دعوة الدولة للتجديد الديني محاولة مكررة للإجابة عن السؤال الخاطئ
مقتطفات من ندوة "اﻹسلام كما تريده الدولة: أي معان للتجديد والوسطية والثوابت؟".
نظمها "منتدى الدين والحريات"، الثلاثاء 16 يونيو 2015.
تقديم من عمرو عزت، الباحث في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية":
سبب إثارة الندوة لتساؤل " اﻹسلام كما تريده الدولة: أي معاني للتجديد والوسطية والثوابت؟" هو أن المشهد الديني في مصر الآن يجمع بين ملمحين يبدو بينهما التناقض. من جانب نجد أن الدولة تؤكد على أن هناك هيئات إسلامية رسمية هي التي تمثل اﻹسلام الصحيح التي تصفه بعدة أوصاف منها على سبيل المثال :"الوسطية، الاعتدال" في مقابل أفكار وممارسات أخرى تصفها الدولة وهيئاتها الدينية الرسمية بأنها متطرفة أو مفرطة وتخالف ثوابت الدين، وتؤكد الدولة أن هذا هو السبب لضرورة احتكار الهيئات الدينية الرسمية للحق في الدعوة للإسلام وتعليمه وإدارة شئونه مثل ممارسة الشعائر في المساجد وهي أيضا رقيب رسمي على كل ما يقال ويتم طرحه بخصوص الإسلام.
من جانب آخر تقول الدولة ممثلة في رئيس الجمهورية أننا نحتاج لثورة دينية وإصلاحا دينيا يجب أن تقوم به الهيئات الدينية الرسمية بخصوص ما تتبناه وتعلنه من أفكار، فيما يوحي باعتراف الدولة أن هناك أزمة في هذه الهيئات الرسمية وأفكارها.
هذا التناقض الذي يظهر يوحي أحيانا بالارتباك، لكنه يطرح العديد من الأسئلة حول معنى "الوسطية"التي تضفيها الدولة على إسلامها ثم تعود وتشكك فيه وتقول أنها بحاجة لإصلاح وتجديد، وحول معنى "التجديد" الذي ترغب فيه الدولة ويتحدث عنه رجال المؤسسات الدينية الإسلامية وحدوده ثم يعودون لمطاردة أصحاب أي أفكار جديدة ومختلفة تخص الإسلام.
هذه التساؤلات نطرحها على ضيوف ندوتنا.
مصطفى عبدالظاهر، الباحث في علم الاجتماع السياسي:
لكي نشتبك مع عنوان الندوة المطروح للنقاش علينا أن نشتبك مع بدايات الدولة القومية في مصر الحديثة. لو افترضنا أن الدولة القومية في مصر نشأت على يد محمد علي سنجد أن الدولة أبرمت نوع من أنواع التحالف مع الجماعة الدينية لتقوية السردية القومية والتي تتمكن من خلالها خلق شكل من أشكال التدين تتمكن من خلاله السيطرة على المجتمع بشكل رمزي.
نجد أن التحالف مع الجماعة الدينية بلغ ذروته بقانون اﻷزهر الذي اصدره جمال عبدالناصر والذي يذهب إلى أن اﻷزهر هو المؤسسة المسئولة عن شئون اﻹسلام وتراث اﻹسلام.
اﻷزهر لم يوفر جهدا في اﻻتساق مع هذا التحالف، فنجد أنه كان يوفر دائما غطاء شرعيا لمواقف الدولة التي تحتاجه فيها، فنجد أن اﻷزهر أباح معاهدة الصلح مع إسرائيل، ونجد أن فوائد البنوك أباحها في عهد مبارك عندما تبنت الدولة سياسات نيو ليبرالية.
بالنسبة لفكرة تجديد الخطاب الديني نجد أن الطفرة التي حدثت في علم تحليل الخطاب تخبرنا أن الخطاب غير منقطع عن السياق اﻻجتماعي، وفي هذا السياق نجد أن الدولة هي التي تهيمن على المعرفة التي يقدمها الفكر اﻷزهري فنجد أن تجديد الخطاب الديني لذراع أيديولوجي للدولة مستحيل وأن التجديد الذي يحدث هو تجديد لغوي وذلك من خلال البحث عن تغيير عدة مصطلحات لكن لم أجد أي تجديد يتعلق بالبنى التي كونت الخطاب الديني سواء كان أزهري أو عند الجماعات اﻹسلامية.
