المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: مناهج التعليم تعكس قومية مفرطة وينقصها احترام التنوع
بيان صحفي
بحسب تقارير إخبارية، أعلنت وزارة التربية والتعليم أخيرًا عن تغييرات في المناهج الخاصة بما يتجاوز الـ30 كتابًا مدرسيًّا، وتشمل التغييرات الكتب الخاصة بالتاريخ والتربية الوطنية، كما يقال إنها تضمنت إدراج الرواية الرسمية لما حدث من تغيرات سياسية منذ 2011.
والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية تدعو وزارة التربية والتعليم إلى أخذ الالتزامات الدولية الواقعة على مصر، والمتعلقة بالحق في التعلم، في الاعتبار عند إجراء تلك التغييرات.
لقد ظلت المناهج الدراسية طوال عقود تروج لخطاب وطني النزعة، يستخدم سردية تبسيطية لخلق "شخصية مصرية" مصنوعة، تحض على التجانس، من خلال عملية جامدة لا تتقبل التغيير على نطاق واسع. وهذه السردية لا تستوعب الخلاف، ولا تتسامح مع الأقليات إلا بقدر دعمها لترتيبات ما بعد 1952، وهذا بحسب دراسة نشرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وتتولى الدراسة، التي نُشرت تحت عنوان: "القومية والتجانس في المناهج المعاصرة"، فحصَ الكتب المدرسية الخاصة بالتاريخ والتربية الوطنية للسنتين الدراسيتين 2012/2013 و2013/2014. وتهدف الدراسة، التي تركز في المناهج المخصصة للصف الثالث الإعدادي وكذلك الثالث الثانوي، إلى استكشاف مدى تلبية المحتوى الوارد في تلك الكتب للمعايير المنصوص عليها في المواثيق الدولية التي توجه الحقَّ في التعلم، وتعزز مبادئ احترام التنوع والتسامح.
وقد نظرت الدراسة من خلال تحليل لمناهج التاريخ والتربية الوطنية للصفين الثالث اﻹعدادي والثالث الثانوي وعلى وجه التحديد في العملية والخطوات التي تتبعها وزارة التربية والتعليم، و تؤدي في النهاية إلى نشر وتوزيع تلك الكتب المدرسية. وخلصت الدراسة إلى اتسام هذه العملية بالجمود وانعدام القابلية للتعديل الدوري، مما يؤدي إلى تباعد التغييرات في عملية صياغة المناهج من سنة إلى أخرى.
أما من حيث محتوى الكتب المدرسية فقد وجدت الدراسة أنه لم يقع أي تغيير ذي بال فيما يتعلق بالسردية العامة للتاريخ المصري الحديث. واتضح أن مزاعم تعرض المناهج لتغييرات كبيرة تحت حكم الإخوان المسلمين كانت مشوبة بالمبالغة. بل إن كتب التاريخ المستخدمة في أواخر عهد مبارك لا تكاد تختلف عن تلك المستخدمة في السنتين الدراسيتين 2012/2013 و2013/2014. لقد ظلت كتب التاريخ المدرسية تروج للخطاب الوطني المهيمن، على غرار ما وجد في كتب ترجع إلى أواخر عهد مبارك.
وتتسم السردية المخصصة للسنتين الدراسيتين بالتبسيط والسطحية. والأهم، كما اكتشفت الدراسة، هو أن تاريخ الأقليات، سواء كانت عرقية أو دينية أو قومية، لا وجود لها. كما تم السكوت عن مشاركة وتحركات مجموعات مثل المرأة والعمال وغيرهم، إلا حينما توضع تحركاتهم في إطار ما هو "جماعي".
علاوة على هذا فإن الكتب الدراسية الخاصة بالتاريخ المعاصر تركز فقط في التاريخ المصري، وبخاصة في الحقبة الحديثة، وتستبعد الإقليمي والدولي، ما يوحي بانفصال مصر عن التطورات الدولية. ويبعث استبعاد "الآخر" من منهج التاريخ على القلق بقدر ما يمثل إخفاقًا في تعزيز قيم التسامح واحترام الأقليات والثقافات الأخرى، التي تعد جزءًا لا يتجزأ من التزامات مصر الدولية في مجال الحق في التعلم.
وبذا فإن الكتب المدرسية تخفق في إيجاد التوازن الضروري المنصوص عليه في القانون الدولي فيما يتعلق بالحق في التعلم، التوازن بين ترويج الوطنية من جهة، وترويج التسامح والانفتاح وعدم الإقصاء من جهة أخرى.
وقد قامت الدراسة أيضًا بتحليل مناهج التربية الوطنية للسنتين الدراسيتين نفسهما، ووجدت أنها لم تتعرض لأي تغير يعتد به. لقد ظلت المناهج تروج لمفاهيم فضفاضة من قبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن فقط في سياق ثقافي ووطني ضيق. والأكثر إشكالية هو المغالطات التي وجدناها في تلك الكتب، التي تضع الوثيقة كلها موضع الشبهات.
ألقت الدراسة أيضًا نظرة سريعة على منهج جديد بعنوان: "المواطنة وحقوق الإنسان"، وهو ما ينبغي اعتباره خطوة إلى الأمام نحو تلبية التزامات مصر الدولية. كما قارنت الدراسة بين النصوص الفعلية وما وضعته وزارة التربية والتعليم من خطط للسنتين الدراسيتين ، ووجدت أن ثمة فجوة بين التخطيط والواقع.
أما التوصيات الخاصة بإصلاح مناهج التاريخ والتربية الوطنية على كافة المستويات الدراسية فقد اشتملت على تقديم المصادر الأولية، والحاجة إلى القضاء على التبسيط، والترويج للفترات التاريخية المصرية الثرية في المجالات الثقافية واللغوية والعرقية والإقليمية والدينية،ولفت اﻷنظار إليها واﻻهتمام بها. وينبغي لعملية إصلاح المناهج أيضًا أن تتضمن مراجعة المغالطات، وتسليط الضوء على المؤسسات بدلاً من الأيديولوجيا، والاشتباك النقدي مع الخطاب الوطني التقليدي، بحسب ختام الدراسة.
للاطلاع علي الدراسة: اضغط هنا