تمديد الطوارئ.. تشديد الطوق على المجتمع
أقر مجلس النواب المصرى، الثلاثاء الموافق 4 / 7 / 2017 تمديد حالة الطوارئ فى جميع أنحاء البلاد لثلاثة أشهر أخرى. وقد صوت البرلمان بالأغلبية على قرار رئيس الجمهورية رقم 289 لسنة 2017 بمد حالة الطوارئ حتى العاشر من شهر أكتوبر المقبل، وكان مجلس النواب قد وافق فى إبريل الماضى على سريان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر وذلك بعد هجومين على كنيستين أوقعا 45 قتيلا على الأقل، وقد كان السبب الذى من أجله جاءت موافقة مجلس النواب على قرار رئيس الجمهورية بتمديد حالة الطوارئ هو أن الظروف والأسباب التى دعت إلى فرض حالة الطوارئ لم تزل قائمة.
يعد نظام الطوارئ نظاما استثنائيا محددا فى الزمان والمكان تعلنه الحكومة، لمواجهة ظروف طارئة وغير عادية تهدد البلاد أو جزءا منها وذلك بتدابير مستعجلة وطرق غير عادية فى شروط محددة ولحين زوال التهديد.
وقد سبق أن قضت المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 17 لسنة 15 قضائية «دستورية»، بعدم دستورية بعض الصلاحيات الواردة فى الفقرة الأولى من المادة الثالثة بالقانون، والتى كانت تنص على إمكانية «القبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص فى تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية»، إلا أنه قد تم إصدار القانون رقم 12 لسنة 2017 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن قانون الطوارئ، وذلك تعويضا عن قضاء المحكمة الدستورية العليا، وقد استحدثت هذه التعديلات ما يبيح لمأمور الضبط القضائى ــ استثناء من أحكام القوانين الأخرى ــ ضبط كل من توافرت فى شأنه دلائل على ارتكاب جناية أو جنحة وما قد يحوزه بنفسه أو فى مسكنه، وجواز احتجازه لمدة لا تتجاوز سبعة أيام بعد استئذان النيابة العامة، وبموجب هذا التعديل، فإنه لمحاكم أمن الدولة الجزئية طوارئ ــ بناء على طلب النيابة العامة ــ احتجاز من توافرت فى شأنه دلائل على خطورته على الأمن العام لمدة شهر قابلة للتجديد.
فماذا تبقى إذن للمجتمع المصرى؟ وماذا يفيد فرض أو تمديد هذه الحالة لمدة جديدة؟ فى ظل ظروف اقتصادية يعانى فيها الشعب المصرى من ذل وهوان ارتفاع الأسعار، وانخفاض لقيمة العملة، وعدم مسايرة الأجور للارتفاعات المتكررة للسلع والخدمات، وهذا ما كان ينبغى أن تكون الحكومة فى حالة طوارئ بشأنه، حتى تحقق بعض الهدوء النسبى لحالة الفقر العامة، أو تبحث عن سبل ووسائل لمواجهة الأزمات الاقتصادية التى تطحن فى عظام الشعب، والذى لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون من خلال فرض وتمديد حالة الطوارئ تحت مسمى ذريعة الإرهاب، وهو الأمر الذى يقوض معظم الحقوق والحريات المدنية والسياسية، ويجعلها تحت زمام السلطة التنفيذية، فلها أن تمنح ولها أن تمنع حتى حرية الحركة والحق فى التنقل.
