مشروع الأحوال الشخصية للمسيحيين محل خلاف بين الكنائس والدولة ولا يرضي أصحاب مشكلات الطلاق والزواج الثاني
بمناسبة إرسال وزارة العدالة اﻻنتقالية نسخة من مشروع موحد لقانون اﻷحوال الشخصية للمسيحيين إلى رؤساء الكنائس المصرية لدراسته وإبداء الملاحظات عليه، دارنقاش عن مقترحات الزواج المدني للمسيحيين كحل للمشاكل التي يعاني منها اﻷقباط فيما يخص الطلاق والزواج مرة ثانية، في الندوة التي نظمها "منتدى الدين والحريات "، الثلاثاء 2 ديسمبر 2014 في مقر "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية".
شارك في النقاش القس رفعت فكري رئيس اﻹعلام والنشر بالكنيسة اﻹنجيلية وبيتر النجار محامي وماجستير في قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، وطارق رمضان المحامي والمستشار القانوني لحركة" الحق في الحياة" . وقدَّم للنقاش وأداره إسحق إبراهيم الباحث ومسئول ملف حرية الدين والمعتقد في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية".
في البداية قال إسحق إبراهيم: إن ملف اﻷحوال الشخصية لدى اﻷقباط هو مصدر معاناة لآلاف اﻷسر المسيحية التي لديها قضايا أمام المحاكم وأمام المجلس الإكليركي للكنيسة القبطية، وأن حقوقهم ضائعة ما بين الكنيسة وما بين الدولة .
ويرى إسحق إبراهيم أن جذر المشكلة يرجع إلى نظرة القادة الدينين والقائمين على شئون الدولة، إلى أصحاب مشاكل اﻷحوال الشخصية بأنهم مصدر قلق وإزعاج وليس إلى كونهم مواطنين يسعون للحصول على حقوقهم الشخصية من زواج وطلاق .
تطرق إسحق إبراهيم إلى شكل عقد الزواج في المسيحية، فقال: إن عقد الزواج يتم على مرحلتين، عقد زواج كنسي يتم في الكنيسة وعقد زواج يتم تسجيله في الشهر العقاري، وأوكلت الدولة لرجال الدين توثيق عقد الزواج، والمجلس الإكليركي في الكنيسة هو المسئول عن الزواج، والطلاق والمشاكل المتعلقة به، وﻻ يوجد ﻻئحة ثابتة معلنة ومعروفة تحدد إطارًا زمنيًّا لنظر القضايا أمام المجلس، فنجد شخصًا يحصل على الطلاق بعد عام وشخص آخر ينتظر ﻷعوام.
تحدث بعد ذلك إسحق إبراهيم عن مشروع قانون اﻷحوال الشخصية الموحد الذي تقدمت به وزارة العدالة اﻻنتقالية لرؤساء الكنائس ويرى إن إقدام الدولة على هذه الخطوة بدون عرضه للنقاش المجتمعي ومع أصحاب المشاكل بمثابة اعتبار المسيحيين رعايا يتم التخاطب معهم من خلال الكنيسة. وأضاف بأن دور الكنيسة ورأيها مهمان، لكن هذا لا يغني عن دور وآراء أصحاب المشكلة والمعنيين بالقانون، وقد رفضت الكنيسة الزواج المدني الموجود بالقانون بالنسبة إلى الأقباط.
أما بيتر النجار فقد تحدث في البداية عن المشاكل التي تواجه اﻷقباط الراغبين في الطلاق، وقال: إن بند: ﻻ طلاق إلا لعلة الزنا، يزيد كل يوم من مشاكل اﻷقباط ، ﻷن المحاكم في مصر ﻻ تعرف إﻻ الزنا المنصوص عليه في الشريعة اﻹسلامية، والذي من المستحيل إثباته وهو وجود أربعة شهود يرون الفعل في ذاته، وحتى الزنا الحُكمي المعمول به في اللائحة الكنسية ﻻ تعترف به المحاكم.
