حيثيات حماية الدين وانتهاك حرية الدين
كتب التقرير: إسلام بركات مساعد باحث
التقديم:
عمرو عزت:
عبر العديد من النقاشات في ندوات "منتدى الدين والحريات"، يمكن أن نقول أن الخلاصة التي نخرج بها أنه لا يوجد تأسيس قانوني لحرية الدين والمعتقد في مصر، رغم النص الدستوري على أن حرية اﻹعتقاد "مصونة" ثم "مطلقة". إلا أنه لا يوجد في ممارسات الدولة ضمان لحرية اﻹعتقاد على إطلاقها، بالعكس كل المنظومة القانونية وممارسات الدولة الإدارية تصب في اتجاه التقييد، ونجد أيضا أن اﻻنتهاكات التي تحدث من أطراف غير الدولة فهي غالبا لا تتعرض للمساءلة أو المحاسبة من جانب الدولة.
ــ في قضايا كثيرة نجد أن أحكام القضاء هي جزء من حالة التقييد ومساندة اﻻنتهاكات، وفي هذه الندوة سوف يكون تركيزنا على أحكام القضاء لأكثر من سبب: أولا، سوف نحاول أن نرى هل هناك ملامح مستمرة لتعامل القضاء مع حرية الدين والمعتقد، وما هي هذه الملامح. وثانيا، من خلال خبرة فريق الحريات المدنية في المبادرة المصرية مررنا على عدد كبير من القضايا، في مرحلة التحقيقات وفي مرحلة المحاكمة، وفي ثنايا هذه القضايا نجد كما ثريا من التفاصيل والمواقف، التي بدورها تلقي الضوء على أزمة حرية الدين والمعتقد في مصر.
ــ زميلنا عادل رمضان، المسئول القانوني في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، شهد عبر عدد كبير من السنين قضايا كثيرة. في معظمها لم تكن أحكام القضاء مرضية لنا كمدافعين عن حرية الدين والمعتقد، وفي عدد قليل حققنا انتصارات محدودة مثل إثبات "الشرطة" (-) في خانة الديانة للبهائيين أو مثل بعض أحكام البراءة لبعض المتهمين في قضايا ازدراء اﻷديان.لكن حتى حيثيات الأحكام في بعض هذه القضايا ينطلق من موقف معادي لحرية الدين والمعتقد.
سؤال من عمرو عزت لعادل رمضان: من وجهة نظر قانونية، هل توجد ملامح ثابتة مستمرة أو ملامح لتطور تاريخي معين فيما يخص موقف القضاء من حرية الدين؟
عادل رمضان:
ــ من بداية شغلي على هذا الملف حاولت أن احدد موقف ثابت للمحاكم المصرية من حرية الدين والمعتقد، ولكن في النهاية انتهيت إلى أنه لا يوجد موقف واضح أو تطور في اتجاه ما، ووجدت أنه يتوقف على عوامل تتعلق بشخص القاضي ومعتقداته وإن كان محافظ أو منفتح. ولذلك نجد أن الأحكام تختلف خلال سنة واحدة أمام نفس المحكمة والعامل الوحيد لتغير اﻷحكام أن رئيس هذه المحكمة تم تغييره، المحسوم بالنسبة لي أن مواقف معظم المحاكم المصرية هي ضد حرية الدين وهي عمليا ضد النص الدستوري عن إطلاق حرية الدين.
حرية تغيير الدين مصونة فقط عندما تكون إلى الإسلام
عادل رمضان:
حينما نبدأ في الدخول في تفاصيل القضايا أمام المحاكم سوف نجد أن المحاكم تعاملت مع قضايا متعددة مرتبطة بجوانب كثيرة من ممارسة حرية الدين والمعتقد، من ضمن هذه الممارسات: تغيير المعتقد، من أي ديانة لمسلم، أو من مسلم ﻷي ديانة أخرى أو داخل المسيحية ذاتها من مسيحي كاثوليكي إلى مسيحي ارثوذكسي مثلا أو العكس، أو ترك اﻹسلام إلى موقف لا ديني.
