تحركات محامى المتهمين تستدرج القضية من تفاصيلها الجنائية إلى مساحة سياسية تبرئ مبارك ورجاله
بعد 92 يوما عادت جلسات محاكمة مبارك والعادلى وقيادات الداخلية إلى الانعقاد فى خضم أحداث دموية متتالية غلفت طابع الأسابيع الماضية، وجاءت جلسة الثامن والعشرين من ديسمبر هادئة نسبيا، بخلاف المتوقع، إلا أنها حملت تكتيكا جديدا من جانب دفاع مبارك وأعوانه، حاول الاستفادة من أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء لتحسين موقف موكليه.
وبالتوازى خابت توقعات عديد من المحامين فى سماع قرار القاضى بتحديد جلسة لسماع أقوال اللواء سامى عنان رئيس الأركان، استكمالا لسماع أقوال الشهود، فإذا به لا يتطرق إلى الأمر بالمرة. وإذا بمحامى مبارك تتركز مطالبه على أوراق تتعلق بالفيلات الأربع بشرم الشيخ ولم يتطرق إلى قتل المتظاهرين.
إلا أن المثير هو سلوك دفاع العادلى والشاعر الذى حاول الاستفادة مما مرت به البلاد فى الآونة الأخيرة لصالح المتهمين، فقد أبدى المحامون طلبات جديدة تخص أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء، وماسبيرو، سواء تحريات الداخلية أو صور التحقيقات.
حيث زعم محامى إسماعيل الشاعر أن الأسلحة التى استخدمت فى قتل المتظاهرين فى محمد محمود هى أسلحة من طراز عوزى «ماركة إسرائيلية»، وتطرق للأخبار التى تتداولها الصحف يوميا عن جلب أسلحة إلى مصر وسرقة أسلحة من سيناء والقيام بأعمال غير مشروعة داخل البلاد والمتهم فيها 3 إسرائيليين وأوكرانى، فضلا عن الحملات الأمنية على الشقق المفروشة التى أسفرت عن القبض على أجانب، كما تطرق لمزاعم تلقى تمويل أجنبى من جانب مئة جمعية وحزب وشخص من بعض الدول لإثارة البلبلة والانفلات الأمنى وتأجيج الإضرابات والمظاهرات.
بالإضافة إلى العديد من الطلبات الأخرى من وزارة الداخلية حول عدد المتوفين والمصابين من رجال الشرطة فى يناير وكذلك سيارات المطافئ التى تم حرقها فى أثناء الثورة، بالإضافة إلى عدد معسكرات الأمن المركزى التى تم الاعتداء عليها بالقاهرة، وعمليات الاستيلاء على الأسلحة والاعتداء على الضباط والسيارات الشرطية، والأسلحة والملابس الشرطية التى سرقت منذ يوم 28 يناير، وحجم الأسلحة والذخيرة المضبوطة وعدد قضايا الإرهاب منذ عام 1997 وحتى 2010. والمتوقع أن طلبات محامىِّ المتهمين تسير فى محاور ثلاثة لها نقطة نهاية واحدة، أولها: وقوع أحداث قتل وإصابة للمتظاهرين (ماسبيرو، محمد محمود، مجلس الوزراء) دون توجيه اتهامات لأى من القيادات بإصدار قرارات بقتل المتظاهرين، مما يعنى أن من قام بإطلاق النيران كان يقوم بعمله بقتل المتظاهرين، وفقا للقانون، لا وفقا لأوامر، وهو الأمر الذى يريد المحامون الخروج به لينطبق على قضية مبارك والعادلى لتبرئتهم من الاتهامات بقتل المتظاهرين.
وثانيها: لتثبيت وقوع اعتداءات على رجال الشرطة وسرقة وإتلاف أسلحتهم ومعداتهم، للقول بأنهم مجنى عليهم، أو أن من قام بالاعتداء عليهم وسرقتهم هو الطرف الثالث الذى قام بقتل وإصابة المتظاهرين فى ما حدث فى يناير الماضى أيضا.
أما المحور الثالث للطلبات فهو يغذى ويعزز فكرة أن ما حدث وما يحدث نتيجة لأجندات أجنبية تنفذها منظمات تعمل فى مصر، أو قام بها أجانب فى مصر.
الأمر الذى يستدرج القضية من تفاصيلها الجنائية الدقيقة، إلى مساحة سياسية أرحب، تبرئ مبارك ورجاله ولا تدينهم، رغم مثولهم فى القفص على أثر ثورة جارفة!
فالسؤال الذى يطرح نفسه بداهة فى هذه الحالة: لماذا يحاكم مبارك والعادلى ورجاله عن قتل المتظاهرين، فى حين لم يحاسب المشير ورجاله عن قتل المتظاهرين؟
ربما يعتد القاضى بهذا كله كقرينة فى محاولاتهم إثباته أو قياسه على وقائع القضية، إلا أنه -من ناحية أخرى- للقاضى الجنائى حرية تكوين عقيدته، وفق ما تطمئن إليه «عقيدة المحكمة»، فضلا عن اختلاف الظروف والملابسات الخاصة بكل قضية على حدة، والتى تختلف عن نظيرتها، رغم أى تماثل ظاهرى.
من ناحيته ألمح المستشار أحمد رفعت نصا إلى «أن فترة المئة يوم التى توقفت فيها المحكمة عن العمل كانت فرصة سانحة للقراءة المتأنية للقضية». والتفت رفعت إلى عدد من طلبات المحامين وهى الطلبات الخاصة بأحداث محمد محمود، ومجلس الوزراء، وماسبيرو، وكذلك قضايا التمويل الأجنبى، واستجاب للطلبات المتعلقة بالأسلحة والمعدات والسيارات والملابس العسكرية، وكلف النيابة العامة بمخاطبة الإذاعة والتليفزيون للوقوف -من الخبراء الفنيين- على ما إذا كان يمكن استرجاع ما تم تسجيله على الأشرطة فترة أحداث يناير، ربما ليفهم -ويأمل- البعض بطريقة غير مباشرة أن أحداث أكتوبر ونوفمبر وديسمبر لا تصلح للقياس بها على أحداث يناير.
* نشر هذا المقال في جريدة التحرير 30 ديسمبر 2011.