ثم انتقل بعد ذلك إلى مشروع القانون الموحد للمسيحيين المقدم من وزارة العدالة اﻻنتقالية، وانتقد تسمية المشروع بالموحد ﻷن كل طائفة مسيحية لها طريقة تختلف عن اﻷخرى في الزواج، وانتقد بيتر إرسال القانون من وزارة العدالة اﻻنتقالية إلى الكنائس بدون حوار مجتمعي ﻷصحاب مشاكل اﻷحوال الشخصية، ﻷنهم هم المعنيون بتطبيق هذا القانون. وأضاف بأن القانون بصورته الحالية ﻻ يُحلُّ الحاﻻت السابقة لأصحاب مشاكل الزواج والطلاق. واقترح أن تضاف مادة انتقالية بخصوص أحقية تطبيق القانون على أصحاب المشاكل قبل صدور القانون. وأضاف بأن الكنائس الثلاث "اﻷرثوذكسية والكاثوليكية واﻹنجيلية"، كان بينها حوار على هذا القانون وقد وافقت الكنيسة اﻹنجيلية على الزواج المدني ورفضته الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية وطالبتا الدولة بإصدار القانون على صورته الحالية.
من جانبه قال القس رفعت فكري رئيس لجنة اﻹعلام والنشر في الكنيسة اﻹنجيلية: إن أصل الجدل يرجع إلى تأرجح الدولة المصرية بين دولة دينية ودولة مدنية، فالدستور المصري في الوقت الذي ينص فيه على قيم المواطنة نجد المادة الثانية من الدستور والمادة الثالثة من الدستور، حتى في المادة الواحدة، نجد هذا التأرجح، ففي المادة 64 التي تنص على أن حرية اﻻعتقاد مطلقة، نجد في نفس المادة، أن ممارسة الشعائر الدينية مقتصرة فقط على أصحاب اﻷديان السماوية.
تطرق بعد ذلك القس رفعت فكري ﻷسباب رفض الزواج المدني الذي نص عليه مشروع القانون الحالي، وقال: إن رفض الزواج المدني يرجع إلى سببين، السبب اﻷول هو عدم حسم الدولة موقفها: هل هي دولة دينية أم دولة مدنية ؟ فإذا كانت دولة مدنية فعليها أن تحسم ذلك أولاً في الدستور، ثم لا يصح أن تصدر الدولة قانونًا مدنيًّا، ثم تطلب من مؤسسة دينية الموافقة عليه. وقال إن السبب الثاني، هو: الكنيسة، وطالب القس رفعت بإعادة قراءة النص الديني ﻷن الشريعة المسيحية على حد قوله جاءت من أجل سعادة اﻹنسان .
من زاوية أخرى تحدث طارق رمضان، المستشار القانوني لحركة "الحق في الحياة "، عن تجربته في مسألة اﻻنسلاخ من الملة كحل لمعضلة الطلاق والزواج الثاني عند اﻷقباط اﻷرثوذكس. فقال: إن الدستور المصري يكفل حرية اﻻعتقاد، لذلك فعندما يخرج الشخص من الطائفة اﻷرثوذكسية، فهو غير مجبر على أن يلتحق بطائفة مسيحية أخرى، وأضاف: قمنا بالبحث عن سابقة قانونية لهذه المسألة فوجدنا أن الكنيسة اﻷرثوذكسية فصلت ملياديرًا مصريًّا ولم ينضم بعد ذلك إلى طائفة أخرى، واتضح أن السبب رغبته في رفع دعوى تطليق، وبالفعل حكمت له المحكمة بذلك تحت دعوى أنه بلا طائفة. قمنا على أثر ذلك بعمل إنذارات انسلاخٍ من الطائفة، للكنيسة اﻷرثوذكسية واكتشفنا أن عدد من تقدموا بصيغة إنذارات للانسلاخ من الملة يصل إلى آﻻف. وأضاف: بعد ذلك توجهنا إلى الشهر العقاري لتوثيق هذا اﻹقرار ورفعنا سبع دعاوي للتطليق أمام المحاكم وتم رفضهم جميعًا وكانت كل محكمة تعطي سببًا مختلفًا عن اﻵخر.
تحدث بعد ذلك طارق رمضان عن الزواج المدني والزواج الكنسي، وقال: إن مطالبة الكنيسة بزواج كنسي غير جائز من الناحية القانونية، ﻷن القانون الكنسي، تعريفه للزواج، هو أنه: رباط مقدس وأنه علاقة دينية بين الزوج والزوجة والروح القدس، والقانون غير معني بتنظيم العلاقات الدينية، هو معني بالعلاقات بين البشر، وأضاف بأن تقنين الزواج الكنسي هو ضرب للقاعدة القانونية ببطلان اﻻلتزامات المؤبدة والزواج في المسيحية التزام مؤبد.
وقال طارق رمضان: إن على الدولة إصدار قانون مدني للأحوال الشخصية لأن الزواج علاقة اجتماعية يمارسها كل البشر، ولكي تحل آلاف المشاكل المعلقة، ولأن هذه المحنة ينتج عنها مشاكل طائفية متكررة.