لو بدأنا بالمحاكم المدنية وعلى رأسها محاكم النقض سوف نجد موقفها يختلف حسب اتجاه التغيير، موقفها لا يضمن حقك أن تغير دينك كيفما تشاء، لو التغيير إلى اﻹسلام نجد أحكام محاكم كثيرة ترحب به ويكفي في ذلك أن تقول بظاهر لسانك أنك مسلم وفي هذه الحالة بسهولة كبيرة تثبت ذلك وتحصل على أحكام في وقت قصير في حالة تعرضك لمشكلة ما.
أما لو كان التغيير للعكس نجد أن أحكام محكمة النقض تذهب إلى إن الشخص الذي يغير دينه من اﻹسلام ﻷي ديانة أخرى هو في منزلة الميت وتقول في ذلك "الردة وهي الرجوع عن دين اﻹسلام سبب من أسباب الفرقة، وليس له أن يتزوج أصلا لا بسلم ولا بغير مسلم إذا هي في معنى الموت ومنزلته والميت لا يكون محلا للزواج" نقض رقم 20 لسنة 34 قضائية بتاريخ 30 -3-1966
ــ أما بخصوص موقف مجلس الدولة من الحق في تغيير الدين،لدينا حكم سنة 1981 بخصوص العودة للمسيحية، والقضية تتعلق بمسيحي أسلم ثم عاد للمسيحية ويريد إثبات ذلك في أوراقه الرسمية.
في حيثيات الحكم نجد تناقض شديد، المحكمة قالت أنه مسلم وليس لنا علاقة بكونه كان قبل ذلك مسيحيا وإن قضت المحكمة له بحقه في بطاقة شخصية مكتوب في خانة الديانة "مسيحي" مرة أخرى فهذا "إقرار على الردة" وهذا لا يجوز وفق الشريعة اﻹسلامية، ولابد أن يظل مكتوبا في خانة الدين في بطاقته "مسلم"، والمحكمة وهي تؤسس لذلك لم تجد نصوص قانونية واضحة تستند إليها فلجأت للمادة اﻷولى في القانون المدني والتي تذهب إلى إن القاضي إذا لم يجد نص قانوني يلجأ للعرف وإذا لم يجد في العرف يلجأ لأحكام الشريعة اﻹسلامية، ولجأت للشريعة اﻹسلامية وقالت إن الشريعة اﻹسلامية هي النظام العام والنظام العام هو الشريعة اﻹسلامية، وبعد ذلك استخدمت مفهوم النظام العام وهو مفهوم غير واضح في تبريرها إنه لا يجوز اقرار المرتد على ردته. وفي هذا الحكم قالت المحكمة "إننا في دولة مؤمنة والدولة المؤمنة لا يصح أن يوجد بها مرتدون". الغريب أن المحكمة قالت في حكمها أنها تعتقد أن هذا الشخص لم يسلم أصلا وإنما تظاهر بذلك لكي يحصل على حكم الطلاق من زوجته، ولكن المحكمة قالت أنها لن تسمح له بالعودة له والإفلات بفعلته.
استمر موقف مجلس الدولة على هذا المنوال إلى عام 2004، وفي 2004 قال القاضي فاروق عبدالقادر في حكم متعلق بنفس الموضوع: إن من حق المسيحي الذي اسلم أن يعود مرة أخرى إلى المسيحية وإنه يحصل على بطاقة يسجل في خانة ديانته مسيحي، ولكن بالرغم من موقف القاضي المستنير إلا أنه بنى حكمه على إن عودة من أسلم مرة أخرى إلى مسيحية فهو ليس بمرتد ﻷن المرتد هو من امتلأ بالكفر قلبه والمسيحي ليس بكافر، لكنه لم يبن حكمه على أن من حق الشخص أن يختار دينه بدون تدخل الدولة.