بالنسبة لقضية إسلام البحيري، مع اعتراضي طريقة البحيري الفضائحية في تناوله للتراث، لكن نجد أن الدولة وقفت ضده واستخدمت اﻷزهر في تحجيم هذا الخطاب ﻷنه خرج عن السردية التي تريد الدولة الحفاظ عليها وهو اﻹسلام الذي يقدمه اﻷزهر ولذلك كان ﻻبد من وقفه.
عن ممارسة الدين في المجال العام لو رجعنا لتعريف يورجن هابرماس للمجال العام، فهو "القوة غير المفروضة بالقوة التي يكتسبها الجدال اﻷقوى". وأرى أن المجال العام هو قوة تدافع عن مصالح المجتمع في مواجهة الدولة، لو رجعنا للتاريخ اﻹسلامي نجد أن الكثير من العلماء وضعوا أعرافهم الداخلية ضد الهيمنة التي تمارسها الدولة على الدين والناس. لو أخذنا هذا الكلام كمقدمة وقارنناه بما تفعله الدولة في المجال الديني، نجد أن دور الدين في المجال العام اﻵن انتهى لانه لم يعد قوة من المجتمع في مواجهة الدولة، ﻷنه أداة من أدوات الدولة والذي يمثله اﻷزهر، وحتى الجماعات اﻹسلامية والتيارات الإسلامية هي قوى تريد الوصول لقيادة الدولة، وأصبحت الدولة هي المهيمنة تماما في مواجهة المجتمع، ولذلك فإن الخطاب الديني لا يفهم الآن إلا من خلال دوره في علاقات الهيمنة والسلطة.
هاني محمود، مدرس مساعد للشريعة بكلية الحقوق في جامعة عين شمس، وإمام سابق بوزارة اﻷوقاف:
في البداية أنطلق من أنه قد حدث لدينا استسلام حضاري كامل لمنجزات الحداثة الغربية سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، هذا اﻻستسلام جعلنا نقبل كل منجزات الحضارة الغربية، في هذا الوقت الذي حدث فيه هذا اﻻستسلام نجد مفكري الغرب يوجهوا انتقادات للحداثة الغربية، ﻷنها وإن كانت حققت منجزات على المستوى التكنولوجي إلا أنها دمرت القيم اﻹنسانية.
أرى أن اﻹسلام كل لا يتجزأ وهذا يجعلني انطلق لتناول مصطلحات "الوسطية، الثوابت، تجديد الخطاب الديني، صحيح الدين".
لو أردنا تحليل محتويات الدين اﻹسلامي سنجد أنه يتكون من أربعة مكونات "العقيدة، اﻷحكام الشرعية، منظومة القيم، النظم اﻹسلامية"، وتتحقق الوسطية عندما نلتزم بهذه المكونات اﻷربع ولو تم استبعاد مكون منها يحدث الخلل سواء باﻹفراط أو التفريط.
أرى أن مهمة التجديد أنه حينما يتم استبعاد مكون من هذه المكونات يتم استعادتها ﻷن التجديد هو احياء ما اندثر من أحكام الشريعة مع مراعاة ظروف العصر، أما أن نضع التجديد في قالب الثورة الدينية والحذف فهذا اجتزاء غير مقبول.
كان من نتائج الاستسلام الحضاري للغرب هو نشوء الدولة القومية العلمانية في نسختها العربية والذي أنتج ما أسميه "العلمانية الموظفة للدين"، وأصبحت مهمة تجديد الخطاب الديني أن يعيد تكييف نفسه مع العلمانية، فحدث على اثر ذلك احتقان لأن بعض الهيئات اﻹسلامية الرسمية قبلت بتكييف نفسها مع العلمانية بينما أغلب التيارات اﻹسلامية رفضت هذا اﻻتجاه ورأت أنه لا سبيل لتكييف نفسه مع معايير العلمانية وحدث الصراع بين هذه التيارات وأجهزة الدولة الرسمية وازدادت حدة الخصومة بعد 3 يوليو 2013 بسبب رفض هذه التيارات للعلمانية بكل صورها بالإضافة لأسباب سياسية أخرى.
