عشرة أسئلة شائعة عن مصير أموالنا المنهوبة في سويسرا في ظل المستجدات التي طرأت على الساحة أخيرًا
بيان صحفي
نشرت العديد من الصحف وعلى رأسها جريدة اليوم السابع تقارير مضمونها أن سويسرا أوقفت التحقيقات بشأن أموال مبارك المجمدة في سويسرا تحت عنوان: "فلوسك راحت يا مصر". لذا قررت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية نشر سؤال وجواب عن حقيقة المسألة وعما إذا كانت بالفعل ضاعت أموال المصريين بعيدًا عن الإثارة الصحفية، وبخاصة أننا قد قمنا برصد بعض المعلومات غير الدقيقة عن هذا الملف المعقد، ولذا نحاول شرح المسألة بشكل محايد وموضوعي ودقيق، وهو ما تفتقده في الغالب التغطيات الصحفية التي تتناول هذا الملف. قامت المبادرة المصرية بالاعتماد على مصادر أولية داخل الحكومة السويسرية وفي أبحاثها السابقة التي تعتمد أيضًا في أغلبها على مصادر أولية من قوانين وتصريحات لمسئولين عاملين على هذا الملف.
1- ما هي حقيقة الادعاء أن سويسرا أوقفت التحقيقات بشأن أموال نظام مبارك المهربة؟
بعد ثورة يناير، أعلن النائب العام السويسري فتح باب التحقيقات في أموال نظام مبارك، وكان للتحقيقات شقان. الشق الأول هو تحقيقات بشأن الاشتباه في وجود عمليات غسيل أموال وفقًا للمادة 350 من القانون الجنائي السويسري، وأما الشق الثاني فكان بشأن الاشتباه في أن نظام مبارك كان يعمل كشبكة للجريمة المنظمة وفقًا لتعريف شبكات الجريمة المنظمة في المادة 260 من القانون الجنائي السويسري. وما حدث في الأيام الأخيرة هو قيام النائب العام السويسري بوقف الشق الثاني من التحقيقات الخاصة بالاشتباه في نظام مبارك كمشارك في أو داعم لشبكة للجريمة المنظمة. أما بشأن الشق الخاص بعمليات غسيل الأموال، فالتحقيقات ستستمر كما كانت ضد كل المتهمين، والأموال المجمدة ستبقى مجمدة، وقرار النائب العام السويسري الأخير سيكون له تأثير محدود على الأموال المجمدة لا يتخطى الإفراج عن 10% من الأصول التي تنتمي إلى أطراف ثالثة ليست في قائمة التجميد (قائمة بالأسماء الواقعة في دائرة الاشتباه ويتعين تجميد أموالهم)، ولكن تم تجميد أموالها بالتبعية، في الأغلب لأسباب لها علاقة بالشراكة مع رموز نظام مبارك الواقعين في دائرة الاشتباه.
2- ماذا استجد في هذا الملف في الأيام الأخيرة والذي تم تناوله في الصحف؟
ما استجد هو وقف التحقيقات في شق واحد من القضية فقط وليست القضية كلها، والإفراج عن حوالي 10% من الأصول المجمدة التي تنتمي إلى أطراف ثالثة غير مدرجة في قائمة التجميد السويسري، وهي قائمة صدرت بعد الثورة مباشرة، وتضم 32 رمزًا من رموز نظام مبارك، وتلزم هذه القائمة السلطات السويسرية بتجميد أي أصول تابعة للأشخاص المدرجة أسماؤهم بها.
3- ما هي تداعيات تلك المستجدات؟ا
إذا كان تم نجاح في الشق الثاني من القضية بشأن تعريف نظام مبارك كشبكة للجريمة المنظمة، فإن ذلك كان سيسهل كثيرًا من إجراءات رد الأموال. حيث يوجد بسويسرا تشريعات نشأت في ظروف كانت فيها المافيا الصقلية والروسية تتخذ من البنوك السويسرية ملجأً لتهريب الأموال الفاسدة، وتسمح هذه التشريعات بنقل عبء الإثبات وتجميد الأصول لمجرد الاشتباه بانتمائها إلى شبكات الجريمة المنظمة، حتى يثبت صاحب الأموال أنه قد تم التحصل عليها بالوسائل الشرعية، مما يسهل من عملية رد الأموال إلى بلد المنشأ حيث لا يشترط وجود أدلة قطعية بفساد هذه الأموال سلفًا. من الجدير بالذكر أنه تم تطبيق هذه القاعدة على أنظمة سياسية من قبل، مثل نظام الديكتاتور النيجيري ساني أباتشا، الذي تم تعريف نظامه كشبكة للجريمة المنظمة مما سهل كثيرًا من إجراءات تجميد ورد الأموال لنيجيريا، مما عظم الآمال في نجاح توصيف نظام سياسي كشبكة للجريمة المنظمة في الحالة المصرية أيضًا. ولكن لم يعد هذا الخيار متاحًا الآن بالنسبة إلى الحالة المصرية.