-بعد حكم فاروق عبدالقادر والذي أحدث ضجة جاء القاضي محمد الحسيني في 2009 واختلف مع الحكم السابق وقال إن هذا الشخص مرتد ومن المفترض أن يطبق عليه حد الردة لكن المحكمة لا تستطيع تطبيق حد الردة نظرا لأنها محكمة قرارات إدارية، وقال أيضا إن حتى المسيحي لا يستطيع تغيير دينه إلا للإسلام، لأن المسيحي لو غير دينه إلى اليهودية أو أي ديانة أخرى فهو في حكم المرتد، واستند في حكمه إلى شكل من تراتبية الأديان، وقال أنه لا يصح للشخص أن يترك المسيحية لديانة قبلها مثل اليهودية مثلا، واستند في ذلك إلى أن هناك حكمة إلهية في أن الله أنزل موسى أولا ثم عيسى ثم محمد، وإن هذا الترتيب الرباني وراءه حكمه وأنه لا يصح أن نعكس هذا الترتيب تحت أي شكل من اﻷشكال.
ــ في محكمة الجنايات سنة 1996 كانت هناك قضية شخص متهم بالتزوير ﻷنه كتب في بطاقته مسيحي في حين إنه سبق واشهر إسلامه، فتم اتهامه من قبل النيابة بالتزوير في أوراق رسمية. المحكمة كانت في موقف حرج، شخص مكتوب في بطاقته إنه مسيحي ومعه شهادة من الكنيسة إنه مسيحي وفي ذات الوقت متهم بالتزوير، المحكمة قالت إن التزوير هو تغيير الحقيقة في اﻷوراق الرسمية وإنه طالما المتهم يقول إنه مسيحي والمعتقد شيء في القلب فالمحكمة ليس في استطاعتها أن تحكم عليه بأنه ليس بمسيحي أما فيما يخض اﻻرتداد عن الإسلام فقالت هذا ليس من سلطة المحكمة.
حرية العقيدة مقيّدة بحدود "الاعتراف"
عمرو عزت:
ــ هناك محور آخر له علاقة باختيار الإنسان لمعتقدات تقول الدولة أنها "غير معترف بها". الدولة تنظر لحدود حرية الاعتقاد أنها هي حدود دائرة معينة لمعتقدات "تعترف" بها الدولة وهي حصرا: الإسلام السني وقف ما تراه الدولة، والكنائس المسيحية المرخص لها رسميا، والطائفة اليهودية. كيف ترى مواقف القضاء المصري فما يخص قضية "الاعتراف"؟
عادل رمضان:
ــ المحاكم قررت من فترة طويلة إن اﻷديان المسموح للمصريين اﻻعتقاد بها هم ثلاثة، الإسلام والمسيحية واليهودية، والاعتقاد بغير ذلك يعرضك للكثير من المشاكل.
سجلت الطائفة البهائية في مصر المحفل البهائي في المحاكم المختلطة سنة 1924 وتم انشاء المحفل البهائي في العباسية، وفي سنة 1961 وفي إطار حملة جمال عبدالناصر وحل اﻷحزاب والجمعيات، كان من ضمن ما تم حله جمعية شهود يهوه والمحفل البهائي وتم مصادرة أملاك جمعيات البهائيين لصالح مراكز تحفيظ القرآن، وتم عرض هذا اﻷمر على المحكمة الدستورية العليا والتي كانت تسمي في وقتها المحكمة العليا، التي قالت إن حرية الدين مطلقة بشرط أن لا يكون مخالفا للنظام العام وأنها مقيدة بالثلاثة أديان، الإسلام والمسيحية واليهودية، وفي حكمها تحدثت عن المعتقد البهائي ونشأته وربطت بينه وبين الصهيونية وقالت أنه خطر على المجتمع وقالت في الحكم إن "اﻹعلان العالمي لحقوق اﻹنسان" غير ملزم وإنه أضعف في مرتبته القانونية من القانون ذاته، وانتهت إلى أن حل المحفل البهائي ليس به إخلال بحرية الدين.