أعتقد أن ما تفعله السلطات المصرية مستخدمة أغلبيتها المطلقة فى مجلس النواب المصرى فى تمرير ما تراه من قوانين وقرارات لا يصب أغلبها فى صالح المواطنين «اقتصاديا ــ اجتماعيا ــ سياسيا» بل يزيد الأمور تعقيدا ويزيد من الهوة ما بين عموم الشعب والسلطة، فللقارئ أن يتخيل أنه خلال الأسبوعين الماضيين فقط تم اعتماد وإقرار اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والتى بموجبها يتم تسليم جزيرتى تيران وصنافير الاستراتيجيتين إلى السعودية، ثم تلتها قرارات زيادة أسعار المحروقات والكهرباء، ثم أتى قرار تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر. كما أن السلطة أو الحكومة ليست بحاجة إلى تمديد حالة الطوارئ واستخدام قانونها فى ظل العديد من التشريعات التى تصب فى خانة التقييد غير المبرر للحقوق والحريات، وأهم ما يمكن أن نسوقه كمثال لذلك، القانون رقم 94 لسنة 2015 والمسمى بقانون مكافحة الإرهاب، والتعديلات الكثيرة لمواد قانون العقوبات سواء باستحداث جرائم جديدة، مثل جريمة إهانة العلم، أو برفع حدود العقوبات، والتوسع فى استخدام عقوبة الإعدام، وكذلك التوسع فى اختصاصات القضاء العسكرى بموجب قانون حماية المنشآت العامة، والذى تضمن التوسع فى إحالة المدنيين للمحاكمة أمام القضاء العسكرى، ذلك على الرغم من أن الدستور يحدد اختصاصات القضاء العسكرى ويقصرها على الجرائم التى ترتكب ضد ضباط وجنود القوات المسلحة أثناء أو بسبب تأدية عملهم، وجرائم الاعتداء على المنشآت العسكرية، موضحا أن مصر تواجه إرهابا أسود وبغيضا.
من ثم فقد بات المواطن المصرى محاصرا ما بين توحش الحياة من زاوية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وصعوبة العيش والحصول على جميع ضروريات الحياة من غذاء ودواء وكساء دون ترف، وهو ما يمكن توصيفه بشكل إجمالى بتفشى رقعة الفقر العام وزيادة أعداد من هم تحت خط الفقر، بما يعنى انهيار ما يسمى بالطبقة الوسطى ــ والتى كانت فيما مضى قادرة على تلبية احتياجاتها ــ وانصهارها فى طبقة المعدمين وغير القادرين على تلبية الاحتياجات الأساسية للحياة، وبين قوانين وقرارات تضيق من حدود ونطق ممارسة الحقوق والحريات المدنية والسياسية بشكل عام وتأطر بشكل رسمى أو قانونى لما تبقى من هوامش لممارسة أى نوع من هذه المجموعة الكبيرة للحقوق والحريات.
أرى أن على سلطات الدولة السعى الدءوب لإيجاد منظومة عمل وحلول للمشكلات التى زادت على قدرة تحمل المجتمع المصرى من كل الزوايا والاتجاهات، والتى أهمها قاطبة المشكلات الاقتصادية والحياتية، والتى تؤثر بشكل نافذ على حياة المواطنين، ولا أرى فى تمديد حالة الطوارئ وتطبيق قانونها إلا مزيدا من حالة الاختناق العام التى لن يصمد أمامها كثيرا المواطن المصرى، حتى إنه بترديد مقولة محاربة الإرهاب بمثل تلك القوانين والسياسات، فأعتقد أن هذا القول مغالى فيه، لكون المدونة العقابية المصرية مزودة بالنصوص الكافية والصالحة للاستخدام فى مثل هذه الحوادث، وأن التوسع فى نطاق التجريم والعقاب لا يفيد المجتمع ولا يتماشى مع ما جاء بالدستور المصرى فضلا عن الاتفاقيات الدولية المعنية بالمسائل الحقوقية، إذ إن التغول على الحقوق والحريات تحت أى مظنة أو ذريعة يضر بحقوق عامة للمواطنين لا يجوز التضحية بها إلا إذا تم وصم المجتمع بأكمله بالإرهاب، وهذا ما يمكن أن يتقبله عقل أو منطق.
تم نشر هذا المقال عبر منصة الشروق الإلكترونية بتاريخ 8 يوليو 2017