لا لأحكام الحبس في الأخطاء الطبية.. مقترحات المبادرة المصرية بتعديلات عاجلة لمشروع قانون المسؤولية الطبية
بيان صحفي
بشكل عاجل وغير متوقع، وافق مجلس الوزراء في أواخر نوفمبر الماضي على مشروع قانون جديد لتنظيم المسؤولية الطبية وحماية المرضى. ووافقت لجنة الصحة والسكان بمجلس الشيوخ على المشروع من حيث المبدأ يوم الاثنين الماضي، بعد عشرين عامًا من وضع فكرة القانون على أجندة الإصلاح الصحي، باعتباره من التشريعات الأساسية التي لا غنى عنها في عمل المنظومة الطبية، وخطوة هامة للأمام طالما طالبت بها مختلف الجهات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالصحة، وأحد مطالب الحوار الوطني.
يستهدف القانون التأكيد على الحقوق الأساسية لمن يتلقون الخدمة الطبية، وتنظيم هذه الحقوق، مع توحيد الأطر الحاكمة للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مقدمو الخدمة الصحية. وترحب المبادرة المصرية بإصدار القانون في نسخته الأخيرة، لكنها ترفض توقيع عقوبات الحبس على مقدمي الخدمة الطبية وتطالب بحذفها.
ومنذ عام 2015، وربما من قبله، تداول المعنيون والمتابعون للملف الصحي نسخًا متعددة لمقترحات بهذا القانون الذي طال انتظاره وتكررت المطالبة به. وقد شاركت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في عديد من جلسات الاستماع وأرسلت العديد من النسخ والاقتراحات، من دون أن يظهر القانون أو يُطرح مشروعه للنقاش، حتى فقد الكثيرون الأمل في إصداره بعد أن توقف الحديث عنه منذ جائحة كورونا.
وينص مشروع القانون الذي وافقت عليه الحكومة على إنشاء لجنة عليا تتبع رئيس مجلس الوزراء تسمى اللجنة العليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض، ويوفر المشروع آليات للتأمين الإلزامي للمنشآت الطبية ومقدمي الخدمة عبر صندوق حكومي مالي، يتولى المساهمة في التعويضات المستحقة عن الأخطاء الطبية، كذلك إتاحة إمكانية مساهمة هذا الصندوق في تغطية الأضرار الأخرى التي قد تنشأ أثناء/ بسبب تقديم الخدمة الطبية، ولا تتعلق بخطأ طبي.
رغم ذلك، تلاحظ المبادرة في النسخ المقدمة والمتداولة من مشروع القانون إصرارًا على إيقاع عقوبات الحبس بمقدمي الخدمة الصحية. وتعد هذه المواد هي أكبر مخاطر وسلبيات هذا القانون، التي يجب تداركها وتعديلها بشكل عاجل قبل إصداره. فالأخطاء الطبية هي بطبيعتها "أخطاء"، لا يجب بأي حال من الأحوال أن يُعاقب مرتكبوها بعقوبات سالبة للحرية. هذا من شأنه وضع قيود شديدة على مقدمي الخدمة الصحية وقد يتسبب في ترددهم في القيام بإجراءات أساسية لحماية صحة وحياة مرضاهم، خوفًا من سلب حريتهم حال حدوث أي خطأ غير مقصود. ويعد ما ينص عليه القانون من ضمانات لتعويض المرضى حال حدوث أخطاء، مع حماية مقدمي الخدمة في الوقت نفسه، أهم مكتسبات هذا القانون، دون الحاجة إلى وضع عقوبات سالبة تتعلق بمثل هذه القضايا المهنية البالغة التعقيد.
أما إن كان الضرر الواقع على المريض بسبب تعمد للأذى أو إهمال جسيم ومتعَمَّد، فالقانون الجنائي كفيل بالمحاسبة على هذه الانتهاكات، والتي لا تندرج تحت تعريف الأخطاء الطبية.
وتتوافق هذه الرؤية مع ما أعلنته نقابة الأطباء من رفض تام لمشروع القانون بسبب ما يتضمنه من مواد تقنن الحبس في قضايا الخطأ الطبي، وفي غير قضايا الإهمال الطبي الجسيم، مطالبةً باستبدالها بالتعويض "مثل كل دول العالم عامة، ودول الخليج خاصة التي يعمل بها نصف أطباء مصر العاملين في الخارج" بالإضافة إلى أن مبررات الحبس الاحتياطى غير متوفرة في القضايا المهنية.