في سنة 1981 المحكمة اﻹدارية العليا قالت إن من حق البهائي الحصول على بطاقة مسجل في خانة الدين فيها أنه بهائي وأن ذلك لا يخالف الشريعة اﻹسلامية لأن "دار اﻹسلام" وسعت غير المسلمين على ما يدينون.
في 2006 اعتمد القاضي فاروق عبدالقادر في حكم له على حكم 1981 وأسس حكمه بناء عليه وقال إن من حق البهائي أن يكتب في خانة الديانة إنه بهائي، فحدثت ضجة في اﻹعلام وتم عرض الأمر على المحكمة اﻹدارية العليا وبالرغم من حكمها سنة 1981 لكن نجدها تقول بأن هذا اﻷمر كفر ومؤامرة على اﻹسلام وليس من حقهم استخراج بطاقة. "المبادرة المصرية" تولت هذه القضية وحصلنا على حكم بأحقية البهائي في وضع شرطة (-) في خانة الديانة، وكان هذا انتصارا بقدر ما، لكن حيثيات الحكم تجسد مدى كراهية القاضي لحرية الدين وليس العكس، فالحيثيات مليئة بإدانة الديانة البهائيين والهجوم على أهلها.
يمكننا أن نلاحظ أن اﻷحكام سواء التي أعطت للبهائي حقه بتسجيل ديانته كبهائي أو المحاكم التي حرمته من ذلك، كلهم أسسوا موقفهم وفق أحكام الشريعة اﻹسلامية ورؤية وتفسير القاضي لها لا وفق حرية الدين والمعتقد.
توجيه الخليفة العثماني لا يزال يحكم موقف القضاء من الحق في دار عبادة
عمرو عزت:
اﻹعتراف بطوائف جديدة مرتبط بشكل كبير بطلب انشاء دور عبادة، المشكلة القانونية لدور العبادة لغير المسلمين تتمثل في عدم وجود قانون ومازال التراخيص بإنشاء دور عبادة للطوائف "المعترف بها"، وهو عمليا للمسيحيين فقط وللكنائس المسيحية المعترف بها، لا تزال تصدر بقرار جمهوري، وهذا وفقا للتقاليد التي جرت في الدولة المصرية بناء على توجيه من الخليفة العثماني أو ما يسمى بالخط الهمايوني ولم يحدث أي تغيير. ولكن أعتقد أن هناك تفاصيل قضائية وتطورات حول الحق في إنشاء دور عبادة.
عادل رمضان:
ــ فيما يخص بناء دور العبادة، نجد أن اقامة مسجد من أسهل ما يمكن، لكن لما نتحدث عن بناء الكنائس للمسيحيين نجد أن تقنين هذا اﻷمر يرجع للخط الهمايوني وهو توجيه من الخليفة العثماني وكان في وقته شيء متطور يضمن حرية إنشاء دور العبادة للطوائف الخاضعة للخلافة ولكن بشرط صدور ترخيص من الباب العالي، وتم وضع مجموعة من القواعد مازالت إلى اليوم جارية وأصبح إنشاء كنيسة جديدة من وقتها يصدر بترخيص من الباب العالي أو الخليفة ثم إلى الملك في عهد أسرة محمد علي ثم إلى رئيس الجمهورية.
لدينا أحكام في الخمسينات والستينات منها ما هو سلبي ومنها ما هو ايجابي. هناك حكم للقاضي عبدالرازق السنهوري يقول فيه أن الدولة لا يصح أن تقف عائق أمام ممارسة الناس لشعائرهم الدينية وبناء دور العبادة وخاصة للمسيحيين ﻷنهم جزء من هذا المجتمع، وفي ذات الوقت توجد أحكام سيئة جدا تتحدث عن الحق في منع إنشاء كنيسة حفاظا على اﻷمن والنظام العام.
