حول مشروع قانون صندوق الطوارئ الطبية
وافق مجلس النواب بشكل مبدئي مؤخرًا على مشروع القانون المقدم من الحكومة بشأن إنشاء صندوق الطوارئ الطبية. وهو القانون الذي أثار العديد من النقاشات حول جدواه في الوقت الحالي. وسيكون لـ”صندوق مواجهة الطوارئ الطبية” الشخصية الاعتبارية العامة، ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري، ويتبع رئيس مجلس الوزراء، ويكون مقره مدينة القاهرة.
مخصصات غير كافية
وموازنة وزارة الصحة التي تزيد مخصصاتها بنسبة تصل إلى 10% إلى 20% سنويًا فقط، لا تلائم تصاعد احتياجتها ومسئولياتها. باعتبارها لا تصل إلى النسبة التي نص عليها الدستور وهي 3%، فضلاً عن التأمين الصحي القديم بموازنته الضعيفة وكياناته المالية التي نظريًا تغطي قرابه 60% من السكان، وصندوق أو حساب العلاج على نفقة الدولة لتغطية غير المؤمن عليهم وغير القادرين بتكاليف وعمَّاله، وصندوق التأمين الصحي الشامل الجديد بموارده وعمالته، كل هذه هياكل بيروقراطية قائمة بالفعل ممكن اللجوء إليها بدلاً من إنشاء صندوق جديد.
شمول الموازنة العامة والصناديق الخاصة
محور آخر في سياق مناقشة القانون، هناك مبدأ مالي قديم لدينا يُسمى شمول الموازنة العامة كان يهدف إلى تقليل عدد الصناديق الخاصة التي استشرت منذ فترة لحل المشاكل الطارئة أو العاجلة أو التجريبية وخلافه إزاء مشكلة عجز الموازنة العامة ونقص مواردها، وهذا المبدأ كان يهدف لوضع كل الموارد المالية المتاحة والمحصلة سواء في إطار واحد معروف وهو اتجاه صحيح لأسباب كثيرة منها الحد من النفقات غير الرشيدة، إذ إن إنشاء صندوق مالي لكل أزمة يعني مزيدًا من الترهل البيروقراطي، ومزيدًا من الإنفاق على مجالس إدارات وأمناء وعماله إضافية.
ليس من الواضح الهدف والفلسفة إزاء مشروع القانون، ولماذا لا يتم توريد الأموال التي سيحصل عليها الصندوق وضخها في كيان من الموجودين فعلاً، وتوفير مصاريف الإدارة، على الأغلب الصندوق سيزيد من الترهل البيروقراطي.
ويمكن تلخيص أهم الملاحظات عن مشروع القانون في التالي:
أولاً: الحكومة طرحت فكرة مشروع القانون عام 2020، وتمت مناقشته في مجلس النواب السابق، إلا أنه لم يمر.
ثانيا: يتضح من تقرير اللجنة المشتركة من مجلس الشيوخ بشأن مشروع القانون في فقرة قصيرة عن فلسفة القانون وأهدافه، أن الدافع الأساسي لهذا القانون هو (إيجاد آلية تمويل مستدامة لتمويل الخدمات الصحية في حالات الكوارث والأوبئة والأزمات، وتغطية الحالات التي تستلزم التدخلات الطبية الحرجة والدقيقة التي يعتمدها مجلس الأمناء، والمساهمة في نفقات علاج المرضى الخاضعين لنظام العلاج على نفقة الدولة بما يتفق و أغراض الصندوق)، فالهدف من القانون توفير اعتمادات مالية إضافية للدولة، وفي الخلفية وراء مشروع القانون جائحة كورونا وتأثيرها على النظام الصحي المصري.
صندوق الطوارئ وصندوق العلاج على نفقة الدولة
ثالثًا: قد يبدو أن هناك تقاطعات أو تداخلات بين مشروع هذا القانون وصندوق العلاج على نفقة الدولة لغير المؤمن عليهم وغير القادرين، ذلك صحيح في نقطتين:
1- تغطية الحالات التي تستلزم التدخلات الطبية الحرجة و الدقيقة.
2- المساهمة في نفقات علاج المرضى الخاضعين لنظام العلاج على نفقة الدولة، بما يتفق وأغراض الصندوق، ولكن مشروع قانون صندوق الطوارئ الصحية تحدث عن الكوارث والأوبئة والأزمات.
رابعًا: النظم الصحية القائمة في مصر بالفعل حاليًا، من ناحية الإطار التنظيمي، قادرة على تغطية وعلاج أهداف هذا القانون، وليس هناك حاجة لخلق حمل إداري إضافي وبيروقراطية دون ضرورة ملحة، ومسؤولية مواجهة الجوائح والطوارئ الصحية والتنظيم والإشراف على مكافحة الأوبئة هي مسؤولية دستورية لوزارة الصحة، وإن كانت هناك مشكلة في المخصصات المالية، وبالطبع هناك مشكلة، فالأولى، قبل التفكير في قوانين جديدة لزيادة المخصصات المالية، هو الالتزام بالنسبة الدستورية للإنفاق على الصحة.
خامسًا: قانون التأمين الصحي الشامل الجديد يضمن بالفعل تقديم الخدمة الصحية خلال الأوبئة، ونص على ذلك في المادة الثانية، فليس من الواضح الجديد في مشروع القانون.
سادسًا: لم تتم دراسات أو بحوث قبل مشروع القانون أو على الأقل لم تنشر، ولم تحدث نقاشات أو حوار مجتمعي حقيقي مع المعنيين بالحق في الصحة سواء من جانب المجتمع المدني أو مع خبراء مستقلين، لبحث إن كانت هناك حاجة لتشريع أو تنظيم للتعامل مع الأمراض المعدية أو الكوارث الصحية أو الطوارئ، فهناك قانون قديم في الخمسينات للأمراض المعدية، بدلاً من تركيز مشروع قانون صندوق الطوارئ الصحية على آليات التمويل فقط والتي أغلبها من المشاركة المجتمعية عبر رسوم والخ.
مصادر التمويل والنسبة الدستورية
في الخلاصة، الاتجاه لزيادة المخصصات المالية لملف الصحة هو توجه جيد، ولكن قبل اللجوء للاعتماد على مصادر للتمويل من المجتمع (مثل نسبة من سعر بيع مستحضرات التجميل المستوردة، ونسبة من سعر بيع المبيدات الحشرية المُعدة للاستخدام في غير الأغراض الزراعية) لابد من الالتزام بالنسبة الدستورية 3% من الناتج القومي الإجمالي.
ومن الجدير بالذكر أن الإنفاق على الصحة في مصر من أقل المعدلات في إقليم شرق المتوسط، كان من الممكن تقبل هذا القانون، إن كان الإنفاق مثلا 9% من الناتج القومي الإجمالي، ولا يكفي لتغطية الاحتياجات. فضلاً عن خطورة زيادة الترهل البيروقراطي دون ضرورة حقيقية.
*نُشر هذا المقال في موقع مصر 360