تجميد اموال 1055 جمعية أهلية: قرار يكشف تعسف السلطة ازاء العمل الأهلي ويخلق أزمات مجتمعية
بيان صحفي
تعرب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن بالغ قلقها من تداعيات القرار الذي أصدرته لجنة وزارية يوم 22 ديسمبر الماضي، بتجميد أموال أكثر من ألف جمعية أهلية خيرية. وترى المبادرة المصرية أن هذا القرار يضيف بعدًا مجتمعيًّا جديدًا، إلى المواجهة الدائرة بين السلطة والحركة الإسلامية بمختلف مكوناتها، سواء السياسية أو الاجتماعية والخيرية.
وكانت لجنة مشكلّة، من قبل وزارة العدل، يرأسها مساعد الوزير، قد أصدرت قرارًا بتجميد أموال 1055 جمعية أو فرع لجمعية أهلية، تم حصرها في 72 كشفًا، وتم إرسالها إلى البنك المركزي لتنفيذ القرار. وفور تلقي البنك المركزي القرارَ، أصدر تعميمًا على البنوك العاملة في مصر، يقضي بتجميد الحسابات المصرفية لتلك الجمعيات، ويمنع القائمين عليها من التصرف فيها.
وقد بررت وزارة العدل قرارها، بأنه تنفيذ لحكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، الصادر في 23 سبتمبر الماضي، القاضي بحل جمعية الإخوان المسلمين وحظر نشاطها ومصادرة ممتلكاتها. حيث شمل الحكم في صيغته التنفيذية قائمة بأسماء جمعيات، أو فروع لجمعيات بزعم أنها ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين، منها جمعية أنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية، والجمعية الطبية الإسلامية وغيرها.
وتنبه المبادرة المصرية الى الآثارَ المجتمعية الجسيمة لهذا القرار، الذي يعرقل النشاط الخيري لجمعيات أهلية، امتد عمل بعضها إلى أكثر من 100 عام . إذ تأسست الجمعية الشرعية عام 1912، وتلتها جمعية أنصار السنة المحمدية عام 1926، هذا بالإضافة إلى عدد كبير من الجمعيات، تم تدشينها في العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة، على خلفية انسحاب الدولة من أداء أدوارها الاجتماعية، في مجالات الصحة والتعليم، وكفالة الفقراء والعاجزين، والأطفال والمسنين والعاطلين.
وتقول الجمعية الشرعية، إن لديها نحو 1000حضّانة لرعاية الأطفال المبتسرين، و34 مركزًا طبيًّا متخصصًا في المجالات الطبية ـ باهظة التكلفة ـ وتقول جمعية أنصار السنة، إنها متواجدة في 18 محافظة ولديها 30 مركزًا طبيًّا، أما الجمعية الطبية الإسلامية، فتشير الى أن مليونًا و200 ألف مريض، قد استفادوا من خدماتها الطبية خلال عام 2012 وحده، وفق ما تثبته كشوف المستشفيات والمستوصفات والمراكز الطبية التابعة لها.
وتمتد أنشطة الجمعيات الخيرية ذات الصبغة الإسلامية، وكذلك المسيحية، إلى مجالات مثل الرعاية الصحية والخدمات التعليمية وكفالة الأيتام والنساء المعيلات، وإقامة مقابر الصدقة، وتوفير الأطعمة للفقراء وغيرها كثير.
وقد أصدرت الجمعية الشرعية بيانًا، في 9 من يناير الماضي بعنوان: "الأزمة انتهت ونتعهد باستمرار خدماتنا"، وأعلنت أن الغالبية العظمى من فروع الجمعية الـ 1100 قد عادت لتعمل بشكل طبيعي، بعد أن خرجت من دائرة التجميد المصرفي، وأكدت أن مجلس إدارة الجمعية، قد نجح في حل مشكلات الـ 130 فرعًا الذين مازالوا خاضعين للقرار الحكومي، من خلال لجنة ثلاثية، مكونة من ممثلٍ عن وزارة التضامن الاجتماعي، وآخر عن الاتحاد العام للجمعيات، وثالثٍ عن الاتحاد الإقليمي، ستقوم بإدارة النشاط بالتعاون مع ممثلٍ للجمعية في كل محافظة، وبرغم هذا كله، فإن المشكلة لاتزال قائمة.
إن قرار وزارة العدل يلقي الضوء على أزمة العمل الأهلي والخيري والمدني في مصر. حيث يخضع هذا العمل تنظيميًّا لقانونٍ لا يؤسس للحريات المدنية ولا يحميها، بل يعزز سيطرةَ الدولة على هذا المجال الحيوي، من مجالات الممارسة الديمقراطية. وهو ما يعني وقوع مؤسسات المجتمع المدني ـ والجمعيات الأهلية الخيرية أحدُ روافدها الرئيسية ـ تحت طائلة الحسابات السياسية للسلطة، القادرة ـ في أي لحظة تختارها ـ على انهاء عمل أي مؤسسات تراها مناوئة لها، أو مهددةً الخطوط الحمراء التي وضعتها.
ولا شك أن أزمة حصار النشاط الأهلي، تتضاعف في حالة انسحاب الدولة من مجال تقديم الخدمات لمواطنيها، إذ تتقدم جمعيات أهلية لملء الفراغ، ويختلط هذا غالبًا بحسابات سياسية/ دينية من جانب تلك الجمعيات ومن جانب الدولة، فيصبح مجال توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، المنصوص عليها في العهود والمواثيق الدولية، مرتبطًا بصراعات سياسية ضيقة، وبآليات ذات طابع خيري، تعتبر الحق منحة، وتعامل المواطن على أنه من العُفاة.
إن المبادرة المصرية، إذ تصر على ضرورة تحرير العمل الأهلي من هيمنة الدولة، وتدعو إلى تضييق نطاق الملاحقة والتجميد والمصادرة، إلى أضيق نطاق، وعلى أساسٍ من قواعد محددة غير مطاطية، وغير قابلة للتأويل لمصلحة السلطة وأنصارها، وحساباتها السياسية. وفي المقابل فإن المبادرة تدعو الدولة إلى القيام بواجبها، والالتزام بتوفير الحد الأدنى من الخدمات الصحية والتعليمية الجيدة لكافة المواطنين، بدلًا من التحريض على مؤسساتٍ تقوم بمهمةٍ، انسحبت هي من أدائها وتركتها لآليات سوقٍ حرٍّ، يفتقر الى آليات الضبط والرقابة المتعارف عليها، في مثل تلك الأنظمة، إضافة إلى أنه يعجز عن الوفاء بحقوق غير القادرين، في تأمين الخدمات الاجتماعية الحيوية من تعليم وصحة وغيرها.