وأرى أن طبيعة هذه المعارك أنها صفرية وأن الخاسر فيها الجميع في حين أنه لو فتح المجال للعقلاء اعتقد أن المصالحة ستحدث، وفي النهاية أختلف مع ما قاله مصطفى عبد الظاهر في أن دور الدين انتهى في المجال العام، و أرى أنه طبيعة اﻹسلام تأبى إلا أن يكون له دور في المجال العام.
مداخلة أحد الحضور:
تعقيبي على ما قاله الدكتور هاني محمود أن" الدين كل لا يتجزأ". أرى أن هذا الكلام يصح على اﻷشياء المادية، أما في مجال اﻷفكار فنجد أن كل فكرة تطرح يتلقاها كل فرد بتأويل مختلف عن اﻵخر، وهذا التجلي نجده بشكل واضح عند الصحابة بالرغم من نزول القرآن عليهم إلا أنهم اختلفوا في تأويله ووصل اﻷمر لقتالهم البعض. فتفسير الوسطية بأن الدين كل لا يتجزأ غير واضح وغير متسق.
مداخلة عمرو عبدالرحمن، مدير وحدة الحريات المدنية في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية":
ليس لدي أزمة أن تتبنى الدولة دين معين وتسعى لترويجه، وبعض الديمقراطيات الحديثة تصالحت مع هذا اﻷمر فليست المشكلة في هذا، مشكلتنا في مصر أنه بدلا من التفرغ لترويج خطاب ديني، بعينه بغض النظر عن رأينا فيه، نجد أن المؤسسة الدينية في مصر تقوم بقمع أشكال التدين اﻷخرى وهنا أتساءل عدة أسئلة: هل دور وزير اﻷوقاف المسئول عن ادارة الشأن الديني للمسلمين تعقب الملحدين وفق تصريحاته التي يصرح بها؟
هل دور وزير اﻷوقاف أن يطالب بغلق منظمات المجتمع المدني وفق البيان الذي أصدره يوم انتهاء المهلة التي أعطتها الحكومة للمنظمات الحقوقية في نوفمبر الماضي؟
هل دور شيخ اﻷزهر وفق تصريحاته المتتالية أن يحرض الدولة على اتباع المذهب الشيعي؟
ولذلك ليست مشكلتنا في التجديد فهذه مسألة بنت القرن التاسع عشر والتي واجه بها الشيوخ أمثال محمد عبده الغرب ﻻثبات أننا مؤهلون لحكم انفسنا، لكن مشكلتنا مع المؤسسات الدينية في عدة مسائل منها حد الردة، وحدود حرية التعبير والتي يضعون لها خطوط حمراء علينا أن نلتزم بها، وحرية العقيدة لكل صاحب دين أو معتقد، فهل تقبل بهذا المؤسسات الدينية؟
مداخلة أحد الحضور:
أرى أن الدولة القومية الحديثة في نسختها العربية مختلفة عن دولة الخلافة في مسألة التعامل مع الدين وذلك ﻷن الخلافة كانت تنطلق من أن الشرعية التي يتم اﻻحتكام إليها في النهاية هي الشريعة اﻹسلامية، لكن الدولة القومية الحديثة هي مصدر التشريع في ذاتها وهذا فيه تشابه مع الدولة الغربية الحديثة لكن المشكلة الحقيقة أن النماذج تطورت وإن الدولة تصبح مصدر التشريع وهذا مرتبط بالديمقراطية وحكم الشعب الذي يقر ايه ما ينبغي عمله وما لا ينبغي عمله، لكن في الدولة العربية اﻷمر مختلف وأصبح المعنى السلطوي هو المستقر فنجد أن المشكلة الحقيقية في احتكار الدولة للدين وهذا يجعلنا ننطلق للنقطة الثانية هي أن المؤسسات الدينية ليست هي التي تحتكر الدين ولكن الدولة تحتكر الدين من خلال احتكارها للمؤسسات الدينية، فالخطوة اﻷهم هي نزع سلطة الدولة عن هذه المؤسسات ومن ثم تنزع احتكارها للدين والذي سيؤدي لنقاش حقيقي حول معاني تجديد الخطاب الديني وغيره.
