عن السياسة والحقوق
فزعت لحادثة وقعت فى قطار خط رمسيس الخطاطبة ويسمى «خط المناشى» وهو من القطارات التى لا يمكن أن يكون لها تصنيف أو درجة، وما أكثر هذه النوعية من وسائل النقل غير الآدمية المنتشرة فى بر مصر مثل قطار أبو قير بالإسكندرية، هذا القطار ينقل آلاف المواطنين ذهابا وعودة عبر خط سير طويل. وتتلخص الحادثة فى كون صبى عند بلدة بشتيل قام بقذف حجر عبر نوافذ القطار ذات الزجاج المكسور ــ على أفضل تقدير ــ فاستقر الحجر فى رأس أحد الركاب فسقط على الفور مفارقا لهذا العالم بدلا من أن يقوم بتوفير بعض الجنيهات تمثل الفارق بين تذكرة هذا القطار، وبين الوسائل الأخرى للوصول. لم يتم تحرير محضر بالواقعة ولم يعبأ أحد لمقتله سوى أسرته، أو كما قال نزار قبانى «وقُيدت القضية ضد مجهول».
فى الأسبوع ذاته حسب ما تداولته المواقع الإخبارية اشترى رئيس مجلس النواب المصرى له ولوكيليه عدد ثلاث سيارات حديثة، بمبلغ قيمته ثمانية عشر مليون جنيه مصرى. هذا المبلغ كان كافيا لإصلاح كل القطارات التى تسير على هذا الخط وتحديثها، وهذا هو الفارق ما بين دولة المواطن ودولة المسئولين.
فلو أدرك المسئولون فى دولتنا أنهم موظفون معنيون بتحقيق مطالب المواطنين والحفاظ على حقوقهم، لتعاملوا على أن هذه الوظائف ليست مجالا للترف على حساب إفقار أكثر للمواطنين وتضييعا لحقوقهم. فلو أن واقعة مقتل المواطن ـ ـصريع الفقر والاحتياج فى قطار لا يصلح لنقل الحيوانات ــ قد حدثت فى إحدى الدول التى تحترم مواطنيها وتضعهم نصب أعينها لاستقال على أثرها وزراء، وقُدمت طلبات إحاطة واستجوابات للبرلمانات، ولربما تم تقديم المسئول المباشر عن ذلك القطار للمحاكمة الجنائية. ولو أدرك وزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديدية حدود وظائفهم ومسئولياتهم، وعلى الأقل منها ما هو مترتب على تذكرة ركوب القطار، والتى تُعد بمثابة عقد ما بين الراكب والهيئة، تضمن بموجبه هيئة السكك الحديدية سلامة وصول الراكب إلى محطته لأقرت بحقه وحق ورثته عن الخطأ المترتب على عدم وجود زجاج بشبابيك القطار، وهو ما أدى إلى هذه الحادثة، وما يستتبع ذلك من تعويض عن ذلك الخطأ، وإن كان ضياع العمر أو الحق فى الحياة لا يكفيه أى تعويض.
على غرار مثل هذه الحادثة يموت آلاف المواطنين عبر طرق غير ممهدة، أو غير مؤمنة، أو فى ظل غياب وانعدام الرعاية الصحية، ومن خلال تلوث بيئى أمرض الآلاف من المواطنين، وفى ظل غياب وعدم توافر الغذاء المناسب ناتج عن ارتفاع جنونى للأسعار وانخفاض حاد فى مستوى الدخول لغالبية الشعب. هذه مجرد أمثلة لإهدار متعمد لحقوق المواطنين التى من المفترض أن يكون المسئولون الحكوميون هم المعنيين بتحقيقها على أكمل وجه ورعايتها والحفاظ عليها.
ومن هنا، فما هى الحدود الفاصلة ما بين حق المحكومين على الحكام، وما هى حدود وظائف المسئولين أيا ما كانت درجاتهم الوظيفية، حتى ولو كانوا نوابا عن الشعب أو ممثليه. فلابد أن يعلم كل مسئول أنه بالفعل مسئول عن كل حق يقع تحت مظلة وظيفته، أو أنه موكل بالحفاظ على تلك الحقوق وعدم التفريط فيها أو إهدارها، ولا تُعد هذه الوظيفة منحة خاصة به أو تركة مورثة إليه، بل إنها تمثل عبئا ومسئولية يجب أن يكون على قدرها، وأن تكون حدودها هى التحقق والرعاية، بل والتطوير للأفضل، وأن كل ما يقع داخل نطاق الوظيفة يمثل حقا لكل مواطن مخاطب به أو مرتبط به. ولكن كيف يكون ذلك وحالات الانتحار هربا من الفقر تتزايد أسبوعا تلو الآخر، كما تتناوله الصحف والمواقع الإخبارية. فإن لم يكن الموت وسيلة للهروب من ديون متراكمة فهو مهرب من عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات أسرية.
فنحن مواطنون أبناء هذه الأرض وأصحاب الوطن الذى يضرب فى عمق التاريخ ماسكا بلب حضارة الدنيا بين كفيه، ولا أظن أن يصل حالنا بمسئولينا إلى مثل هذه الدرجة من العبث بالمصائر والحقوق. لا أتصور أن يكون الغالب الأعظم من أبناء الشعب المصرى يطحن عظامهم الفقر، ويحيون حياة تشبه بحياة اللاجئين بالمخيمات يتيهون بحثا عن ملجأ آمن وحياة مستقرة له؛ فيها الحق فى الحياة والأمن والغذاء والصحة والمسكن والملبس والبيئة النظيفة؛ فلا يقف مترددا على أبواب الصيدليات يستجدى شريطا وليس علبة كاملة من علاجه، أو يبحث عن دعم غير موجود فى الحقيقة حتى يدبر نفقات حياة أسرته. وحين تدق التفرقة بين الوطن والمواطن ويتم اختزال الوطن فى مجموعة بعينها من المواطنين دون باقى الشعب فى حالة تمييزية مقززة، ويكون آخر ما تفكر فيه الحكومات هو الإقرار بمسئوليتها عن حقوق فقراء هذا الوطن، فحينها لن يتبقى لنا وطن، وليعلم الكافة أن الوطن هو المواطن، كما يصح العكس أيضا، وليعلم المسئولون أنهم موكلون لصالح المواطن وليس لصالح أنفسهم، فمن هنا سوف تتقدم البلاد ويتحقق الانتماء المنشود للوطن.
تم نشر هذا المقال عبر موقع الشروق الإلكتروني بتاريخ 5 فبراير 2017