4- هل قَلَّت بذلك فرص الحصول على أموالنا المنهوبة؟
نعم، فبعد أن كان هناك مسلكان للتعامل مع هذه القضية لم يعد أمام السلطات السويسرية إلا طريق واحد، وهو ما يقلل من فرص النجاح بطبيعة الحال. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشق الأول وهو إجراء تحقيقات عادية هو الأصعب لأنه يتعين ربط الأموال المجمدة بجريمة محددة، ويتطلب تعاونًا حكوميًّا وقضائيًّا بين مصر وسويسرا، وهو التعاون الذي طالما واجه عوائق عديدة.
5- من يتحمل مسئولية هذا التباطؤ/التراجع؟
يتحملها الجميع بما في ذلك السلطات المصرية والسويسرية. وقد قامت المبادرة المصرية بالتحذير مرارًا على مدار السنوات الثلاث الأخيرة من التبعية المباشرة للجهة المصرية المسئولة عن ملف استرداد الأموال المنهوبة للسلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل، وبخاصة في ظل التقلبات السياسية التي شهدتها مصر منذ اندلاع ثورة يناير 2011. وقالت المبادرة المصرية نصًّا في بيان لها في فبراير 2013 في فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي: "تقترح المبادرة المصرية للحقوق الشخصية <...> تشكيل لجنة مستقلة لا تتبع وزارة العدل ولا تترأسها شخصية حكومية، ويتسم عملها بالثبات والمنهجية فلا يتغير أعضاؤها وعملها بسبب التغييرات الوزارية أو الاضطرابات السياسية التي لا تتوقف." واتضح أكثر تأثير ذلك في قرار وزير العدل أحمد الزند الأخير بإنهاء ندب رئيس وكافة أعضاء جهاز الكسب غير المشروع، وهو ما يعد تدخلًا سافرًا من السلطة التنفيذية في أعمال سلطة تقوم بدور النيابة في التحقيق وتحريك الدعاوى الخاصة بالفساد.
6- كيف أثر الوضع المؤسسي المرتبك في مصر في عملية استرداد الأموال من سويسرا؟
في مايو 2012، تم منح الحكومة المصرية حق الاطلاع على ملفات الإجراءات الجنائية لشقي القضية المتعلقة بالأموال المجمدة (الشق الخاص بغسيل الأموال والشق الخاص بتوصيف الجريمة المنظمة). الاطلاع على المعلومات كان مشروطًا فقط بعدم استخدام المعلومات المتحصل عليها في إطار التعاون القضائي لأي أغراض إدارية أو جنائية أو مدنية. لكن بعد قيام الرئيس السابق محمد مرسي بتغيير النائب العام في أواخر عام 2012، رأت محكمة سويسرية في 12 ديسمبر 2012 ضرورة تعليق التعاون مع الجانب المصري في تبادل المعلومات لعدم وثوق المحكمة في أن الملفات الجنائية لن تستخدم بشكل يخل بالاتفاق، وأرجعت المحكمة السبب في ذلك إلى عدم استقرار الوضع المؤسسي في مصر وتدخل السلطة التنفيذية في عمل الجهات القضائية مما يؤثر في استقلاليتها ومصداقيتها.
7- وهل قام الجانب السويسري بعمله على أكمل وجه؟
سويسرا كانت أول دولة تجمد أموال مبارك بعد دقائق من تنحيه، وهي أيضًا الدولة التي جمدت أكبر قدر من الأموال، وهذا شئ تحمد عليه بلا شك. لكن هناك أيضًا أسبابًا لنزوح هذه الأموال الطائلة إلى سويسرا، في المقام الأول لكون نظامها البنكي معروفًا بالسرية وعدم السؤال بالضرورة عن مصدر تلك الأموال لحظة إيداعها، ولذلك نزحت كثير من أموال المتهربين من الضريبة وشبكات الجريمة المنظمة وأموال الأنظمة السياسية الديكتاتورية الفاسدة إلى هذا البلد الأوروبي الغني، فأصبح القطاع البنكي هناك يشكل لوبي قويًّا ضد أي محاولات للإصلاح، ولكن في نفس الوقت يوجد العديد من الدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة، التي طالما وضعت ضغوطًا على سويسرا للإفصاح عن معلومات خاصة بمواطنيها الذين يخفون أموالهم في بنوك سويسرا مما اضطرها إلى القيام ببعض الإصلاحات ومحاولة غسيل سمعتها، هذا بالإضافة إلى بعض المجهودات المخلصة للمجتمع المدني السويسري والساسة الذين سئموا من سمعة سويسرا السيئة كمخبأ آمن لأموال المجرمين والأنظمة الديكتاتورية والمتهربين من الضرائب.
