كلاكيت طوارئ.. ثالث مرة أكشن
في التاسع من شهر أكتوبر الحالي كان هو اليوم المتمم لمدة حالة الطوارئ الممددة للمرة الثانية لفترة ثلاثة أشهر، ولكون الدستور المصري الحالي قد حدد في مادته رقم 154 أن حالة الطوارئ لا تمد إلا لمرة واحدة ولمدة ثلاثة أشهر ، بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، إلا أن الشارع المصري فوجئ يوم الخميس الموافق الثاني عشر من شهر أكتوبر بقرار رئيس الجمهورية رقم 510 لسنة 2017 بإعلان جديد لحالة الطوارئ في عموم البلاد لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من يوم الجمعة الموافق الثالث عشر من شهر أكتوبر لسنة 2017، فهل يُعد مرور اليومين ما بين حالة الطوارئ المنتهية، والتي كانت تمديداً لفترة طوارئ أولى، وبين إعلان الحالة الجديدة يشكل فاصلاً زمنياً يتيح للسلطة التنفيذية فرض الحالة من جديد، أم أنه يشكل تحايلاً على النص الدستوري، أو استغلالاً لفراغ دستوري لم يعالج الرغبة في المد لفترة ثالثة أو لم يتح للسلطة التنفيذية التمديد لفترات طويلة.
ولكننا بقراءة متأنية للنص الدستوري، والتمسك بظاهر النص فإن ما فعلته السلطة من إعلانها لحالة الطوارئ على الرغم من ضيق الفاصل الزمني ما بين التمديد للمرة الثانية، وبين إعلانها من جديد والذي لم يزد على يومين، فإن القرار الأخير لا يشكل أي مخالفة دستورية، وإن كان قد استغل فراغاً دستورياً لم يتطرق لمعالجة ذلك الأمر، ولكن ومن الناحية الواقعية أو الموضوعية فإن فعلة السلطة التنفيذية تشكل خرقاً للقواعد الدستورية، أو على الأقل انحرافاً تشريعياً، ويؤكد ذلك سبق صدور قرار رئيس الوزراء المصري قبل نهاية المدة السابقة لتمديد حالة الطوارئ بيوم واحد بإحالة مجموعة من القضايا إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، وهو ما يعني تطبيق ذلك القرار طوال مدة إعلان حالة الطوارئ، وهذه المجموعة من الجرائم تشتمل على جرائم التظاهر، والتجمهر، والجرائم المنصوص عليها بقانون مكافحة الإرهاب، وكذلك الجرائم المتعلقة بالإرهاب والمساس بأمن الدولة والترويع والبلطجة وتعطيل وسائل المواصلات، والمنصوص عليها في قانون العقوبات، وكذلك جرائم التموين ومخالفة التسعير الجبري. وهو الأمر الذي يؤكد على أن الحكومة المصرية قد مهدت للإعلان الجديد لحالة الطوارئ بصدور قرار رئيس مجلس الوزراء، حيث لا يعقل أن يصدر ذلك القرار ويسري لمدة يوم واحد وهو اليوم المتمم للمدة الممدة.
ولكن ألم يكن أجدر بالحكومة المصرية أن تترك مساحة زمنية ما بين الحالة المنتهية والإعلان الجديد، خصوصا أن النص الدستوري لم يعالج التمديد لفترة ثالثة، أم أنه قد جد جديد في الحياة يجعل السلطة المصرية مسرعة إلى هذه الدرجة في اتخاذ تدابير استثنائية، تضيق من مساحات الحرية الدستورية على المواطنين، وإذ إن الحياة تمر كما هي في كافة الربوع المصرية دونما تغيير سواء للأسوأ أو للأحسن، وأنه لا وجود لثمة ظروف استثنائية تجعل السلطة في حالة من الإجبار لفرض حالة الطوارئ من جديد، إذ إن نظام الطوارئ وهو نظام استثنائي محدد في الزمان والمكان تعلنه الحكومة، لمواجهة ظروف طارئة وغير عادية تهدد البلاد أو جزءاً منها وذلك بتدابير مستعجلة وطرق غير عادية في شروط محددة ولحين زوال التهديد. هذه الاشتراطات تُعد بمثابة صك ميلاد لوجود حالة الطوارئ بشكل دستوري، ولا يبرر إعلان تلك الحالة ما تمر به منطقة سيناء من ظروف وأحوال أمنية غير مستقرة، أو تعدد الاعتداءات الإرهابية على القوات الأمنية، فقد كان الأحرى بالسلطة أن تُعلن حالة الطوارئ في قطاع جغرافي محدد وليس في عموم البلاد.