في عهد حسني مبارك صدر قرار جمهوري بتفويض المحافظين في تراخيص ترميم الكنائس، قبلها كان محزنا أن ترى في الجريدة الرسمية قرار جمهوري بالترخيص لكنيسة بتجديد بلاط الحمام، أعتقد أن مبارك استشعر اﻻهانة من مثل هذا القرارات فأصدر قرارا بتفويض المحافظين فيما يخص ترميم الكنائس، لكن الترخيص بانشاء كنيسة جديدة ما زال بقرار من رئيس الجمهورية.
في 2011 صدر حكم كان مفاجأة لأنه قال أن هناك فارقا بين الترخيص بانشاء المبنى، وهو أمر تابع لسلطات للحي الذي يبنى فيه المبنى، أما الترخيص بالتعبد في هذا المبنى وممارسة النشاط الديني فهو الأمر الذي جرت العادة أنه بقرار من رئيس الجمهورية، وقال إنه بمجرد صدور الترخيص من رئيس الجمهورية للترخيص بالنشاط الديني لكنيسة ما فإن ذلك ترخيصا أبديا، وليس من حق رئيس الجمهورية ذاته التراجع عنه، ويصبح التعامل مع تراخيص الترميمات وغيرها من اختصاصات الحي، وليس حتى من اختصاص المحافظين الذين فوضهم رئيس الجمهورية، ورغم التقدم الإيجابي المحدود في هذا الحكم لكن في الواقع لم يطبق.
مجادلات فقهية تحكم قضايا الحريات الشخصية
عمرو عزت:
ــ هناك أيضا قضايا تتصل بالحريات الشخصية المتعلقة أحيانا بممارسة دينية، مثل القضايا المتعلقة بالحق في ارتداء النقاب في بعض اﻷماكن، مثل قضية دخول المنتقبات لمكتبة الجامعة اﻷمريكية التي تدخلت فيها "المبادرة المصرية".
عادل رمضان:
ــ التعبير عن المعتقد الديني يتخذ اشكالا كثيرة، منها أحيانا زي الشخص. في قضية إيمان الزيني ضد الجامعة اﻷمريكية لتطالب بحقها في الدخول للمكتبة بالنقاب، قررنا التدخل للدفاع عن حقها.
كان هناك جدل بيننا وبين محامين إيمان وكان رأينا - في المبادرة المصرية - أننا نريد أن نقدم حججا مرتبطة بالحرية الشخصية وليست مرتبطة بحرية الدين والمعتقد، لأنه بحسب مواقف سابقة لمجلس الدولة فإن القضاة اهتموا بالنقاش إن كان النقاب جزء أساسي من المعتقد اﻹسلامي أم لا؟
وبناء على ذلك هناك أحكام تذهب إلى أن النقاب ليس جزء أساسي من المعتقد اﻹسلامي وأنه ليس فرضا واجبا على المسلمة، فكانت رؤيتنا أن نتجنب ذلك ونحاول أن نقدم حججا مرتبطة بالحرية الشخصية، وفي النهاية دائرة توحيد المباديء في مجلس الدولة اصدرت حكما أنه من حق المرأة ارتداء النقاب انطلاقا من الحرية الشخصية.
مداخلات من الحضور الندوة:
مداخلة من حسام السكري:
ما هي السياقات التي تذهب بالمواطن المصري للمحكمة فيما يتعلق بالدين؟
عادل رمضان:
الدين متداخل في كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا، ولو كان لك معتقد غير معترف به أو فكرت في الانتقال إليه، أو فكرت عموما في التحول من الإسلام إلى أي دين، فستحتاج للجوء للمحاكم.
