عن أزمة عمال "سيراميكا كليوباترا" وسعي الدولة لكسر العمال، مع من تتفاوضون؟
مثَّلت واقعة احتجاز 31 عاملًا من عمال شركة "سيراميكا كليوباترا بـ "العين السخنة"، في أحد المواقع التابعة للجيش بالسويس يوم الأحد الموافق 3 من مارس 2014 ـ لإجبارهم على التوقيع على استقالات مقابل تعويض الفصل- فاجعةً بالنسبة إلى الكثيرين.
هذه فاجعة تُنبئ بشكل واضح عن انحيازٍ أجهزة الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية لأصحاب الأعمال، ووقوفها في مواجهة العمال بدلا من حماية حقوقهم الدستورية. يأتي هذا ونذر تشكل حكومة جديدة تضم رموزًا ارتبطت بنظام "مبارك"، وتسليم بعض أصحاب الأعمال حقائب وزارية بها، تعود بنا لفترة سوداء من تاريخ مصر جرى فيها التزاوج بين السلطة ورأس المال.
الغريب في الأمر، أن يتم التخطيط لمسألة التخلص من العمال ـ بينهم 9 هم أعضاء مجلس إدارة النقابة بالكامل ـ وكأنهم يدخلون معركة حربية مستخدمين فيها كل الوسائل، وضاربين عرض الحائط بكل القوانين. فبداية من الخداع باستدعاء العمال إلى أحد مقرات الجيش بالسويس، بحجة التفاوض ـ وهو أمر لا يخص القوات المسلحة من قريب أو بعيد. ثم السعي لزرع الفرقة، وإبعادهم عن بعضهم البعض وممارسة الضغط على كلٍّ منهم على حدة، وكذلك منعهم من الاتصال بزملائهم في الشركة، ممن بدأوا اعتصامًا، تطور فيما بعد إلى إضراب عن العمل، على أثر علمهم بإجبار زملائهم على الاستقالة. جرى كذلك القبض على ابن وزوجة رئيس النقابة، ووالد عضو نقابة آخر، ووجه إلى بعضهم تهديد بالحبس استنادا لقضية قديمة ملفقة رفعها مالك المصنع رجل الأعمال محمد أبو العينين خلال الإضراب السابق، ادعى فيها ضد العمال بأنهم خطفوا الأجانب وقاموا بإرهاب المديرين، وهو ما رد عليه العمال في حينه. كل هذا في ظل تناسي العديد من القضايا التي رفعها العمال ضد أبو العينين. ولم يكن مستغربا بحال في ظل هذا الوضع المعادي لحقوق العمال، أن تتورط قيادات من المؤسسة العسكرية في إنكار حق كفله الدستور، وتقوم بتهديد العمال بتهمة "التحريض على الإضراب" عندما كانوا موقوفين لدى القوات المسلحة.
وإذا ابتعدنا قليلًا عن الواقعة الأخيرة، فسوف نرى الصورة بشكل أفضل: صورة مكثفة لصراع بين رأس المال، الممثلِ في رجل الأعمال أبو العينين، وبين العمال الملتفين حول نقابتهم المناضلة (هي نقابة تتبع بالمناسبة إحدى النقابات العامة لاتحاد العمال، ذلك الذي لم نسمع له صوتًا من بدء تداعي القضية!)
كان لسقوط مبارك أثر إيجابي في نفوس عمال سيراميكا كليوباترا، ممن شعروا خلال عصره بأنهم عبيد لدى أبو العينين، أحدِ أهم رجال الأعمال المقربين لابن مبارك والذي ظل يشغل منصبا قياديا في حزبه الوطني، جعله يستقوي عليهم ويحرمهم ببطشُه من المطالبة بأي من حقوقهم. ترجم العمال هذا الأثر الإيجابي إلى "فِعلٍ" عندما بدأوا في التحرك، وجاءت إضراباتهم كأحد أبرز المعالم للحركة الاحتجاجية المصرية في عامي 2011، 2012، إذ بلغت من القوة درجة دفعت عدد من مؤسسات الدولة إلى الهرولة لفضها، من ضمنها المؤسسة العسكرية التي لجأت لطلقات الرصاص واستخدمتها ضد العمال. وانتج صمود العمال وتفاوضهم اتفاقيات عمل جماعية، كانت المؤسسة العسكرية طرفًا فيها وقتها، لم ترق لأبو العينين الذي خرج ساعتها بتصريح غريب قال فيه إنه قد أُجبر على التوقيع.
وظلت النار مشتعلة ولم تخمد، إذ رفض أبو العنين تنفيذ اتفاقيات العمل الجماعية التي أُبرمت بينه وبين النقابة، وهي بمثابة عقد قانوني، وأعلن امتناعه عن صرف الأرباح والحوافز التي جرى الاتفاق عليها. فعلى سبيل المثال، بعدما تم صرف حق العمال في نسبة الأرباح عن سنة واحدة، توقف الصرف عن باقي الثلاث سنوات بحسب ما اشترطته الاتفاقيات. وعندما علا صوت العمال مطالبين بتطبيق الاتفاقية، لجأ أبو العينين إلى المحكمة لنقض هذه الاتفاقيات. وهي الدعوة المحجوزة للحكم في يوم 25 من مايو القادم.