لذلك فإن نجاح تجميد أموال مبارك وردها إلى الشعب المصري سيكون بمثابة انتصار للمجتمع المدني والساسة المهتمين بغسيل سمعة سويسرا، ولكنه سيعتبر بمثابة انتكاسة للوبي البنوك السويسرية القوي، وسيصبح بمثابة رسالة إنذار لكل أصحاب الأموال التي تقع في دائرة الشبهات من عدم تهريب أموالهم إلى سويسرا وهو ما سيضر بمصالح لوبي البنوك بطبيعة الحال. هذا الصراع يلقي بظلاله على مسألة أموال مبارك بلا شك. فليس من مصلحة لوبي أصحاب البنوك أن يتم تجميد ورد أموال نظامه بسهولة ويسر، وهو ما يؤثر بالقطع في طلبات بعض الجهات بتطبيق مبدأ نقل عبء الإثبات (انظر السؤال 3) الذي قد يسرع ويسهل كثيرًا من الإجراءات، وهو ما تسمح به القوانين السويسرية، ولكنه يواجه مقاومة عنيفة من القطاع البنكي والساسة المدافعين عنه.
8- ما هو حجم الأموال المجمدة في سويسرا؟
حوالي 700 مليون دولار قبل الإفراج الأخير عن الـ 10% (انظر السؤال 2).
9- وهل يستحق هذا المبلغ كل هذه المعاناة؟
بالطبع. يستحق هذا المبلغ كل هذه المعاناة لسببين رئيسيين. السبب الأول وقائي وهو أن المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب قد يؤدي إلى التقليل في المستقبل من الظواهر المتعلقة بالفساد وتهريب الأموال وغسيلها أو تبييضها أو اخفائها بهدف التهرب أو التجنب الضريبي. والسبب الثاني هو أن في أدبيات استعادة الأموال الجديدة، يتم إنفاق الأموال المنهوبة على مشاريع تنموية تستهدف الفقراء تحديدًا لكونهم الأكثر تضررًا عادةً من تلك الممارسات الفاسدة، ولأن عودة الأموال إلى خزينة الدولة يعرضها لثلاث مشكلات رئيسية: الأولى هي إمكانية ضياعها في قنوات الفساد مرة أخرى، والثانية هي خضوعها لانحيازات الدولة الحالية في الإنفاق العام، مما يعرض هذه الأموال لعدم الوصول إلى مستحقيها، والثالثة هي إنفاقها في أغراض غير مناصرة للفقراء بشكل مباشر ـ مثل خدمة الدَيْنِ العام أو سد عجز الموازنة ـ مما يقلل من فرص تعظيم منافعها الاجتماعية والاقتصادية، مع عدم استهداف الفئات الأكثر تضررًا من سنوات الحكم الفاسد للرئيس المخلوع.
ولتصور ما يمكن أن تفعله الـ 700 مليون دولار إذا أنفقت على مشاريع تنموية مناصرة للفقراء، استنادًا إلى تقديرات البنك الدولي، فإنه يمكن لكل مليار دولار أن توفر وصلات مياه لـ 250 ألف مسكن، أو تبني 2500 كيلومترًا من الطرق الممهدة ذات الحارتين، بينما يمكن للمليون دولار فقط أن يوفر تطعيمات ضد الدفتريا والسعال الديكي والتيتانوس لمليونين من الأطفال، أو يوفر العلاج من فيروس نقص المناعة المكتسب لما يزيد على 6500 مريضًا سنويًّا.
10- هل ما زال هناك أمل؟
نعم، فبرغم التراجع الأخير، فما زال من الممكن فعل المزيد. فسويسرا الآن على وشك إصدار قانون جديد لرد لأموال المنهوبة يسمح باتخاذ إجراءات أكثر قوة ضد الأموال المشتبه بها حال صعوبة التعاون القضائي مع بلد المنشأ. قام أخيرًا المجلس الوطني (الغرفة الأدنى في البرلمان السويسري) بالموافقة على نص القانون، وتم تمريره إلى مجلس الولايات (الغرفة الأعلى في البرلمان السويسري) لإقراره بشكل نهائي. والأهم من ذلك أن قرار النائب العام السويسري بوقف التحقيقات في الشق الثاني من القضية المتعلق بتوصيف نظام مبارك كشبكة للجريمة المنظمة من الممكن الطعن عليه من قبل الحكومة المصرية أمام المحكمة الجنائية الفيدرالية في سويسرا.
لكن بالنسبة إلى المسلك القانوني الثاني وهو المساعدة القانونية المتبادلة الذي يعتمد على تقديم الأدلة وأحكام قضائية نهائية موثوق في جديتها وتعاون قضائي بين سلطات البلدين، وهو المسلك القانوني الذي تم اختياره منذ اندلاع الثورة، فلا يبدو أن هذا المسلك لديه أي قدرة على إحراز أي تقدم، خصوصًا في ظل أحكام البراءات التي حصل ويحصل عليها جميع رموز مبارك، وفي ظل المزيد من تعدي السلطة التنفيذية على عمل السلطة القضائية وتحكمها في ملف الأموال المنهوبة، وبالطبع في ظل غياب البرلمان وأحكام الإعدامات الكثيرة التي تؤثر على سمعة القضاء المصري في المجتمع الدولي والوضع المؤسسي المرتبك حاليًّا في مصر.