مثال لذلك: بطاقتك الشخصية مكتوب فيها ديانتك فأنت لو أردت تغيير دينك الموجود في البطاقة إلى غير الإسلام فأنت مضطر في هذه الحالة اللجوء للمحاكم وهنا المحاكم تناقش حق المواطن الشخصي في تغيير دينه، لو أراد مواطن الزواج فغير مسموح بالزواج لغير لأصحاب الديانات المعترف بها من قبل الدولة، وهذا قد يؤدي بك للذهاب للمحاكم لتطالب بحقك في إثبات الزواج، وهكذا.
أسامة دياب:
هل يمكن رصد نمط معين للأحكام القضائية المتعلقة بحرية الدين حسب من تولى سلطة الرئاسة؟ هل اختلفت هذه الأحكام وقت الإخوان عما قبله أو بعده؟.
عادل رمضان:
في فترة الرئيس حسني مبارك كان موضوع ازدراء اﻷديان من اختصاص نيابة أمن الدولة فكان لديهم القدرة على التحكم في الموضوع تماما، وكانت نسبة كبيرة من القضايا تصل للنيابة، ومن واقع ما شهدته كانت النيابة تؤدبهم وتحتجزهم فترة شهرين إلى ستة شهور وبعدها يتم حفظ القضية.
وكان من النادر إحالة قضية من هذه القضايا للمحاكم، وغالبا القضايا التي تحال كانت قضايا لها طابع محدد مثل ادعاء الألوهية أو ادعاء النبوة.
بعد 2011 بدأت تزداد بلاغات ازدراء الأديان، ومع بداية حكم اﻹخوان بدأت تزداد أكثر وتصل للنيابة العامة، بعد حكم اﻻخوان ظننت إن قضايا ازدراء اﻷديان سوف يكون عددها أقل ولكن لم يحدث ذلك ومستمرة تقريبا بنفس المعدل.
الخاتمة:
عمرو عزت:
ــ أعتقد أن هناك خيط يمكن أن نتبعه فيما سرده الزميل عادل رمضان من مواقف القضاة في القضايا المتصلة بالدين، أن القضاة يترددون جيئة وذهابا بين أرضيتين:الأرضية الدستورية والقانونية التي تناقش مفاهيم حقوقية مثل الحرية الشخصية وحرية الدين والمساواة، وأرضية أخرى تتعلق بحماية الإسلام وتستند للنص الدستوري على "دين الدولة" وكون الشريعة مصدر رئيسي للتشريع، وفي الواقع أرضية "حماية اﻹسلام" تتجاوز كثيرا حدود النصوص الدستورية وتفسيراتها الرسمية، ولكنها تتجاوزها إلى فرض معايير المسلمين على الآخرين:أي الأديان نسمح بها لأننا لا نرى في الفقه والتاريخ الإسلامي ما يدعو إلى السماح بها، هنا المسلمين في موقع سلطة على غيرهم، وعادة حينما تتبنى الدولة دينا وتريد حمايته وفرض معاييره فإنها تتبنى مذهب داخل الدين، لذلك نرى على نفس الأرضية حماية للمذهب السني ضد المذهب الشيعي وضد أي أفكار وتأويلات تخرج عن المذهب السني وفق ما تراه الدولة وهيئاتها الدينية الرسمية. أرضية "حماية الإسلام" تتجاوز فكرة "الدين الرسمي" أو "الشريعة" وتمتد إلى ممارسات تاريخية لدولة المسلمين أو دولة الخلافة تجد الآن ملاذا لها في التفسيرات السلطوية الضيقة لمفاهيم مثل "النظام العام" نظرا لغياب أي تأسيس حقيقي لحرية الدين يتضمن حماية حقيقية لهذه الحرية، ويبدو أن التراث القضائي ينضم إلى هذا التراث التاريخي ليكون جزءا من أزمة حرية الدين والمعتقد في مصر.