في الوقت نفسه، أصدر اتحاد المهن الطبية بيانًا يرفض فيه القانون لنفس الأسباب مع التأكيد على "ضرورة التمييز بين المضاعفات الطبية المتعارف عليها علميًا والحالات التي يحدث فيها ضرر للمريض وليس هناك أي مسؤولية على الطبيب، والمضاعفات التي قد تحدث نتيجة خطأ من مقدم الخدمة، وتوضيح مفهوم المسؤولية المدنية التي تقع على الطبيب حال ارتكابه خطأ لكنه يعمل في تخصصه وملتزم بقواعد المهنة، وتكون العقوبة هنا تعويضات فقط وليس الحبس".
وأوصت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في وقت سابق بتضمين نص كامل وواضح لوثيقة حقوق المريض المصري، بشكل موحد وصريح داخل القانون. فهذا من شأنه ضمان اصطفاف الجميع حوله وجعله، وبحق، قانونًا يحمي مقدمي الخدمة مع الحفاظ على حقوق المرضى.
وبينما تؤكد المبادرة المصرية على المطالبة بإلغاء عقوبات الحبس لمقدمي الخدمة الطبية والمنصوص عليها في المواد من 26 وحتى 28 في آخر نسخة من مشروع القانون، فإنها تقترح بعض التعديلات الأساسية الإضافية، لتتم قبل التصديق على مشروع القانون وصدوره:
-
تنص إحدى مواد القانون (والتي تم كتابتها تحت رقم مادة 14 في آخر إصدار) على إجراءات فحص شكاوى المرضى من قبل اللجان الفرعية للمسؤولية الطبية. نقترح إضافة كلمة "وممثليهم" بعد "مقدمي الشكوى" وذلك لضمان حق المحامين في الحضور لتمثيل موكليهم.
-
في المادة 15، والخاصة بالتسوية الودية، والتي تنص على أنه "للجنة الفرعية للمسؤولية الطبية أن تقترح التسوية الودية فيما يخص الشكوى على الأطراف المعنية.."، نقترح إضافة "على ألا يتعارض ذلك مع المسؤولية الجنائية والتأديبية بحسب الأحوال".
-
تنص المادة 21 على الحالات التي يتم تعويضها من قبل الصندوق التأميني ضد الأخطاء الطبية، ويشمل في ذلك "حالات الوفاة والعجز والإصابة البدنية لمتلقي الخدمة". نقترح هنا إضافة "وحالات الإصابة بعلة أو اضطراب نفسي".
-
فيما يخص المادة 24 والتي تنص على "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تجاوز عشرة آلاف جنيه، كل من أهان بالإشارة أو القول أو التهديد أحد مقدمي الخدمة أثناء تأدية مهنته أو بسبب تأديته لها"، نقترح حذف عقوبات الحبس بها، إذ كيف نفرض عقوبة سالبة للحرية بسبب كلمة أو تعدي لفظي على أي شخص؟
أخيرًا، يعد طرح هذا القانون للمناقشة وإصداره استجابة إيجابية طال انتظارها، فالواقع أن الممارسات الطبية كانت تفتقد مثل هذا التشريع الملزم، واعتمدت فقط على أطر أخلاقية أو لائحية محدودة التأثير، لا يُعول عليها كثيرًا في الممارسات العملية للمهن الطبية وحماية المريض. ولم تردع هذه الأطر العديد من الممارسات المتجاوزة لأهداف المهنة الإنسانية، حيث تصاعدت وتيرتها في العقود الأخيرة لأسباب عديدة اجتماعية واقتصادية وثقافية.
وبعد القيام بالتعديلات المقترحة وحذف العقوبات السالبة للحريات به، سوف يصبح قانون المسؤولية الطبية هو الحل الأمثل لتحديد جميع الحقوق الخاصة بالمرضى والواجبات الخاصة بمقدمي الخدمة بشكل ملزم ومحكم وقانوني، يسمح بآليات عدالة للبت في القضايا المتعلقة بالمهنة التي تعد من أكثر المهن ارتباطًا بحياة الإنسان وحقوقه.