قراءة في منطق ال 500 جنيها التي سيدفعها من يتخلف عن الإدلاء بصوته الانتخابي: أليس تأمين الناخب أجدى من تغريمه؟
قبل انتخابات مجلس الشعب 2005، قامت السلطة التشريعية آنذاك بإصدار القانون 173 لسنة 2005بعد مروره بكافة المراحل التشريعية ليعمل به اعتبار من 3/7/2005 لتعديل قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956 بتشديد العقوبات على بعض الجرائم المتعلقة بالعملية الانتخابية.
الهدف من تشديد العقوبات هى ردع المواطنين وترهيبهم من القيام بأى من هذه الجرائم حتى تتم العملية الانتخابية بنزاهة وشفافية، وظل هذا التعديل معمولا به حتى فى انتخابات 2010، إلا أنه لا يخفى على أحد كم الجرائم المتعلقة بالعملية الانتخابية التي حدثت وكيفية ارتكابها بأبشع الطرق، وما جرى في 2005 ، لا يقارن بكم المهازل التي وقعت في 2010.
فقد تبين للكافة مسئولين ومواطنين أن أسلوب تشديد العقوبات لا يحقق هدفه الرادع ويحول دون ارتكاب الجرائم، إلا أن المجلس العسكري أصر على اتباع ذات النمط الذي ثبت فشله الذريع وأصدر خلال هذه الأيام المرسوم بقانون رقم 124 لسنة 2011بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية لتشديد العقوبات السالبة للحرية المقررة لبعض الجرائم الانتخابية.
النتائج الانتخابية السابقة أظهرت عدد من شارك فعليا في العملية الانتخابية، والذي لم يتجاوز ثلث من لهم حق التصويت، رغم وجود نص عقابي بتوقيع غرامة على كل من تخلف عن الإدلاء بصوته دون عذر مبرر،بنص المادة 40 من قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي يعد سلبا لحق المواطن في الامتناع عن الإدلاء بصوته إذا كانت هذه إراداته، قد وضع منذ عام 1956 لتحفيز المواطنين على المشاركة السياسية خاصة بعد تحول مصر من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري.
إلا انه لم يحقق هذا الهدف، فالتحفيز على المشاركة السياسية بنشر الوعي بأهمية المشاركة، ولا يكون بفرض عقوبة يصعب تطبيقها، فلابد من حصر كافة الأسماء التي تخلفت عن الإدلاء بصوتها ممن لهم حق التصويت وتحرير مخالفات ضدهم بما يعنى تحرير مخالفات ضد ملايين المصريين، فكم تحتاج هذه العملية إلى وقت وجهد وموظفين وأوراق و..........ما يكلف الدولة الكثير والكثير من المال، ما يتجاوز قيمة الغرامة بعد زيادتها بموجب التعديل من مائة جنيه إلى خمسمائة جنيه.
النصوص العقابية الأخرى الواردة بقانون مباشرة الحقوق السياسية والتي يرجع أصلها التاريخي إلى عام 1913والمعدلة مؤخرا بموجب المرسوم بالقانون الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 124 لسنة 2011 بتشديد العقوبات بإقرار عقوبة السجن بدلا من الحبس، أو رفع الحد الأدنى لعقوبة الحبس، نادرا ما تم استخدامها في التطبيق العملي ضد أى من مرتكبي الجرائم الانتخابية رغم ما تم رصده أثناء الانتخابات السابقة من وقوع العديد من هذه الجرائم كالتعدي على رئيس أو أعضاء لجنة الانتخاب، أو إتلاف الوسائل المستخدمة أو المعدة للاستخدام في العملية الانتخابية، أو اختلاس أو إخفاء قواعد بيانات الناخبين، أو قيد أسماء أو حذفها من قاعدة بيانات الناخبين على خلاف أحكام القانون فكم عدد المتوفين الذين استخرجت لهم بطاقات انتخابية لاستخدمها لصالح مرشح معين!.
كذلك فقد ظهر بشدة في الانتخابات الأخيرة استعمال القوة والتهديد والتي كانت أحيانا عن طريق السلاح لعدم تمكين الأشخاص من الإدلاء بأصواتهم وفق إراداتهم، وانتشار الحصول على منفعة أو مصلحة معينة كثمن للصوت الانتخابي، وتشويه سمعة المرشحين لأغراض انتخابية، أو خطف أو إتلاف الصندوق المحتوي على بطاقات الانتخاب أو العبث به، علما بأن مجرد الشروع في هذه الجرائم يعاقب عليها بالعقوبات المقررة للجريمة التامة وفقا لنصوص قانون مباشرة الحقوق السياسية.