يتبين لنا من هذا السرد عدد من ملامح إخلال الدولة بالتزاماتها تجاه العمال وحقوقهم الدستورية:
1- استخدام أجهزة الدولة بشكل مباشر لكسر التضامن العمالي، والضغط على القيادات، وتنظيماتهم النقابية، وإهدار حقوقهم لصالح أصحاب الأعمال.
2- العمل على التخلص من اللجنة النقابية للعمال، وهي الطرف الثاني في الدعوى التي سيُفصل فيها في مايو القادم، على نحو يؤدي إلى إهدار حقوق أكثر من 6 آلاف عامل.
3- الإخلال بالتزامات مصر الدولية وموجبات الاتفاقيات الدولية التي وقَّعت عليها مصر، رغم كل ما يقال من قِبَل هذه الحكومة وكل الحكومات السابقة عن تشجيع المفاوضة الجماعية للتوصل إلى حلول فيما يخص قضايا العمل في مصر.
يجئ تدخل قيادات المؤسسة العسكرية لصالح رجال الأعمال ضد العمال، تتويجا لتوجه ملؤه تعمد الحكومة تحطيم أدوات التنظيم الحقيقية للعمال عن عمد، في وقت تصر فيه على إبقاء نفس التنظيمات العتيقة التي رفضها العمال من قبل في الصدارة، والادعاء بتمثيلها للعمال. وهي التنظيمات التي سيطرت عليها طويلا، ودجنتها، وجعلتها سوط الحاكم (وأصحاب رأس المال) في وجه العمال ونقاباتهم المستقلة الناشئة خصوصًا المناضلة منها، التي كانت دائمًا في طليعة قيادة احتجاجاتهم من أجل مطالبهم. منذ اندلاع الثورة في 2011، وبدء حركة العمال في شركة "سيراميكاكليوباترا"، سعت الحكومات المتعاقبة إلى إغلاق كل مسارات التفاوض وطرق تعبير العمال عن مطالبهم، دون أن تخجل وهي تتباكي على "عجلة الإنتاج" المتوقفة، وتنكر على العمال ممارسة حقهم في الإضراب.
حالة عمال سيراميكا كيلو باترا في مواجهة رجل الأعمال أبو العينين ليست هي الحالة الوحيدة التي تم فيها عن قصد إبعاد القيادات النقابية عن المشهد في الشركات أو المصانع، فقد رأينا النهج ذاته خلال فصلَ نقابة عمال الوطنية للصلب المملوكة لساويرس بالكامل، ونقابيين من "فاركو" للأدوية، و "كارجل" للزيوت و "فرج الله" و "كابري" و "كابو" ...
وقد كانت الشكوى التي تقدم بها الاتحاد المصري للنقابات المستقلة لرئاسة مجلس الوزراء في 6 نوفمبر 2012، أحدَ الدلائل على ذلك. فقد ورد بها فصل 502 عاملًا من 40 موقعًا للعمل، في الفترة ما بين إزاحة مبارك وتقديم الشكوى حسب ما رصده الاتحاد وحده. الأمر الذي ينبئ بالتخلص من أضعاف هذا العدد. بالإضافة إلى المفصولين من أيام مبارك في أكثر من 20 موقعا.
كذلك الشكاوى التي تقدمت بها الاتحادات المستقلة إلى منظمة العمل الدولية في عامي 2012، 2013، التي احتوت بشكل أساسي على تعدي الدولة المصرية على حقوق العمال في التنظيم عن طريق الامتناع عن إصدار قانون الحريات النقابية، بينما سارعت إلى إصدار قوانين تجريم الإضراب والاعتصام والتظاهر. وكان الجزء الثالث من الشكوى هو تعرض الكثير من النقابيين للاضطهاد بسبب ممارسة نشاطهم النقابي. وهي الشكوى التي كان وزير القوى العاملة السابق كمال أبو عيطه أحدَ الموقعين عليها حينما كان يشغل منصب رئيس الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، والغريب أنه هو نفسه من خاطب الاتحادات المستقلة ـ عندما كان وزيرًا ـ للتنازل عن الشكوى متعللا بعدم موائمة "أوضاع البلد" للاستجابة لمطالب العمال، والادعاء الكاذب أمام الجهات الدولية بحل أسباب الشكوى.
ويبقى لدينا كلمة : إذا كنتم صادقين فيما تدَّعون من رغبتكم في حل المشكلات الخاصة بعلاقات العمل عبر التفاوض الجماعي، فهل لنا أ نسألكم : مع من ستتفاوضون، وقد قمتم بالسعي لكسر كل ممثلي العمال سواء كانوا نقابيين أو ممثلين اختارهم زملاؤهم بعيدًا عن أي تنظيم نقابي؟
للاطلاع علي الاتفاقية: اضغط هنا