهمات وتنسيق عملي بين بلدان شمال أفريقيا لتجميع القوة التفاوضية وتوحيد معايير الامتثال الأخضر في سياق إقليمي لتجنب السباق على تقديم الحوافز والمزايا ما يضعف العائد التنموي، ولفتح مسارات مشتركة للبنية التحتية والتصنيع وسلاسل القيمة للهيدروجين ومشتقاته.

اقرأ الدراسة كاملة من هنا