مداخلة عمرو عزت، الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية:
لماذا أصلا يطرح سؤال التجديد الديني في أوقات تأزم سياسي؟
اعتقد ﻷننا بشكل مازلنا محتجزين داخل اﻹسلام، فاﻹسلام لم يظهر كدعوة دينية فقط لكن الجماعة المسلمة أصبح لها دولة، ودول الخلافة المتعاقبة كانت "دول المسلمين" والمسلمين فيها هم أعضاء في جماعة دينية سياسية تحت السلطة الحاكمة، وغير المسلمين هم طوائف تابعة للمسلمين ( في ذمة المسلمين). والإسلام هنا هو أحد أسس السلطة بشكل واضح.
وأعتقد أنه لم يحدث تحديث وإصلاح في الشئون الدينية ليقر حقوق وحريات دينية للناس في مساواة لكن الدولة الحديثة في مصر فيما يخص الجانب الديني على هذا اﻻمتداد، ما زال الإسلام أحد أسس السلطة وهناك وضع مختلف للمسلمين وغيرهم، المسلمين تابعين للدولة وغيرهم طوائف تنتظر الاعتراف من المسلمين والدولة والهيئات الدينية الإسلامية.
إذن الإسلام لا يزال أحد أسس السلطة والسيادة لبعض الناس على بعض، وفي أوقات التأزم السياسي التي يثور فيها الصراع حول هذه السيادة ( الصراع مع التيار الإسلامي) أو تظهر هذه السيادة بشكل سافر ومحرج ( صعود داعش) فإن الدولة وهيئاتها الدينية تحاول الدفع بسؤال تجديد الدين والبحث عن صحيح الدين، بدلا من التساؤل لماذا تظل هذه السيادة أصلا موجودة ولماذا يظل الإسلام أحد أسس مشروعية السلطة بدلا من إصلاح القانون والسياسة في اتجاه مجتمع ديمقراطي.
التيارت اﻹسلامية بعد الثورة كانت متسقة مع ذاتها فقالت بوضوح أنها تريد بناء سلطة إٍسلامية، في المقابل نجد أن كثير من التيارات التي تصارعت معهم لم تقل بوضوح أنها ﻻ تريد سلطة إسلامية ﻷسباب عملية منها خوفها من مواجهة التفكير السائد عند معظم المصريين ولكن هذا التيارات قالت نريد أن يكون الدين أحد مكونات السلطة ولكن ليس دين اﻹسلاميين ولكن "دين وسطي معتدل". بعيدا عن ذلك، فنحن لسنا مضطرين لﻹجابة على اسئلة التجديد والوسطية وصحيح الدين بقدر ما نحن معنيين باسئلة الديمقراطية والقانون والسياسة لأن هذا ما يهمنا كلنا كمواطنين مهما كانت عقائدنا.
تعقيب هاني محمود على المداخلات:
بالنسبة لمسألة الحرية فقد قرأت تعريف جيد لها عند مونتسكيو في كتاب "روح الشرائع" يقول "بأن الحرية حق الفرد في أن يفعل كل ما يسمح به القانون"، لذلك نجد أن حتى في الدول الديقراطية نجدها تضع حظر على كل ما يهدد هوية الدولة، مثلما فعلت فرنسا عندما منعت الحجاب في المدارس العامة، وعندما تمت محاكمة جارودي بسبب تشكيكه في محرقة النازيين لليهود، بالتالي إذا تم اعتبار نشاط ما يشكل خطر على هوية الدولة المصرية فلابد أن نتعامل بنفس المنطق فيحق للأزهر أن يقترح على الدولة قانون يحظر اﻹلحاد، إذا رأى فيه أنه يشكل خطورة على هوية الدولة.
تعقيب مصطفى عبدالظاهر على المداخلات:
أنا مع عمرو عبدالرحمن في أنه لابد من طرح أسئلة حول الردة وحقوق البهائيين والشيعة وغيرها، وفي ذلك أرى أن الدولة كحقيقة موضوعية سابقة على منهج التدين فلو أرادت إعطاء الشيعة حقوقهم والتقارب معهم ستفعل ذلك، ولتوضيح أن الدولة حقيقة موضوعية سابقة على منهج التدين هو أن اﻷزهر كان على خلاف جوهري مع الوهابية ونجد اﻵن تعاون بين الدولة واﻷزهر مع السلفيين ضد ما يسمى بالتشيع ولذلك أرى أن الدولة حقيقة سابقة على المذاهب وتستخدمها في تطبيق إرادتها.
إعداد:إسلام بركات
مساعد باحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية