
المحاكمات عن بعد في أنظمة العدالة
بيان صحفي
المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان
ترجمة غير رسمية بواسطة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
مقدمة
يزداد تطبيق المحاكمات عن بُعد في أنظمة العدالة في جميع أنحاء العالم بوتيرة متسارعة، مدفوعة بما حققه الاعتماد عليها خلال جائحة كوفيد 19. فخلال الجائحة سمح اللجوء للمحاكمات عن بعد لنظام العدالة أن يستمر فاعلًا. ويمكن لجلسات المحاكمة هذه أن تساهم في تحسين فرص الوصول إلى العدالة وكفاءة المؤسسات القضائية، وضمان سلامة الضحايا والشهود، كما يمكن لها أن تكون شكلا من أشكال التيسير المعقول للأشخاص ذوي الإعاقة.
إلا أن جلسات المحاكمة عن بعد قد تُشكّل العديد من التحديات، ليس أقلها الحق في محاكمة عادلة. فينبغي أن تُجرى تلك الجلسات وفق شروط وضمانات معينة. وانطلاقًا من منهج العدالة المستندة على احتياجات البشر، ينبغي أن يبدأ تطبيق المحاكمات عن بعد بالنظر إلى الآثار المترتبة على حقوق الفرد، وعدم الاكتفاء بافتراض كفاءة لتلك الجلسات في إقامة العدل.
يقدم هذا الموجز إرشادات حول أنماط المحاكمات عن بعد التي يمكن التعامل معها بشكل مناسب، وذلك استنادًا إلى القانون الدولي الحالي لحقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
التحديات
تتعدد التحديات التي تشكلها المحاكمات عن بعد ويثير تطبيقها تساؤلات حول مدى الالتزام بمواد القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومنها المواد 7 (عدم التعرض للتعذيب وسوء المعاملة)، و9 (الحرية والأمن الشخصي)، و14 (الحق في المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة)، و17 (الحق في الخصوصية) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
-
صعوبة اكتشاف علامات التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للمحتجزين، بما في ذلك من هم قيد الحبس الاحتياطي.
-
عدم وصول الجمهور إلى جلسات المحاكمة ومن ثم غياب العلانية أو إمكانية الإعلان عن مجرياتها، لا سيما الجلسات التي تُعقد بشكل افتراضي بالكامل، بدلاً من الجلسات المختلطة (التي تخلط بين الانعقاد الافتراضي والحضوري).
-
صعوبة التواصل الخاص بين المحتجزين ومحاميهم عبر الإنترنت بالشكل الذي يحقق الخصوصية ويكفل الحق في انفراد المحتجزين بدفاعهم القانوني، سواء في أماكن الاحتجاز أو أثناء انعقاد جلسات المحاكمة.
-
محدودية الوصول إلى الإنترنت، و/أو محدودية توافر المعدات والتكنولوجيا الضرورية، أو عدم توافر البنية الرقمية التي يمكن الاعتماد عليها، أو عدم إمكانية الوصول إليها؛ كل ذلك قد يحول دون المشاركة الفعالة في جلسات المحاكمة عن بعد، ولا سيما بالنسبة لفئات معينة مثل الشعوب الأصلية والمقيمون في المناطق الريفية والفقراء.
-
توجد مخاطر خاصة على النساء ضحايا العنف المنزلي عندما تُعقد جلسات المحاكمة عن بعد على مقربة من المعتدين عليهن.
-
المشكلات الفنية التي تمنع المدعى عليهم من تقديم الطلبات والمرافعات.
-
تؤثر المحاكمات العاجلة على مبدأ تكافؤ الفرص.
-
الافتقار إلى المترجمين الفوريين أو صعوبة استخدامهم، بما في ذلك عند الاتصال السري بين الأطراف المختلفة في القضايا ومحاميهم.
-
صعوبات التحقق من هوية أطراف المحاكمة والشهود، وتقديم الأدلة وفحصها، ومنع الشهود أو الأطراف الأخرى من التأثير أو تلقي تعليمات من أطراف ثالثة أثناء الإدلاء بشهادتهم، واستجواب الشهود.
-
صعوبة إدارة أطراف المحاكمة وإدارة الجلسات وإجراء المحاكمة بالشكل الذي يسمح بالتفهُّم والتعاطف الإنساني اللذين يعتبران جزءًا مهمًا من سير عملية المحاكمة، يصعب استبداله في المحاكمات عن بعد.
توجيهات
ينبغي عقد بعض المحاكمات دائمًا بحضور المتهم فعليًا وبدون اللجوء إلى عقد جلسات عن بعد.
-
المحاكمات عن بُعد والرقابة القضائية على الاحتجاز عند القبض على الأشخاص أو احتجازهم.
بمجرد القبض على شخص أو احتجازه، يجب إحضاره على الفور للمثول "جسديًا" أمام قاضٍ، وهذا حق لا يقبل الاستثناء. ويجب أن يكون الحضور أمام القاضي تلقائيًا ولا يتوقف على اختيار الشخص المعني.
الغرض من مثول الشخص أمام القاضي هو أن يقرر القاضي ما إذا كان احتجاز الشخص قانونيًا وضروريًا. ويتيح حضور الشخص المعني أمام القاضي الفرصة للتعرف على كيفية معاملته في الحجز، كما أنه يُسهّل النقل الفوري للشخص إلى مركز الاحتجاز إذا أمر القاضي باستمرار احتجازه. يجب ألا ينطوي الحبس الاحتياطي على العودة إلى الحجز بمقر الشرطة.
ويضمن مثول الشخص أمام القاضي حقه في الأمان وحظر التعذيب وسوء المعاملة. ولا يمكن ملاحظة علامات التعذيب وسوء المعاملة على النحو الواجب في الجلسات المنعقدة عن بعد، وقد تتعرض قدرة الشخص على الشكوى من سوء المعاملة للتهديد إذا استُمع إليه عبر الإنترنت من داخل مكان الاحتجاز.
-
جلسات تقييم مشروعية الاحتجاز (مبدأ المثول أمام المحكمة HABEAS CORPUS)
بمجرد احتجاز الشخص، يحق له المثول "شخصيًا" أمام المحكمة للطعن في قانونية احتجازه. وحضور الشخص مهم لأنه يتيح للقاضي الفرصة لتقييم قانونية الاحتجاز والاستماع إلى أية شكاوى تتعلق بسوء المعاملة.
تختلف هذه الأنواع من جلسات المحاكمة عن تلك المذكورة آنفًا. فهنا لا يُطلب من السلطات الشروع تلقائيًا في مراجعة قانونية الاحتجاز. ومع ذلك، يجب أن تتاح للشخص المُحتجَز الفرصة للطعن في قانونية احتجازه إذا قرر القيام بذلك.
يجب أن تكون للمحكمة سلطة الأمر بمثول المحتجز أمامها، بغض النظر عما إذا كان المحتجز قد طلب المثول أمام المحكمة أم لا. ولا يمكن ملاحظة علامات التعذيب وسوء المعاملة على النحو الواجب في الجلسات المنعقدة عن بعد، وقد تتعرض قدرة الشخص على الشكوى من سوء المعاملة للخطر إذا استُمع إليه عبر الإنترنت من مكان الاحتجاز.
-
جميع الجلسات المتعلقة بفرض عقوبة الإعدام
ينبغي عقد المحاكمات التي قد تؤدي إلى عقوبة الإعدام في حضور المتهم شخصيًا، وذلك احترامًا لضمانات المحاكمة العادلة بالنظر إلى طبيعة عقوبة الإعدام التي لا يمكن الرجوع فيها. وزيادة احتمال حدوث أخطاء إجرائية وتقنية في الجلسات المنعقدة عن بعد تجعل مثل هذه الجلسات غير ملائمة في القضايا التي تنطوي على عقوبة الإعدام.
في الوقت نفسه، يمكن عقد بعض المحاكمات عن بعد مادامت هناك موافقة صريحة وحرة ومستنيرة، أي مبنية على علم ومعرفة المتهم بالإجراءات ، وذلك رهنا بالشروط والضمانات المبينة أدناه:
-
عقد المحاكمات ذات الطابع الجنائي عن بُعد بموافقة صريحة وحرة ومستنيرة من المتهم
عندما يُتهم شخص بارتكاب جريمة، يحق له أن يحاكم حضوريًا. ويجب أن تُجرى المحاكمات شفهيًا وعلنيًا. بالتالي، لا ينبغي أن تعقد محاكمات القضايا الجنائية عن بعد إلا بموافقة صريحة وحرة مستنيرة (الموافقة المستنيرة هي الموافقة المبنية على علم ومعرفة المتهم بطبيعة الإجراء) ورهنًا بالشروط والضمانات المبينة أدناه. ولدى تقييم ما إذا كانت الموافقة حرة ومستنيرة، ينبغي إيلاء اهتمام خاص للنساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص المحرومين من حريتهم وغيرهم ممن قد يكون تم إجبارهم أو التلاعب بهم لتقديم الموافقة.
ويمكن عقد بعض المحاكمات عن بعد رهنا بالشروط والضمانات المبينة أدناه (دون الحاجة إلى موافقة)
-
المحاكمات وجلسات النظر في الطعون ذات الطابع المدني/الإداري
يجب أن تُعقد المحاكمات المتعلقة بالقضايا المدنية/الإدارية شفويًا وعلنيًا. وخلافا للمحاكمات ذات الطابع الجنائي، لا يوجد حق محدد في "حضور" الأطراف. ومن ثم، يمكن عقد جلسات المحاكمة عن بعد رهنًا بالشروط والضمانات المبينة أدناه.
-
جلسات النظر في طعون بعض القضايا الجنائية التي لا تتعلق بعقوبة الإعدام
لا تتطلب جلسات النظر في الطعون في بعض القضايا الجنائية حضور المتهم بشخصه. فعلى سبيل المثال، كثيرًا ما يُنظر في الإجراءات المتعلقة بالإذن بالاستئناف أو التي لا تنطوي إلا على مسائل قانونية في حضور محامي المتهم فقط. إضافة إلى ذلك، لا ينطبق شرط علانية المحاكمة بالضرورة على جميع إجراءات الطعن أو النظر في طلبات الاستئناف، ففي بعض الأحيان تتم هذه الإجراءات على أساس الدفوع المكتوبة. ولذلك، يمكن عقد بعض جلسات النظر في الطعون الجنائية عن بعد رهنًا بالشروط والضمانات المبينة أدناه.
