هل تساهم مرافعات الديب ورفاقه في إدانة المخلوع والذئب والأعوان والنجلين؟
منذ 16 فبراير 2011 بدأت النيابة العامة التحقيقات في قضية المتظاهرين، وكانت الاتهامات موجهة للعادلى ورجاله، وبعد ذلك تم اتهام مبارك، وكانت القضيتين منفصلتين، إلا أن ضمهما المستشار أحمد رفعت.
ومنذ 15 أغسطس بدأ ت إجراءات المحاكمة الجدية، ولأن القضية محل اهتمام الشعب المصري فكانت الجلسات كحلقات المسلسلات المتصلة المنفصلة، بمعنى أن كلها في ذات الإطار، كل يوم موضوع مختلف، من فك الأحراز والاطلاع عليها، وترديد محاميي المتهمين بأنه ليس بها طلقات رصاص حي، على خلاف الحقيقة، فضلا عن مشاهدة الشرائط التي قدمتها المخابرات العامة، والتي جاءت منقطعة الصلة بموضوع القضية.
ثم جلسات سماع الشهود في أكثر الجلسات إثارة رغم أنهم أدلوا بها من قبل أمام النيابة، كما رأينا أعضاء النيابة العامة في قمتهم غضبهم مطالبين بمحاكمة أحد الشهود بتهمة الشهادة الزور في حين برأته المحكمة.
كما شهدنا جلسات سرية لأقوال وزراء سابقين وحاليين، ومنهم: رئيس المخابرات العامة السابق، ورئيس المجلس العسكري الحالي، وكان في استدعاء الأخير جدل وبلبلة، فهل يستجيب ويقف أمام المحكمة ليحلف اليمين ويجيب كأي مواطن عادى؟.
خاصة أنه قبيل مثوله طلب القضاء العسكري الأسئلة ليجيب عنها كتابيا هو والفريق عنان، وقد كان موقف المحكمة صارما، وحددت جلسة أخرى لسماع أقواله، وفى هذه الجلسة تقدم أحد المحامين بطلب لرد المحكمة، وهو ما ترتب عليه تعطيل المحاكمة لمدة ثلاثة أشهر.
وفى 28 ديسمبر 2011 بدأت الجلسات مرة أخرى بعد رفض طلب الرد وطلب المخاصمة، فسمعت كل طلبات دفاع المتهمين، وبعدها بدأت جلسات المرافعة، بمرافعة النيابة العامة التي سردت كيف جمعت أدلة إدانة المتهمين، وطبيعة العبء الملقى على عاتقها، وما هي الخطة القانونية التي اتبعتها لإدانة المتهمين؟.
وبعدها سمعنا دفاع الضحايا، وقد حصل دفاع المتهمين على نصيب الأسد في الوقت المخصص للمرافعة طوال شهر كامل، وسمعنا فيه العجب من دفاع المتهمين، وقد اتسمت جميعها بأنها مغلوطة أو مبتورة، وقد اشتركوا جميعا في نقطتين أولهما الإدعاء بعدم حيدة النيابة وإنها وقعت تحت ضغط الشارع لذلك حركت الدعوى ضد المتهمين الأبرياء وأخذت تسيج حولهم خيوط الاتهام، النقطة الثانية هى وجود طرف ثالث مسئول عن الأحداث وليس رجال الشرطة، ومن عبارات الدفاع الساخرة في هذا الموضوع "ليه نسميه طرف ثالث مش أبو رجل مسلوخة"!.
محامى مبارك كان صاحب المفاجآت والمتناقضات، مرة يقرر أن مبارك مايزال-فنيا- ضابطا برتبة فريق، و بعدها يقرر أنه مازال رئيس جمهورية، ينفى التهمة عن مبارك، ويدافع في ذات الوقت عن العادلى بأنه مرؤوس ائتمر بأمر رئيسه ومن ثم ففعله لا يعد جريمة، اى يدين مبارك!.
وتارة يلقى بالمسئولية على القوات المسلحة عن أى وقائع قتل للمتظاهرين حدثت بعد نزولهم الشارع يوم 28 يناير 2011، وبعدها يتحدث عن الطرف الثالث!.
وفى الحديث عن موضوع الغاز طرح محامي المخلوع مفاجـأة من الطراز المثير للضحك حين قال إن حسين سالم رجل المخابرات المصري في إسرائيل وعمر سليمان لم يقل ذلك لأنه رجل مخابرات لا يفشى أسرارها.
وقد حاول دفاع العادلى محاكاة هذا الأسلوب وتفجير مفاجآت بغرض خلق صخب اعلامى رغم عدم معقوليتها، فقرر، مثلا، أن العادلى قطع الاتصالات لان احد العاملين في شركة موبينل للاتصالات متهم بالجاسوسية مع إسرائيل، كما أن الشركة أقامت أبراج لتقوية الشبكات على الحدود مع إسرائيل.