أما عن تكلفة إعلان حالة الطوارئ وتأثيرها على أحوال المجتمع المختلفة، فيكفي مثلا مدى تأثير وجود نظام الطوارئ على أحوال العدالة، ففي ظل وجود قرار رئيس الوزراء تتم إحالة مجموعة كبيرة من القضايا المتعلقة بالحريات العامة للمواطنين إلى محاكم استثنائية منشأة لظروف استثنائية، وأهمها اتهامات التظاهر والتجمهر، وهو الأمر الذي يحرم المتهمين من حق طبيعي في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي، قبل أن يحرمهم من حق الطعن على الأحكام التي تصدر بشأنهم، ويجعل من الأحكام رهينة بمشيئة رئيس الدولة إن شاء أقرها أو غير ذلك، وهو ما يجعل أحوال العدالة مرتهنة بمشيئة السلطة التنفيذية، هذا بخلاف جواز تشكيل المحاكم بطرق مختلفة ويضم لتشكيلها ضباط غير مؤهلين لممارسة العمل القضائي، هذا بخلاف تأثيرها على حريات أخرى، حيث تسمح بمراقبة الصحف، وتضع قيودا على الحق في التنقل، وكذلك جوازها مصادرة الأملاك وما إلى ذلك من أمور تؤثر بشكل كبير على الحالة الاقتصادية المصرية، ولا تجعل هناك ثقة لدى المستثمر الأجنبي في حالة الاقتصاد المصري، ومن ثم يزيدها وهنا على وهن.
ومن ناحية أو زاوية مغايرة للصورة السابقة، فإن في ممارسة إعلان حالة الطوارئ وتمديدها دونما توافر شروط حقيقية تسمح بوجود هذا النظام الاستثنائي، فهو أمر يضع الدولة ذاتها في محك أمام معنى ومدلول سيادة القانون والتزام الدولة بالقانون، وهو الأمر الذي عبرت عنه المحكمة الدستورية العليا بقولها في الحكم رقم 13 لسنة 37 قضائية دستورية، الصادر بتاريخ الثالث من يونيو لسنة 2017 “ أن الدستور المصري الحالي قد نص في المادة (94) منه على خضوع الدولة للقانون، وأن استقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، كما أكد على هذه المبادئ في المادتين (184و186) منه، فقد دل على أن الدولة القانونية هي التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها، وأيا كانت طبيعة سلطتها، بقواعد قانونية تعلو عليها، وتكون بذاتها ضابطا لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة، وذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازاً شخصياً لأحد ولكنها تباشرها نيابة عن الجماعة ولصالحها". ولا أظن أن السلطة التنفيذية قد راعت أو أخذت في اعتبارها ما جاء بحكم المحكمة الدستورية سالف البيان، وهي تشرع في إعلان حالة الطوارئ لمرة ثالثة، وهو الإعلان الذي جاء بمثابة مد.
وفي مجمل القول فإنه في حالة عرض قرار إعلان حالة الطوارئ أمام محكمة القضاء الإداري بحسبها مختصة بالرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وقراراتها، حتى وإن قيل بأن إعلان حالة الطوارئ من القرارات السيادية وهو ما يخالف الأصل الفرنسي الذي استقينا منه القضاء الإداري، إلا أن هناك سوابق قضائية مصرية أباحت للقضاء الإداري الرقابة على تصرفات الحكومة أثناء ممارستها لسلطة الطوارئ، وقد أكدت ذلك المعنى المحكمة الإدارية العليا المصرية في العديد من أحكامها.
وقد كان من الأجدر بالحكومة المصرية أن تسترعي أحكام الدستور والقواعد الدستورية، وتؤكد بتصرفاتها على وجود دولة القانون، وأن تضبط تصرفاتها وفق القواعد الدستورية، وأن تضع المصالح المجتمعية نصب أعينها حال تصرفها في أمر متعلق بمصالح الجماعة أو بحقوقهم وحرياتهم، وأولى هذه الحقوق والمصالح المجتمعية هو أمر العدالة الذي يضعف من بنيانه نظام الطوارئ، وذلك بحسبه الميزان الدقيق والمعبر عن حالة المجتمع المصري بأفراده وسلطته.
تم نشر هذا المقال عبر منصة المصري اليوم بتاريخ 18 أكتوبر 2017