عامان ونصف على إعادة هيكلة قطاع الدواء، والأسعار ما زالت في زيادة
قامت الدولة بإعادة هيكلة قطاع الدواء في بداية 2020، عن طريق إجراء تغيير إداري فصل قطاع الدواء عن وزارة الصحة التي كانت تشرف عليه سابقا.
وكان هدف الدولة من القانون معالجة السلبيات التي كانت تعترض العمل فى سوق الدواء وعلى رأسها مشاكل التسعير ومنع الاحتكار وتوفير الدواء بشكل منتظم وبأسعار مقبولة. ورغم مرور عامين على القانون مازالت نفس المشاكل تتكرر.
يهدف هذا المقال أولا إلى شرح الإطار التنظيمي القديم لعمل قطاع الدواء، والتغيير الذي حدث بعد إعادة الهيكلة وإنشاء كيانات إدارية جديدة. كما يهدف، ثانيًا، إلى محاولة تقييم دور هيئة الدواء المصرية وهيئة الشراء الموحد خلال العامين الماضيين. وذلك سعيًا إلى الإجابة على سؤال: هل حدث تحسن في عناصر الإتاحة وتوافر الدواء بسعر معقول. وإن لم يحدث فلماذا؟
كانت هناك مشاكل متعلقة بنقص الأدوية وزيادة أسعارها المتكررة قبل إعادة الهيكلة التي تمت لقطاع الدواء سواء بحدوث نقص في أدوية بعينها في فترات زمنية مؤقتة، أو أزمة عامة كالتي حدثت في عامي 2016 و 2017 (مع أزمة العملة الصعبة و تخفيض قيمة الجنيه). وقتها تم حل الأزمة بقرار من وزير الصحة عن طريق رفع أسعار 3010 من الأصناف الدوائية بنسبة 15 % من أدوية الشركات المحلية و20 % من الأدوية المستوردة والأجنبية.
المستجد الذي طرأ في آخر عامين هو فصل قطاع الدواء عن وزارة الصحة وإنشاء هيئتين مستقلتين هما هيئة الدواء المصرية وهيئة الشراء الموحد. كان قطاع الدواء يقع تحت مظلة وزارة الصحة والسكان سابقا ولكن بعد القانون رقم 151 لسنة 2019 تم إنشاء هيئتين جديدتين هما (هيئة الدواء المصرية) و(الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي)، وبالتالي تغير الهيكل التنظيمي لقطاع الدواء في مصر. فهل ساهمت إعادة الهيكلة في حل بعض مشاكل قطاع الدواء أم أن الوضع لم يتغير؟
جدول (1)
يتضح من الجدول أن قطاع الدواء وفقا للشكل التنظيمي السابق على قانون 151 كان يخضع للسلطة التنظيمية لوزارة الصحة، تحت إشراف مساعد الوزير لشؤون الصيدلة. وتكون قطاع الدواء من ثلاث هيئات : 1- الإدارة المركزية للشئون الصيدلية 2- الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية 3- الهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية. بينما أنشأ قانون رقم 151 لسنة 2019 هيئتين جديدتين هما (هيئة الدواء المصرية) و(الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي).
تقييم النظام الجديد
تعتبر إعادة الهيكلة خطوة جيدة لتنظيم قطاع الدواء وتحديد المسؤوليات بشكل واضح، بدلا من التشتت الذي ساد في ظل الوضع السابق. فقد حلت هيئة الدواء المصرية محل كل من الإدارة المركزية للشئون الصيدلية، والهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية، والهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية، وغيرها من الجهات والكيانات الإدارية ذات الاختصاص بمجال الرقابة على المستحضرات والمستلزمات الطبية. وبالإضافة إلى ذلك، أعطى القانون هيئة الشراء الموحد اختصاصات واسعة لشراء احتياجات القطاع العام الصحي، بما يشمل وزارة الصحة والسكان وهيئاتها والجامعات الحكومية ومستشفياتها وأي مستشفيات تابعة للوزارات الأخرى والمؤسسات التعليمية والمعاهد البحثية الحكومية.
وفي هذا الشأن ينص القانون على أن تتولى هيئة الشراء الموحد دون غيرها [أي بشكل حصري] إجراء عمليات الشراء للمستحضرات والمستلزمات الطبية البشرية لجميع الجهات والهيئات الحكومية، وإعداد خطط وبرامج وقواعد التدبير والشراء الموحد من الداخل أو الخارج.
الهدف إذن من إنشاء هيئة الدواء المصرية هو تنظيم جهات الرقابة في كيان واحد، وذلك بدلا من وجود أكثر من جهة رقابية. كما أن الهدف من إنشاء هيئة للشراء الموحد هو تقوية وتعزيز فرص الوصول لأسعار أقل، والاستفادة من المزايا التي تنتج عن عملية الشراء الموحد (خفض تكلفة شراء الأدوية والمستلزمات الطبية من خلال شراء كميات أكبر بأسعار أقل، وبالتالي تحقيق التوفير المادي)، ومكافحة الفساد الذي ينتج عن تعدد جهات الشراء.