ينبغي أن تُعقد بالحضور المباشر وليس عن بُعد الجلسات التي تتعلق بالنظر في الطعون التي تنطوي على تقييم أو نظر في مسائل الإدانة أو البراءة، اللتين لا يمكن تحديدهما من دون تقييم مباشر للأدلة التي قدمها المتهم شخصيًا،. وفي مثل هذه الجلسات، ينبغي للمحكمة أن تشترط موافقة صريحة وحرة ومستنيرة من المتهم لعقد الجلسة عن بعد رهنًا بالشروط والضمانات المبينة أدناه.
شروط وضمانات المحاكمات عن بعد
يجب تطبيق الشروط والضمانات التالية في حال عقد جلسات المحاكمة عن بعد
-
ينبغي أن يكون هناك أساس تشريعي أو تنظيمي للمحاكمات عن بعد في الدولة المعنية.
-
يجب تقييم الآثار الناجمة على حقوق الإنسان عند تصميم أنظمة الجلسات عن بعد وضمان تحقق الخصوصية في تصميم الأنظمة.
-
ينبغي أن يخدم قرار عقد المحاكمة عن بعد هدفًا مشروعًا وأن يستند إلى تقييم قضائي لمدى ملاءمة المشاركة عن بعد، مع مراعاة خصائص القضية ومصالح أطرافها. ويشمل ذلك تحديد أي أمور تؤثر على قدرة الأشخاص على المشاركة بفعالية، وينبغي أن يتضمن القرار تعديلات إجرائية إذا لزم الأمر.
-
قد تتطلب بعض الفئات اهتمامًا خاصًا أو تهيئة خاصة؛ وإذا كان الأمر كذلك، ينبغي تزويد هذه الفئات بدعم إضافي، مثل ضحايا العنف القائم على النوع، والنساء والأطفال وكبار السن والشعوب الأصلية والأقليات والمهاجرين واللاجئين والأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم ذات صلة بالمخدرات.
-
يجب أن تتضمن جلسات المحاكمات عن بعد الضمانات اللازمة لسلامة ونزاهة الإجراءات. ويشمل ذلك ضمانات احترام الإجراءات القانونية الواجبة الواردة في المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والحق في الخصوصية، الواردة في المادة 17 من العهد نفسه. وتشمل هذه الضمانات:
- إتاحة المعلومات المتعلقة بوقت ومكان عقد جلسات المحاكمة للجمهور ووسائل الإعلام عند الاقتضاء.
- توفير الوسائل الملائمة، ولا سيما الوسائل التكنولوجية، لضمان حضور المتهمين لجلسة المحاكمة عن بعد.
- ضمان الوصول الفعال إلى المشورة القانونية قبل المحاكمة وأثناءها وبعدها، بما في ذلك توفير وسيلة اتصال آمنة وسرية بين المتهم ومحاميه، ويمكن أن يشمل ذلك ظهور المحامي من نفس موقع اتصال موكله.
- ضمان الحصول على الترجمة الشفوية المجانية عند الحاجة.
- ضمان حصول المتهمين ومحاميهم على الوسائل التكنولوجية اللازمة وعدم إعاقتهم تقنيًا عن المشاركة الكاملة، ومتابعة الإجراءات، ورؤية الأشخاص الحاضرين وسماع ما يقال، ورؤيتهم والاستماع إليهم من قبل الأطراف الأخرى والقاضي والشهود، واستجواب الشهود والرد عليهم.
- ضمان أن يتمكن المتهم أو محاميه من فحص الأدلة وتقديمها أثناء المحاكمة.
- ضمان تعليق إجراءات المحاكمة عند حدوث انقطاع في الاتصال الإلكتروني إلى أن يتم حل المشكلة، وأن يحق للمتهم الحصول على وقت إضافي عوضًا عن أي انقطاع يحد من قدرته على المشاركة الفاعلة في المحاكمة، وتوفير الدعم الفني في جميع الأوقات.
- ضمان عدم مطالبة المحتجزين المشاركين في جلسات المحاكمة عن بعد بارتداء ملابس السجن أو الأصفاد أو عرض مرافق السجن في الخلفية.
- توفير ضمانات أمنية كافية، بما في ذلك قنوات اتصال مشفرة، للحماية من تطفل أطراف ثالثة على جلسة المحاكمة.
- ضمان حماية الحق في الخصوصية والبيانات الشخصية، بما في ذلك من خلال سن تشريعات قوية لحماية البيانات ومحاضر الجلسات من الوصول غير القانوني أو غير المصرح به.
للاطلاع على النص الأصلي بالإنجليزية على موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان اضغط هنا
للاطلاع على ورقة الموقف الصادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "المحاكمات عن بُعد: قلب العلاقة بين القاعدة والاستثناء"