ليس هذا فحسب بل اتهم السفارة الأمريكية بأن سياراتها هي التي دهست المتظاهرين، ولا يمكن سرقة هذه السيارات لأن مفاتيحها ذات أكواد خاصة، وقد دفع هذا السفارة الأمريكية لإصدار بيان تنفى فيه هذا الادعاء، وقام دفاع العادلى بعرض سى دى ليثبت أن المتظاهرين هم من اعتدوا على الشرطة، وأنهم كانوا في حالة دفاع شرعي عن أنفسهم، إلا إن السى دى أصبح دليل إدانة وليس براءة فقد اثبت وجود الشرطة بالشوارع والميادين بعد الساعة الرابعة عصر يوم الجمعة 28 يناير2011.
أما دفاع أحمد رمزي قائد قوات الأمن المركزي كانت مهمته شاقة وعسيرة فالدلائل ضد أحمد رمزي متناثرة بين الأوراق، وقد تولى الدفاع عنه عدة محامين كل منهم قرر دفوعا تتناقض مع الآخر، احدهم قرر أن قوات الأمن المركزي لا تتسلح بالخرطوش، ولا يمكن استعمال سيارات إسعاف لإدخال الأسلحة، وتمسك بأن الشرطة ليست بالغباء لدرجة أن تدخل سيارة إسعاف وعليها أرقام شرطة، في حين لم ينكر أحد أفراد دفاعه أن قوات الأمن المركزي تتسلح بالخرطوش، وانه تم توصيل السلاح بسيارات الإسعاف ليدلل بذلك على أن الشرطة كانت تؤدى واجبها إلا أن المتظاهرين تعدوا عليها وأصبحت في موقف الضعيف بعد حرق سياراتها ومعداتها، لدرجة لجوؤها لسيارات الإسعاف كحيلة تفلت بها من اعتداء المتظاهرين.
وأما دفاع عدلى فايد مدير الأمن العام فقد جادل بأن تعليماته كانت تنص على ضرورة ضبط النفس وان اختصاصه اشرافى وليس ميداني، واخذوا يدللون على ذلك، إلا أن أقوال حبيب العادلى أمام النيابة أفادت بأن تعليماته لمديري الأمن في المحافظات كانت تصل إليهم من خلال عدلى فايد، والعديد من الشهود قرروا وجود أفراد من الأمن العام في فض التظاهرات.
في حين شتت دفاع حسن عبد الرحمن مدير مباحث أمن الدولة التهمة بتمسكه بوجود جهات أخرى عملها جمع المعلومات ولم يتم مساءلتها، كالمخابرات العامة والمخابرات الحربية، و المباحث الجنائية، وقرر أن النيابة أرسلت تطلب معلومات من الأمن القومي وهو جهة غير مختصة وكان عليها مخاطبة المخابرات، مع أن الأمن القومي هيئة تابعة للمخابرات العامة، خلافا لما شهد به العديد من وجود ضباط تابعين لجهاز أمن الدولة مع القوات التي تفض التظاهرات وأن المجموعات القتالية التي انتشرت هي من قوات مكافحة الإرهاب التابعة لأمن الدولة.
دفاع إسماعيل الشاعر مساعد العادلي كانت مهمته عسيرة، فهو وفقا للقواعد والقرارات القائد الميداني المسئول، اى أن أمر إطلاق النار ينسب إليه لأنه من يملك تحريك القوات، وهو ما تمسك به احمد رمزي ليلقى المسئولية عليه، وقد دار الجدل حول اشتراك قوات الأمن التابعة لمديريات الأمن في فض التظاهرات وليس الأمن المركزي فقط، لذلك حاول دفاع الشاعر أن ينفى اشتراك القوات بمديرية الأمن.
أما دفاع اللواء أسامة المراسي مدير أمن الجيزة السابق ومساعد الوزير لشؤون التدريب حاليا، فقد أراد أن يستعرض بطولة موكله، الذي لم يطله اتهام قتل المتظاهرين (متهم بصورة عابرة بإتلاف ممتلكات الدولة) فعرض سى دى أمام المحكمة، كان دليلا على وجود الشرطة حتى يوم 31 يناير 2011 في الشوارع والميادين، أي دليل إدانة ضد الآخرين، وهو ما لم يفوته المحامى العام مصطفى خاطر وطلب إثبات ذلك!.
وكم من مرة تطالب النيابة التعليق وفي حين ترجيء المحكمة ذلك لحين انتهاء دفاع المتهمين، وأخيرا وقفت النيابة العامة ترد على معظم دفوع المتهمين ذات الجدوى، وتسخر بطريقة غير مباشرة من “ضعفهم” القانوني. وأكد مصطفى سليمان المحامى العام الأول أن النيابة بذلت جهدا فوق العادي لتصل بهذه القضية إلى ساحة المحكمة، و هو ما دفع المحكمة أن تتحدث هي الأخرى عن المعاناة التي عاشتها منذ توليها مهمة الفصل في القضية وبسماع تعقيب محاميي المتهمين تنتهي المرافعة في القضية وتحجز للحكم، ويتم إغلاق هذا الملف بعد إثارته لمدة عام كامل منذ بداية التحقيق في قضية قتل المتظاهرين.
ومجريات المحاكمة تجعلنا نتوقع صدور حكم بالا دانه وكم أرغب أنا وغيري في سماع دفاع المتهمين عن أنفسهم، ومواجهة هذا الشعب، قبل غلق هذا الملف بصدور حكم أيا كان.
* نشر هذا المقال في جريدة التحرير 21 فبراير 2012.