فضلا عن المادة 50 مكرر والتي حظرت الدعاية الانتخابية القائمة على استخدام الشعارات الدينية أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل، مع ذلك لم تأت العقوبة المقررة لخرق هذا الحظر مشددة كغيرها من الأفعال المجرمة المرتبطة بالعملية الانتخابية حيث العقوبة المقررة لها الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة الآف جنيه، وهو ما يشيرالى رؤية واضعي النص الجديد عدم خطورة هذه الجريمة، فما الداعي إلى التجريم إذن لو كان الأمر كذلك؟ ولماذا لم يتبع واضعو النص ذات النمط في تشديد العقوبات لو اعتقدوا في خطورة الفعل والتي بناء عليها تم إقرار هذا النص؟.
والمادة 50 مكرر " أ " التي خرجت عن القواعد العامة في قانون الإجراءات الجنائية ومنحت النيابة العامة سلطة واسعة في حبس المتهم احتياطيا حال ارتكابه أى من هذه الجرائم الانتخابية حتى إحالته للمحكمة الجنائية، وسلب هذه السلطة من القضاء الذي يتولى تجديد حبس المتهم بعد استنفاذ النيابة العامة المدة التي قررها القانون إلى أن تتم إحالته للمحكمة الجنائية.
كما جاءت المادة 48 الفقرة الخامسة بحكم جديد يجرم القيام بأي فعل خاص بالطباعة أو تداول بطاقات إبداء الرأي أو الأوراق المستخدمة في العملية الانتخابية دون إذن السلطة المختصة ومعاقبة المرشح المستفيد من هذه الأفعال حال علمه وموافقته عليها، كنوع من تأكيد هيمنة السلطة المختصة على العملية الانتخابية.
وقد أثبتت الانتخابات السابقة لثورة 25 يناير 2011 اعتقاد المواطن العادي تواطؤ الأمن مع العديد من المرشحين التابعين للنظام الحاكم للتغاضي عما يقوم به أتباعهم من جرائم انتخابية لضمان فوزهم أو عرقلة منافسيهم، بل وصل الأمر إلى الاعتقاد في قيام الأمن ذاته بهذه الجرائم، وهو ما رصدته العديد من التقارير الصحفية والحقوقية.
ورغم أن التوقعات للانتخابات القادمة مختلفة عن سابقاتها فلا يوجد النظام الحاكم المسيطر من قبل مما يتيح الفرصة لآخرين، إلا أن غياب الأمن أو على الأقل عدم تواجده بشكل جيد يعطى الفرصة والمناخ لحدوث فوضى أثناء العملية الانتخابية وارتكاب العديد من الجرائم الانتخابية، ورغم تشديد العقوبات ، فلم تعلن اللجنة العليا للانتخابات خطتها في تأمين ومراقبة الانتخابات حتى الآن لتطمئن الجماهير إلى وجود القائمين على تنفيذ القانون لمنع وقوع هذه الجرائم الانتخابية أو ضبط الجناة مرتكبي هذه الجرائم حال ارتكابها، خاصة في ظل الظروف الأمنية غير المستقرة التي تمر بها البلاد لأسباب عدة وأهمها عدم تواجد قطاع الشرطة بالشكل الذي ينبغي أن يكون.
إذن ما الحاجة إلى تشديد العقوبة، فمن باب أولى نشر الوعي بين المواطنين بحقوقهم السياسية والمدنية، وتأمين العملية الانتخابية في كافة مراحلها سوء عند تقديم أوراق الترشيح، أو في فترة الدعاية الانتخابية، التصويت، الفرز وتجميع النتائج وإعلانها، فكل مرحلة من هذه المراحل تحتاج إلى جهد أمنى غير عادى، ولا أعلم كيف يتم معاقبة المواطن الذي يتخلف عن الإدلاء بصوته بغرامة 500 جنيها حينما يكون سبب امتناعه الخوف على حياته أو جسده من أى هجوم أو إيذاء جسدي يتعرض له عند مقر اللجان فالثقة بالقدرة على تأمين العملية الانتخابية ومراقبتها بما يضمن سلامة المواطنين وإجراء انتخابات نزيهة، أكبر ضمانة لنجاح العملية الانتخابية دون الحاجة إلى تشديد العقوبات.