رغم هذا التطور الإيجابي من حيث المبدأ، تظل بعض التحديات والمشكلات التي كانت تواجه قطاع الدواء كما هي بعد مرور أكثر من عامين على إعادة هيكلة القطاع، نقص في الأدوية ثم التفاوض لرفع الأسعار من قبل الشركات. فقد شهد العام الماضي زيادة لأسعار نحو 200 صنف من الأدوية بنسبة تتراوح بين 20 و25 %، وزادت أسعار 93 صنفًا على الأقل من الأدوية منذ بداية العام الجاري 2022، تشمل أدوية تعالج مرضى كورونا والأورام والسكر. وفي يوليو 2022 ارتفعت أسعار حقن الأنسولين، بنسبة تتراوح بين 67% حتى 70%، في الصيدليات. كما أن زيادات الأسعار ما زالت تتوالى مع انخفاض قيمة الجنيه خلال العام الجاري.
إعادة الهيكلة لا تعالج زيادة الأسعار المستمرة
إعادة الهيكلة أو تنظيم جهات الشراء للقطاع الطبي في كيان واحد أو حتى مكافحة الفساد لن تحدث تغييرا ملموسا أو جوهريا في وقف زيادات أسعار الأدوية، لأن هذه الزيادة مرتبطة بوضع صناعة الدواء في مصر، والتي تقوم على استيراد المواد الخام الدوائية بالكامل وتقوم فقط بخطوة التغليف و التعبئة. ويعتبر حدوث أي خلل في استيراد المواد الخام الدوائية من الخارج - سواء بسبب مشاكل في توافر العملة الصعبة أو مشاكل في سلاسل التوريد، كالتي حدثت بسبب كوفيد-19 - أحد أهم الأسباب لحدوث الأزمات المتكررة لنقص الدواء وارتفاع سعره.
ويميل القطاع الخاص إلى تفضيل استيراد المواد الخام المصنعة (مدخلات الإنتاج) من الخارج. وبالتالي يخضع سعر الدواء دائما لتقلبات العملة الصعبة. فعلي حسب بعض التقديرات يعتمد قطاع الدواء على استيراد المواد الأساسية والمواد الفعالة المصنعة والخامات اللازمة من الخارج بنسبة أكثر من 90%. و بالتالي، فأي تغيير إداري أو حتى وفر مادي ناتج عن الشراء الموحد لم يمس أساس المشكلة وهو الاعتماد بالكامل تقريبا، بنسبة 90%، على استيراد مدخلات الإنتاج الدوائي.
من ناحية أخرى، ربما يكون قد حدث تحسن في عمليات الشراء الموحد من حيث التوفير المادي الذي يتيحه الشراء الموحد للدولة، ولكن لم تقم هيئة الشراء الموحد حتى الآن بالإعلان أو الإفصاح عن مدى التوفير المادي الذي حدث أو الذي قامت به.
غياب الرقابة في النظام الجديد
بالإضافة إلى هذا، فإن القانون لا يوضح الجهة الرقابية التي تشرف على هيئة الشراء الموحد ولم يشر للجهة التي تقوم بمراجعة عمليات الشراء والتعاقدات التي تقوم بها هذه الهيئة. وذلك على العكس من هيئة الدواء التي كان القانون ينص صراحة على خضوعها " لنظام المحاسبة الحكومية"، وهي أحد النقاط الغامضة في النظام الجديد. وذلك كما يتضح من نص المادتين القانونيتين المؤسستين لكل منهما:
-
أولا، نص المادة الخاصة بالشراء الموحد، و التي لم يتم ذكر الجهة الرقابية على أعمالها: "بخصوص هيئة الشراء الموحد، مادة 11 من القانون: يكون للهيئة موازنة مستقلة تعد على نمط موازنات الهيئات العامة الاقتصادية، وتبدأ السنة المالية للهيئة ببداية السنة المالية للدولة وتنتهي بانتهائها، ويكون للهيئة حساب خاص بالبنك المركزي ضمن حساب الخزانة الموحد، ويتم تحديد نسب توزيع فائض موازنة الهيئة سنوياً بالاتفاق مع وزير المالية."
-
ثانيا، نص المادة الخاصة بهيئة الدواء و تم توضيح أنها تخضع لنظام المحاسبة الحكومي: "بخصوص هيئة الدواء المصرية، مادة 24 من القانون: يكون للهيئة موازنة مستقلة تعد على نمط الموازنة العامة للدولة، وتخضع لنظام المحاسبة الحكومية. وتبدأ السنة المالية للهيئة ببداية السنة المالية للدولة وتنتهي بانتهائها، ويكون للهيئة حساب خاص بالبنك المركزي المصري ضمن حساب الخزانة الموحد، ويرحل الفائض من سنة مالية لأخرى."
وبعد العرض السابق، فإن تعميق تصنيع الخامات الدوائية محليا، خصوصا الأدوية الاساسية والأدوية الغير محمية ببراءة اختراع، سيساهم في تخفيف الضغط والطلب على العملة الصعبة من ناحية، ومن ناحية أخرى سيجعل أسعار الأدوية أقل تأثرا بالاضطرابات في سلاسل الإمداد. وهذا يحتاج سياسات وخطط عمل من قبل الدولة أو بالشراكة مع القطاع الخاص تضع أمامها هدف تخفيض استيراد الخامات الدوائية. وهذا لا يقلل من أهمية الحوكمة والتنظيم الإداري وغيرها من العوامل البيروقراطية.